الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
تعريف الوقف اصطلاحا
عرف الفقهاء الوقف بتعاريف كثيرة ومختلفة تبعا لاختلاف مذاهبهم في الوقف فكل منهم يعرفه تعريفا ينسجم مع آرائه في مسائله الجزئية.
فبعضهم يرى أن الوقف لازم وآخرون يرون أنه غير لازم وبعضهم يشترط فيه القربة وغيرهم على العكس من ذلك.
كما اختلفوا في الجهة المالكة للعين الموقوفة، وفي كيفية إنشائه هل هو عقد أم إسقاط؟ وما يترتب على ذلك من اشتراط القبول أو التسليم لتمامه وغير ذلك.
ولهذه الأسباب فقد اختلف الفقهاء في تعريف الوقف تبعا لرأي كل منهم في تلك المسائل، ولذا فسوف اقتصر على ذكر تعاريف أصحاب المذاهب الأربعة فقط، ولا يعني هذا أن تلك التعاريف صادرة من أئمة المذاهب أنفسهم الذين ينسب لهم ذلك المذهب كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله ولكن المتأخرين من فقهاء كل مذهب
صاغوها بما يتفق مع قواعد مذهبهم فجاءت تلك التعاريف مطابقة لما قرره إمام المذهب.
وعند الرجوع إلى كتب أصحاب تلك المذاهب نجد أن للوقف تعاريف كثيرة تختلف قي ألفاظها عن الأخرى وإن اتفقت في كثير من الأحيان في معانيها، ولذا فسوف أذكر أهم التعاريف التي صدرت عن أصحاب تلك المذاهب مع شرح موجز لألفاظ كل تعريف، مع الالتزام بعدم إعادة شرح اللفظ في التعريف اللاحق إذا كان قد تم شرحه في التعريف السابق وذلك تجنبا للتكرار.
أولا: تعريف الحنابلة للوقف:
عرفه ابن قدامة في المقنع بأنه (تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة)(1).
وعرفه في المغنى بأنه (تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة)(2).
وكلا التعريفين متفقان في المعنى إلا أنه عبر (بالثمرة) في التعريف الذي ذكره في المغني بدل (المنفعة) التي عبر بها في المقنع، وكلاهما بمعنى واحد. وإن كان التعبير (بالمنفعة) أشمل وأكثر دلالة على المقصود.
شرح التعريف:
قوله: (تحبيس) من الحبس وهو المنع ضد الإطلاق، وهو اسم جنس يشمل كل حبس كالرهن والحجر، والمقصود إمساك العين ومنع تملكها بأي سبب من أسباب التملكات (3).
قوله: (الأصل) أي العين الموقوفة.
قوله: (تسبيل المنفعة) أي إطلاق فوائد العين الموقوفة وعائداتها- من غلة
(1) انظر المقنع (2/ 307)
(2)
انظر المغني (5/ 597)
(3)
انظر كشاف القناع (2/ 489).
وريع وغير ذلك- للجهة المقصودة في الوقف والمعنية به، أي يجعل سبيلا أي طريقا لمصرفها (1).
وعبر (بتسبيل المنفعة) لأنه أراد أن يكون على بر أو قربة (2).
والتسبيل يقتضي إخراج الأحباس الأخرى غير الوقف كالرهن والحجر لأنها غير مسبلة.
واحترز بقوله: (المنفعة) عن إعطاء الذات كالهبة فإن الواهب يعطي ذات العين الموهوبة له بخلاف الوقف فإن المعطى هو منفعته وثمرته لا غير.
الاعتراض على هذا التعريف:
اعترض على هذا التعريف بأنه لم يجمع شروط الوقف (3).
وأجيب بأن التعريف هدفه ذكر حقيقة الشيء المعرف دون الدخول في تفصيل جزئياته، وهذا التعريف اقتصر على ذكر حقيقة الوقف فقط، ولم يدخل في تفاصيل أخرى تعتبر من الأمور المختلف فيها، بل ترك بيان ذلك وتفصيله عند الكلام عن تلك الأمور، إذ أن الدخول في التفاصيل قد يخرج التعريف عن دلالته ويبعده عن الهدف المقصود منه.
وعرفه شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه (كل عين تجوز عاريتها)(4).
شرح التعريف:
قوله: (كل عين) أي كل مال وقوله: (تجوز عاريتها) قيد أخرج به ما لا يجوز إعارته كوقف الدار لمن يشرب فيها الخمر أو يبيعه فيها.
(1) انظر المرجع السابق (4/ 267).
(2)
انظر المبدع (5/ 313)، المجموع شرح المهذب (14/ 218).
(3)
انظر الإنصاف (7/ 3).
(4)
انظر الاختيارات الفقهية (ص 171).
الاعتراض على هذا التعريف:
أنه يدخل في هذا التعريف أشياء كثيرة لا يجوز وقفها عند الإمام أحمد- رحمه الله وأصحابه (1).
واستحسن برهان الدين بن مفلح في كتابه المبدع شرح المقنع تعريف الوقف بأنه (حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، ممنوع من التصرف في عينه بلا عذر، مصروف منافعه في البر تقربا إلى الله تعالى)(2).
وعرفه تقي الدين محمد بن أحمد بن النجار الفتوحي في منتهى الإرادات بأنه (تحبيس مالك مطلق التصرف ماله المنتفع به مع بقاء عينه، ممنوع من التصرف في عينه بلا عذر، مصروف منافعه في البر تقربا إلى الله تعالى)(3).
وهذا التعريف والذي قبله متقاربان في المدلول، ولذا سنشرح الألفاظ الزائدة فيهما عما تقدم، ثم نورد ما عليهما من اعتراض.
فقوله: (مال) قيد خرج به ما ليس بمال كالخمر والخنزير فإن كلا منهما ليس بمال عند المسلمين، وإنما المال عندهم هو العين المعينة المملوكة ملكا يقبل النقل ويحصل منها فائدة (4).
وقوله: (يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه) قيد آخر احترز به عما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه كالريحان والطعام، إذ لا يجوز وقفهما لأن الأول
(1) انظر الإنصاف (7/ 3).
(2)
انظر المبدع (5/ 313).
(3)
انظر منتهى الإرادات مع شرحه (2/ 489 - 450).
(4)
انظر روضة الطالبين (5/ 314).