الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويورد القرآن أيضا قصة إبراهيم عليه السلام وكيف أمره الله بتفريق أجزاء الطير، ثم أراه كيف يعيدها مرة أخرى للحياة {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (1). ويورد القرآن قصة أصحاب الكهف وكيف أماتهم الله ثلاثمائة وتسعة أعوام ثم بعثهم. وكانوا نموذجا حيا لإمكانية البعث والمعاد {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا} (2)، فهذه النماذج جميعها وغيرها مما ورد في القرآن تدل أوضح الدلالة وأبينها على إمكانية البعث وتحققه ولا يماري فيها إلا معاند متكبر.
(1) سورة البقرة الآية 260
(2)
سورة الكهف الآية 21
أثر عقيدة الإيمان بالآخرة في حياة الإنسان
إن للإيمان باليوم الآخر أثرا عظيما في حياة الناس أفرادا وجماعات، إذ تختلف حياة من يؤمن باليوم الآخر عن ذلك الذي لا يؤمن بأن هناك حياة أخرى بعد هذه الحياة، كما تختلف حالة المجتمعات التي يسود بين أفرادها الإيمان بالآخرة عن تلك المجتمعات التي يؤمن أفرادها بأن الدنيا هي نهاية المطاف، ويظهر هذا الأثر في حياة الإنسان الفكرية والنفسية والخلقية، فالذي يؤمن بالحياة الأخرى يجد من خلال هذه العقيدة تفسيرا لكثير من ظواهر الحياة الإنسانية وما ينبغي أن يسود حياة الإنسان من قيم وفضائل وأخلاق وتضحيات، إذ أن الذي يعتقد بأن الحياة الدنيا هي نهاية المطاف ستكون غايته الأولى وهمه الأكبر الحصول على أكبر قدر من متعها ولذائذها المادية،
وسيصير همه في هذا المجال، الصراع من أجله. ومن ثم لن يعرف معنى للقيم الإنسانية، كمعاني الإخاء والمساواة والفضائل الإنسانية؛ من تعاون على الخير إذا ما تصادمت مع متعه الدنيوية، بينما الذي يؤمن بأن الدنيا هي عبارة عن دار ابتلاء وامتحان، وأن متاعها زائل موقوت وأن كل متاع يفوته فيها امتثالا لأمر الله وطاعته، سيعوض عنه في الآخرة متاعا أعلى وأحق وأبقى، وأن كل مجانبة لأمر الله من أجل متاع الدنيا يجازى عليه في الآخرة عذابا ليس في طاقة البشر احتماله:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} (1). إن من يدرك هذا ستهون عنده قيمة الحياة الدنيا قياسا إلى الآخرة، وسيبذل جهده في سبيل إبراز أعلى القيم الإنسانية من خلال عمله.
وللإيمان بالحياة الآخرة أثر أيضا في سلوك الإنسان وتصرفاته- فمن يؤمن بأن هناك حياة أخرى، تجده يعيش مطمئنا راضيا يتمتع بالسكينة والقناعة وأمثالها من المشاعر التي هي أساس الحياة الإنسانية، لأن مثل هذا الشخص مطمئن غاية الاطمئنان إلى عدالة الله المطلقة ورحمته وكرمه ومتيقن تماما بأن الدنيا وما فيها موقوت وأنها الطريق إلى وجود حقيقي وخالد. ومن ثم فيتحمل مثل هذا الشخص الابتلاء، ويتحلى بالصبر على المصائب عن رضى، فيصبر على الضراء، كما يعتبر النعم نوعا من الابتلاء يستحق موقف الشكر، ويستخدم ما يناله من نعم فيما يعود عليه وعلى غيره بالخير والنفع، ومن ثم يكون سعيدا في حال السراء والضراء، كما عبر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان ذلك خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان له خيرا، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن (2)» أما الشخص الذي لا يؤمن بحياة أخرى فإنه يسابق السنوات القليلة المحدودة التي يعيشها في الدنيا، ويسيطر عليه شعور الضيق والقلق والاضطراب كلما تقدم به العمر وقصرت به طموحاته وآماله، وغالبا ما يكون
(1) سورة النساء الآية 56
(2)
مسلم، كتاب الزهد، باب المؤمن أمره كله خير. جـ 8، ص:227.
أمثال هؤلاء عرضة للأمراض النفسية والعصبية، والإصابة بأنواع الاكتئاب النفسي والقلق والانتحار، لأنه حصر الوجود كله في هذه الحياة الدنيا فإن فشل فيه أو عجز عن القيام بما يسعى له فقد قيمة الحياة والوجود بأسره. . بينما المؤمن تتسع الحياة عنده لتشمل الآخرة، ويكون له منها غاية وهدف يسعى لتحقيقه ويسعد بذلك كما عبر ربعي بن عامر التميمي:(إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها- ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام)(1).
أما الأثر الأخلاقي للإيمان باليوم الآخر، فيتمثل في الشعور الدائم برقابة الله تعالى، فالذي يؤمن بالله يعلم ما توسوس به نفس الإنسان، وإنه محص عليه كل أعماله صغيرة كانت أم كبيرة ومحاسبه على ما يقدم، لن يجرؤ على الإقدام على غير ما يرضي الله من أقوال أو أفعال، وسيكون في حذر دائم ويقظة لا تغفل عن المحاسبة. وقد اتخذ القرآن من التذكير بهذه الحقائق وسيلة إلى الدعوة إلى الأخلاق الفاضلة والقيم الإنسانية والتمسك بها:{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (2){وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} (3)، مؤكدا أن هذه الحياة الدنيا متاع زائف، ولحظات عابرة، ومن ثم لا ينبغي الأخذ منها إلا بالقدر المأذون فيه، وما فات منها لا ينبغي الحسرة عليه، وما أصاب الإنسان لا ينبغي السرور به - فضلا عن عدم التكالب عليها وإضاعة العمر في سبيل الصراع حولها. وبدلا من هذا ينبغي السعي إلى النعيم المقيم، واللذة التي لا تنفد، والمتاع الذي لا يزول، ولا يحول في دار غير هذه الدار وحياة غير هذه الحياة" {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (4){اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (5){سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (6).
(1) حياة الصحابة، " الكاندهلوي " جـ 1. ص:220.
(2)
سورة البقرة الآية 223
(3)
سورة البقرة الآية 272
(4)
سورة العنكبوت الآية 64
(5)
سورة الحديد الآية 20
(6)
سورة الحديد الآية 21