الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على قول أبي يوسف فقط) (1).
وفي هذا المعنى يقول ابن القيم: (ومن ذلك أن يحتاج الناس إلى صناعة طائفة - كالفلاحة والنساجة والبناء وغير ذلك - فلولي الأمر أن يلزمهم بذلك بأجرة مثلهم، فإنه لا تتم مصلحة الناس إلا بذلك)(2)، وهذا يطابق تعميم حكم الإحتكار على كل ما أضر بالناس حبسه، لتتم سياسة التشريع فيهما، وإلزام ولي الأمر لهم بأجر المثل تدخل ظاهر في نشاطهم الاقتصادي.
وهذا القول الرابع مبني على رعاية المصلحة العامة لدفع الضرر عن الناس في كل شيء يضر بهم، وهو ما نرجحه ونختاره.
(1) رد المحتار ج5 ص 353، ويرى أبو يوسف: أن الاحتكار يكون في كل شيء يضر بالناس.
(2)
الطرق الحكمية ص 289.
خاتمة:
مما سبق بيانه: يتضح لنا أن التسعير الإلزامي لا يعدو أن يكون نظاما مشتقا من سياسة التشريع الإسلامي ومؤيدا عمليا لها، هذا التشريع الذي لا يكتفي بمجرد التوجيه والإرشاد إلى أسمى الفضائل والترغيب فيها، والترهيب من اقتراف نقائضها، ثم يرجئ الجزاء كله إلى يوم الحساب، إذ لا يستقيم بذلك أمر الحياة الدنيا، بل إن من مميزاته أن يرتب على المخالفات والإنحراف والتجاوز الجزاء الدنيوي الرادع، بسلطان الدولة إذا وهن وازع الدين، مما ينبئ عن واقعية هذا التشريع فضلا عن مثاليته المطلقة، فتراه لا يفترض توفر عنصر التقوى في النفوس بإطلاق، وذلك
لغلبة الهوى أو هيمنة الغرائز على العقل والضمير، وهو واقع فطري لا سبيل إلى نكرانه.
كما أن العقيدة الإسلامية - بما تؤصله في النفوس من تنمية وتقوية الوازع الديني - تخفف عن الدولة جهدها في تنظيم المجتمع ورعاية الصالح العام، ومنع أسباب الاستغلال تحت ستار التصرف في الحقوق والحريات، ولا سيما في التنظيم الاقتصادي والتمويني؛ تحقيقا للتكافل الاجتماعي بين الأفراد بعضهم قبل بعض، وبين الفرد والدولة.
ومن هنا يتضح لنا إيجابية العقيدة في التشريع الإسلامي، واتصالها بجميع نواحي الحياة، اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، فعنصر الإلزام في التشريع، وتنفيذ التعاليم منشؤه العقيدة أولا؛ ليكون الامتثال طوعا، حتى إذا كان الإنحراف عن ذلك لضعف الوازع الديني والخلقي، كان لا بد من تنفيذها كرها وإجبارا؛ تحقيقا للعدل الشامل بين الناس، ورعاية لمصالحهم وكف الأذى والضرر عنهم، إذ لا ضرر ولا ضرار في الإسلام.
ومن هنا يمكن القول بأن المستوى الخلقي والديني والسلوكي في الأمة، أمر بالغ الأثر في تحديد مدى تدخل الدولة في شئون الأفراد وفي نشاطهم الاقتصادي بوجه خاص، فكلما تدنى هذا المستوى اتسع مدى التدخل والعكس صحيح.
على أن الاتفاق على جواز تدخل الدولة لنزع ملكية بعض الأفراد إذا اقتضت الضرورة يدل على جواز تدخلها من باب أولى لتحديد مقدار
الربح وقت الغلاء عن طريق تحديد الأسعار.
هذا وحقيقة التسعير في الفقه الإسلامي هي: إلزام بالعدل الذي ألزم الله به عباده، وإنما ينهض به المسئولون في الدولة ممن تتصل صلاحياتهم به، وأن نطاقه عام يشمل كل ما أضر الناس المغالاة فيه، ومست الحاجة العامة إليه، لتتفق سياسة التسعير مع سياسة مقاومة الاستغلال في كافة صوره ومواقعه، إذ العدل كل لا يتجزأ.
والحمد لله رب العالمين.