الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القويم والتربية الحكيمة تسعد المجتمعات؛ لأنه متى استقامت العلاقات، وصلحت الأحوال، وقويت الصلات بين الآباء والأولاد؛ ظهر أثر ذلك في الأفراد والأمم، وأصبح مجتمع الإسلام صورة مشرقة، وقدوة للمجتمعات الأخرى.
الوصية الثالثة: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ
(1)}
والإملاق: شدة الفقر والفاقة، يقال: أملق الرجل إملاقا، إذا احتاج وافتقر، أي: ولا تقتلوا أولادكم الصغار من أجل الفقر، فنحن قد تكفلنا برزقكم ورزقهم. ومن الجرم الواضح والظلم الفادح الاعتداء على حق هؤلاء الصغار في الحياة، وقد ورد النهي عن قتل الأولاد هنا بقوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} (2)، وجاء في سورة الإسراء:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} (3)؛ لأن الحديث هنا في سورة الأنعام عن فقر واقع فعلا، فكأنه سبحانه يقول لهم: لا تقتلوهم لفقر واقع فيكم أيها الآباء، ولذا قال سبحانه:{نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} (4) فجعل الرزق للآباء ابتداء؛ لأن الفقر الذي يدفعهم لقتل أولادهم حاصل لهم فعلا، أما في سورة الإسراء فالفقر ليس واقعا، وإنما هو أمر متوقع لذا قال:{خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} (5) أي: خوفا من فقر متوقع وليس موجودا فعلا، ولكنه متوهم لوجود الأولاد، ولهذا جاء التعبير الإلهي
(1) سورة الأنعام الآية 151
(2)
سورة الأنعام الآية 151
(3)
سورة الإسراء الآية 31
(4)
سورة الإسراء الآية 31
(5)
سورة الإسراء الآية 31
مطمئنا للآباء، وأنه سبحانه قد تكفل برزق الأولاد، كما تكفل برزق الآباء وبيده خزائن السماوات والأرض، وقد تعهد برزق الجميع:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} (1).
وبمثل هذه التربية الحكيمة تغرس الثقة بالله تعالى، وتنبت الفضائل في النفوس. ولا ريب أن قتل الأولاد من أعظم الذنوب، بل قد يأتي بعد الإشراك بالله.
صح عن المصطفى عليه السلام من رواية «ابن مسعود رضي الله عنه حين سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي الذنب أعظم؟ فقال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك. قال: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك. قال: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (3)» . .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي عليه رحمة الله: - قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} (4) الآية - نهى الله تعالى في هذه الآية الكريمة عن قتل الأولاد من أجل الفقر الواقع بالفعل، ونهى في سورة الإسراء من قتلهم خشية الفقر المترقب المخوف منه، مع أنه غير واقع في الحال بقوله:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} (5) وأخذ بعض أهل العلم
(1) سورة هود الآية 6
(2)
صحيح البخاري تفسير القرآن (4761)، صحيح مسلم الإيمان (86)، سنن الترمذي تفسير القرآن (3183)، سنن النسائي تحريم الدم (4014)، سنن أبو داود الطلاق (2310)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 380).
(3)
سورة الفرقان الآية 68 (2){وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ}
(4)
سورة الأنعام الآية 151
(5)
سورة الإسراء الآية 31