الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يضر إلا نادرا كما أنه يسرع إليه الفساد، والثاني: لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاكه (1).
وقوله: (ممنوع من التصرف في عينه بلا عذر) يخرج ما كان التصرف فيه لعذر كالوقف المتعطل فإنه يجوز التصرف فيه بما هو من مصلحته.
وقوله: (مصروف منافعه في البر) يخرج ما كانت منافعه في معصية الله من المحرمات كالوقف على أهل الحرب أو الزنا.
وقوله: (تقربا إلى الله تعالى) أي ينوي به القربة وفيه إشارة إلى أن التقرب إلى الله شرط لصحة الوقف.
واحترز بقوله: (مالك) في تعريف الفتوحي عمن ليس بمالك فلا يجوز وقف مال الغير.
وقوله: (مطلق التصرف) قيد احترز به عن المحجور عليه لسبب من أسباب الحجر المعتبرة شرعا وقصد به المكلف الحر الرشيد.
وقوله: (بقطع تصرفه وغيره في رقبته) أخرج به ما ليس بوقف من أموال الحبس الأخرى كالمال المرهون.
الاعتراض على هذين التعريفين:
اعترض على هذين التعريفين بأنهما قد أدخلا شروط الوقف في تعريفه وهذا خروج بالتعريف عن المقصود منه (2).
ثم إنهما أدخلا أمورا مختلفا فيها في التعريف والأولى الاقتصار على ما يدل على الشيء المعرف بصرف النظر عن الجزئيات الخلافية فيه.
(1) انظر أسنى المطالب شرح روضة الطالب (2/ 457)
(2)
انظر الإنصاف (7/ 3)، كشاف القناع (4/ 267)
ثانيا:
تعريف الوقف عند الحنفية:
يفرق فقهاء الحنفية بين
تعريف الوقف عند أبي حنيفة
رحمه الله وبين تعريفه على رأي الصاحبين- رحمهما الله تعالى-.
وسبب ذلك اختلافهم في جملة من المسائل أهمها:
1 -
اختلافهم في عقد الوقف من حيث اللزوم وعدمه.
2 -
اختلافهم في الجهة التي تنتقل إليها العين الموقوفة، وهل تخرج العين عن ملك واقفها أم لا؟
ولهذا فسوف نبين هنا تعريف الوقف على رأي الإمام أبي حنيفة رحمه الله ثم نتبعه ببيان تعريفه على رأي صاحبيه.
1 -
تعريف الوقف عند أبي حنيفة:
لقد ذكر بعض فقهاء الحنفية تعريف الوقف مما يشبه رأي الإمام أبي حنيفة، وبعضهم نص في تعريفه على أنه هو نفسه تعريف الوقف عند أبي حنيفة.
(ا) فنجد الإمام السرخسي قد عرفه بقوله: (حبس المملوك عن التمليك من الغير)(1).
فقوله: (المملوك) قيد يراد به الاحتراز عن غير المملوك لأن الواقف إذا لم يكن مالكا للعين الموقوفة حين الوقف فإنه لا يصح وقفه، ولو آلت العين إلى ملكه بعد ذلك. فمن وقف أرضا غير مملوكة له بناء على أن نيته شراؤها ووقفها فإنه لا يصح وقفه.
ويراد من قيد (عن التمليك من الغير) أن العين الموقوفة لا يصح أن يجري عليها أي تصرف من التصرفات التي تجوز للمالك في ملكه.
كما أن إضافة (من الغير) إلى (التمليك) تفيد بقاء العين على ملك الواقف، حيث خص الغير دون الواقف نفسه (2).
(1) انظر المبسوط للسرخسي (12/ 27)
(2)
انظر حاشية ابن عابدين (4/ 337).
وما جاء بعد كلمة (حبس) في التعريف هو في مجموعه قيد أخرج به ما ليس بوقف، إذ أن الراهن غير ممنوع من تمليك العين المرهونة من الغير عند استيفاء شروط ذلك.
الاعتراضات على هذا التعريف:
اعترض على هذا التعريف بعدة اعتراضات أهمها:
1 -
أن قوله (حبس المملوك) يقتضي لزوم الوقف وعدم جواز الرجوع فيه وهذا خلاف قول الإمام أبي حنيفة حيث إن الوقف غير لازم عنده، وعلى هذا فإن هذا التعريف لا يناسب الوقف غير اللازم، إذ لا حبس فيه لأنه غير ممنوع من بيعه، بخلاف اللازم فإنه محبوس حقيقة (1).
2 -
أن هذا التعريف غير مانع وذلك لأن لفظ (المملوك) الوارد في التعريف لفظ عام يشمل كان مملوك سواء كان عقارا أو منقولا وأبو حنيفة رحمه الله لا يرى صحة وقف المنقول.
(ب) ونجد المرغيناني يعرف الوقف فيقول: (وهو في الشرع عند أبي حنيفة رحمه الله: (حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة)(2).
وبمثل هذا التعريف عرفه التمرتاشي في تنوير الأبصار (3).
(1) انظر المرجع السابق.
(2)
انظر الهداية (3/ 13).
(3)
انظر تنوير الأبصار مع حاشية ابن عابدين (4/ 337).
وإذا كان هذا التعريف هو تعريف الوقف عند أبي حنيفة فهو في الحقيقة تعريف للوقف غير اللازم، فإن غالبية فقهاء الحنفية ينقلون عنه أنه يرى جواز الوقف إلا أنه غير لازم كالعارية (1).
الاعتراض على هذا التعريف:
1 -
يعترض عليه بمثل ما اعترض به على التعريف الأول الذي عرف الوقف به السرخسي، وذلك أنه أورد لفظ (الحبس) المقتضي للزوم الوقف وهو خلاف قول أبي حنيفة رحمه الله فتعريفه بأنه حبس غير صحيح.
وفي هذا يقول الكمال بن الهمام في فتح القدير: (ولفظ "حبس " إلى آخره، لا معنى له لأن له أن يبيعه متى شاء وملكه مستمر فيه كما لو لم يتصدق بمنفعته فلم يحدث الواقف إلا مشيئة التصدق بمنفعته وله أن يترك ذلك متى شاء، وهذا القدر كان ثابتا له قبل الوقف)(2).
2 -
كما يعترض عليه بأن جعل ملكية العين باقية على ملك الواقف، يرد عليها (وقف المسجد) فإنه وقف على ملك الله تعالى.
وعلى هذا فإن هذا التعريف غير جامع.
ويمكن دفع هذا الاعتراض: بأنه تعريف للوقف المختلف فيه، وليس هو للوقف المتفق عليه.
ويجاب عن ذلك بأن إيراده تعريفا للوقف يرد هذا الجواب وهو إنما أورده معرفا به الوقف، ولو أراد التفصيل لذكر له تعريفين ولم يقتصر على هذا التعريف فقط.
(1) انظر حاشية ابن عابدين (4/ 337).
(2)
انظر فتح القدير (5/ 4).