الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فضلا عن أن الودائع التي تسحب عند الطلب تعطي فوائد ضئيلة، أو قد لا تعطي أي فائدة؛ لذلك، فإن تخزين المال يعد في الغالب طريقة ادخار انتقالية، بسبب سيولته ومردوده الذي هو بحكم العدم (1).
1 -
جعل التأمين التجاري نوعا من الادخار، وقد عرضه ولم يذكر أنه ممنوع شرعا، وقد سبق أن نظره المجلس وأصدر قرارا فيه بالمنع.
2 -
الادخار الذي يكون في سندات مالية وأسهم يكون منطلقا لبيع هذه الأسهم وبشرائها بصورة أو بأخرى، قد تكون مشروعة، أو ممنوعة، والكاتب لم يقيد ذلك بالمشروع، وقد سبق تفصيل الكلام على الأوراق المالية في بحث البورصة ص (119) وما بعدها.
3 -
أسلوب قروض الرهائن، وهي ديون تضمنها عقارات، هذا يؤدي إلى أن الأرباح المتحصلة على القروض ربا، وهو من القرض الذي جر نفعا، كما أن العقار المرهون ينتفع به المقرض، والانتفاع بالمرهون من الانتفاع الممنوع؛ إذ ليس المرهون مركوبا ولا محلوبا يركب ويحلب ص (130).
4 -
الادخار عن طريق وضع الودائع في المصارف وصناديق التوفير ص 133، هذا من الربا، وقد أصدر فيه سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء توصية في مجلس هيئة كبار العلماء لمنع ذلك وسيأتي ذكرها في الكلام على الحكم.
(1) الاقتصاد، وجيه إبراهيم ص 62 - 68.
سابعا:
حكم الادخار:
اختلف العلماء المعاصرون في حكم الادخار:
فمنهم من أجازه؛ لأن مصلحة الناس تقتضيه، ولأنه لا يدخل في عموم
أدلة الربا، ومنهم من منعه؛ لأن أدلة الربا تتناوله بعمومها؛ لأن المناط المقتضي للمنع في أدلة تحريم الربا، وهو الزيادة بدون مقابل موجود في الادخار.
فالشركات تدفع للمدخرين زيادة بدون مقابل كما سبق بيانه في الأمر الخامس، ومنهم من يرى مراعاة اختلاف أوضاع الناس، كالبلاد التي يمكن أن تطبق فيها شركة المضاربة ويقتنع بها الناس ويثقوا بالقائمين عليها تطبق فيها، والبلاد التي لا يمكن أن يطبق فيها إلا الادخار؛ لأن أهلها لا يثقون إلا بربح محدد مضمون يطبق فيها الادخار.
وفيما يلي ذكر نقول عنهم:
1 -
ربح صندوق التوفير في إدارة البريد (مجلة المنار).
2 -
صندوق التوفير في إدارة البريد، وبيان حكمة تحريم الربا (مجلة المنار).
3 -
صندوق التوفير (مجلة المنار).
4 -
ربح صندوق التوفير (مجلة المنار).
5 -
فتوى رئيس لجنة الفتوى بالأزهر: عبد المجيد سليم.
6 -
توصية هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية بتحريم وضع الأموال في البنوك لأخذ فوائد عليها.
7 -
فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بتحريم الادخار.
8 -
جواب محمد بن عبد الله العربي، عضو مجمع البحوث الإسلامية بأن ما أمكنه تطبيقه من شركة المضاربة، أو الادخار، فإنه يطبق على حسب اختلاف أوضاع الناس.
1 -
أشيع في هذه الأيام أن الحكومة استفتت مفتي الديار المصرية في ربا صندوق التوفير الذي أنشئ في إدارة البريد، فأفتاها به.
والحق أن الحكومة لم تستفت في ذلك؛ إذ لا معنى للاستفتاء في شيء صدر به الأمر العالي، ونفذ منذ سنين، ولكن بعض رجال الحكومة، ومنهم مدير البوسطة قالوا للمفتي في حديث عادي: إن أكثر من ثلاثة آلاف مسلم من مودعي النقود في صندوق التوفير لم يأخذوا الفائدة المخصوصة بذلك - بمقتضى الدكريتو الخديوي - تدينا فهل توجد طريقة شرعية تبيح للمسلمين أخذ ربح أموالهم من صندوق التوفير؟
فقال: (إن الربا المنصوص لا يحل بحال ولما كانت مصلحة البريد تستغل الأموال التي تأخذها من الناس لا لأنها تقترضها للحاجة، فمن الممكن تطبيق استغلال هذه الأموال على قواعد شركة المضاربة (1).
ويقال: إن الحكومة كلفت المفتي ببيان هذا التطبيق لتغير قانون صندوق التوفير، وتجعله مطابقا لأحكام الشريعة؛ رعاية لمصلحة رعيتها المسلمين، إنه شرع في ذلك بمساعدة بعض العلماء.
ويقال أيضا: إنه لما علم الأمير بذلك افترضه وأمر بتأليف لجنة من علماء الأزهر ليبينوا كيفية هذا التطبيق على الوجه الشرعي، حتى إذا عرض عليه القانون المنقح لإصدار أمره به يكون على بصيرة من المشروع.
ويقال: إن اللجنة التي ندبها الأمير هي غير اللجنة التي تشتغل مع المفتي بالتطبيق الذي طلبته الحكومة. وفي هذا مزيد عناية ببيان الحق، ولكن الناس فهموا منه أن الأمير على خلاف مع حكومته في ذلك، فعسى أن يزول
(1) المنار 6/ 717، 718.
سوء الفهم، ويرجع إلى الحق أهل الوهم. . وإن لنا في موضوع الربا والمصارف قولا مبينا نرجئه لفرصة أخرى.
2 -
صندوق التوفير في إدارة البريد، وبيان حكمة تحريم الربا.
(س 4) مصطفى أفندي رشدي المورلي بنيابة الزقازيق: ما هو رأي سيادتكم في صندوق التوفير بعد تعديله الأخير، وهل يجوز الادخار فيه وأخذ أرباحه شرعا؟ ولا يخفى على حضرتكم فوائده سيما أنه يربي ملكة الاقتصاد في الإنسان، وهو ما يؤيده الشرع في ذاته، أفيدونا آجركم الله؟
(ج) إن التعديل الذي تعنونه، قد كان برأي لجنة من علماء الأزهر جمعها أمير البلاد لأجل تطبيق إيداع النقود في الصندوق على قواعد الفقه المعروفة، وقد كتبوا في ذلك ما ظهر لهم وأرسلته (المعية) إلى الحكومة فعرضته على المفتي، وبعد التصديق عليه أمرت بالعمل به. هذا ما اشتهر، ونحن لم نقف على ما كتبوه فنبدي رأينا فيه، ولكننا مع ذلك لا نرى بأسا من العمل به؛ لأننا إنما ننتقد من الحيل على علماء الظاهر، أو علماء الرسوم - كما يقول الغزالي - ما ينافي مقاصد الشرع الثابتة بالكتاب والسنة، كالحيلة في منع الزكاة والحيلة في الربا الحقيقي الذي علل القرآن تحريمه بقوله تعالى:{لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (1)، والذي فصل بينه وبين التجارة بقوله عز وجل:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (2)، فالتعاقد في عمل يفيد الآخذ والمعطي بيع أو تجارة، والذي يفهم سبب تحريمه من قوله تعالى:
(1) سورة البقرة الآية 279
(2)
سورة البقرة الآية 275
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} (1)، وذلك أنه كان في المدينة وغيرها من اليهود والمشركين من يقرض المحتاج بالربا الفاحش، كما نعهد من اليهود والخواجات في هذه البلاد، وفي ذلك من خراب البيوت ما فيه.
فالحكمة في تحريم الربا إزالة نحو هذا الظلم والمحافظة على فضيلة التراحم والتعاون، أو فقل: أن لا يستغل الغني حاجة أخيه الفقير إليه - كما قال الأستاذ الإمام - وهذا هو المراد بقوله تعالى: {فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (2)، ولا يخفى أن المعاملة التي ينتفع ويرحم فيها الآخذ والمعطي والتي لولاها لفاتتهما المنفعة مما تدخل في التعليل {لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (3)؛ لأنها ضده على أن المعاملة التي يقصد بها البيع والاتجار لا القرض للحاجة هي من قسم البيع لا من قسم استغلال حاجة المحتاج. ولا يخفى أن إدارة البريد هي مصلحة غنية من مصالح الحكومة، وأنها تستغل المال الذي يودع في صندوق التوفير فينتفع المودع والعمال المستخدمون في المصلحة والحكومة، فلا يظلم أحدهم الآخر.
فالأرجح أن ما قالوه ليس من الحيل الشرعية، وإنما هو من قبيل الشركة الصحيحة (4)، من قوم المال، ومن آخرين الاستغلال فلا مانع إذن في رأينا من العمل بتعديلهم على أن العبرة في نظر الفقه بالعقد، ولذلك يحتال بعض علماء الرسوم في الربا الحقيقي فيأكلونه بلا عقد، ويقولون: إن ذلك
(1) سورة آل عمران الآية 130
(2)
سورة البقرة الآية 279
(3)
سورة البقرة الآية 279
(4)
المنار 7/ 28.
من قبيل البيوع الفاسدة، وهي صغيرة، أو مكروهة، وهذا شيء لا يحل ولا نقول به.
والحاصل أن المسألة قد أحلوها من طريق الفقه الظاهر، والباحث في الفقه الحقيقي، وهو - حكمة الشرع وسره - لا يرى ما ينافي حلها بناء على ما تقدم. والتضييق في التعامل يفقر الأمة ويضعفها ويجعلها مسودة للأمم، والله أعلم وأحكم.
3 -
وأما المسألة الثانية: وهي مسألة صندوق التوفير، فهي عامة في جميع المسالك الأوربية وما على نسقها من البلاد كمصر. وقد أجازه جماعة من علماء المذاهب الأزهريين، وأفتى به مفتي الديار المصرية بعد تطبيق استغلال مصلحة البريد المصرية للأموال الموفرة فيه على بعض أحكام الشركات الشرعية، كما بيناه في المنار فراجعوا ذلك في المجلدين السادس والسابع.
ونزيدكم على ذلك أن علماء الأزهر نظروا في ذلك وأقروا ما أقروه فيه بطلب أمير البلاد بناء على اعتبارهم أنها بحسب حالها الشرعية دار إسلام. وكان ذلك قبل الحرب الأخيرة، ووضع مصر تحت الحماية الأجنبية التي لا يعترفون بها ببضعة عشر عاما، وبلاد جاوه ليست دار إسلام ولا تجرى فيها المعاملات المالية على الشريعة الإسلامية، فلا يجب على المسلم فيها أن يلتزم في هذه المعاملات مع الحكومة الهولندية، أو الشركات الهولندية، أو الأفراد أحكام شريعته في الربا وعقود البيع والإجارة والقروض وغيرها، بل يحل له أن يأخذ من أموالهم ما تبيحه له شرائعهم وقوانينهم ما كان بتراض منه ومنهم دون ما كان خيانة.
ثم إن الربا إنما يتحقق في عرف الفقهاء بالعقد الذي يشترط فيه من يعطي المال أن يأخذ عليه ربحا معينا، فمن أقرض رجلا مالا بغير عقد ولا شرط فرده إليه وزاده من غير اشتراط زيادة كان ذلك حلالا، وقد ثبت في الحديث الصحيح استحباب ذلك كما بين في محله من صحيح البخاري وغيره، وحديث:«كل قرض جر منفعة فهو ربا» ، غير صحيح كما بينا ذلك من قبل.
فعلم بهذا أن للجاويين وأمثالهم عدة وجوه لوضع شيء من أموالهم في صندوق التوفير الذي وضعته حكومتهم وأخذ الربح منها. ومثله وضع المال في مصارفهم المالية وأخذ الربح منها كما يفعل مسلمو الصين.
ومما يبعث العجب من حال كثير من المسلمين أنهم قد اختاروا لأنفسهم بلبسهم الدين مقلوبا كالفرو أن يقترضوا المال من الأوربيين بالربا ولا يقرضوهم، ويودعوا أموالهم في مصارفهم (البنوك) ليستغلوها ولا يستبيحون لأنفسهم أن يشاركوهم في شيء من ربحها، ومعنى هذا أنهم يفهمون من دينهم أنه أباح لهم أن يتلفوا ثروتهم ويعطوها للأجانب حتى الفاتحين منهم لبلادهم باسم الفتح، أو الاستعمار، أو باسم آخر، وحرم عليهم أن ينتفعوا بشيء منهم - ولو كان برضاهم - وبعض ثمرة ما أعطوهم من المال.
وأعجب من هذا أن منهم من يشكو من شرع دينه، ويزعم أنه لا ينطبق على مصلحة الأمة في هذا العصر، وإن تركه إلى شرائع تلك الأمم أنفع لهم. وإنما الأمر بضد ذلك، فقاعدة الشرع الإسلامي أنه لا حرام إلا ما كان ضارا، ومنه إضاعة المال، ولو عرف المسلمون حقيقة شرعهم والتزموا
أحكامه لكانوا أغنى الأمم وأعزها، ولما أضاعوا ملكهم وملكهم، وإنما أضاعوهما بجهله وترك العمل به. والذنب الأكبر في هذا على علمائهم الجامدين، وحكامهم الجاهلين، أو المارقين.
هذا وإن على المسلمين أن يراعوا في غير دار الإسلام أحكام دينهم وحكمه فيما بينهم حتى في المعاملات، فلا يباح للموسر منهم أن يقسو على المحتاج إذا اقترض منه فيستغل ضرورته أو حاجته بما تبيح له قوانين البلاد من الربا.
والفرق بين هذا وبين ربح صندوق التوفير والمصارف المالية عظيم جدا، فإن الربا إنما حرم في دار الإسلام لضرره، كما علله تعالى بقوله:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (1).
وليس في أخذ الربح من صندوق التوفير والمصارف ظلم لأحد، ولا قسوة على محتاج حتى في دار الإسلام. وقد فصلنا القول في الربا هذا في تفسير آية آل عمران فيه فليراجع (2).
4 و 5 - ربح صندوق التوفير
من صاحب الإمضاء بمصر:
سيدي الأستاذ الجليل حفظه الله،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإنا كثيرا ما سمعنا من الناس إباحة وضع الأموال في صناديق التوفير بالبريد وأخذ الفوائد منها، وذلك مما لا شك أنه الربا المحرم بإجماع
(1) سورة البقرة الآية 279
(2)
المنار 22/ 751.
المسلمين لا نعلم بينهم خلافا، ثم إذا ناظرناهم فيه استندوا إلى أن الأستاذ الإمام رحمه الله وغفر له - أفتى بجوازه في فتوى رسمية، ولما كنا لم نر هذه الفتوى ولم نعلم وجهها، وكنتم أخص الناس بالإمام وأعلمهم بأقواله وفتاويه لجأنا إليكم لتبينوا لنا فتوى الإمام أولا، وهل هي لا تعارض الكتاب والسنة ثانيا؟ خصوصا وإن المجالس الحسبية قررت وضع أموال القاصرين في هذه الصناديق بناء على هذه الفتوى المزعومة كما يقولون، وليكن بيانكم شافيا وافيا كما هو دأبكم إن شاء الله تعالى.
كتبه: أبو الأشبال عفا الله عنه بمنه.
(ج) إن كان للأستاذ الإمام فتوى رسمية في مسألة صندوق التوفير فهي توجد في مجموعة فتاويه بوزارة الحقانية ومنها تطلب، وأنا لم أر له فتوى في ذلك، ولكنني سمعت منه في سياق حديث عن مقاومة الخديوي له ما حاصله أن الحكومة أنشأت صندوق التوفير في مصلحة البريد بدكريتو خديوي (أمر عال) ليتيسر للفقراء حفظ ما زاد من دخلهم عن نفقاتهم وتثميره لهم، وقد تبين لها أن زهاء ثلاثة آلاف فقير من واضعي الأموال في صندوق البريد لم يقبلوا أخذ الربح الذي استحقوه بمقتضى الدكريتو. فسألتني الحكومة: هل توجد طريقة شرعية لجعل هذا الربح حلالا حتى لا يتأثم فقراء المسلمين من الانتفاع به؟ فأجبتها مشافهة بإمكان ذلك بمراعاة أحكام شركة المضاربة في استغلال النقود المودعة في الصندوق، فذاكر رئيس النظار الخديوي في تحوير الدكريتو الخديوي وتطبيقه على الشرع، فأظهر سموه الارتياح لذلك. ولما قال له رئيس النظار: إننا استشرنا المفتي في
ذلك غضب غضبا شديدا، وقال: كيف يبيح المفتي الربا؟ لا بد أن أستشير غيره من العلماء في ذلك. ثم جمع سموه جمعية من علماء الأزهر في قصر القبة، وكلفهم وضع طريقة شرعية لصندوق التوفير ليظهر أمام العامة بأنه هو المحامي عن الدين والمطبق للمشروع على الشريعة، وأن الحكومة كانت عازمة على إكراه المسلمين على أكل الربا بمساعدة المفتي لولا تداركه الأمر، وقد وضع له العلماء مشروعا قدمته المعية لنظارة المالية.
(قال): وإن نظارة المالية عرضت علي ذلك المشروع لإقراره - أو قال للتصديق عليه - فوجدته مبنيا على ما كنت قلته للحكومة شفاها. هذا ما سمعت منه رحمه الله تعالى. وأظن أنه قال: إن أولئك العلماء كانوا من فقهاء المذاهب الأربعة، أو الثلاثة، ولا أجزم بذلك.
ومهما تكن صفة الطريقة التي وضعها العلماء لاستغلال أموال التوفير فلا يظهر عدها من الربا المجمع على تحريمه، وهو ربا النسيئة الذي كان في الجاهلية، وقد بينه الإمام أحمد لما سئل عن الربا الذي لا يشك فيه بمثل ما بينه غيره من أخذ الزيادة في مقابلة التأجيل؟ فقال: هو أن يكون له دين فيقول له - أي إذا حل أجل الدين: إما أن تقضي، وإما أن تربي، فإن لم يقض زاده هذا في المال وزاده هذا في الأجل. وذكر الفقيه ابن حجر في الزواجر: إن الإنساء فيه كان بالشهور؛ ولهذا كان يتضاعف ويخرب البيوت (1).
(1) مجلة المنار 9/ 527.
6 -
وجاء أيضا إلى اللجنة الاستفتاء الآتي:
1 -
تدفع مصلحة البريد - وكذلك البنوك - حوالي واحدا ونصفا في المائة أرباحا لحسابات صندوق التوفير؛ فهل هذا حرام شرعا؟
2 -
إذا وجد الإنسان أمامه فرصا لدفع مبلغ ما عن طريق المساعدة لبعض الأشخاص، وعند وقت دفع زكاة المال خصم ما سبق دفعه وصرف الباقي، فهل زكاة المال دفعت صحيحا، أم ما دفعه قبل ميعاد الزكاة لا يحتسب ضمن الزكاة؟ خميس علي السيد
الجواب: بعد حمد الله تعالى والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه تفيد اللجنة بما يأتي:
(عن الأول): إن أخذ زيادة عن رأس المال المودع في صندوق التوفير، أو في أحد المصارف محرم؛ لأنه من الربا المحرم بالكتاب والسنة والإجماع.
جاء في كتاب سماحة الرئيس رقم 900/ 2 وتاريخ 26/ 4 / 1398 هـ الموجه إلى صاحب السمو ولي العهد بأن من وصايا مجلس هيئة كبار العلماء: وضع الأموال في البنوك لأخذ فائدة ربوية بنسبة معينة يحصل عليها صاحب المال من البنك ونحوه، ويدفعها له: إما بعد مضي الأجل الذي يتفق عليه، وإما عند سحب المال، فيدفع له ما اتفق عليه من الربا الذي سمي ربحا، أو فائدة، وهذا ربا صريح حرمه الله ورسوله، وأجمع سلف الأمة على تحريمه، وتسميته وديعة، أو باسم غير ذلك لا يغير من حكم الربا المحرم فيه
شيئا، فقد جمع ربا الفضل وربا النسيئة؛ لأنه بيع نقود بنقود نسيئة بزيادة ربح ربوي إلى أجل.
7 -
فتوى رقم 2735 وتاريخ 2/ 12 / 1399 هـ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله وصحبه وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الاستفتاء المقدم لسماحة الرئيس العام من الدكتور نور محمد خان المحال من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم 2030/ 2 في 14/ 10 / 1399 هـ ونصه:
(إن مسألة حساب الودائع وحسابات التوفير التي يعامل بها في البنوك الرسمية لا أدري ما حكمها، ففي نظر بعض الشيوخ جائز؛ لأن المال المودع يستعمل في التجارة، وفي نظر بعض الشيوخ حرام لوصفهم لهذه المسألة مسألة الربا، وتمشيا لحكم الله تعالى في قوله جل وعلا: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (1) فنرجو من حضرتكم بيان وإيضاح حكم الودائع وحسابات التوفير؟
وأجابت بما يلي:
لا شك في تحريم الفوائد وحساب التوفير؛ لعموم الأحاديث في تحريم ربا الفضل والنسيئة، وقد سبق أن ورد إلى اللجنة الدائمة سؤال مماثل لهذا السؤال أجابت عنه بالفتوى الآتي نصها:
(لا شك أن فوائد الأموال المودعة في البنوك حرام، وهي من ضروب الربا، لا يجوز أخذها ولا الدخول مع البنك عند الاستيداع في اشتراطه؛
(1) سورة البقرة الآية 275
لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد (1)» ، ولقوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:«لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منهما غائبا بناجز (2)» ، وفي لفظ رواه أحمد والبخاري:«الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء (3)» ، ولا يخفى أن العملات الورقية حلت محل الذهب والفضة في الثمنية فصار لها حكمها ليجري فيها من ربا الفضل وربا النسيئة ما يجري في الذهب والفضة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
8 -
قال الأستاذ الدكتور / محمد بن عبد الله العربي عضو مجمع البحوث الإسلامية: كذلك يوجد إلى جانب النشاط المصرفي العادي الذي تمارسه بنوك الودائع، بنوك تخصصية في جمع المدخرات الصغيرة، وهي التي تسمى في جمهورية مصر العربية:(صناديق توفير البريد وبنوك الادخار المحلي) وتتولاها هيئات حكومية.
هدف هذه المنشآت هو تشجيع الادخار الصغير عند سواد الشعب في بلد مزاجه القومي يجنح إلى التبذير وينفر من الادخار.
(1) صحيح مسلم المساقاة (1587)، سنن الترمذي البيوع (1240)، سنن النسائي البيوع (4561)، سنن أبو داود البيوع (3349)، سنن ابن ماجه التجارات (2254)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 314)، سنن الدارمي كتاب البيوع (2579).
(2)
صحيح البخاري البيوع (2177)، صحيح مسلم المساقاة (1584)، سنن الترمذي البيوع (1241)، سنن النسائي البيوع (4570)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 4)، موطأ مالك البيوع (1324).
(3)
صحيح البخاري البيوع (2176، 2202)، صحيح مسلم المساقاة (1584، 1584)، سنن الترمذي البيوع (1241، 1241)، سنن النسائي البيوع (4565، 4565)، سنن ابن ماجه التجارات (2257)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 50، 3/ 97)، موطأ مالك البيوع (1324، 1324).
ولما كان كثير من البلاد الإسلامية في أشد الحاجة إلى تنمية رأس المال القومي لمواجهة مرحلة التصنيع التي تجتازها الآن، والتصنيع يحتاج إلى تمويل ضخم، والتمويل الضخم لا يتأتى إلا إذا اشترك فيه كل مواطن على قدر سعته، حتى لو لم يكن من الأغنياء الذين يودعون فائض أموالهم في بنوك الودائع، فقد نشأت الضرورة إلى تشجيع الادخار عند سواد الشعب.
كيف يمكن مواجهة هذه الضرورة؟
مواجهتها لا تكون إلا بإغراء الناس على الادخار، والإغراء قد يتخذ إحدى صورتين لا ثالث لهما:
الصورة الأولى: تكون بتنفيذ عقد المضاربة. فالمدخرات الصغيرة التي تتجمع في صناديق الادخار توجهها الهيئات المشرفة عليها إلى استثمارات تؤتي ربحا وبعضها قد لا يؤتي ربحا، ومن التسوية في نهاية العام يتضح صافي الربح الذي توزعه على المدخرين بنسبة مدخراتهم، وفي هذه العملية تستوي هيئات الادخار مع بنوك الودائع في الاستناد إلى عقد المضاربة.
هذا الربح قد يكثر في عام، وقد يقل في عام، وقد ينعدم في عام ثالث، كما يحصل في استثمار البنوك لودائع المودعين: وإذا لن تلتزم هيئة الادخار بفرض ربح معين للمدخر، بل تترك تحديد الربح إلى نهاية العام.
ولكن المدخر الصغير قد لا يقبل على حرمان نفسه من بعض دخله إذا لم يكن واثقا من ربح معين محدود مهما كان طفيفا يظفر به نظير هذا الحرمان، فليست عنده روح المغامرة التي توجد عند كبار أصحاب المال الذين يودعون أموالهم في البنوك لآجال معينة، ومن أجل ذلك تعرض الصورة الثانية، وأترك البت في شرعيتها إلى اجتهاد الفقه الإسلامي، وإن
كنت أضع أمامه الملاحظات التي قد تنير له الطريق.
الصورة الثانية: تحدد الهيئة المشرفة على الادخار - سواء كانت مصلحة حكومية، أو مؤسسة عامة، أو بنكا مؤمنا - بنسبة معينة من رأس المال المدخر، تحددها مقدما كربح نتيجة استثمارها للمال المدخر. فنقول مثلا: كل جنيه يدخر مدى عام تصرف الهيئة لصاحبه 4 أو 5 % منه.
ولنبدأ بالملاحظات التي نضعها تحت أنظار فقهنا الإسلامي:
الملاحظة الأولى: المظهر في هذه العملية مظهر ربوي. ولكن إذا تأملنا في الواقع نجد أننا لسنا هنا نتعامل مع شخص مراب همه ينحصر في اقتطاع الفائدة الربوية، بل العملية تقوم بين مدخر صغير من جانب وهيئة حكومية من جانب آخر، أي ولي الأمر الذي يمثل المجتمع ونصيبه في ربح هذه المدخرات يرده إلى المجتمع في صورة مصانع، أو منشآت تخدم المجتمع كله، فاختلفت هنا بشاعة الربا، وبشاعة ظلم المرابي، وبشاعة الاغتناء الفاحش الذي يمتصه المرابون من دماء المجتمع.
الملاحظة الثانية: قد يقال: إن هذه العملية تنطوي على مخالفة لأحكام عقد المضاربة الذي يشترط فيه أن يكون الربح الذي يتفق عليه بين رب المال (المدخر)، وبين الهيئة المشرفة على الادخار (المضارب)، ربحا غير محدود النسبة إلى رأس المال بأن يكون لأحدهما نصف الربح قل، أو كثر، وللآخر النصف الباقي، أو الثلث، أو الربع: أما تحديده بنسبة معينة من رأس المال فشرط باطل، وإذا لم يأت العمل بأي ريع فلا ريع مطلقا لرب المال (المدخر) والتحديد بنسبة ثابتة من رأس المال المدخر يعيبه فوق ذلك عيب الغرر.
هذا كلام وجيه وقاعدة شرعية لا جدال فيها. ولكن لكل قاعدة استثناء قد تبيحه الضرورات.
إن ولي الأمر هنا يملك أن يفي للمدخر بالنسبة التي فرضها على نفسه، وهو في تقديره لهذه النسبة يجعلها دائما في حدود الاحتمال وفي نطاق الواقع، مما ييسر له الوفاء بالنسبة التي فرضها على نفسه والتي قبلها المدخر من البداية.
فإذا صدق تقديره في 99 % من الحالات، ولم يصدق في 1 % من الحالات، فإنه يستطيع أيضا أن يفي بالنسبة المتفق عليها بالالتجاء إلى موارد الدولة الأخرى.
صحيح أنه إذا التجأ إلى موارد الدولة الأخرى في سبيل الوفاء بالنسبة المتفق عليها يكون قد ألحق ضررا بمال المجتمع، ولكن النفع الذي حققه المجتمع في 99 % من الحالات لا شك يعدل الضرر اليسير الذي يصيب المجتمع في 1 % من الحالات.
والقاعدة الشرعية التي تقرر أن (الغنم بالغرم) تعطي هذا الاستثناء، فالغنم الذي يفيء إلى المجتمع في 99 % من الحالات يقابله الغرم الذي يصيب المجتمع في 1 % من الحالات.
الملاحظة الثالثة: قد يقال: إن ولي الأمر إذا احتاج إلى مال للوفاء بما يتطلبه الشعب من خدمات، فله في مجال الضرائب التي يفرضها على الرعية متسع كبير يؤتيه ما يشاء من مال يوجهه أينما يريد.
وهذا صحيح، ولكن يجب أن لا ننسى أن لكل شعب طاقة ضريبية يجب على ولي الأمر ألا يتجاوزها، وإلا ألحق بشعبه وبالاقتصاد القومي
أضرارا فادحة، هذه حقيقة ثابتة استنبطها العلم - علم المالية العامة وعلم السياسة - من واقع تجارب الشعوب والدول.
فإذا كان ولي الأمر قد استنفد الطاقة الضريبية لشعبه، ولا زالت البلاد في حاجة ماسة إلى تنمية رأس المال القومي، فأين يكون اختياره؟ أيختار تجاوز الطاقة الضريبية بما يرهق الشعب ويعطل قواه الإنتاجية ويؤثر أسوأ تأثير في الاقتصاد القومي؟ أم يختار حث الشعب في جملته على الادخار، ولو بشيء يسير يترك تقديره لكل مواطن؟ ثم يغريه بربح معين ثابت على كل ما يدخره، ومن مجموع هذه المدخرات الصغيرة يتكون رأس مال كبير يمكن ولي الأمر من أداء الخدمات التي يتطلبها الشعب، ويحقق الأماني التي يتطلع إليها الشعب.
فهذه مجرد ملاحظات مستقاة من الواقع، لا أقطع فيها برأي وإنما أضعها تحت أنظار فقهنا الإسلامي ليتولى هو البت فيها وفي الخيار الذي يشير به على ولي الأمر.
الخلاصة:
ها نحن رسمنا صورتين: الأولى: لا جدال في شرعيتها، إذا كان نفاذها يكفله أنها تتفق مع ميول البيئة التي يراد سريانها فيها وتتجاوب مع شيمتها وخصالها. والثانية: يشوبها بعض الشك في شرعيتها، ولكنها قد تكون أكثر تجاوبا مع ميول بيئات أخرى درجت على ألا تجازف بادخار شيء إلا إذا كفلت لما تدخره ربحا محدودا من البداية (1).
(1) التوجيه التشريعي في الإسلام من بحوث مؤتمرات مجمع البحوث الإسلامية ج 2 ص 66.
وقال أيضا:
قلنا في صدد الكلام على بنوك الادخار: إن اختيار إحدى الصورتين السابق بيانهما يتوقف على مدى استعداد كل بيئة للتجاوب مع مقتضيات كل من الصورتين: هل تحجم البيئة عن الادخار إذا لم تضمن فائدة معينة من البداية، أو تقبل على الادخار حتى لو كان الربح الذي سيعود عليها غير محدد المقدار من البداية؟
وظاهر مما تقدم أننا نؤثر اختيار الصورة الأولى لبعدها عن شبهة الربا. ولكن هل كل البيئات تتشابه في استعدادها للتجاوب معها؟ ألا تختلف البيئة الريفية عن البيئة الحضرية؟
ظهر من تجربة قامت بها جمهورية مصر العربية في إحدى المناطق الريفية أن الثقة المتبادلة بين بنك الادخار المحلي وبين البيئة التي يعمل فيها لها تأثير كبير في الإقبال على الصورة الأولى. والثقة أساسها المعرفة الشخصية بين الفريقين، وهذا أكثر بروزا وشيوعا في البيئات الريفية منه في البيئات الحضرية.
هذه التجربة أقامتها مؤسسة الادخار في بلدة ميت غمر والقرى المحيطة بها، فأنشأت بنك ادخار محلي لا يفرض فائدة ثابتة على مدخرات أهل هذه المنطقة، بل يشاركهم في أرباح المشروعات التي يستثمر فيها مدخراتهم عن طريقة تطبيق عقد المضاربة.
وقد تجاوبت هذه البيئة الريفية تجاوبا كاملا مع الفكرة التي تمثلها الصورة الأولى التي عرضنا لها في كلامنا على بنوك الادخار، وقد نجحت التجربة التي لم يمض عليها أكثر من سنة واحدة نجاحا لم يكن في حسبان المؤسسة التي أنشأت البنك. بحيث لو عرض البنك على المودعين
(المدخرين) أن يقرر لهم فائدة ثابتة على مدخراتهم لرفضوا هذا العرض لا فقط لشبهة الربا فيه؛ بل لأن الأرباح التي يوزعها عليهم البنك تتجاوز 10% من قيمة مدخراتهم، وذلك بفضل القروض التي يقدمها البنك في مشروعات صناعية صغيرة محلية، ثم يقاسم القائمين بها الأرباح التي يحصلون عليها، ثم يوزع البنك نصيبه من هذه الأرباح على المدخرين بنسبة مدخراتهم بعد خصم مصاريف إدارة البنك وأجور عماله.
وهذه بعض أمثلة من هذه المشروعات التي وظف فيها البنك مدخرات المودعين من واقع مشاهداتي الشخصية وزيارتي لهذه المشروعات وفحصي لدفاتر البنك.
1 -
أقرض البنك صاحب مصنع يدوي لعلب الكرتون، الاتفاق بينه وبين البنك على اقتسام الأرباح مناصفة. أنتج المشروع أرباحا مقدارها 250ج و500 مليم في ستة أشهر حصل البنك منها على 125ج و 250 م.
2 -
قام البنك بمشاركة أحد الأهالي في تجارة الإسمنت مقابل المناصفة في الأرباح الناتجة، القرض بمبلغ ألف جنيه، لم يكن للبنك أي إشراف على المقترض إلا الثقة المتبادلة بين الطرفين. بعد ثلاثة شهور سدد المقترض من أصل القرض مضافا إليه مبلغ 41 جنيها و 685 مليما نصيب البنك في الأرباح الناتجة عن العملية.
3 -
قرض من البنك إلى أحد عملائه المدخرين بمبلغ 1000 جنيه مشاركة من البنك في إقامة مصنع صغير للصاج. اتفق على اقتسام الأرباح بينهما بنسبة 30 % للبنك و 70 % للصانع، بعد ثلاثة شهور دفع الصانع إلى
البنك أرباحا مقدارها 30 جنيها، كما سدد جزءا من رأس المال. بعد ثلاثة شهور أخرى دفع الصانع أرباحا مقدارها 40 جنيها وسدد جزءا من رأس المال. أي أن الألف في خلال ستة أشهر آتت للبنك أرباحا مقدارها 70 جنيها، بخلاف أرباح الصانع، وله 70 %، وبخلاف قدرته على تسديد جزء كبير من رأس المال.
4 -
قدم البنك لأحد مدخريه مبلغ 15 ألف جنيه لإقامة مصنع للطوب، المدخر عنده خبرة فنية في هذه الصناعة. الاتفاق على تقسيم أرباح المشروع بنسبة 70 % للبنك و30 % للصانع حقق المشروع في الشهر الأول من إقامة المصنع أرباحا مقدارها 300 جنيه، وينتظر أن تزداد الأرباح في الشهور التالية.
5 -
قدم البنك للفلاحين قروضا صغيرة بين 10، 15 جنيها للقيام بشراء مواد خام لصناعات يدوية يباشرونها في منازلهم؛ كصناعة الحصير، وصناعة الجريد الذي يحولونه إلى أقفاص، وصناعة الغاب الذي يحولونه إلى كراسي. ويدفع الصانع أرباحا للبنك عن العشرة الجنيهات التي اقترضها مقدارها 15 إلى 20 قرشا أسبوعيا.
وأكتفي بهذه الأمثلة عن النشاط التعاوني الذي يباشره هذا البنك الريفي تطبيقا لعقد المضاربة. ولكننا في الاستشهاد بهذه التجربة يجب أن نقرنها بالعاملين الأساسين في نجاحها، وهناك عاملان لا يمكن أن يتوافرا في جميع البيئات على السواء.
العامل الأول: هو الثقة المتبادلة بين القائمين على البنك وكلهم من أهل هذه المنطقة الريفية - وبين المدخرين من أهلها، ثقة
تنبعث من المعرفة الشخصية بين الطرفين.
العامل الثاني: هو الخلق الريفي. خلق الزراع. فالزارع يلقي البذر في الأرض ولا يعلم ثمار زرعه إلا يوم الحصاد. فهو قد ألف انتظار الثمرة، ولذلك لا يجد حرجا - عندما يودع مدخراته في البنك - في انتظار النتيجة النهائية للمشروعات الاستثمارية التي يوظف البنك فيها أموال المدخرين.
هذان العاملان لا يتوافران في البيئات الحضرية، ومن أجل هذا الاعتبار اقترحنا الصورة الثانية.
فإذا كان الهدف الذي يسعى إليه مجتمع إسلامي تلبية لضرورات العصر - هو تشجيع الادخار ابتغاء تنمية رأس المال القومي الذي تتطلبه مرحلة التصنيع والتسلح، التي يجتازها المجتمع، فله الخيار بين الصورتين حسبما تهديه طبيعة البيئات المتباينة فيه (1).
(1) التوجيه التشريعي في الإسلام، من بحوث مؤتمرات مجمع البحوث الإسلامية ج 2 ص72.
ثامنا: من المعلوم أن كل مسألة من المسائل لا بد من معرفة مناط تشريعي ومعرفة مناط التطبيق، وبيان مستند حكمها من الشريعة، وموقف العلماء من ذلك:
وبما أن الموضوع الذي يراد بحثه من الموضوعات الهامة، وأنه يتصل بموضوع الربا، فقد سبق الكلام على الأمور الثلاثة، ولوضوحها لم نتعرض لها بتلخيص.
أما بقية عناصر الموضوع فقد وضع لها ملخص مختصر جدا، وفيما يلي بيانه مرتبا حسب ترتيب عناصر الموضوع.
أ - 4: اختلف أهل العلم في حكم جريان الربا بين المسلم والحربي في دار الحرب:
فأجازه أبو حنيفة ومحمد بن الحسن، ومن وافقهما، والحجة في ذلك السنة، والمعنى.
ومنعه الأئمة: مالك، والشافعي، والإمام أحمد، وأبو يوسف، والأوزاعي، وإسحاق، ومن وافقهم، والحجة في ذلك الكتاب والسنة والإجماع والمعنى، وفيما يلي بيان ذلك باختصار مع الإحالة إلى الصفحات المشتملة على التفصيل.
أولا: ذهب الإمام أبو حنيفة، والإمام محمد بن الحسن الشيباني، ومن وافقهما إلى جواز جريان الربا بين المسلم والحربي في دار الحرب، واستندوا إلى السنة والمعنى.
1 -
السنة: استدلوا بدليلين:
الأول: حديث مكحول: «لا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب» 11/ 104، 107.
ونوقش هذا الحديث من وجهين:
الوجه الأول: قال العيني: (هذا حديث غريب ليس له أصل) ص 107، وقال الشافعي:(هذا الحديث ليس بثابت ولا حجة فيه) ص 107، وقال النووي:(وأما حديث مكحول فمرسل إن صح الإسناد إلى مكحول) ص 113، وقال ابن قدامة:(وخبرهم مرسل لا نعرف صحته) ص 115، وقال أيضا:(خبر مجهول لم يذكر في صحيح ولا مسند ولا كتاب موثوق به، ومع ذلك مرسل)، ص 115.
أجيب عن ذلك: بأنه مرسل ومكحول ثقة، والمرسل من مثله مقبول، وبأنه ثابت؛ لأن جلالة قدر الإمام لا تقتضي أن يجعل لنفسه مذهبا من غير دليل واضح، وأما قول الشافعي:(لا حجة فيه)، فبالنسبة إليه؛ لأن مذهبه عدم العمل بالمرسلات إلا مرسل سعيد بن المسيب، والمرسل عند الحنفية حجة على ما عرف في موضعه، ص 107.
وأجيب: بأنه مع تسليم أنه مرسل، فلا يصح أن يكون معارضا للأدلة القطعية من الكتاب والسنة والإجماع الدالة على عموم تحريم الربا بدون تخصيص، ص 111.
ويحتمل أنه أراد النهي عن ذلك، كقوله تعالى:{فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (1)، فيكون المقصود به تحريم الربا بين المسلم والحربي كما بين المسلمين، ص 113 وص 115.
الثاني: قصة العباس بن عبد المطلب، فإنه كان مسلما قبل الفتح ووضع الرسول صلى الله عليه وسلم ربا العباس يوم الفتح، فدخل في ذلك الربا الذي بعد إسلامه إلى فتح مكة، فلو كان الربا الذي بين المسلم والحربي موضوعا لكان ربا العباس موضوعا يوم أسلم، ص 111.
وأجاب عنه النووي: بأن العباس كان له ربا في الجاهلية من قبل إسلامه، فيكفي حمل اللفظ عليه، وليس ثم دليل على أنه بعد إسلامه استمر على الربا، ولو سلم استمراره عليه لم يكن فيه حجة؛ لأنه قد لا يكون عالما بتحريمه فأراد النبي صلى الله عليه وسلم إنشاء هذه القاعدة وتقريرها من يومئذ، ص 114.
2 -
وأما المعنى: فهو أن مالهم مباح في دارهم، فبأي طريق أخذه
(1) سورة البقرة الآية 197
المسلم أخذ مالا مباحا إذا لم يكن منه غدر، ص 104.
وأجيب عنه: بأنه منقوض بالحربي إذا دخل دار الإسلام: فإن ماله مباح إلا فيما حظره الأمان، ويمكن حمله بين المسلمين على هبة التفاضل، وهو محرم بالإجماع، فكذا ههنا، ص 115.
القول الثاني: إنه لا يجوز الربا بين المسلمين والحربي، كما لا يجوز بين المسلمين، وبهذا قال الأئمة: مالك، والشافعي، وأحمد، وأبو يوسف، والأوزاعي، وإسحاق وغيرهم.
والحجة لذلك الكتاب والسنة والإجماع على تحريم الربا، وقد سبقت وسبق الكلام عليها. وكما لا يجوز الربا بين المسلم والمستأمن منهم في دارنا، فكذا لا يجوز هنا بجامع تحقق الفضل الخالي عن العوض المستحق بعقد البيع ص 115. وأجيب عنه:
بأنه قياس مع الفارق؛ لأن المستأمن منهم صار ماله محظورا بعقد الأمان، ص 107، 108.
ب - 5 - ما يتعلق بمواد النظام:
أ - المنطقة الوسطى:
أ - قبل تمام خمس سنوات من المدة التي يدفع الموظف فيها جزءا من راتبه للادخار، إذا طلب الشخص، أو توفي يدفع له، أو لورثته بدون زيادة، وهذا لا شيء فيه.
ب - بعد خمس سنوات وقبل السنة العاشرة يستحق الموظف، أو ورثته سحب ما دفعه من مساهمة مضافا إليها 50 % من الشركة.
ج - بعد بلوغ مدة الاشتراك أكثر من عشر سنوات يستحق الموظف أو
ورثته سحب الأسهم التي دفعها الموظف للادخار ويأخذ معها مثلها 100 %.
ب - المنطقة الشرقية:
أ - إن سحب أسهمه قبل ستين شهرا لم يستحق إلا ما دفعه.
ب - إن سحب أسهمه بعد ستين شهرا وقبل إكمال مائة وعشرين شهرا 50 %.
ج - إن سحب أسهمه بعد إكمال مائة وعشرين شهرا من الاشتراك في النظام استحق 100 % مضافا إلى ما دفعه.
ج - شركة أرامكو:
أ - يتراوح الحسم من الشركة على الموظف من راتبه من 1 إلى 10 في المائة.
ب - تضيف الشركة إلى هذا نسبة منها كما في رقم 120.
ج - يستحق الموظف أرباح مساهمته من أرامكو؛ إذ إنها تشغل هذه المبالغ.
د - يستحق الموظف أرباح مساهمة أرامكو مع الأسهم أيضا.
هـ - يستحق الموظف سحب أسهمه ومساهمة أرامكو، أو أرباحهما، ولو قبل خمس سنوات، أما بين الخمس والعشر وبعد العشر فهو كالشركتين سابقا.
تتفق جميع هذه الشركات في ضمان ربح معين نسبة من رأس مال المساهمة لمن يدفع مبلغا للادخار من بعد خمس إلى عشر، ومن بعد العشر إلخ، إلا أن أرامكو تدفع له قبل بلوغ الخمس بنسب متفاوتة، وتدفع له أرباح الأسهم التي تساهم بها، وما ربحته أسهمه، وبهذا تبين أن هذا صورة
من صور الربا، وهي محرمة بالكتاب والسنة والإجماع.
6 -
فيما يلي تعريف الادخار بصفة عامة، وبيان أنواع الادخار ووسائل خلق المدخرات وتوظيف المدخرات.
وأما تعريف الادخار وموضوع البحث فهو ما ذكر مع زيادة قيود تفهم مما ذكرته الشركات الثلاث في أنظمتها.
1 -
الادخار: هو الزيادة في الدخل على مصروفات الاستهلاك ص 132.
2 -
أنواع الادخار: الادخار العام والفردي والإجباري (فرض قدر معين من الضرائب) ص 132.
3 -
من وسائل خلق المدخرات.
أ - حسابات التوفير بالبنوك التجارية، وتستحق الفوائد إذا ما بقيت ستة أشهر، فأكثر، وهذا ربا فهو محرم.
ب - صناديق البريد للتوفير، وفوائدها من 15 %، أو 2. 5 % وهذا محرم؛ لأنه ربا.
ج - بنوك الادخار التعاونية، وهذه توزع أرباحا على المودعين، والمودعون هم المستثمرون، وعليه لا يكون فيه ربا، اللهم إلا إذا كانت معاملات البنك؛ كإقراضه واقتراضه، وبيع وشراء الأوراق المالية بدون تقييد بالشريعة فتكون هذه المعاملة ممنوعة.
4 -
توظيف المدخرات، ص 112 وما بعدها:
أ - يكون بطريق التأمين التجاري، وقد بحثه المجلس وأصدر قرارا بمنعه.
ب - توظيف الأموال في سندات مالية، وقد بحث هذا في البورصة
ص 119 وما بعدها.
ج - قروض الرهائن وهي: ديون تضمنها عقارات، وهذا مشتمل على أن تكون قروضا ربوية، أو غير ربوية، وكذلك الرهون قد ينتفع بها المرتهن، وقد يكون انتفاعه مشروعا إذا كان المرهون مما يركب ويحلب فيركبه ويحلبه بنفقته، وقد يكون مشروعا إذا انتفع به بغير ذلك ص 130.
د - توظيف الأموال في العقارات.
هـ - توظيف الأموال في السيارات والحاجات المنزلية وما أشبهها.
ومن وظائف الادخار اقتناء الذهب.
ز - توظيف الأموال بإيداعها في المصارف وفي صناديق الادخار بفائدة محددة وهذا ربا ص 133.
7 -
اختلف العلماء المعاصرون في حكم الادخار:
فمنهم من أجازه مطلقا، ومنهم من منعه مطلقا، ومنهم من رأى أنه إذا أمكن تطبيق الادخار على طريق المضاربة، طبق وإلا طبق على طريقة نظام الادخار بربح مضمون.
وفيما يلي بذلك مع الأدلة والمناقشة:
القول الأول: إن الادخار جائز، وممن قال به: محمد عبده مفتي الديار المصرية سابقا، ومحمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار، وجماعة من الأزهريين من علماء المذاهب (136، 137، 138، 141)، والحجة لذلك أن مصلحة البريد تستغل الأموال التي تأخذها من الناس، لا أنها تقترضها للحاجة فمن الممكن تطبيق استغلال هذه الأموال على قواعد شركة المضاربة، هذه حجة محمد عبده ص 136، وحجة محمد رشيد رضا أن مصلحة البريد مصلحة
غنية من مصالح الحكومة، وأنها تستغل المال الذي يودع في صندوق البريد فينتفع المودع والعمال والمستخدمون في المصلحة والحكومة، فلم يظلم أحدهم الآخر، ص 137، 138.
ويمكن مناقشة ذلك: بأنه لا فرق بين الحكومة وبين غيرها في تحريم الربا، وأنه يمتنع إدخال الادخار تحت شركة المضاربة الشرعي؛ لأن الادخار مضمون ربحه ومحدد بنسبة من المبلغ المدفوع، وهذان الأمران غير موجودين في المضاربة فافترقا.
وقد استدل على جوازه: بالضرورة ص 144.
ويمكن أن يجاب: بأنه ليس هناك ضرورة إليه، بل في الأخذ بالمعاملات التي شرعها الله خير وبركة.
واستدل أيضا على جوازه: بأن الأخذ بالجواز أيسر من فرض الضرائب على الشعب، وهو من باب ارتكاب أخف المفسدتين، ص 145.
ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن الضرائب ممنوعة والادخار ممنوع، وإذا دعت الضرورة إلى فرض الضرائب فلكل ظروف ملابساتها، والنظر في المصالح والمفاسد والموازنة بينها، وترجيح جانب ما ينبغي الأخذ به.
القول الثاني: هو القول بالمنع، وممن قال به: رئيس لجنة الفتوى عبد المجيد سليم، واللجنة الدائمة في الفتوى رقم 2735 وتاريخ 2/ 12 / 1399 هـ، ومجلس هيئة كبار العلماء في التوصية رقم 90/ 2 وتاريخ 26/ 4 / 1398 هـ، والحجة لذلك أنه داخل في عموم أدلة الربا.
القول الثالث: إنه إذا أمكن تطبيقه من جهة قبول الناس له طبق على طريق المضاربة الشرعية فيطبق، هذا اختيار محمد العربي ص 146، ونوقش
بما تقدم في جواب أدلة القول الأول - نظام الادخار.
هذا ما تيسر جمعه وترتيبه والتعليق عليه وتلخيصه من بحث الادخار وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
عضو
…
عضو
…
نائب رئيس اللجنة
…
الرئيس
عبد الله بن قعود
…
عبد الله بن غديان
…
عبد الرزاق عفيفي
…
عبد العزيز بن عبد الله بن باز