الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما لخص من الحوادث
الخليفه الامام المستعصم بالله امير المومنين الى ان اخدوا (2) التتار فى هده السنه بغداد وقتلوه، وهلكت الاسلام-فلا حول ولا قوه الا بالله العلى العظيم- فى تاريخ ما ياتى ذكره انشاء الله تعالى. وصاحب الموصل والجزيره وديار بكر الملك الرحيم بدر الدين لولو. وصاحب ميافارقين وراس العين واعمالهما شهاب الدين غازى.
وصاحب حلب مع الشام بأسره الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن العزيز.
(30)
وصاحب مصر الملك المنصور نور الدين على بن الملك المعز عز الدين أيبك. وصاحب اليمن الملك المظفر شمس الدين بن رسول المقدم ذكره. وصاحب الهند السلطان غياث الدين محمد بن ايتامش عتيق الغورى. وصاحب المغرب ابو يعقوب ابن عبد المومن بن على المقدم ذكره.
ذكر اخذ التتار لبغداد وقتل الخليفه
قال ابن واصل صاحب تاريخ بغداد (12): حكى العدل الامير جمال الدين ابو المنصور سليمان ابن العدل فخر الدين ابو القسم عبد الله ابن العدل (13) امين الدين ابو الحسن على البغدادى فى مستهل سنه ثمان وتسعين وستماية، قال: اخذت بغداد فى المحرم سنه ست وخمسين وستمايه، واستولى هلاوون وعساكر التتار بتدبير الوزير مويد الدين بن العلقمى لعنه الله. قلت: الأولى ان يكون اسمه خاين الدين.
وكان اول قدومهم قد طلع عسكر بغداد فى دون العشره الاف، فكسروهم (17) التتار، وكان جيش التتار فى مايتى الف فارس من المغل. فلما رجعت (18) المسلمين منهزمين
(2) اخدوا: أخذ
(12)
صاحب تاريخ بغداد: كذا فى الأصل
(13)
ابن العدل: بن العدل--ابو القسم: أبى القاسم--ابن العدل: بن العدل--ابو الحسن: أبى الحسن
(17)
فكسروهم: فكسرهم
(18)
رجعت المسلمين: رجع المسلمون
تقدّموا (1) التتار ونفذوا يطلبون الخليفه. قال العدل جمال الدين: فطلع اليهم ومعه القضاه والفقها والمدرسين (2) ومشايخ الرباطات والصوفيه فى نحو من سبع مايه فارس.
فلما وصلوا الى مكان يقال له الخربه جاات (3) رسل هلاوون، وهو يقول ليحضر الخليفه فى سبع عشر نفر. فاختار الخليفه سبعه عشر نفر (4). قال العدل جمال الدين: حكى لى والدى رحمه الله، قال: كنت فى الجمله، فمسك رسول التتار بيدى، وقال هدا تكمله العده، وساق بى مع الخليفه. وامّا الباقى فانهم انزلوهم هناك عن دوابهم، وعروهم قماشهم، (31) وضربوا ارقاب (7) الجميع. ودخلت المغل بغداد ورموا السيف فيها، وعاد القتل يعمل فيها مده اربعين يوما الى ان عاد الدم فى ازقتها مثل كبود الابل.
وامّا الخليفه ومن كان معه فانزلوهم فى مكان واحد، لكن افردوا للخليفه خيمه صغيره الى جانب الخيمه التى فيها رفقته.
قال العدل جمال الدين: حكى لى والدى، قال: كان ياتينا الخليفه كل ليله الى الخيمه التى نحن فيها، فيقول: ادعوا لى، فندعوا له. فلما اراد الله عز وجل نفاد قضايه وقدره، اتفق ان الخليفه جالس فى خيمته بعد صلاه الظهر، وادا بطاير ابيض قد سقط على الخيمه التى فيها الخليفه، فاقام ساعه ثم حلق طايرا. ففى تلك الساعه بعث اليه هلاوون واحضره، وقال له وهو قايم بين يديه ويكلمه من اربع (15) حجاب على لسان الترجمان:«ما هدا الطاير الدى اتاك» ؟ فقال: «طاير سقطه على الخيمه ثم طار» . قال: «فما الدى قال لك، وما الدى قلت له؟» فقال الخليفه: «وهل يتكلم الطاير؟» فقال له: «لا بد ان تقر بالصحيح، ومن اين أتاك، وماذا قال لك، وما الدى قلت له؟» . وجرا (18) فى دلك
(1) تقدموا: تقدم--ونفدوا: ونفذوا
(2)
والمدرسين: والمدرسون
(3)
جاات: جاءت
(4)
سبع عشر نفر: سبعة عشر نفرا--نفر: نفرا
(7)
ارقاب: رقاب
(15)
اربع: أربعة
(18)
وجرا: وجرى
كلام كثير ومحاورات كثيره من جملتها: «انكم أهل سحر وهدا الطاير جاك (1) رسول من بعض اعوانك» . ثم جرا (2) مع ولده ابو بكر كلام كثير مما يشابه هدا الكلام. ثم امر بهما، فاخرجا الى ظاهر العسكر، فوضعا فى غرارتين، وشدوا عليهما ولم يزالا يرفسا (4) بالارجل حتى ماتا، رحمهما الله تعالى. ثم امر ان يطلق السبعه عشر نفر الدين كانوا معه، واعطوهم نشابه. قال العدل جمال الدين، قال والدى: فدخلنا بغداد بعد ما قتل منا اثنين اخر (6)، وعدنا خمس عشر نفر. واتينا نطلب منازلنا واهالينا، فوجدناها خراب (7)(32) بلاقع بغير انيس ولا مخبر.
قال العدل جمال الدين: ومع تقدير الله تعالى ان الامر كان قد مشى مع هلاوون، واتفق الحال بينه وبين الخليفه ان يكون للتتار نصف البلاد وللخليفه نصف البلاد.
ولم تبق غير المعاقده على دلك، لكن الوزير-قاتله الله-اجتهد على قتل الخليفه كل الاجتهاد، وقال:«هدا ما يصلح لصالحه، اقتلوه، والاّ ما يستقيم لكم حال، ويكاتب عليكم ساير ملوك الاسلام، وياتيكم بما لا قبل لكم به» ، فقتلوه حسبما تقدم. ثم انهم اقروا الوزير الملعون على وزارته قليلا، ثم مسكوه وعدبوه انواع العداب، وتوفى فى اخر هده السنه هو واولاده واهل بيته وساير اعوانه وشياطينه، ونقلهم الله من عذاب الدنيا الى عذاب الآخره مع فرعون وهامان وقارون. فنسال الله تعالى ان يقينا فى الدنيا ولا يجزينا (16) فى الآخره انه بالاجابه جدير {وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .
[وفيها توفى الملك الناصر يوم السبت السادس والعشرين من جمادى الاول سنه ست وخمسين وستمايه. وهو الناصر داود الدى كان صاحب الكرك بعد ما مرت عليه اهوال وغرايب من انواع البلايا من الغربه والهجاج من مكان الى مكان (17). وتردد الى
(1) جاك: جاءك--رسول: رسولا
(2)
جرا: جرى--ابو بكر: أبى بكر
(4)
يرفسا: يرفسان--نفر: نفرا
(6)
اثنين اخر: اثنان آخران--خمس عشر نفر: خمسة عشر نفرا
(7)
خراب: خرابا
(16)
يجزينا: يخزينا--القرآن 64:1 و 67:1
(17)
ما بين الحاصرتين مذكور بالهامش--الاول: الاولى