الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سجود الشكر
وأحكامه في الفقه الإسلامي
إعداد
الدكتور: عبد الله بن عبد العزيز الجبرين.
الأستاذ المساعد بالكلية المتوسطة بالرياض
قسم الدراسات الإسلامية.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام الشاكرين وقدوة المؤمنين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد. . فإن نعم الله على خلقه كثيرة لا تحصي، قال الله تعالى:{وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} (1)، وقال جل وعلا:{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} (2) وشكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعم من أعظم أسباب دوامها واستمرارها، وأن كفرها من أكبر أسباب زوالها، قال الله تعالى:
(1) سورة إبراهيم الآية 34
(2)
سورة لقمان الآية 20
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (1) وقال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (2).
وشكره جل وعلا على نعمه يكون بالقلب وذلك بأن يستشعر العبد بأن الله وحده هو الذي وهبه هذه النعم تفضلا منه وكرما، وأن يقصد الخير، ويضمره للخلق، ويكون باللسان، بالثناء على الله، والاعتراف له قولا بالتفضل والإنعام، وذكره تعالى بأنواع الذكر، كما يكون أيضا بالجوارح، وذلك بالاستعانة بهذه النعم على القيام بأوامر الله، واجتناب محارمه، والتقرب إليه سبحانه وتعالى بأنواع القربات من النوافل وغيرها (3).
ومن أعظم ما يشكر به العبد ربه سبحانه وتعالى عند تجدد النعم أو اندفاع النقم أن يخر لله ساجدا، فيضع أشرف عضو من أعضاء جسمه- وهو الوجه- على الأرض وينكس جوارحه خضوعا وتذللا لله جل وعلا، وشكرا له على هذه النعم، ويذكره في هذا السجود وهو على هذه الحال بأنواع الذكر من الشكر والتسبيح والدعاء والاستغفار وغيرها فيكون العبد قد شكر المنعم جل وعلا بهذا السجود بقلبه ولسانه وجوارحه.
ولذلك فإنه يرجى لمن شكر الله سبحانه وتعالى بهذه العبادة العظيمة أن يزيده من النعم، وأن يجعل هذه النعم إكراما له لا استدراجا أو ابتلاء واختبارا.
ومن أجل أهمية هذا الموضوع الذي هو شكر الله جل وعلا بالسجود له، ونظرا إلى أن هذه العبادة العظيمة والسنة النبوية الثابتة قد هجرها كثير من الناس، ونظرا إلى أن مسائل هذا الموضوع لم تنتظم في رسالة مستقلة، أحببت أن أجمع هذه المسائل في بحث مستقل.
أسأل أن ينفع بهذا العمل كاتبه وقارئه وجميع المسلمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) سورة إبراهيم الآية 7
(2)
سورة النحل الآية 112
(3)
الفتاوى الكبرى 1/ 215 تفسير ابن كثير 1/ 36، مختصر منهاج القاصدين ص 277.
وقال في مدارج السالكين وهو بصدد ذكره لأسماء الله وما تقتضيه (. . واسم البر المحسن المعطي المنان ونحوها تقتضي آثارها وموجباتها)(1).
وقال في طريق الهجرتين: (وإقرار قلوبنا بأن الله الذي لا إله إلا هو. . . وأنه حكيم كريم جواد محسن. . ولا أحد أحب إليه الإحسان منه فهو محسن يحب المحسنين. .)(2).
وقال في نونيته الكافية الشافية (3) وهو بصدد أسماء الله وصفاته:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
…
فالبر حينئذ له نوعان
وصف وفعل فهو بر محسن
…
مولى الجميل ودائم الإحسان
وكذلك الوهاب من أسمائه
…
فانظر مواهبه مدى الأزمان
ونقل القرطبي وابن حجر عن ابن حزم عده لأسماء الله الحسنى التي جمعها من القرآن والسنة، وكان من ضمن هذه الأسماء اسم المحسن ولما ساقها القرطبي نقلا عن ابن حزم قال: "وفاته الصادق. . إلخ) مما يشعر أن القرطبي مقر له فيما ذكر من أسماء، وكذلك كلام ابن حجر يشعر بأنه مقر له فيما ذكر في أسماء حيث علق على الأسماء التي نقلها عن ابن حزم بأن سبعة وستين اسما منها مأخوذة من القرآن وباقيها ملتقط من الأحاديث (4).
ثم إني لم أقف على كلام ابن حزم المشار إليه في شيء من كتبه وذلك بعد التتبع الذي وقفت عليه في كتبه من قوله يخالف ما نقلاه عنه حيث قال في فصله: (فلا يحل أن يسمى الله عز وجل القديم ولا الحنان. . ولا المحسن. . ولا بشيء لم يسم به نفسه أصلا وإن كان في غاية المدح).
(1) المدارج. (1/ 416).
(2)
طريق الهجرتين. (ص: 120).
(3)
(ص: 151).
(4)
انظر التلخيص الحبير لابن حجر (4/ 173).