الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول الثاني: أنه لا يسجد إلا عند هجوم نعمة أو اندفاع نقمة من حيث لا يحتسب، فلو تسبب فيهما تسببا تقضي العادة بحصولهما عقبه ونسبتهما له فلا سجود حينئذ، كربح متعارف لتاجر يحصل عادة عقب أسبابه، وهذا قول لبعض الشافعية (1).
والصحيح هو القول الأول؛ لأنه ليس هناك دليل يخص السجود للشكر بنعمة دون أخرى، ولأن القول الثاني قول شاذ لا يعضده دليل من كتاب ولا سنة، والله أعلم.
(1) نهاية المحتاج 2/ 103، شرح الوجيز 4/ 205.
المسألة الثالثة: السجود عند رؤية مبتلى:
اختلف أهل العلم في السجود هل يستحب عند رؤية شخص قد ابتلي في بدنه بعاهة أو في ماله بجائحة أو إفلاس أو في دينه بفسق أو كفر. . شكرا لله الذي عافاه وسلمه من هذه الآفات التي أصيب بها أو فعلها هذا المبتلى، اختلفوا في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه يشرع السجود لذلك، لكن ينبغي له أن يخفي هذا السجود عن المبتلى إن كان الابتلاء في بدنه أو ماله، أما إن كان في دينه فإن كان يرجو أن يرتدع بذلك أو يرتدع غيره سجد أمامه، وإن كان يخشى أن يترتب على سجوده أمامه مفسدة أخفاه عنه، وهذا هو مذهب الشافعية (1)، والحنابلة (2).
القول الثاني: أنه لا يشرع السجود في هذه الحال (3).
واستدل أصحاب هذا القول بما رواه أبو هريرة وابن عمر رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من رأى صاحب بلاء، فقال: الحمد لله الذي عافاني
(1) المهذب مع شرحه المجموع 4/ 67، 68، الوجيز مع شرحه للرافعي 4/ 205، نهاية المحتاج 2/ 103، 104.
(2)
الإنصاف 2/ 201.
(3)
قال في الفروع 1/ 505: "وظاهر كلام جماعة لا يسجد".
مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا، عوفي من ذلك البلاء (1)»
قالوا: ظاهر هذا الحديث يدل على أنه لا يشرع السجود عند رؤية المبتلى (2)، وإنما يشرع له أن يقول هذا الذكر الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم.
ويمكن أن يجاب عن استدلالهم بهذا الحديث بأنه ليس في الحديث ما يدل على عدم مشروعية سجود الشكر عند رؤية المبتلى، وإنما فيه الندب إلى أن يقول هذا الذكر عند رؤيته، فقد يقال: إنه يندب له في هذه الحال أن يقول هذا الذكر استدلالا بهذا الحديث، ويندب له أيضا أن يسجد استدلالا بالأحاديث التي ذكرت ضمن أدلة القول الأول، أو يقول هذا الذكر أثناء سجوده للشكر (3).
واستدل أصحاب القول الأول بما يلي:
الدليل الأول: ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مرفوعا، قال:«مر رجل بجمجمة إنسان، فحدث نفسه، فخر ساجدا (4)» . . .
الدليل الثاني: ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به
(1) رواه الترمذي (3432)، والطبراني في كتابه الدعاء (799) من طريق مطرف بن عبد الله المدني عن عبد الله بن عمر العمري عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة فذكره، ورجاله ثقات، عدا عبد الله العمري وهو "ضعيف" كما في التقريب، وسهيل بن أبي صالح "صدوق تغير حفظه بآخره " كما في التقريب. ورواه الطبراني في الموضع السابق (800) من طريق عبد الله بن جعفر المدني عن سهيل بن أبي صالح به، وعبد الله بن جعفر "ضعيف، يقال: تغير حفظه بآخره " كما في التقريب. ورواه الطبراني في الموضع السابق (1170)، أبو نعيم في الحلية 5/ 13، وفي أخبار أصبهان 1/ 271 من طرق عن مروان بن محمد الطاطري ثنا الوليد بن عتبة عن محمد بن سوقة عن نافع عن ابن عمر فذكره، ورجاله ثقات، عدا الوليد بن عتبة، وقد قال فيه البخاري في تاريخه الكبير 8/ 51:"معروف الحديث ". فالحديث بهذه الطرق حسن إن شاء الله، وقد حسنه المنذري في الترغيب، والهيثمي قي المجمع 10/ 138، وحسنه أيضا الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول 4/ 332، وذكره الشيخ محمد ناصر الدين في السلسلة الصحيحة 2/ 153 - 156، وذكر له، طرقا أخرى فيها شيء من الاضطراب.
(2)
انظر الفروع 1/ 505.
(3)
سبق تخريجه.
(4)
ينظر شرح المنتهى 1/ 240، غاية المنتهى 1/ 590.