الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بل إن فتحا جديدا اتسع نطاقه؛ إذ في كثير من الديار التي كان أبناؤها وبعض من ينتسب منهم للعلم يحاربون منهج ابن تيمية، وتلاميذه، ويخطئونهم في منهج الدعوة، وفي فكر ابن تيمية التصحيحي للعقائد، ومحاربة البدع، أصبح أبناء أولئك يتلقفون كتب ابن تيمية، ويحرصون على متابعة وجهات نظره في تطهير العقائد، وفي حرصه على الدفاع عن جوهر الإسلام، وتعاليمه الصافية، ألا وهو العقيدة التي تربط المسلم بربه وجدانيا، وعلميا مع حرصه على نقاوة العمل، بمحاربة البدع التي حرص أعداء الإسلام على بثها في المجتمع الإسلامي، مع الجهل وحب التقليد، والرغبة في متابعة الأمم الأخرى بدون علم أو تبصر، مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن اتباع سننهم.
من هو ابن تيمية
؟
لم يقيض الله لداعية إسلامي، من الاهتمام والدراسة بمثل ما قيض سبحانه لشيخ الإسلام ابن تيمية تعريفا وتأليفا ومتابعة لما صدر عنه من كتب ورسائل، واهتماما من خصومه، حيث يجد المتابع لترجمة حياته التي صدرت في أكثر من أربعين مصدرا قديما، علاوة على الدراسات الحديثة التي تدافع عما تناوله الخصوم لهذا المجاهد بلسانه وقلمه، ونفسه وماله، هو وتلاميذه في كل زمان ومكان، وحتى يومنا هذا.
فما زاده الله بتجريح الخصوم إلا شرفا واتساع سمعة؛ إذ بقيت آراؤه المدعمة بالدليل العقلي والنقلي ترد على كل قدح يوجه إليه، كما هيأ الله لهذا الشيخ من يعرف قدره، ويدرك سعة علمه، ليذب عنه، بين وقت وآخر؛ عرفانا بمكانته، ومتابعة لآثاره، ونشرا لكتبه، بعد الاستيعاب التام لآرائه التي استمدها من معارفه المتعددة، كما وصفه المترجمون لحياته.
وكان من أوفى من ترجم له، الصفدي في كتابه:(الوافي بالوفيات)، حيث نجتزئ من تلك الترجمة قوله: (هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم
الحراني بن تيمية، الشيخ الإمام، العالم العلامة، المفسر الفقيه، المجتهد الحافظ، المحدث شيخ الإسلام، نادرة عصره، ذو التصانيف والذكاء، والحافظة المفرطة، تقي الدين أبو العباس ابن العالم المفتي شهاب الدين، ابن الإمام شيخ الإسلام، مجد الدين أبي البركات، مؤلف الأحكام، وتيمية لقب لجده الأعلى.
ولد بحران عاشر ربيع الأول، سنة إحدى وستين وستمائة، وتحول به أبوه إلى دمشق سنة سبع وستين وستمائة، وتوفي عام ثمان وعشرين وسبعمائة.
وسمع من ابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر، والكمال بن عبد، وابن أبي الخير، وابن الصيرفي، والشيخ شمس الدين، والقاسم الإربلي، وابن علان، وخلق كثير.
وقرأ بنفسه على جماعة، وانتخب ونسخ عدة أجزاء، و (سنن أبي داود)، ونظر في الرجال والعلل، وصار من أئمة النقد، ومن علماء الأثر، مع التدين، والتأله، والذكر والصيانة، والنزاهة عن حطام هذه الدار، والكرم الزائد.
ثم إنه أقبل على الفقه ودقائقه، وغاص على مباحثه، ونظر في أدلته وقواعده وحججه، والإجماع والاختلاف.
وكان قوالا بالحق، نهاء عن المنكر، ذا سطوة وإقدام، وعدم مداراة، ومسائله المفردة يحتج لها بالقرآن والحديث، أو بالقياس ويبرهنها ويناظر عليها، وينقل فيها الخلاف، ويطيل البحث أسوة بمن تقدمه من الأئمة، فإن كان أخطأ فله أجر واحد، وإن كان أصاب فله أجران.
وكان أبيضا أسود الرأس واللحية، قليل الشيب، شعره إلى شحمة أذنيه، كأن عينيه لسانان ناطقان، ربعة من الرجال، بعيد ما بين المنكبين، جهوري الصوت، فصيح اللسان، سريع القراءة، تعتريه حدة، ثم يقهرها بحلم وصفح.
توفي محبوسا في قلعة دمشق على مسألة الزيارة، وكانت جنازته عظيمة
إلى الغاية، دفن في دمشق، صلى عليه قاضي القضاة علاء الدين القونوي) (1).
وقد توسع ابن كثير رحمه الله في تاريخه (البداية والنهاية) في وصف يوم وفاته، وما أبداه الناس من حزن ودعاء في دمشق، ومشاركة البلد بأكملها في تأبينه، رجالا ونساء وأطفالا، وذلك في حوادث سنة 728 هـ (2).
أما محمد بن شاكر الليثي في كتابه: (فوات الوفيات) فإنه أورد بعضا من الحكايات عنه، التي تنبئ عن فضله، وسعة علمه، ومن ذلك قوله:(حكي أن ابن تيمية قد شكا إليه إنسان من قطلو بك الكبير، وكان المذكور فيه جبروت، وأخذ أموال الناس واغتصابها، وحكاياته في ذلك مشهورة، فلما دخل إليه الشيخ، وتكلم معه في ذلك قال: أنا الذي كنت أريد أجيء إليك؛ لأنك رجل عالم زاهد - يعني: يستهزئ به - فقال له الشيخ: لا تعمل علي دركوان - كلمة مأخوذة عن الفارسية: درجوال، بمعنى: الخداع والحيلة - ثم أردف الشيخ قائلا: موسى كان خيرا مني، وفرعون كان شرا منك، وكان موسى كل يوم يجيء إلى باب فرعون مرات، ويعرض عليه الإيمان. . . وكان قوالا بالحق، نهاء عن المنكر)(3).
وقال الزركلي: (ولد في حران، وتحول به أبوه إلى دمشق، فنبغ واشتهر، وطلب إلى مصر من أجل فتوى أفتى بها، فقصدها، فتعصب عليه جماعة من أهلها، فسجن مدة، ونقل إلى الإسنكدرية، ثم أطلق فسافر إلى دمشق سنة 712 هـ، واعتقل بها سنة 720 هـ وأطلق، ثم أعيد، ومات معتقلا بقلعة دمشق، فخرجت دمشق كلها في جنازته، كان كثير البحث في فنون الحكمة، داعية إصلاح في الدين، آية في التفسير والأصول، فصيح اللسان.
وفي الدرر الكامنة: أنه ناظر العلماء، واستدل وبرع في العلم والتفسير،
(1) الوافي بالوفيات 1/ 57 - 74.
(2)
ينظر (البداية والنهاية)، ج 14 ص 135 - 141.
(3)
فوات الوفيات، والذيل عليها لمحمد بن شاكر الكتبي، تحقيق د. إحسان عباس 1/ 74، 75.