الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (1){إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا} (2){وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا} (3)
(1) سورة الأنبياء الآية 22
(2)
سورة طه الآية 74
(3)
سورة طه الآية 75
مكان الدعوة
أين ندعو:
مكان الدعوة كذلك يكيف طريقها، فالدعوة في بلاد الإسلام غير الدعوة في ديار غير المسلمين. والدعوة في مكان انتشر فيه العلم غير الدعوة في مكان خيم عليه الجهل، والقصد بالجهل والعلم العلم بالدين والجهل به ولو بلغ أصحابه أرقى المؤهلات العلمية في تخصصات أخرى. . بيد أن ارتفاع المستوى الفكري بصفة عامة يحدد كذلك أسلوب الدعوة.
إلى من ندعو:
فأسلوب الدعوة إلى العقيدة يغاير أسلوب الدعوة إلى المعاملات وقد قدمنا الحديث في هذا العنصر الأخير.
هذه العناصر إلى جوار غيرها كالظروف السائدة وكالزمان القائم إلى غير ذلك تحدد أسلوب الدعوة وهي بعد ذلك:
أسلوب السلوك والأخلاق:
وهو أول الأساليب وأنجعها وأنجحها في الدعوة وهو أهم الأساليب
كذلك من ناحية من يخاطب ومن يخاطب فهو خطاب في الواقع من الكافة إلى الكافة.
كل إنسان يستطيع هذا الخطاب وكل إنسان يفهم هذا الخطاب وبهذا الخطاب فتحت القلوب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولنأخذ مثلا أول:
حيث داهم أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم فرفع عليه السيف وقال له من يمنعك مني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله فسقط السيف فأمسك به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له من يمنعك مني. . فقال لا أحد. . ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم صفح عنه فدخل الإسلام (1).
ولنأخذ مثلا ثانيا:
يوم فتح مكة حين قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين آذوه وأخرجوه من بلده «ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء (2)».
ولنأخذ مثلا ثالثا:
أسلوب يوسف عليه السلام مع إخوته الذين ألقوا به في الجب قال: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} (3).
ثم لنعلم بعد ذلك:
أنه بهذا الأسلوب فتحت على المسلمين مساحات من الأرض أكثر مما فتحت بحد السيف، إن السيف يطيح برءوس الطغاة، أما السلوك والأخلاق فتفتح قلوب الناس.
(1) واسمه: غوث بن الحارث، صحيح البخاري 5/ 146 - 147، 4/ 47 - 48. طبعة مصطفى الحلبي. سنة 1345 هـ.
(2)
سيرة ابن هشام 4/ 32 مراجعة محمد محيي الدين عبد الحميد.
(3)
سورة يوسف الآية 92
وإذا كان السلوك والأخلاق أسلوبا عاما يخاطب به الكافة الكافة فهو أسلوب أخص وألزم لمن اتخذ الدعوة مهنة له ومهمة، وبغيره يغدو كل أسلوب آخر سيفا مغلولا وسلاحا مغمدا لا قيمة له.
ولذا فننصح الدعاة أن يكون لهم من الفهم الدقيق والإيمان العميق، والخلق الوثيق ما يفتحون به القلوب:
المواقف والمثل:
لعل هذه تدخل في الأولى لكنها أخص فلا يستطيعها إلا أولو العزم، ونحن نندب الدعاة أن يأخذوا دائما بالعزيمة فليس لمن كان في موضع القدوة أن يترخص ولذلك لم يترخص الرسول صلى الله عليه وسلم حين اشتد به أذى الكفار ودعاه عمه أن يلين لكنه قال: والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه (1).
ولم يترخص عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ويتبع نهج ملوك بني أمية ويسير في ركابهم وإنما أعرض عن بهجة الحياة الدنيا وزخرفها وعاد بالأمة إلى عهد الخلفاء الراشدين وصدق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها فكان رضي الله عنه هو المجدد الأول.
ولم يترخص الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه حين دعاه الحكام أن يقول إن القرآن مخلوق بل احتمل الأذى والعذاب.
وهكذا فإن على الداعية أن يقتدي بهؤلاء وغيرهم من المصلحين والمجددين والعلماء العاملين أمثال العز بن عبد السلام وشيخ الإسلام أحمد بن تيمية وإمام الدعوة محمد بن عبد الوهاب وسيد قطب ممن تحملوا العذاب في سبيل الحق لأنهم علموا أن ثباتهم يبقيهم مشاعل على الطريق تضيء لمن خلفهم وهم كثير، وأن لينهم مع الباطل وترخصهم يطفئ ضوءهم
(1) سيرة ابن هشام 1/ 278 مراجعة محمد محيى الدين.
فلا يعودون صالحين لأن يضيئوا لمن خلفهم وكم من الناس أطفأ بترخصه نوره الذي آتاه الله، وكم من الناس نزل أكثر من ذلك ليصح فيه قول الله {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} (1){وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ} (2).
ولئن كانت الأخلاق سببا ناجحا للدعوة، فالمواقف والمثل سبب أنجح.
ولننظر من القديم. . غلام كان موقفه سببا في إيمان أمه حين قتل الغلام (الراهب) وقتل (جليس الملك) وجرب الملك مع الغلام وسيلتين للقتل فنجا منهما فدعا الملك أن يربطه بجذع نخلة ويجمع شعبه كله في صعيد واحد ثم يطلق السهم ويقول باسم الله رب الغلام ففعل الملك المقالة وأصاب السهم صدغ الغلام فسقط شهيدا فقال الناس أجمعون: أمنا بالله رب الغلام ولم يكن موقف الغلام دافعا إلى إيمان أمته فحسب، بل دفعها إلى الإصرار على هذا الإيمان حين شق لهم الملك الأخاديد وأضرمها بالنيران وخير شعبه بين الرجوع عن دينهم أو الإلقاء في النار، ففضلوا جميعا أن يلقوا في النيران على أن يرجعوا عن الحق الذي آمنوا به وخلد القرآن قصتهم في سورة البروج {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} (3){النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} (4){إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ} (5){وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} (6){وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (7).
وفي الزمن الحديث أيضا خلد الدعوة الإسلامية في مصر قتل حسن البنا سنة 1949 سنة 1368 هـ، وقتل عبد القادر عودة ومن معه سنة 1374 هـ - 1955م. وقتل سيد قطب ومن معه سنة 1966م 1385 هـ.
(1) سورة الأعراف الآية 175
(2)
سورة الأعراف الآية 176
(3)
سورة البروج الآية 4
(4)
سورة البروج الآية 5
(5)
سورة البروج الآية 6
(6)
سورة البروج الآية 7
(7)
سورة البروج الآية 8