الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويمكن أن يجاب عن هذا الدليل بأن الصحيح أن سجود الشكر ليس بصلاة (1)، فلا تشترط فيه شروط الصلاة.
والراجح في هذه المسألة هو القول الأول، لأنه لم يرد في سنة المصطفي صلى الله عليه وسلم ما يدل على إيجاب ذكر معين في هذا السجود، لكن يستحب للساجد أن يكثر من شكر الله على هذه النعمة، وأن يكثر من التسبيح والدعاء والاستغفار، وإن أتى في سجوده عند رؤية مبتلى بالذكر الذي ندب النبي صلى الله عليه وسلم من رآه أن يقوله فحسن، فقد روى أبو هريرة وابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من رأى صاحب بلاء، فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا، عوفي من ذلك البلاء (2)»
(1) سبق الكلام على هذه المسألة.
(2)
سبق تخريجه.
المسألة الثالثة: هل يجب في سجود الشكر تشهد أو سلام
؟
اختلف أهل العلم في سجود الشكر هل يجب بعد الرفع منه تشهد أو سلام على أربعة أقوال:
القول الأول: أنه لا يجب في سجود الشكر تشهد أو سلام، وهذا هو المنصوص عن الإمام الشافعي، وبه أنه قال الإمام أحمد في رواية عنه، وهو وجه في مذهب الشافعية، لعدم ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم" (1).
القول الثاني: أنه لا يشرع في هذا السجود تشهد أو سلام بل هو بدعة، لا يجوز فعله (2).
القول الثالث: أنه يجب السلام لسجود الشكر، ولا يجب له، تشهد، وإنما
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية 21/ 277، تهذيب السنن 1/ 53، 54، المجموع 4/ 68، البحر الزخار 1/ 286.
(2)
مجموع فتاوى ابن تيمية 23/ 170، 171.
يجلس بعد رفعه من السجود هنيهة ثم يسلم، وبهذا قال الإمام أحمد في رواية عنه (1)، وهو المشهور عند متأخري أصحابه (2)، وهو وجه في مذهب الشافعية (3)، وقد ذكر بعض من اختار هذا القول أنه يجزئ فيه تسليمة واحدة (4).
واستدل أصحاب هذا القول بأن السجود المجرد صلاة، فيجب التسليم منه (5)، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:«مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم (6)»
ويمكن أن يناقش هذا الدليل بأن الصحيح أن السجود المجرد ليس صلاة، فلا يشرع فيه ما يشرع في الصلاة (7) ولو كان مشروعا لفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولنقل عنه (8).
ويمكن أن يستدل لهذا القول أيضا بما ذكره بعض العلماء في سجود التلاوة من قياس التحليل على التحريم، وذلك بأن السجود عبادة لها تحريم، وهو تكبيرة الإحرام، فكذلك يشرع لها تحليل وهو السلام، كصلاة الجنازة، بل أولى، لأن السجود فعل، وصلاة الجنازة قول (9).
وقد أجيب عن هذا الدليل بعد التسليم بوجوب تكبيرة الإحرام في أول السجود، فإن الصحيح أنها غير واجبة (10) فالقياس غير صحيح (11).
(1) المرجع السابق 21/ 277.
(2)
تهذيب السنن 1/ 53، شرح المنتهى 1/ 240، مطالب أولي النهى 1/ 590.
(3)
المجموع 4/ 68، دليل الفالحين 3/ 647.
(4)
شرح المنتهى 1/ 240، مطالب أولى النهي 1/ 590.
(5)
مجموع فتاوى ابن تيمية 23/ 169، تهذيب السنن 1/ 54.
(6)
سبق تخريجه.
(7)
سبق الكلام عن هذه المسألة.
(8)
تهذيب السنن 1/ 54.
(9)
تفسير القرطبي 3/ 358، سبل السلام 2/ 413.
(10)
سبق الكلام على هذه المسألة.
(11)
سبل السلام 2/ 413.
القول الرابع: أنه يجب في سجود الشكر تشهد وسلام، وهذا القول وجه في مذهب الشافعية (1).
ويمكن أن يستدل لهذا القول بأن سجود الشكر صلاة، فيجب فيه ما يجب في الصلاة من التشهد والسلام.
ويمكن مناقشة هذا الدليل بما نوقش به الدليل الأول للقول الثالث.
ويمكن أن يستدل له بالقياس على سجود السهو، فقد روي «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تشهد بعد سجود السهو ثم سلم (2)»
ويمكن أن يجاب عن هذا الدليل بأن الأحاديث التي ذكر فيها التشهد بعد سجود السهو قد تكلم أهل العلم فيها كلها، وعلى فرض صحتها فإن سجود السهو تابع للصلاة، بخلاف سجود الشكر، فلا يصح قياس أحدهما على الآخر.
والراجح في هذه المسألة هو القول الأول، وهو أنه لا يجب في سجود
(1) المجموع 4/ 68، وانظر تهذيب سنن أبي داود 1/ 53.
(2)
روى أبو داود (1039)، والترمذي (395) وابن الجارود (247) والحاكم 1/ 323، وابن المنذر في الأوسط 3/ 316، 317 رقم (1712)، وابن حبان (موارد الظمآن 536)، وابن خزيمة (1062) والبيهقي 2/ 355 من طريق أشعث بن عبد الملك الحمراني عن ابن سيرين عن خالد الحداء عن أبي قلابة عن أبي الملهب عن عمران بن حصين فذكره، ورجاله ثقات، وقال الشيخ محمد ناصر الدين في الارواء 2/ 130 "ضعيف شاذ". وله شاهد رواه الإمام أحمد 1/ 428 وأبو داود (1028)، والنسائي وسننه الكبرىكما في التحفة (9605)، والبيهقي 2/ 355، من طريق محمد بن سلمة عن خصيف عن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإسناده ضعيف، "خصيف " سيئ الحفظ، وقد اختلط بآخره كما في التقريب "وأبو عبيدة" لم يسمع من أبيه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وروى البيهقي في الموضع السابق من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثني الشعبي عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم تشهد بعد أن رفع رأسه من سجدتي السهو. وإسناده ضعيف لسوء حفظ ابن أبي ليلى. وقال الحافظ في الفتح 3/ 98، 99 بعد ذكره للأحاديث السابقة وما فيها من ضعف، قال: "قد يقال: إن الأحاديث الثلاثة في التشهد باجتماعها ترتقي إلى درجة الحسن، قال العلائي: وليس ذلك ببعيد، وقد صح ذلك عن ابن مسعود من قوله، أخرجه ابن أبي شيبة.