الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والصحيح في هذه المسألة هو القول الأول لقوة أدلته، ولضعف أدلة القول الثاني، وقد أجيب عنها كما سبق، ولأن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يقبل فيها قول إلا بدليل، وليس هناك دليل شرعي صحيح يستند إليه في اشتراط هذه الأمور في سجود الشكر، فتبقى الذمة على أصل البراءة، حتى يثبت خلافه، ومع هذا فإن الأولى والأكمل أن يتطهر المسلم لهذا السجود، خروجا من خلاف من أوجبه، ولأن المسلم يستحب له أن يكون على طهارة في جميع أحيانه، ويتأكد هذا الاستحباب عند الإتيان بشيء من العبادات ولأنه قد اتفق أهل العلم على استحباب الطهارة لسجود التلاوة (1)، فكذلك سجود الشكر. والله أعلم.
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية 21/ 279.
المبحث الرابع: صفة سجود الشكر وكيفيته:
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: هل يجب لسجود الشكر تكبير في أوله أو في آخره
؟
للعلماء في هذه المسألة قولان:
القول الأول: أنه ليس لسجود الشكر تكبير لا في أوله ولا في آخره، لعدم ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن أحد من أصحابه (1).
القول الثاني: أنه يجب في أوله تكبيرة واحدة، وفي آخره تكبيرة أخرى للقيام من السجود (2).
واستدل أصحاب هذا القول بأن السجود المجرد صلاة، فيجب فيه ما يجب في الصلاة (3)، ومن ذلك التكبير، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:«مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم (4)»
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية 21/ 277، و23/ 169، نيل الأوطار 3/ 129، البحر الزخار 1/ 286.
(2)
شرح المنتهى 1/ 240.
(3)
مجموع فتاوى ابن تيمية 21/ 169، الفروع 1/ 505.
(4)
سبق تخريجه.
ويمكن أن يجاب عن هذا الدليل بأن الصحيح أن السجود المجرد ليس بصلاة (1) فلا يجب فيه ما يجب في الصلاة.
ويمكن أن يستدل لهذا القول كذلك بما ذكره بعض العلماء في سجود التلاوة من أنه سجود مفرد، فيجب التكبير إذا سجد وإذا رفع، قياسا على السجود للسهو بعد السلام (2).
ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن السجود للسهو بعد السلام تابع للصلاة، فيجب فيه ما يجب في سجود الصلاة، أما السجود المجرد فليس تابعا للصلاة، فالقياس غير صحيح.
ويمكن أن يستدل لهذا القول أيضا بقياس سجود الشكر على سجود التلاوة، فقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا (3)»
(1) وقد سبق الكلام على هذه المسألة في المبحث الثالث.
(2)
المغني 2/ 360، المبدع 2/ 31، كشاف القناع 1/ 448.
(3)
رواه عبد الرزاق: (5911)، من طريق أبي داود (1413)، ومن طريقهما البيهقي 2/ 325 عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر به، وعبد الله بن عمر هذا هو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب وهو ضعيف كما في التقريب، فالحديث بهذا الإسناد ضعيف، وقال النووي في المجموع 40/ 58، 64:"إسناد ضعيف "، وقال الحافظ في البلوغ ص 71:"رواه أبو داود بسند فيه لين"، وانظر الإرواء 2/ 224، 225، رقم (472). ورواه ابن حبان (كما في الإحسان2749)، الحاكم 1/ 232 من طريق عبيد الله بن عمر بن نافع به دون ذكر موضع الشاهد من الحديث، وهو قوله "كبر" وعبيد الله هذا هو أخو عبد الله بن عمر المذكور في الإسناد السابق، وعبيد الله ثقة من رجال الصحيحين. وقد روى هذا الحديث أيضا البخاري (1076)، ومسلم 5/ 74 من طريق عبيد الله عمر عن نافع به بنحو رواية ابن حبان والحاكم السابقة. (تنبيه): يفهم من كلام ابن الملقن رحمه الله في البدر المنير (جـ3، ص 10 من مخطوطة تركيا)، والحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 2/ 9، والإمام الشوكاني في نيل الأوطار 3/ 126 أن في رواية الحاكم في المستدرك لهذا الحديث ذكر التكبير كما في رواية عبد الرزاق، وقد تمت مراجعة هذا الحديث في ثلاث نسخ خطية لكتاب المستدرك، وليس فيها كلها ذكر التكبير في هذا الحديث، وكذلك ليس في المستدرك المطبوع ذكر التكبير كما سبق، وأيضا فليس للتكبير ذكر عند جميع من خرج رواية عبيد الله بن عمر لهذا الحديث، كالبخاري ومسلم وابن حبان وهذا كله يدل على أن القول بأن في رواية الحاكم ذكر التكبير وهم من ابن الملقن رحمه الله تبعه فيه الحافظ ابن حجر وتبعهما في ذلك الإمام الشوكاني. والله أعلم.