الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر تغلب الملك العادل زين الدين كتبغا المنصورى على الملك
لما كان يوم الخميس ثالث عشر المحرم من هده السنه ركب زين الدين كتبغا فى دست الملك، ولقب نفسه بالملك العادل. فكان كما قيل:
يا ظالما لقب بالعادل
…
وناقصا لقب بالكامل
هدا والدهر يضحك من غروره، ويضمر له بخلاف ما فى ضميره، وينطق له بلسان الحال: دع ما قد زيّنته لك نفسك من المحال، فان لهدا الامر اهل وآل، وبهم يكون تدبير الاحوال. لكن بعد أن تكون فى ايامك اهوال، ليعلم الدانى والقاصى والطايع والعاصى، انها كعوب ونواصى. وكانت ايام (8) مقدره، وامور مسطره، اراد الله تعالى (313) ان تنقضى تلك الايام فى غير ايام سيد ملوك الأنام.
فكان الامر كما قيل <من الطويل>:
فلّله أيام تجور وإنّما
…
تجود ولكن بعد فت المراير
وكان كتبغا فى كل وقت يقول لمولانا السلطان-عز نصره-بعد تغلبه على الامر: «انا مملوكك، ومملوك ابوك واخوك (13)، وانت صاحب الملك. فلا تخف منى، فانما انا احفظه لك حتى تكبر وتدبر ملكك وتعرف احوالك» . هكدا سمعت من الامير سيف الدين بهادر الحموى راس نوبه الجمداريه (15).
وفيها كانت الوقعه العظيمه بين التتار وخلفهم على بيدوا (16)[ابن هلاوون] وغازان محمود بن ارغون بن ابغا ابن (17) هلاوون. وقتل بينهم عالم عظيم، حسبما ياتى من دكر دلك.
(8) ايام: أياما--وامور: وأمورا
(13)
ابوك واخوك: أبيك وأخيك
(15)
الجمداريه: فى الأصل «الجمداره»
(16)
يبدوا: بيدو--ما بين الحاصرتين مكتوب بالهامش--ابن: بن
(17)
ابن: بن
وفيها طلع النيل المبارك سته عشر دراعا حسبما دكرنا، ثم انه هبط من ليلته، ولم يثبت ولا عاد، ووقع الغلا على ما ندكره انشاء الله.
وفيها مسك كتبغا-الملقب بالعادل-الامير عز الدين ايبك الخزندار من نيابه طرابلس واعتقله ببرج الساقيه، وافرج عن عز الدين ايبك الموصلى وولاه طرابلس.
فمن نكت التاريخ ان الملك العادل كتبغا مسك عز الدين ايبك (5) الموصلى اولا واعتقله ببرج الساقيه، فاقام ثلثه وتسعين يوم (6)، واخرجه الى طرابلس، ومسك عز الدين ايبك الخزندار، من طرابلس واعتقله ببرج الساقيه، فاقام ثلثه وتسعين يوم (7) نظير المده التى كانت لايبك الموصلى. وهدا ايبك الموصلى وهدا ايبك الخزندار، والولايه واحده، ومده السجن لهما واحده.
وفيها توفى الملك المظفر شمس الدين يوسف ابن (10) الملك المنصور، صاحب اليمن.
وتولى ملك اليمن الملك المويد هزبر الدين داود بن الملك المظفر شمس الدين يوسف ابن (11) الملك المنصور نور الدين عمر (314) بن على بن رسول بعد اخيه الملك الاشرف.
ذكر ما جرا (13) بين ملوك اليمن
ودلك انه لما توفى الملك المظفر مسموما-وكان له جاريتان يحبهما فتغايرا (14) عليه فسماه (15) فتوفى الى رحمة الله تعالى-واقام يومين، فاتوا الخدام الى نايب السلطنه بقلعه عرقا، وعرفوه الامر وقالوا له:«تنفد خلف احد من اخوته حتى يتولى الملك» .
فقال: «ليس هدا برايى، لان اخوته كل منهما بيننا وبينه خمسه ايام، ويجى
(5) ايبك: الاسم مكتوب فوق السطر
(6)
يوم: يوما
(7)
يوم: يوما
(10)
ابن: بن--المنصور: فى الأصل «المسعود» ، والاسم مصحح بالهامش
(11)
ابن: بن
(13)
جرا: جرى
(14)
فتغايرا: فتغايرتا
(15)
فسماه: فسمتاه--فاتوا: فأتى
فى مثلها، هدا إن حملونى على الصدق فى دلك، والاّ يظنوا (1) انها مكيده من اخيهم.
والمويّد فى الاعتقال، والمصلحه ان نخرجه ونوليه الملك قبل ان يشيع الخبر، ويعلموا (2) الزيديه فيثوروا علينا، فنتعب بهم ونحن بغير ملك». فقالوا:«كيف نولى عدونا علينا؟» فقال: «انا احلّفه لكم، وضمانه علىّ بكل ما تريدون منه» . فوافقوه على دلك. ثم انه اجتمع بالشمسيه عمّه الاشرف والمويّد، وهى المشار اليها من زمان اخيها المظفر، فوافقت ايضا على دلك. فاتى النايب من ساعته الى باب الجب، وطلب طلوع المويّد اليه، وقال:«تطلع تحلف لنا وتعطينا الأمان لجميع الحاشيه» . فخاف المويّد وقال: «انما تريدوا (8) قتلى» . فحلف له النايب على دلك، فطلع واعتنقه النايب، وقبل يده، واستحلفه لجميع الحاشيه ولساير حاشيه اخيه الاشرف. ودخل الى الدار التى فيها المظفر، فوجده ميتا وقد انتفخ. فامر بتغسيله وتكفينه.
فلما كان وقت السحر زفّت حراس القلعه على جارى عادتهم، وصبحوا للملك المويّد ورحّموا على المظفر، فسمعوا (12) الناس، فضجوا بالبكا، وكانوا يحبونه. وفى دلك اليوم حضر الوزير والامرا وحلفوا للمويّد. وسيروا نسخه اليمين الى ساير ممالك اليمن والحصون. (315) واستقر الملك المويّد هزبر الدين، وحسن حاله وسيرته، وكان يحب اهل الفضيله. وله ثلاث (15) اولاد، وهم: الملك المظفر قطب الدين عيسى، وضرغام الدين محمد، والملك المسعود اسد الاسلام. وهدا ملخص حديثهم. ووجدت فى مسوداتى ان وفاه الملك المظفر صاحب اليمن فى سنه ست وتسعين والله اعلم.
وفيها عزل الحموى عن نيابه دمشق، واستناب العادل بها مملوكه أغرلوا (19).
(1) يظنوا: يظنون
(2)
ويعلموا: ويعلم
(8)
تريدوا: تريدون
(12)
فسمعوا: فسمع
(15)
ثلاث: ثلاثة
(19)
أغرلوا: أغزلو.
وفيها توفى جمال الدين بن مصعب-رحمه الله-بدمشق. وكان له اقطاعا (1)، وهو لابس بالفقيرى. وكان ضريفا (2) لطيفا فاضلا شاعرا. فمن شعره، يتشوق الى دمشق وقد اتى الى مصر، من قصيده طويله يقول <من الطويل>:
دمشق سقاها من دموعى سحايب
…
وحيّا رباها مدمع لى ساكب
ولا برحت أيدى النسيم عواطف
…
غصون لأعطاف الحبيب المناسب
فحيث تمدّ (6)
…
الظلّ فاضل برده
على الغوطة الفيحا وتصفوا المشارب
فيا حبّذا واد [ى] المقاسم واديا
…
لقد جمّعت فى جانبيه العجايب
ترى السبعة الأنهار فيه جواريا
…
فهذا لهذا صاحب ومجانب
يجرّ على ثورا يزيد، وينثنى
…
إلى بردا (9) من نهر باناس جانب
وفى النيرب الممعور روض بنفسج
…
به عطّرت تلك الربا (10) والربايب
كذا المزّة الخضرا وطيب نسيمها
…
يزيّن مسراها الطلا والكواعب
وجسر بن شوّاش (12)
…
وطيب زلاله
وجبهة واديه وتلك الملاعب
مواطن أترابى ودار أحبّتى
…
ولا عجبا يصبوا (13) المحبّ الحبايب
وفيها تولى الوزاره الصاحب فخر الدين بن الخليلى الدارى، وهى اول وزارته.
وفيها كان المصاف بين بيدوا (15) ملك التتار وبين محمود غازان. وانكسر بيدوا وعسكره، وهرب ولحق بالكرج، وكان قد تنصّر. وجلس مكانه (316) محمود غازان ابن (17) ارغون ابن ابغا ابن هلاوون، واسلم واظهر اسلامه. وكان سبب اسلامه
(1) اقطاعا: اقطاع
(2)
ضريفا: ظريفا
(6)
تمد: يمد--الفيحا: فى الأصل «الفيحاء» --وتصفوا: وتصفو
(9)
بردا: بردى
(10)
الربا: الربى
(12)
وجسر بن شواش: وجسر ابن شواش، انظر ياقوت، معجم البلدان (شوّاش)
(13)
يصبوا: يصبو
(15)
بيدوا: بيدو
(17)
ابن: بن