الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا خلاف بين الفقهاء في أنه يجب على الرجل القيام بكل ما يلزم زوجته أو زوجاته من طعام مناسب ولبس ومسكن مناسب وما يتبع ذلك من احتياجات.
3 -
العدل بين الزوجات:
قال الله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (1).
والمراد بالعدل في هذه الآية الكريمة هو العدل الذي يستطيعه الإنسان ويقدر على تحقيقه، وهو التسوية بين الزوجات في المأكل والمشرب والملبس والمسكن والمبيت والمعاملة بما يليق بكل واحدة منهن أما العدل في الأمور التي لا يستطيعها الإنسان، ولا يقدر عليها مثل المحبة والميل القلبي، فالزوج ليس مطالبا به، لأن هذا الأمر لا يندرج تحت الاختيار، وهو خارج عن إرادة الإنسان، والإنسان- بلا شك- لا يكلف إلا بما يقدر عليه. كما يظهر في قوله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (2) والعدل في المحبة والميل القلبي هو الذي قال عنه الله سبحانه وتعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} (3).
ويحاول بعض الناس أن يتخذ من هذه الآية الكريمة دليلا على تحريم التعدد وهذا غير صحيح فشريعة الله لا يمكن أن تبيح الأمر في آية وتحرمه في آية أخرى فالعدل المطلوب في الآية الأولى هو العدل في المعاملة والنفقة والمعاشرة وسائر الأوضاع الظاهرة بحيث لا تتميز إحدى الزوجات بشيء دون
(1) سورة النساء الآية 3
(2)
سورة البقرة الآية 286
(3)
سورة النساء الآية 129
الأخريات سواء في الملبس أو المسكن أو الطعام أو المبيت. أما العدل في المحبة والعاطفة والمشاعر، وهو المشار إليه في الآية الثانية، فهذا شيء لا يملكه الإنسان، فالقلوب ليست ملكا لأصحابها، وإنما هي بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء (1). وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الناس معرفة بدينه وبمشاعره وأحاسيسه القلبية وأشد الناس حرصا على تحقيق العدل بين زوجاته، كان يقول:«اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك (2)» وذلك بعد أن عدل بين زوجاته في كل شيء ما عدا العاطفة فإن قلبه صلى الله عليه وسلم كان يميل أكثر إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. وفي حالة حب الزوج لإحدى زوجاته لجمالها أو لخلقها وتعلقه بها أكثر من زوجاته الأخريات فإن الله سبحانه وتعالى قد نهاه وحذره من أن يميل نهائيا أو يشتط في الميل إلى التي تعلق بها قلبه الأمر الذي يؤدي إلى ترك الزوجة الأخرى أو الزوجات الأخريات معلقات فلا هن متزوجات لعدم حصولهن على حقوقهن كزوجات ولا هن مطلقات فيستطعن الزواج وذلك لأنهن مرتبطات بعلاقة زوجية، ويظهر هذا النهي عن الاشتطاط في الميل في قوله تعالى:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} (3) وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: إن العدل المشار إليه في هذه الآية هو العدل في الحب والجماع (4).
وإذا أقدم المسلم على التعدد وهو على يقين بعدم قدرته على العدل بين زوجاته في الأشياء المادية، وهي المعاملة والمأكل والمشرب والملبس والمسكن والمبيت، فهو آثم عند الله سبحانه وتعالى، وكان من الواجب عليه ألا يتزوج بأكثر من واحدة.
(1) سيد قطب: في ظلال القرآن جـ 1ص 582.
(2)
سنن أبي داود، جـ 1ص 333، سنن الترمذي، جـ 3 ص 304، ابن حجر: فتح الباري، جـ 9 ص313.
(3)
سورة النساء الآية 129
(4)
ابن حجر: فتح الباري جـ 9 ص 313.
وقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشدد على موضوع العدل بين الزوجات ووضح عليه الصلاة والسلام عقاب الزوج الذي يقصر في حق من حقوق زوجاته فقال: «إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما، جاء يوم القيامة وشقه ساقط (1)» .
وإذا ثبت تقصير الزوج في حق زوجة من زوجاته، فإن لها الحق شرعا في الشكوى إلى الحاكم، وهناك يطلب الحاكم من الزوج إمساك زوجته بالمعروف أو تسريحها بإحسان كما قال تعالى:{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (2) وفي آية ثانية: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} (3).
أما المبيت فهو أن يخصص الزوج لكل زوجة من زوجاته ليلة أو أكثر يبيت فيها معها في بيتها إذا كان لها بيت مستقل، أوفي الحجرة الخاصة بها، ويتساوى في ذلك الصحيحة والمريضة والحائض والنفساء. لأن القصد من المبيت هو الأنس الذي يحصل للزوجة، لأن الرجل يستمتع بزوجته دون حدوث الوطء فيستمتع كل منهما بالآخر بالنظر والملامسة والتقبيل وما إلى ذلك (4).
ولا يلزم الزوج أن يجامع زوجته في ليلتها، ولا يجب عليه أن يساوي بين زوجاته في الجماع، وله أن يجامع بعضهن دون البعض الآخر، ولكن يستحب
(1) سنن الترمذي، جـ 2 ص 304، سنن أبي داود، جـ 1 ص 333 وتعني عبارة "وشقه ساقط " أي أن نصفه مائل.
(2)
سورة البقرة الآية 229
(3)
سورة البقرة الآية 231
(4)
صحيح مسلم، جـ 10 ص 46.
له أن يسوي بينهن في ذلك (1).
والسنة في المبيت أن يكون لكل زوجة ليلة واحدة مع يومها (2) ويجوز أن يجعل القسم ليلتين ليلتين، أو ثلاثا ثلاثا، ولا يجوز الزيادة على ثلاث ليال إلا برضى زوجاته (3).
وإذا سافر الزوج سفرا يحتاج منه إلى مرافقة إحدى زوجاته فإن له الحق في اختيار من يريد أن ترافقه منهن. وإذا رفضت زوجاته الأخريات ذلك، وتنازعن فيمن تسافر معه، فعند ذلك لا بد للزوج أن يلجأ إلى الاقتراع، ومن وقعت عليها القرعة خرجت معه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختار رفيقته في السفر من زوجاته بالقرعة كما جاء في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهو:«أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، وأيتهن خرج سهمها خرج بها معه (4)» .
وإذا تزوج الزوج بامرأة أخرى، فإن كانت ثيبا أقام معها ثلاثة أيام وإن كانت بكرا أقام معها سبعة أيام، ولا يحق للزوجات الأخريات المطالبة بقضاء مثل هذه المدة عندهن (5).
وأخيرا نقول: إن العدل بين الزوجات لا يعني مطلق التسوية بين الزوجتين أو الزوجات، بل العدل هنا هو إعطاء كل زوجة ما هي في حاجة إليه فعلا إلى درجة الكفاية اللائقة بمثلها في الطعام والشراب والملبس
(1) المصدر نفسه ص 46 - 47.
(2)
ابن الأثير: جامع الأصول بيروت 1392 هـ جـ11 ص 515.
(3)
صحيح مسلم، جـ 10 ص 46 - 47.
(4)
سنن أبي داود، جـ 1 ص 334، ابن الأثير. جامع الأصول جـ11 ص 515.
(5)
صحيح مسلم، جـ10 ص 44 - 45 والكلام للإمام النووي.
والمسكن. يقول ابن حجر: "فإذا وفي لكل واحدة منهن كسوتها ونفقتها والإيواء إليها لم يضره. ما زاد على ذلك من ميل قلب أو تبرع بتحفة"(1).
هذه هي الشروط الثلاثة التي وضعتها الشريعة الإسلامية لإباحة تعدد الزوجات، وأرى هنا اجتهادا - إذا جاز لي ذلك أن أضيف إلى هذه الشروط تحريم الجمع بين المحارم، فقد ورد في الكتاب والسنة نصوص تحرم تحريما قطعيا أن يجمع الرجل المسلم في عصمته بين الأختين، وقال الله سبحانه وتعالى في ذلك:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ} (2) وتستمر الآية الكريمة في تعديد المحرمات من النساء حتى قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} (3) وجاء في الحديث النبوي الشريف عن أبي خراش الرعيني عن الديلمي قال: «قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندي أختان تزوجتهما في الجاهلية فقال: إذا رجعت فطلق إحداهما (4)» .
وتحريم الجمع بين الأختين هو من أجل الحفاظ على صلات المودة والرحمة بين أفراد الأسرة المسلمة. والمعروف أن كل زوجة تعمل باستمرار على أن يكون خير زوجها لها، وتكره أن يعطي زوجها لوالده أو لوالدته أو لواحد من إخوانه أو أخواته شيئا من ماله. وهكذا الأمر بالنسبة لمن لديه أكثر من زوجة، فإن الزوجة تكره أن يعطي زوجها لضرتها مثل ما يعطيها، ولهذا الاحتمال حرم الله على الرجل أن يجمع في عصمته بين أختين حتى لا تسعى الواحدة منهما إلى حرمان أختها من خير زوجها، فيكون ذلك سببا في قطع صلات الرحمة والمودة والقرابة بينهما، أو على الأقل تفتر بينهما هذه العلاقات بسبب الغيرة والنزاع حول الزوج. ويذكر ابن حجر (5). أن الجمع بين الأختين حرام
(1) فتح الباري، جـ 9 ص 313.
(2)
سورة النساء الآية 23
(3)
سورة النساء الآية 23
(4)
سنن ابن ماجه، جـ1 ص 627. وورد الحديث بألفاظ مختلفة في سنن الترمذي جـ 2 ص 299.
(5)
فتح الباري، جـ 9 ص 160
بالإجماع سواء كانتا شقيقتين أو من أب أو من أم. ويستوي في ذلك النسب والرضاع. وإذا كان الجمع بين الأختين حراما فإن الجمع بين الأم وابنتها يكون من باب أولى حراما، وذلك لأن القرابة بين الأم وابنتها واجبة الأصل، والجمع بينهما كزوجتين لرجل واحد يؤدي إلى قطع أواصر القرابة والمودة، ويتسبب في إيقاع العداوة بينهما (1).
كذلك يحرم الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، وبين العمة وبنت أخيها، وبين الخالة وبنت أختها، وقد ثبت هذا التحريم بأحاديث رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها:
1 -
قال جابر رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها (2)» .
2 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح المرأة على عمتها أو العمة على ابنة أخيها أو المرأة على خالتها أو الخالة على بنت أخيها (3)» .
وجاء في بعض الروايات تحريم الجمع بين العمتين أو الخالتين سواء كانت العمتان أو الخالتان أختين أو غير أختين (4).
وعلى العموم فإنه يحرم على الرجل أن يجمع في عصمته بين امرأتين بينهما رحم محرمة، لما قد يؤدي هذا الجمع من إيقاع العداوة بينهما وقطع صلة الأرحام.
(1) صحيح البخاري، جـ 5 ص 1965.
(2)
صحيح البخاري، جـ 5 ص 1965. وقد ورد هذا الحديث بألفاظ مختلفة قليلا في كتاب سنن الترمذي، جـ2 ص 297.
(3)
سنن الترمذي، جـ2 ص 297، سنن أبي داود جـ1 ص 322.
(4)
سن أبي داود، جـ1 ص 323، ابن قدامة: المغني، جـ 6 ص 573.