الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حنيفة والثوري وعثمان البتي والحسن بن حيي، جعلوا الديات كلها سواء، المسلم واليهودي والنصراني والمجوسي، والمعاهد والذمي، وهو قول عطاء والزهري وسعيد بن المسيب. وحجتهم قوله تعالى:{فَدِيَةٌ} (1) وذلك يقتضي الدية كاملة كدية المسلم. وعضدوا هذا بما رواه محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة، «عن ابن عباس في قصة بني قريظة والنضير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل ديتهم سواء دية كاملة». قال أبو عمر: هذا حديث به لين وليس في مثله حجة. وقال الشافعي: دية اليهودي والنصراني ثلث دية المسلم، ودية المجوسي ثمانمائة درهم، وحجته أن ذلك أقل ما قيل في ذلك، والذمة بريئة إلا بيقين أرجحه وروي هذا القول عن عمر وعثمان، وبه قال ابن المسيب وعطاء والحسن وعكرمة وعمرو بن دينار وأبو ثور وإسحاق (2).
(1) سورة النساء الآية 92
(2)
تفسير القرطبي جـ3 ص326، ص327.
5 -
قال
ابن العربي رحمه الله:
قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (1) والميثاق هو العهد المؤكد الذي قد ارتبط وانتظم ومنه الوثيقة ففيه الدية.
قال ابن عباس: هذا هو الكافر الذي له ولقومه العهد فعلى قاتله الدية لأهله والكفارة لله سبحانه، وبه قال جماعة من التابعين والشافعي.
وقال مالك وابن زيد والحسن: المراد به وهو مؤمن. واختار الطبري أن يكون المراد به المقتول الكافر من أهل العهد لأن الله سبحانه أهمله ولم يقل وهو مؤمن، كما قال في القتيل من المؤمنين ومن أهل الحرب، وإطلاقه ما قيد قبل ذلك دليل أنه خلافه.
وهذا عند علمائنا محمول على ما قبله من وجهين: أحدهما: أن هذه الجملة نسقت على ما قبلها وربطت بها فوجب أن يكون حكمها حكمه.
(1) سورة النساء الآية 92
الثاني: أن الله سبحانه قال: (فدية مسلمة) - وقد اختلف الناس في دية الكافر فمنهم من جعلها كدية المسلم، وهو أبو حنيفة وجماعة، ومنهم من جعلها على النصف وهو مالك وجماعة، ومنهم من جعلها ثلث دية المسلم، وهو الشافعي وجماعة والدية المسلمة هي الموفرة.
قال القاضي: والذي عندي أن هذه الجملة محمولة على ما قبلها حمل المطلق على المقيد وهو أصل من أصول الفقه اختلف الناس فيه. وقد أتينا فيه بالعجب في المحصول، وهو عندي لا يلحق إلا بالقياس عليه.
والدليل على حمل هذه الجملة على التي قبلها أمران: أحدهما: أن الكفارة إنما هي لأنه أتلف شخصا عن عبادة الله فيلزمه أن يخلص آخر لها.
والثاني: أن الكفارة إنما هي زجر عن الاسترسال وتقاة للحذر وحمل على التثبت عند الرمي وهذا إنما هو في حق المسلم. وأما في حق الكافر فلا يلزم فيه مثل هذا. ونحرر هذا قياسا فنقول: كل كافر لا كفارة في قتله (كالمستأمن وقد اتفقنا على أنه لا كفارة في قتله) ولا عذر لهم عنه به احتفال.
المسألة الخامسة عشرة: إذا أثبت أن المذكور في هذه الجملة هو المؤمن. فمن قتل كافرا خطأ وله عهد ففيه الدية إجماعا.
وقد اختلفوا فيه كما تقدم، وهو أصل بديع في رفع الدماء ونحن: نمهد فيه قاعدة قوية فنقول: مبنى الديات في الشريعة على التفاضل في الحرمة والتفاوت في المرتبة؛ لأنه حق مالي يتفاوت بالصفات بخلاف القتل؛ لأنه لما شرع زجرا لم يعتبر فيه ذلك التفاوت. فإذا ثبت هذا نظرنا إلى الدية فوجدنا الأنثى تنقص فيه عن الذكر ولا بد أن يكون للمسلم مزية على الكافر فوجب ألا يساويه في ديته.