المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌البراهين على إمكانية البعث: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٣٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ نقول من أقوال المفسرين:

- ‌ ابن جرير رحمه الله:

- ‌ الجصاص رحمه الله:

- ‌ ابن كثير رحمه الله:

- ‌ القرطبي رحمه الله:

- ‌ ابن العربي رحمه الله:

- ‌ محمد رشيد رضا:

- ‌ أحاديث وآثار و‌‌نقول عن المحدثينوشراح الحديث:

- ‌نقول عن المحدثين

- ‌ ما ورد من الأحاديث المرفوعة في أن دية الذمي كدية المسلم:

- ‌ ما ورد مرفوعا في دية المجوسي:

- ‌ ما ورد مرفوعا في تحديد دية المعاهد بألف دينار:

- ‌ تحديد عمر لدية اليهودي والنصراني والمجوسي:

- ‌ نقول عن الفقهاء:

- ‌ الحنفية:

- ‌ صاحب فتح القدير

- ‌ صاحب بدائع الصنائع

- ‌ المالكية:

- ‌ صاحب المدونة الكبرى

- ‌ صاحب بداية المجتهد

- ‌ الشافعية:

- ‌ صاحب نهاية المحتاج

- ‌ صاحب المجموع شرح المهذب

- ‌ الحنابلة:

- ‌ صاحب المغني

- ‌ صاحب كشاف القناع

- ‌ صاحب الإنصاف

- ‌ خلاصة ما تقدم بإيجاز:

- ‌ هل الشيعة الحاليون كفار كلهم أو أئمتهم

- ‌ توضيح الاختلاف بين السنة والشيعة وأقرب الفرق إلى السنة

- ‌ هل طريقة الشيعة الإمامية من الإسلام؟ ومن الذي اخترعها

- ‌ حقيقة الشيعة الإيرانية

- ‌ حكم المبتدع المواظب على بدعته

- ‌ البدعة وأنواعها

- ‌ هل يرد على البدعي عمل البدعة فقط أم جميع أعماله

- ‌ كم قسما تنقسم البدعة

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌ التثبت في الفتوى

- ‌ النيل من شباب الصحوة، بحجة أن فيهم تطرفا وتزمتا

- ‌ تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}

- ‌ تشجيع الدعاة وطلبة العلم على إقامة الدروس والمحاضرات في كافة أنحاء البلاد

- ‌بحث في الوعدوحكم الإلزام بالوفاءبه ديانة وقضاء

- ‌ البحوث

- ‌خلاصة القول في المسألة

- ‌المبحث الأولصفات الدعاة

- ‌ الإيمان العميق:

- ‌ العلم الدقيق:

- ‌ الخلق الوثيق:

- ‌المبحث الثانيطرق الدعوة

- ‌تمهيد:

- ‌العوامل التي تنهض بها الدعوة

- ‌ من ندعو:

- ‌أسلوب القرآن في الدعوة:

- ‌مكان الدعوة

- ‌أين ندعو:

- ‌إلى من ندعو:

- ‌أسلوب السلوك والأخلاق:

- ‌من وسائل الدعوة الخطابة والمحاضرة والدرس:

- ‌ ابتغاء وجه الله:

- ‌ الثقة بالله:

- ‌ اتقاء ما يغضب الله لفظا ومعنى:

- ‌ الصدق:

- ‌ الإحساس بالأمانة:

- ‌أهمية الوقفوحكمة مشروعيته

- ‌مقدمة:

- ‌الفصل الأولفي تعريف الوقف

- ‌المبحث الأول: تعريف الوقف لغة:

- ‌المبحث الثانيتعريف الوقف اصطلاحا

- ‌ تعريف الوقف عند الحنفية:

- ‌ تعريف الوقف عند أبي حنيفة

- ‌ تعريف الوقف عند الصاحبين:

- ‌ تعريف الوقف عند المالكية:

- ‌ تعريف الوقف عند الشافعية:

- ‌التعريف المختار:

- ‌الفصل الثانيلمحة من تاريخ الوقف عند المسلمين

- ‌الفصل الثالثفي أهداف الوقف وحكمة مشروعيته

- ‌الهدف العام للوقف:

- ‌الأهداف الخاصة للوقف:

- ‌الفصل الرابعفي حكم الوقف وبيان مشروعيته

- ‌أدلة عامة شملت جميع أنواع التبرعات ومنها الوقف:

- ‌أدلة نصت عن جواز الوقف كوقف النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ما ثبت من وقف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وموافقته على ذلك وحثه عليه

- ‌إجماع العلماء من السلف ومن بعدهم على القول بصحة الوقف

- ‌ أدلة الفريق الثاني. وهم القائلون بجواز الوقف في السلاح والكراع فقط

- ‌الخاتمة

- ‌ مشروعية تعدد الزوجات في الإسلام:

- ‌ شروط تعدد الزوجات في الإسلام:

- ‌ العدد

- ‌ النفقة:

- ‌ العدل بين الزوجات:

- ‌ مبررات تعدد الزوجات في الإسلام:

- ‌ موقف أعداء الإسلام من تعدد الزوجات:

- ‌قائمة مصادر ومراجع البحث

- ‌سجود الشكروأحكامه في الفقه الإسلامي

- ‌المبحث الأول: حكم سجود الشكر:

- ‌المبحث الثاني. متى يشرع سجود الشكر

- ‌المسألة الأولى: السجود عند حدوث نعمة خاصة:

- ‌المسألة الثانية: السجود عند حصول نعمة تسبب فيها:

- ‌المسألة الثالثة: السجود عند رؤية مبتلى:

- ‌المبحث الثالث: هل لسجود الشكر شروط

- ‌المبحث الرابع: صفة سجود الشكر وكيفيته:

- ‌المسألة الأولى: هل يجب لسجود الشكر تكبير في أوله أو في آخره

- ‌المسألة الثانية: هل يجب في سجود الشكر ذكر معين

- ‌المسألة الثالثة: هل يجب في سجود الشكر تشهد أو سلام

- ‌المبحث الخامس: سجود الشكر في أثناء الصلاة:

- ‌المسألة الأولى: السجود عند قراءة سجدة (ص) في أثناء الصلاة:

- ‌المسألة الثانية: هل يسجد للشكر إذا بشر بما يسره وهو يصلي:

- ‌المبحث السادس: سجود الشكر على الراحلة بالإيماء

- ‌المبحث السابع: قضاء سجود الشكر:

- ‌الخاتمة

- ‌اهتمام القرآن بالحياة الآخرة:

- ‌إمكانية البعث والأدلة عليه:

- ‌نهاية العالم وفناؤه:

- ‌البراهين على إمكانية البعث:

- ‌أثر عقيدة الإيمان بالآخرة في حياة الإنسان

- ‌المراجع

- ‌إيضاح البيانعنمعنى أم القرآن

- ‌مقدمة

- ‌مؤلف الكتاب

- ‌إيضاح البيان عن معنى أم القرآن:

- ‌مخطوطة الكتاب:

- ‌ إيضاح البيان عن معنى أم القرآن

- ‌خاتمة:

- ‌تأكيد أمر القلاقل: وهي سورة الكافرون والإخلاص والفلق والناس

- ‌مصادر التحقيق

- ‌ صح تسمية الله بالمحسن في ثلاثة أحاديث

- ‌ جاء تسمية الله بهذا الاسم في أقوال بعض المحققين من أهل العلم

- ‌ ما صح تسمية الله به جاز التعبيد لله به

- ‌ إن أسماء الله الحسنى الواردة في الكتاب والسنة مشتقة وغير جامدة

- ‌ ثلاث فوائد مهمة:

- ‌فهرس المراجع

- ‌تنبيه على نشرة مكذوبةيروجها بعض الجهلة

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌البراهين على إمكانية البعث:

‌البراهين على إمكانية البعث:

قدم القرآن العديد من الأدلة والبراهين على إمكانية البعث، ورد حجج المنكرين للمعاد، وفند شبههم التي تتلخص كما يقول ابن القيم في ثلاثة أشياء أحدها: اختلاط أجزائهم بأجزاء الأرض على وجه لا يتميز ولا يحصل معه تمييز شخص عن شخص. الثاني: أن القدرة لا تتعلق بذلك. الثالث: أن ذلك أمر لا فائدة فيه. أو إنما الحكمة اقتضت دوام هذا النوع الإنساني شيئا بعد شيء هكذا أبدا كلما مات جيل خلفه جيل آخر. فأما أن يميت النوع الإنساني كله ثم يحيه بعد ذلك فلا حكمة في ذلك. فجاءت براهين المعاد في القرآن مبنية على ثلاثة أصول: أحدها: تقرير كمال علم الرب سبحانه. وثانيها: تقرير كمال قدرته، وثالثها: تقرير كمال حكمته. ومن بين ما قدمه القرآن من أدلة على إمكانية البعث ما يلي:

1 -

كان من أهم شبهات منكري المعاد والبعث استحالة إيجاد الأشياء والكائنات بعد عدمها وفنائها، وقد رد عليهم القرآن وبرهن لهم أن هذا غير مستحيل، إذ أن من موجبات العقل أن إعادة الشيء الذي كان موجودا ثم فني أسهل من إيجاده ابتداء، فالله -سبحانه وتعالي- الذي أوجد الأشياء من العدم وأبرزها إلى الوجود، بعد أن لم تكن شيئا، لا يستحيل عليه أن يعيدها مرة ومرة بعد فنائها، ويلاحظ أن الذي يبني بيتا ثم يهدمه لا يستحيل عليه إعادة بنائه، كما كان أو أفضل مما كان، والذي يخترع اختراعا معينا أو يركب جهازا ما لا يصعب عليه أن يعيده مرة أخرى إذا ما فرق أجزاءه أو كسره باختياره وإرادته. وقد أشار القرآن إلى هذا الدليل في قوله تعالى:{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (1){قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} (2). فاحتج القرآن- كما قال ابن القيم - بالإبداء على الإعادة، وبالنشأة الأولى على النشأة الأخرى، إذ كل عاقل

(1) سورة يس الآية 78

(2)

سورة يس الآية 79

ص: 318

يعلم علما ضروريا أن من قدر على هذه قدر على هذا، وأنه لو كان عاجزا عن الثانية عجز عن الأولى بل كان أعجز وأعجز، ولما كان الخلق يستلزم قدرة الخالق على مخلوقه وعلمه بتفاصيل خلقه اتبع ذلك بقوله:{وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} (1) فهو عليم بالخلق الأول وتفاصيله ومواده وصورته وكذلك عليم بالخلق الثاني، فإذا كان تام العلم كامل القدرة، كيف يتعذر عليه أن يحصي العظام وهي رميم (2) وإلى نفس هذا المعنى يشير قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (3).

وقد قال ابن عباس في تفسيره لهذه الآية: أهون عليه بمعنى أيسر عليه، وقال مجاهد: الإعادة أهون عليه من البداءة، والبداءة عليه هينة، وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«قال الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك- فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا، وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفوا أحد (4)» ويتفق مع هذه المعاني قوله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} (5).

وهكذا نرى أن حياتنا التي نعيشها اليوم دليل قوي على إمكانية وجود الحياة مرة ثانية وليس هناك في منطق العقل ما يمنع إعادة التجربة التي نمر بها أو ما يشبهها مرة ثانية.

2 -

ومن الأدلة على إمكانية البعث ما أشار إليه القرآن من ظاهرة النوم واليقظة باعتبارهما نموذجا متكررا للموت والحياة، فالنوم أخو الموت إذ أن كلا منهما عبارة عن انسحاب من الحياة أو توقف الأعضاء عن أداء

(1) سورة يس الآية 79

(2)

مختصر الصواعق المرسلة " ابن القيم " جـ1. ص: 101.

(3)

سورة الروم الآية 27

(4)

صحيح البخاري: كتاب تفسير القرآن. سورة قل هو الله أحد. جـ6. ص 95.

(5)

سورة الأنبياء الآية 104

ص: 319

وظائفها على درجات متفاوتة بينهما، واليقظة شبيهة بالبعث إذ أن كلا منهما يعني عودة الأعضاء إلى أداء وظائفها مع اختلاف بينهما في الدرجة. فكما تتم عملية النوم للإنسان والحيوان، وعملية الاستيقاظ لهما، تتم عملية الموت والحياة الكاملة لهما {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (1) وفي آية أخرى {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (2)، ولذلك أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن تتحول هذه الحقيقة الاعتقادية إلى أمر واقعي يتذكره المرء كل صباح ومساء حتى لا نغفل يوما واحدا عن مصيرنا، فأمرنا أن نقول عند النوم فيما رواه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا آوى أحدكم إلى فراشه، فلينفض فراشه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلفه، ثم يقول: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به الصالحين (3)» ، وعند اليقظة:«الحمد لله الذي عافاني في جسدي، ورد علي روحي وأذن لي بذكره (4)» ، وفي حديث آخر عن حذيفة قال «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: باسمك أموت وأحيا، وإذا قام قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور (5)»

3 -

ومن الأدلة على إمكانية البعث وإحياء الموتى، ظاهرة الإحياء المتكررة للأرض الموات، والتي يراها الإنسان ويشاهدها في مجال الطبيعة الواسعة. فالإنسان يشاهد أمامه أرضا قفرة لا حياة فيها، ثم ينزل عليها الغيث أو

(1) سورة الأنعام الآية 60

(2)

سورة الزمر الآية 42

(3)

صحيح البخاري، كتاب الدعوات، 13، جـ7 ص:149.

(4)

سنن التزمذي كتاب الدعوات، باب ما جاء في الدعاء، إذا أوى إلى فراشه: جـ 5 ص: 472 - 473.

(5)

صحيح البخاري، كتاب الدعوات، 7 جـ 7 ص:147.

ص: 320

تسقى بالماء فتدب فيها الحياة وتنبت فيها الزروع وأنواع النبات المختلفة الألوان والأشكال والطعوم والروائح والمنافع، وليس البعث إلا شبيها بهذه العملية المتكررة والتي يشاهدها الإنسان دوما {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (1)، وقوله تعالى:{وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} (2){ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (3){وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (4).

فجعل الله سبحانه وتعالى كما يقول ابن القيم - إحياء الأرض بعد موتها نظير إحياء الأموات، وإخراج النبات منها نظير إخراجهم من القبور، ودل بالنظير على نظيره، وجعل ذلك آية ودليلا على خمسة مطالب: أحدها، وجود الصانع وأنه الحق المبين، وذلك يستلزم إثبات صفات كماله وقدرته وإرادته وحياته وعلمه وحكمته ورحمته وأفعاله. الثاني، أنه يحصي الموتى. الثالث، عموم قدرته على كل شيء. الرابع، إتيان الساعة وأنها لا ريب فيها. الخامس، أنه يخرج الموتى من القبور كما أخرج النبات من الأرض (5)، «وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يحصي الله الموتى؟ ما آية ذلك في خلقه؟ فقال للسائل: أما مررت بوادي أهلك محلا؟ قال بلى. قال أما مررت به يهتز خضرا؟ قال قلت؟ بلى. قال: ثم مررت به محلا؟ قالت بلى، قال: فكذلك يحصي الله الموتى، وذلك آيته قي خلقه (6)»

4 -

نبه القرآن الكريم إلى عظيم قدرة الله تعالى التي أبدع بها السماوات وخلق بها الأرض وما فيها، ولا خلاف في أن

(1) سورة فصلت الآية 39

(2)

سورة الحج الآية 5

(3)

سورة الحج الآية 6

(4)

سورة الحج الآية 7

(5)

إعلام الموقعين: " ابن القيم "، ص: 144 - 145.

(6)

المسند (ابن حنبل): جـ 4، ص؛ 11.

ص: 321

خلق الإنسان أقل شأنا من خلق السماوات والأرض، ومن ثم فإن الله القادر على خلق السماوات والأرض لا يعجزه خلق الإنسان- الذي هو جزء من هذا الكون- وإعادته:{أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} (1){إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (2){فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (3) فأخبر سبحانه أن الذي أبدع السماوات والأرض على جلالتها، وعظم شأنها، وكبر أجسامها وسعتها، وعجيب خلقهما، أقدر على أن يخلق عظاما كانت رميما فيردها إلى حالتها الأولى كما قال تعالى:{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (4)، وقال تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (5).

5 -

ومن الأدلة على إمكانية البعث ما أشار إليه القرآن من قدرة الله تعالى على إخراج الأشياء من أضدادها. فإذا كانت الحياة ضد الموت، والبعث ضد الفناء، فإن الله الذي يخرج الضد ممن ضده قادر على إحداثه، كما ورد في قوله تعالى:{تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (6)، فالله هو الذي يخرج الإنسان الحي من النطفة، ويخرج النطفة الميتة من الإنسان الحي، وكذلك الأنعام والبهائم، فالنطفة ميتة ثم ينشئ الله منها إنسانا حيا، ومن الإنسان الحي تخرج النطفة الميتة" (7) ومن ذلك أيضا قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (8)

(1) سورة يس الآية 81

(2)

سورة يس الآية 82

(3)

سورة يس الآية 83

(4)

سورة غافر الآية 57

(5)

سورة الأحقاف الآية 33

(6)

سورة آل عمران الآية 27

(7)

مختصر تفسير الطبري (اختصار وتحقيق محمد علي الصابوني. وصالح أحمد رضا. جـ 1 ص: 100.

(8)

سورة الأنعام الآية 95

ص: 322

" إذ الله هو الذي يخرج السنبل الحي من الحب الميت، ويخرج الحب الميت من السنبل الحي، والشجر الحي من النوى الميت، والنوى الميت من الشجر الحي "(1).

ومما يدل أيضا على قدرة الله تعالى على إخراج الأشياء من أضدادها قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} (2)، أي أن الذي جعل لكم بقدرته من الشجر الأخضر نارا تحرق الشجر لا يمتنع عليه فعل ما أراد ولا يعجزه إحياء العظام البالية وإعادتها خلقا جديدا، وقد أخبر سبحانه- كما يقول ابن القيم- بإخراج هذا العنصر الذي هو في غاية الحرارة واليبوسة من الشجر الأخضر الممتلئ بالرطوبة والبرودة، فالذي يخرج الشيء من ضده هو الذي يفعل ما أنكره الملحد من إحياء العظام وهي رميم " (3).

6 -

ومن الأدلة أيضا ما أشار إليه القرآن ولفت إليه نظر الإنسان من أن يتدبر في المراحل التي مر ويمر بها خلقه وتكونه وانتقاله من مرحلة التراب إلى أن يكون نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم يصبح طفلا وكهلا ثم يتوفى. فهذه المراحل في كل واحد من البشر، يلاحظها الإنسان ويشاهدها ولا سبيل إلى إنكارها، ويرتبط بها في النص القرآني مرحلة البعث وما يعقبه من تقييم للأعمال وجزاءه عليها. فالإنسان لا ينبغي أن ينكر البعث، وهو الحلقة الأخيرة من مراحل مسار الإنسان لا لشيء إلا لأنه لم يشاهده، فالله الذي خلق الإنسان ابتداء وجعله ينتقل في تلك المراحل لا يعجزه أن يعيده كما بدأه ويبعثه مرة أخرى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} (4){ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (5){وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (6).

(1) مختصر تفسير الطبري، جـ1. ص:240.

(2)

سورة يس الآية 80

(3)

مختصر الصواعق " ابن القيم "، جـ1. ص:101.

(4)

سورة الحج الآية 5

(5)

سورة الحج الآية 6

(6)

سورة الحج الآية 7

ص: 323

ويعلق ابن القيم على هذه الآية بقوله: " يقول سبحانه إن كنتم في ريب من البعث فلستم ترتابون في أنكم مخلوقون، ولستم ترتابون في مبدأ خلقكم من حال إلى حال إلى حين الموت، والبعث الذي وعدتم به نظير النشأة الأولى لا ترتابون فيها، فكيف تنكرون إحدى النشأتين مع مشاهدتكم لنظيرها "(1).

ويقول سيد قطب: "إن هذه الأطوار التي يمر بها الجنين ثم يمر بها الطفل بعد أن يرى النور، لتشير إلى أن الإرادة المدبرة لهذه الأطوار ستدفع بالإنسان إلى حيث يبلغ كماله الممكن في دار الكمال، إذ أن الإنسان لا يبلغ كماله في حياة الأرض فهو يقف ثم يتراجع:{لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} (2) فلا بد من دار أخرى يتم فيها تمام الإنسان.

فدلالة هذه الأطوار على البعث دلالة مزدوجة. فهي تدل على البعث من ناحية أن القادر على الإنشاء قادر على الإعادة، وهي تدل على البعث لأن الإرادة المدبرة تكمل تطوير الإنسان في الدار الآخرة، وهكذا تلتقي نواميس الخلق والإعادة، ونواميس الحياة والبعث، ونواميس الحساب والجزاء، وتشهد كلها بوجود الخالق المدبر القادر الذي ليس في وجوده جدال " (3).

7 -

بين القرآن أنه لو لم تكن هناك حياة أخرى لكانت الحياة الدنيا عبثا، ولو

(1) إعلام الموقعين: جـ1. ص: 140.

(2)

سورة الحج الآية 5

(3)

في ظلال القرآن. " سيد قطب " جـ 4. ص: 2411.

ص: 324

لم يكن هناك يوم آخر يبعث في الناس ويحاسبون على أعمالهم التي قاموا بها في الحياة الدنيا، لكان الخلق كله باطلا، وهذا أمر لا يتفق مع حكمة الله تعالى وعدله، فالله تعالى خلق الإنسان لغايات معينة وجعله كائنا مكلفا مسئولا، وربط هذا التكليف والمسئولية بالحساب والجزاء، ومن ثم نفى القرآن عدم الغاية والقصد من الخلق {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} (1)، {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا} (2). {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} (3). {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} (4){فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} (5)، {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (6){الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (7)، والحياة فيها الخير والشر، ومن الناس المحسن والمسيء، الكافر والمؤمن، الصالح والطالح، وقد تكون الغلبة في هذه الحياة للأشرار وقد يفلت الظالمون والمجرمون من عاقبة ما ارتكبوا من آثام وجرائم.

وعدل الله لا يسوي بين من أحسن وأساء: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (8). وحكمته تعالى تقتضي أن تكون هناك حياة أخرى غير هذه الحياة، يقام فيها ميزان العدل الإلهي، وينال كل عامل جزاء عمله خيرا كان أم شرا، وهذا ما أكده القرآن وأشارت إليه آياته:{إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} (9). {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} (10).

(1) سورة الدخان الآية 38

(2)

سورة ص الآية 27

(3)

سورة القيامة الآية 36

(4)

سورة المؤمنون الآية 115

(5)

سورة المؤمنون الآية 116

(6)

سورة الملك الآية 1

(7)

سورة الملك الآية 2

(8)

سورة الجاثية الآية 21

(9)

سورة يونس الآية 4

(10)

سورة آل عمران الآية 30

ص: 325

{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا} (1){اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} (2). {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} (3){فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} (4){وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (5).

8 -

وقد رد القرآن على حجج الملحدين الذين أنكروا البعث بحجة أن أجزاءهم قد تفرقت، واختلط بعضها ببعض، ومن ثم لا يمكن جمعها بعد تفرق، ووصلها بعد تمزق، وقد رد عليهم القرآن وبين أن الله سبحانه وتعالى يعلم ما يتحلل من جسم الإنسان بعد موته وأنه ما من جزء من أجزائه إلا وهو معلوم لديه، ومحفوظ عنده سبحانه، وإن اختلط بالأرض، وامتزج بالتربة، وهذا ما يفهم من قول الله عز وجل:{بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} (6){أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} (7){قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} (8). فمهما أصاب الجسم إذن من تبديل وتغيير ومهما تمزقت أجزاء الجسم وتحللت، فإن الله سبحانه وتعالى قادر على جمعها وإعادتها إلى حالتها السابقة:{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ} (9){بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} (10). وهكذا يرد القرآن على المشركين الذين تصوروا صعوبة جمع العظام الذاهبة في التراب، المتفرقة في الثرى، بتأكيده أنه ليس فقط قادرا على جمع العظام- بل إنه قادر على تسوية البنان وتركيبه في موضعه كما كان، وهي كناية- كما يقول سيد قطب- عن إعادة

(1) سورة الإسراء الآية 13

(2)

سورة الإسراء الآية 14

(3)

سورة الزلزلة الآية 6

(4)

سورة الزلزلة الآية 7

(5)

سورة الزلزلة الآية 8

(6)

سورة ق الآية 2

(7)

سورة ق الآية 3

(8)

سورة ق الآية 4

(9)

سورة القيامة الآية 3

(10)

سورة القيامة الآية 4

ص: 326

التكوين الإنساني بأدق ما فيه، وإكماله بحيث لا تضيع منه بنان، ولا تختل عن مكانها بل تسوى تسوية، لا ينقص منها عضو، ولا شكل هذا العضو مهما صغر ودق " (1).

وقد تشكك بعض الملحدين، واستبعد آخرون أن تحصى على الإنسان أقواله وأعماله، وأن يحاسب من ثم على كل ما قدمت يداه من قول أو عمل، ولكن جاء القرآن داحضا هذا الشك ومبينا أن الله سبحانه وتعالى يعلم ما يحيك في صدر الإنسان وتوسوس به نفسه:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (2). وأن كل ما يلفظ به الإنسان من كلام أيا كان نوعه، يحفظ في سجل كامل {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (3). وقد أثبت العلم الحديث إمكانية استرجاع ما يصدر عن الإنسان من الأصوات، ذلك أن كلام الإنسان يتحول إلى موجات هوائية، وأن هذه الموجات تبقى كما هي في الأثير إلى الأبد بعد حدوثها للمرة الأولى. ومن الممكن سماعه مرة أخرى، ولكن علم البشر الآن قاصر عن إعادة هذه الأصوات أو حفظ تلك الموجات مرة أخرى، ولكن من ناحية علمية نظرية من الممكن التقاط هذه الأصوات مرة أخرى، وسماع الأصوات القديمة إذا ما نجح الإنسان في اختراع آلة تقوم بذلك. وهذا يؤكد إمكانية ما أخبر عنه الوحي من أن كل ما ينطق به الإنسان مسجل وسيحاسب عليه يوم القيامة" (4).

ونفس الشيء يمكن أن يقال عن الأعمال. فإن العلم الحديث يؤكد بأن جميع الأعمال التي يقوم بها الإنسان فردا أم جماعة في الضوء أم في الظلام - موجودة في الفضاء في حالة صور، ومن الممكن في أية لحظة تجميع هذه الصور، حتى يعرف كل ما جاء به الإنسان من أعمال طيلة حياته سواء كانت

(1) في ظلال القرآن: جـ6، 3768/ 69

(2)

سورة ق الآية 16

(3)

سورة ق الآية 18

(4)

الإسلام يتحدى، ص 122 - 124

ص: 327

تلك الأعمال خيرة أم شريرة، حسنة أم قبيحة، فكل ما يحدث تصدر عنه حرارة بصفة دائمة وهذه الحرارة تعكس الأشكال وأبعادها تماما، وقد تم اختراع آلات دقيقة لتصوير الموجات الحرارية التي تخرج عن أي كائن، وبالتالي تعطي هذه الآلة صورا فوتغرافية كاملة للكائن غير أن الآلات التي تم اختراعها إلى الآن لا تستطيع تصوير الموجات الحرارية إلا خلال ساعات قليلة من وقوع الحادث، أما الموجات القديمة فلا تستطيع هذه الآية تصويرها لضعفها" (1) وإذا ما تذكرنا قدرة الله الشاملة التي لا تقاربها قدرة الإنسان مهما ملك من الإمكانات والوسائل، وعلم الله الشامل الذي لا يماثله علم البشر مهما اكتشف وتعلم، تأكد لنا ما أخبر به القرآن من أن كل إنسان سيعرض عليه كل ما قام به من أعمال صغيرة كانت تلك الأعمال أم كبيرة، أقوالا كانت أم أفعالا أم خطرات النفس:{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (2){وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا} (3){اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} (4).

9 -

وبالإضافة إلى هذه الأدلة العقلية والبراهين الاعتبارية التي قدمها القرآن لإثبات البعث وإمكان تحققه، فإن القرآن قدم نماذج وأشار إلى أحداث تم فيها إحياء بعض الموتى من الإنس أو الحيوان، وهذه طريقة لا شك أعظم لمن يؤمن بالقرآن من طريقة البرهان السالفة الذكر، لأنه لا شيء أدل- كما يقول ابن تيمية - على إمكانية الشيء من وجوده وتحققه، وقد أشار القرآن إلى بني إسرائيل الذين سألوا الله الرؤية وجعلوها شرطا لإيمانهم فأهلكهم الله بالصاعقة ثم بعثهم:{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} (5){ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (6).

(1) نفس المرجع ص: 124 - 127.

(2)

سورة الكهف الآية 49

(3)

سورة الإسراء الآية 13

(4)

سورة الإسراء الآية 14

(5)

سورة البقرة الآية 55

(6)

سورة البقرة الآية 56

ص: 328

وإلى قصة القوم الذين فروا من الطاعون ونزلوا واديا حماية لأنفسهم من الموت، فأماتهم الله ثم أحياهم وكان في إحيائهم- كما يقول ابن كثير - دليل قاطع على وقوع المعاد الجسماني في يوم القيامة:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} (1) وقصة القتيل الذي تخاصم فيه قومه فأمر الله أن يضربوه ببعض أجزاء البقرة وبين لهم كيف يمكن عودة الميت إلى الحياة: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} (2){فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (3) وأورد القرآن قصة الرجل الذي مر على قرية وهي خربة، فاستبعد عودة أهلها إلى الحياة مرة أخرى، فأراه الله عجيب قدرته في الإعادة والإحياء، فأماته مائة عام ثم بعثه، وأراه كيف أن طعامه طيلة هذه المدة لم يفسد، بينما حماره أصبح عظاما بالية وأوقفه الله على كيفية دبيب الحياة في العظام البالية وعودة حماره إلى الحياة مرة ثانية:{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (4)

(1) سورة البقرة الآية 243

(2)

سورة البقرة الآية 72

(3)

سورة البقرة الآية 73

(4)

سورة البقرة الآية 259

ص: 329