الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال عطاء، والفضيل يأخذ بقول صاحبه الذي لا يشك، وقال الشافعي وابن المنذر:(لا يجزئ كل منهما إلا علم نفسه، لا يقبل قول غيره).
وقال مالك: (أرجو أن يكون فيه سعة)(1).
(1) حاشية الرهوني على الزرقاني 2/ 438.
الشرط التاسع: الترتيب في الطواف، وهو أن يجعل الكعبة عن يساره في الطواف
.
وهو شرط لصحة الطواف، فإن عكسه بأن جعل الكعبة عن يمينه في الطواف ومر من الحجر الأسود إلى الركن اليماني لم يصح طوافه، وبهذا قال جمهور العلماء منهم: مالك (1)، والشافعي (2)، وأحمد (3)، وداود (4) وأبو ثور (5)، وخالف في ذلك أبو حنيفة (6) ولم يشترط الترتيب، واختلف أصحابه في حكم الترتيب، فمنهم من قال بوجوبه (7).
وعلى هذا أن طاف منكوسا بأن جعل الكعبة على يمينه في الطواف، فإن عليه أن يعيد طوافه إن كان بمكة، وإن رجع إلى أهله ولم يعده لزمه دم وأجزأه طوافه.
(1) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 2/ 27.
(2)
نهاية المحتاج 3/ 269، المجموع 8/ 60.
(3)
كشاف القناع 2/ 485، المغني والشرح الكبير 3/ 399.
(4)
المجموع 8/ 60.
(5)
المجموع 8/ 60.
(6)
فتح القدير 3/ 58.
(7)
فتح القدير 3/ 58.
ومنهم من قال: (إنه سنة)(1).
واستدل ابن الهمام على الوجوب بفعل النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل المواظبة من غير ترك في طوافه كله في حجه وجميع عمره، وفعله عليه الصلاة والسلام في موضع التعليم؛ لأنه كان يقول:«خذوا عني مناسككم» ، وذلك تعليم من النبي صلى الله عليه وسلم مناسك الحج، فيحمل هذا الفعل على الوجوب إلى أن يقوم دليل على عدمه.
ومن أدلة الحنفية على عدم اشتراط الترتيب إطلاق قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (2)، فالطواف مطلق من غير شرط البداية باليمين أو باليسار، ولأن الترتيب ترك هيئة فلم تمنع الإجزاء، كما لو ترك الرمل والاضطباع.
واستدل الجمهور على اشتراط الترتيب بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه جعل البيت على يساره في الطواف، وقال:«لتأخذوا مناسككم (3)» وذلك تعليم منه صلى الله عليه وسلم مناسك الحج. ولأن الطواف عبادة متعلقة بالبيت، فكان الترتيب شرطا لصحتها كالصلاة.
ويظهر لي رجحان قول الجمهور بأن الترتيب شرط لصحة الطواف؛ لأنه فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين كيفية الطواف، وهذا الفعل مفسر لقوله تعالى:
(1) بدائع الصنائع 3/ 1106.
(2)
سورة الحج الآية 29
(3)
صحيح مسلم بشرح النووي 9/ 45.
{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (1)، وقد استمر على هذا الفعل خلفاؤه الراشدون وصاحبته الكرام رضي الله عنهم أجمعين.
ويرد على الحنفية بقولهم: (أنه ترك هيئة) بأنه اختلاف الهيئة يبطل العمل كاختلاف هيئة الصلاة وترتيبها، فإنه مبطل لها فكذلك الطواف. وكذلك لو طاف مستقبلا للكعبة أو مستدبرا لها، أو معترضا، بأن يمشي على جنبه، أو جعلها على يمينه ومشى القهقري -على الخلف- فإن طوافه لا يصح على هذه الصفات؛ لأنه مخالف لما ورد به الشرع.
الحكمة في الطواف على يساره:
قد ذكر العلماء تعليلات عديدة لجعل الكعبة على يسار الطائف فمنها:
أن الذي يطوف بالكعبة مؤتم بها؛ لأن الواحد مع الإمام يكون الإمام على يساره، وقيل: لأن القلب في الجانب الأيسر، فجعل الشق الذي هو محل القلب إلى جهة البيت، وليكون أقرب موافقة لقوله تعالى:{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} (2)، واعترض بعضهم على أن محل القلب في الشق الأيسر للإنسان وقال:(إن القلب في الوسط، لكن رأسه يميل إلى جهة اليمين قليلا، وإبرته تميل إلى اليسار قليلا) لكن الذي يمكن أن يقال: (إن جهة اليسار من القلب هي محل الروح ومنبعه، ومنه ينبعث في الشريان الأعظم المسمى بالأبهر إلى جميع الجسد، ولذلك نجد حركة النبض في الجهة اليسرى، والروح أشرف ما في الجسد، فجعل ذلك الشق مواجها
(1) سورة الحج الآية 29
(2)
سورة إبراهيم الآية 37
للبيت الشريف؛ ليكون الإقبال على بيت الله بما هو أشرف) (1).
وقيل: ليكون الباب في أول طوافه؛ (2)؛ لقوله تعالى: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} (3). وقيل: يجعل البيت عن يساره؛ لكون الحركة الدورية تعتمد فيها اليمنى على اليسرى، فلما كان الإكرام في ذلك للخارج جعل لليمنى، (4)، ولأن جهة اليمين أقوى من جهة اليسار، وذلك مشاهد، والطواف سير دوري، ولا شك أن أبعد الجهات إلى المركز الذي هو جهة البيت أقوى حركة من الجهة التي هي أقرب إليه، فجعل الشق الأيمن الأقوى إلى الحيز الذي فيه الحركة أقوى، والشق الأيسر الأضعف إلى الحيز الذي الحركة فيه أضعف ليتعادلا (5).
وقيل: إن الطائف على يساره يكون عن يمين البيت؛ لأن كل ما كان عن يسار شيء فذلك الشيء عن يمينه، وأن من استقبل شيئا ثم أراد المشي بجهة يمينه، فإنه يجعل ذلك الشيء عن يساره قطعا (6)، وقد ثبت في حديث مسلم عن جابر «أنه صلى الله عليه وسلم أتى الحجر فاستلمه، ثم مشى على يمينه (7)» .
وقيل: ليكون قلبه إلى وجه البيت؛ إذ باب البيت وجهه، فلو جعل
(1) حاشية الرهوني على الزرقاني 2/ 437.
(2)
البحر الرائق 2/ 351، ابن عابدين 2/ 494.
(3)
سورة البقرة الآية 189
(4)
الفروع 3/ 497.
(5)
حاشية الرهوني على الزرقاني. 2/ 437.
(6)
حاشية الجمل 2/ 430.
(7)
صحيح مسلم بشرح النووي 8/ 196.