المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشرط الثاني: الطهارة - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٤٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ المادة التاسعة من نظام التوفير والادخار لموظفي الشركة السعودية الموحدة للكهرباء

- ‌ نقول عن بعض المعاصرين في معنى الادخار

- ‌ حكم الادخار:

- ‌الفتاوى

- ‌حمل المصحف إلى بلد يهان فيه

- ‌كتابة الآيات فيما يهان من الصحف والوصفات الطبية وغير ذلك

- ‌حكم رمي الجرائد في الزبائل

- ‌استعمال ألفاظ القرآن فيما يعتاده الناس من أفعال

- ‌اللحن في التلاوة

- ‌حفظ القرآن

- ‌نسيان القرآن

- ‌هجر القرآن

- ‌قراءة الجنب

- ‌قراءة الحائض

- ‌قراءة من به حدث أصغر

- ‌قراءة من به سلس

- ‌رد السلام على القارئ

- ‌ فتاوى سماحة الشيخ /عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌ تارك الزكاة

- ‌ جمع الأموال الزكوية أو تفريقها من أجل الفرار من الزكاة

- ‌ الماشية من الإبل أو البقر أو الغنم ليست سائمة جميع الحول أو أكثره

- ‌ الفقير الذي يعطى من الزكاة

- ‌ رجل في بلد غير بلده وسرقت دراهمه فهل يعطى من الزكاة

- ‌ إعطاء الزكاة للمجاهدين المسلمين في البوسنة والهرسك

- ‌ زكاة الحلي الملبوس

- ‌ زكاة الحلي

- ‌ الزكاة في أموال اليتامى

- ‌ الأشياء المزروعة التي تدخلها الزكاة

- ‌ صدقة الفطر

- ‌ إخراج صدقة الفطر للمجاهدين

- ‌الطواف وأهم أحكامه

- ‌مقدمة:

- ‌الفصل الأولتعريف الطواف وآدابه

- ‌تسمية الطواف شوطا:

- ‌فضل الطواف:

- ‌آداب الطواف:

- ‌التطوع في المسجد الحرام بالطواف:

- ‌أنواع الطواف:

- ‌أولا: طواف القدوم:

- ‌ثانيا: طواف بعد الوقوف بعرفة:

- ‌ثالثا: حكم طواف الوداع:

- ‌الفصل الثانيشروط الطواف

- ‌الشرط الأول: النية

- ‌الشرط الثاني: الطهارة

- ‌الشرط الثالث: ستر العورة:

- ‌الشرط الرابع: أن يطوف داخل المسجد حول الكعبة:

- ‌الشرط الخامس: أن يبتدئ طوافه من الحجر الأسود:

- ‌الشرط السادس: الطواف ماشيا على رجليه إذا كان قادرا على المشي:

- ‌الشرط السابع: الطواف بالبيت كله

- ‌الشرط الثامن: أن يكمل سبعة أشواط، كل مرة يبدأ من الحجر الأسود حتى يعود إليه:

- ‌الشرط التاسع: الترتيب في الطواف، وهو أن يجعل الكعبة عن يساره في الطواف

- ‌الشرط العاشر: الموالاة:

- ‌قطع الطواف:

- ‌فائدة الخلاف بين من أجاز قطع الطواف ومن منعه

- ‌كيفية البناء على ما مضى من طوافه:

- ‌الخاتمة

- ‌صفة الطواف

- ‌أسباب الزحام في الطواف ومحاولة تقديم الحلول:

- ‌ابن تيمية والدفاع عن الإسلام

- ‌من هو ابن تيمية

- ‌مكانته العلمية:

- ‌آثاره العلمية:

- ‌شجاعته في الحق:

- ‌ما تعرض له من بلاء:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌وقائع في حياته:

- ‌الخاتمة:

- ‌الوصايا العشر كما جاءت في سورة الأنعام

- ‌الوصية الأولى: تحريم الشرك:

- ‌الوصية الثانية: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}

- ‌الوصية الثالثة: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ

- ‌الوصية الرابعة: النهي عن قربان الفواحش ما ظهر منها وما بطن

- ‌الوصية الخامسة: النهي عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق:

- ‌الوصية السادسة: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ}

- ‌الوصية السابعة: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}

- ‌الوصية الثامنة: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}

- ‌الوصية التاسعة: {وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا}

- ‌الوصية العاشرة: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ

- ‌التسعير في الفقه الإسلامي

- ‌مقدمة:

- ‌التسعير لغة واصطلاحا:

- ‌حكم التسعير:

- ‌مشروعية التسعير:

- ‌هل التسعير ملزم

- ‌الأشياء التي يجري بها التسعير:

- ‌خاتمة:

- ‌تقديم

- ‌موضوع الرسالة:

- ‌أهمية الرسالة:

- ‌المؤلف:

- ‌وصف النسخ:

- ‌العنوان:

- ‌التوثيق:

- ‌منهج التحقيق:

- ‌النص المحقق

- ‌القضاء والقدر

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌الشرط الثاني: الطهارة

‌الشرط الثاني: الطهارة

للطواف

اختلف العلماء في لزوم الطهارة للطواف، وكان خلافهم على ثلاثة آراء كما يلي:

الرأي الأول: يقول: إن الطهارة - من الحدث الأصغر أو الأكبر والنجاسة - شرط لصحة الطواف: فمن طاف محدثا لا يجزئه طوافه، ولا يعتد به، سواء كان طوافه ركنا، أو واجبا، أو نافلة.

قال بهذا القول أكثر العلماء، قال النووي: حكاه الماوردي عن جمهور العلماء، حكاه ابن المنذر عن عامة العلماء في طهارة الحدث (1).

وممن قال بهذا: الإمام مالك وأصحابه والإمام الشافعي وأصحابه (2)، والقول المشهور في مذهب الإمام أحمد، وبه قال أكثر أصحابه، واقتصر عليه كثير منهم (3)، قال الماوردي: وهو الصحيح من مذهب الإمام أحمد، وعليه الأصحاب (4). وخص ابن حزم اشتراط الطهارة للمرأة الحائض (5).

(1) المجموع (8/ 17).

(2)

نهاية المحتاج (3/ 269)، حاشية الشرقاوي (1/ 470)، حاشية الجمل (2/ 470)، المجموع (8/ 17).

(3)

كشاف القناع (2/ 485)، غاية المنتهى ص (426)، الروض الندي ص (184)، المغني والشرح الكبير (3/ 390).

(4)

الإنصاف (4/ 16).

(5)

المحلى (7/ 256)، قال: الطواف بالبيت على غير طهارة جائز إلا على الحائض فقط.

ص: 204

فعلى هذا القول: الطهارة من الحدث الأصغر، والأكبر، والنجاسة في البدن، والثوب، والمطاف شرط لصحة الطواف، فلو طاف محدثا أو عليه جنابة، أو في بدنه، أو ثوبه، أو مطافه نجاسة لم يصح طوافه.

والرأي الثاني: يقول: إن الطهارة للطواف واجبة، يجبر تركها بدم على تفصيل في الدم الواجب.

وإليه ذهب الإمام أبو حنيفة وأكثر أصحابه (1)، ورواية عن الإمام أحمد (2)، ونصرها ابن تيمية وتلميذه ابن القيم (3).

فعلى هذا القول عند أبي حنيفة وأصحابه: لو طاف جنبا أو محدثا، أو عليه نجاسة صح طوافه وجبره بدم، إن لم يستطع أن يتطهر ويعيد ما دام موجودا في مكة؛ لأن إعادة الطواف جبر له بجنسه، وجبر الشيء بجنسه أولى؛ لأن الجبر فيه أتم وإن لم يتمكن من إعادة الطواف حتى رجع إلى أهله لزمه جبران النقص فإن كان الطواف تطوعا فعليه صدقة.

وخالف السرخسي في ذلك، وقال: ليس لطواف التحية محدثا، ولا جنبا شيء (4).

أما إن كان الطواف ركنا، أو واجبا فعليه شاة إذا طاف وهو محدث، وإن طاف وهو جنب فعليه بدنة؛ لأن الجنابة أغلظ من الحدث فيجب

(1) بدائع الصنائع (3/ 1099)، فتح القدير (3/ 49)، المبسوط (4/ 34)

(2)

المقنع (1/ 445)، المغني والشرح الكبير (3/ 390)، حاشية ابن القاسم على الروض المربع (4/ 109).

(3)

فتاوى ابن تيمية (26/ 123)، إعلام الموقعين (3/ 31، 36، 26، 27).

(4)

بدائع الصنائع (3/ 1099)، فتح القدير (3/ 49)، المبسوط (4/ 34).

ص: 205

جبرانها بالبدنة إظهارا للتفاوت (1).

وعند الإمام أحمد على هذا القول: أنه إذا طاف على غير طهارة فإن طوافه يصح ويجبره بدم، ورواية أخرى عنه: يصح من ناس للحدث ومعذور فقط وعنه يصح من الحائض وتجبره بدم (2).

الرأي الثالث: ويرى أن الطهارة للطواف سنة (3) وإليه ذهب الإمام أحمد في قول، وبعض أصحاب أبي حنيفة (4) في النجاسة الحقيقية لا الحكمية. وهو اختيار ابن تيمية في أن الطهارة من الحدث لا تشترط في الطواف، ولا تجب ولكن تستحب فيه الطهارة الصغرى (5).

وقد استدل من قال باشتراط الطهارة للطواف بأدلة كثيرة كلها تدور على الأسس التالية:

1 -

فعل الرسول صلى الله عليه وسلم للطهارة من أجل الطواف.

2 -

نهى الرسول صلى الله عليه وسلم الحائض عن الطواف مع تجويزه لها أن تباشر بقية مناسك الحج.

(1) بدائع الصنائع (3/ 1099).

(2)

الإنصاف (4/ 16)، المقنع (1/ 445)، إعلام الموقعين (3/ 33)، فتاوى ابن تيمية (26/ 123).

(3)

تنبيه: الخلاف بين أصحاب أبي حنيفة في الوجوب والسنة لفظي؛ لأنهم جميعا يقولون بوجوب الدم

(4)

فتح القدير 3/ 49، بدائع الصنائع 3/ 1099

(5)

فتاوى ابن تيمية 26/ 199.

ص: 206

3 -

إلحاق الطواف بالصلاة، وتشبيهه بها.

4 -

كون الطواف عبادة متعلقة بالبيت.

وفيما يلي نذكر بعض الأدلة من الكتاب والسنة، والقياس:

1 -

استدلوا بقوله تعالى:. . . {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} (1) فإن الآية تدل في الجملة على الأمر بالطهارة للطائفين.

2 -

حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «أول شيء بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة أنه توضأ، ثم طاف بالبيت (2)» .

وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثم طاف، وقد قال في الحج:«لتأخذوا مناسككم (3)» ، وهذا أمر يدل على الوجوب، فلما توضأ للطواف، لزمنا أن نأخذ عنه الوضوء للطواف امتثالا لأمره، ولأن فعله في الطواف بيان وتفصيل لما أجمل في قوله تعالى:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (4) وقد تقرر في الأصول: أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان لبيان نص من كتاب الله، فهو على اللزوم والتحتم (5) فدل ذلك على اشتراط الطهارة للطواف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بينه بفعله وقال:«خذوا عني مناسككم» ، ومن فعله الذي بينه: الوضوء للطواف، ولم يرد دليل يخالف ذلك فثبت أن الطهارة للطواف شرط.

(1) سورة الحج الآية 26

(2)

صحيح البخاري مع فتح الباري 3/ 496، صحيح مسلم بشرح النووي 8/ 220.

(3)

صحيح مسلم بشرح النووي 9/ 45.

(4)

سورة الحج الآية 29

(5)

أضواء البيان 5/ 202، 203

ص: 207

3 -

عن عائشة قالت: «خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج فلما جئنا سرف طمثت، فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: ما يبكيك؟ قلت: لوددت والله أني لم أحج العام. قال: لعلك نفست؟ قلت: نعم، قال: فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم، فافعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري (1)» ، وفي رواية مسلم «أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي (2)» .

هذا الحديث ظاهر في نهي الحائض عن الطواف حتى ينقطع دمها وتغتسل؛ لأن النهي في العبادات يقتضي الفساد، وذلك يقتضي بطلان الطواف لو فعلته، وفي معنى الحائض: الجنب والمحدث، وهو قول الجمهور، ذكره ابن حجر، (3) وذكره الزرقاني في شرحه على الموطأ نصا (4) قال النووي:(فيه دليل على أن الطواف لا يصح من الحائض، وهذا مجمع عليه لكن اختلفوا في علته على حسب اختلافهم في اشتراط الطهارة للطواف (5).

4 -

«عن عائشة أن صفية حاضت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإنها لحابستنا، فقالوا: يا رسول الله، قد زارت يوم النحر، قال: فلتنفر معكم (6)» وهذا دليل يعضد حديث عائشة، ويدل على أن الحائض تنتظر حتى تطهر ثم تطوف، وهذا يدل على اشتراط الطهارة.

(1) صحيح البخاري مع فتح الباري 3/ 504، 1/ 407، كتاب الحيض حديث رقم (305)

(2)

صحيح مسلم بشرح النووي 8/ 147

(3)

فتح الباري 3/ 505

(4)

شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك 2/ 313.

(5)

شرح النووي على صحيح مسلم 8/ 147.

(6)

صحيح مسلم بشرح النووي 8/ 81

ص: 208

5 -

روى الترمذي في جامعه: عن طاوس عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه فلا يتكلم إلا بخير (1)» ، قال الترمذي:(روي مرفوعا وموقوفا)، (2) وقال الزيلعي في نصب الراية:(رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك، وسكت عنه، وأخرجه الترمذي، وعن الحاكم رواه البيهقي، وقال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد في [الإمام]: (روي مرفوعا وموقوفا)(3) وقال ابن حجر في [التلخيص الحبير]: (صححه ابن السكن، وابن خزيمة، وابن حبان)(4).

وله طريق أخرى مرفوعة أخرجها الحاكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال الله لنبيه: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (5) فالطواف مثل الصلاة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الطواف بمنزلة الصلاة إلا أن الله قد أحل فيه المنطق، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير (6)» وصحح إسناده، وهو كما قال فإنهم ثقات (7).

وروى النسائي وأحمد من طريق ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن طاوس عن رجل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطواف صلاة، فإذا طفتم فأقلوا الكلام (8)» وهذا الرواية صحيحة، وهي تعضد رواية عطاء بن السائب وهو الأول عند الترمذي، وترجح الرواية المرفوعة، والظاهر أن المبهم

(1) سنن الترمذي الحج (960)، سنن الدارمي كتاب المناسك (1847).

(2)

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي 4/ 23

(3)

نصب الراية 3/ 57

(4)

التلخيص الحبير بحاشية المجموع 2/ 96.

(5)

سورة الحج الآية 26

(6)

سنن الترمذي الحج (960)، سنن الدارمي كتاب المناسك (1847).

(7)

التلخيص الحبير بحاشية المجموع 2/ 99.

(8)

سنن النسائي مناسك الحج (2922)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 414).

ص: 209

فيها هو ابن عباس، وعلى تقدير أن يكون غيره فلا يضر إبهام الصحابة (1). رواه الطبراني في معجمه الأوسط عن طاوس عن ابن عمر: لا أعلمه إلا عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «الطواف صلاة، فأقلوا فيه الكلام (2)» فدلت هذه الروايات على أن الطهارة شرط لصحة الطواف؛ لأن (الطواف صلاة) يدل على أنه يشترط في الطواف ما يشترط في الصلاة، إلا ما أخرجه دليل خاص، كالمشي في الطواف، والانحراف عن القبلة، والكلام ونحوها.

قال النووي: (الصحيح أنه موقوف على ابن عباس، وتحصل منه الدلالة أيضا، لأنه قول صحابي اشتهر، ولم يخالفه أحد من الصحابة فكان حجة، وقول الصحابي حجة أيضا عند أبي حنيفة)(3).

6 -

الطواف عبادة متعلقة بالبيت، فكانت الطهارة شرطا لها كالصلاة.

وقد استدل من لم يشترط الطهارة بأدلة من الكتاب الكريم، والسنة والقياس، وفتاوى بعض علماء السلف، وهي كما يلي:

أولا: من القرآن الكريم:

1 -

قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (4) وجه الاستدلال من هذه الآية كما قرره علماء الحنفية: أن الله تعالى أمر بالطواف نصا،

(1) التلخيص الحبير بحاشية المجموع 2/ 100.

(2)

نصب الراية 3/ 58

(3)

المجموع 8/ 18

(4)

سورة الحج الآية 29

ص: 210

وهو: الدوران حول الكعبة من غير قيد الطهارة، وذلك يتحقق من المحدث والطاهر فاشتراط الطهارة يكون زيادة على النص، ومثل هذه الزيادة لا تثبت بخبر الواحد، ولا بالقياس، ولا تجوز الزيادة على النص بخبر الواحد؛ لأنها نسخ له (1).

ثانيا: من السنة والآثار:

1 -

ما رواه سعيد بن منصور: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر عن عطاء قال: حاضت امرأة وهي تطوف مع أم المؤمنين عائشة - رضي - فأتمت بها عائشة سنة طوافها. وهذا يدل على أن عائشة لم تشترط الطهارة للطواف، والناس إنما تلقوا منع الحائض من الطواف من حديث عائشة (2).

2 -

ما رواه أحمد بن حنبل: حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة قال:(سألت حمادا ومنصورا عن الرجل يطوف بالبيت على غير طهارة فلم يروا به بأسا)(3).

ثالثا: القياس:

قياسا على أركان الحج وواجباته فإنها لا تشترط لها الطهارة، فكذلك الطواف لا تشترط له الطهارة.

رابعا: فتاوى بعض السلف:

1 -

أفتى عطاء بأن المرأة إذا حاضت في أثناء الطواف فإنها تتم طوافها.

(1) المبسوط 4/ 34، فتح القدير 3/ 49، 50.

(2)

إعلام الموقعين 3/ 33.

(3)

مجموع فتاوى ابن تيمية 26/ 182.

ص: 211

وهذا يدل على أنه لم يشترط الطهارة لصحة الطواف (1).

2 -

روي عن عطاء: (إذا طافت المرأة ثلاثة أطواف فصاعدا، ثم حاضت، أجزأ الطواف)(2).

3 -

قال ابن أبي شيبة: حدثنا غندر، حدثنا شعبة:(سألت الحكم وحمادا، ومنصورا، وسليمان عن الرجل يطوف بالبيت على غير طهارة، فلم يروا به بأسا)(3).

الجواب عن دليل الحنفية:

1 -

الآية عامة فيجب تخصيصها بما ذكرناه من أدلة.

2 -

أن الطواف بغير طهارة مكروه عند أبي حنيفة، ولا يجوز حمل الآية على طواف مكروه؛ لأن الله تعالى لا يأمر المكروه.

والجواب عن قياسهم على الوقوف وغيره أن الطهارة ليست واجبة في غير الطواف من أركان الحج فلم تكن شرطا بخلاف الطواف فإنهم سلموا وجوبها فيه على الراجح عندهم، واعتبار الزيادة على النص نسخا له قاعدة غير مسلمة على إطلاقها؛ لأن الزيادة لا تعتبر نسخا إلا إذا أثبتت شيئا نفاه المتواتر، أو نفت شيئا أثبته، أما إن كانت الزيادة زيد فيها شيء لم يتعرض له النص المتواتر، فهي زيادة مسكوت عنه لم ترفع حكما شرعيا، وإنما رفعت

(1) إعلام الموقعين 3/ 31. لم يعقب عليه ابن حجر بتصحيح ولا تضعيف.

(2)

إعلام الموقعين 3/ 31.

(3)

فتح الباري 3/ 505.

ص: 212

البراءة الأصلية التي هي الإباحة العقلية، ورفعها ليس بنسخ (1).

مناقشة أدلة من يشترط الطهارة:

قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تطوفي بالبيت (2)» لا يخرج معناه عن أربعة تقادير:

1 -

إما أن تكون الحائض ممنوعة من دخول المسجد والطواف لا يكون إلا في المسجد.

2 -

وإما أن تكون عبادة الطواف لا تصح مع الحيض كالصلاة.

3 -

أو لمجموع الأمرين.

4 -

أول لكل واحد من الأمرين، فإن قيل المعنى الأول لم يمنع صحة الطواف مع الحيض كما قاله أبو حنيفة ومن وافقه، وكما هو إحدى الروايتين عن أحمد، وعلى هذا فلا يمتنع الإذن لها في دخول المسجد لهذه الحاجة التي تلتحق بالضرورة، ويقيد بها مطلق نهي النبي صلى الله عليه وسلم وليس بأول المطلق قيد بأصول الشريعة وقواعدها وإن قيل بالمعنى الثاني، فغايته أن تكون الطهارة شرطا من شروط الطواف فإذا عجزت عنها سقط اشتراطها، كما لو انقطع دمها، وتعذر عليها الاغتسال والتيمم فإنها تطوف على حسب حالها، كما تصلي بغير طهور (3).

فإن قيل يجوز أن تكون علة النهي عن طوافها وهي حائض، أن الحائض لا تدخل المسجد، قلنا: هذا فاسد؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: «حتى

(1) أضواء البيان 5/ 212.

(2)

صحيح مسلم الحج (1211)، سنن النسائي مناسك الحج (2763)، سنن أبو داود المناسك (1778)، سنن ابن ماجه المناسك (3000)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 273)، موطأ مالك الحج (940).

(3)

إعلام الموقعين 3/ 26.

ص: 213

تغتسلي (1)» ولم يقل حتى ينقطع دمك وهو ظاهر. ذكره النووي (2).

مناقشة حديث: «الحائض تقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت. . . (3)» .

1 -

هذا الحديث من جنس قوله: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ (4)» فإباحة الطواف للضرورة لا تنافي تحريمه بذلك النص، كإباحة الصلاة بلا وضوء للضرورة بالتيمم، بل وبلا وضوء ولا تيمم للضرورة (5).

ويرى ابن تيمية رحمه الله أن الحائض تفعل ما تقدر عليه، ويسقط عنها ما تعجز عنه. قال:(وهذا هو الذي تدل عليه النصوص المتناولة لذلك، والأصول المشابهة له، وليس في ذلك مخالفة للأصول).

والنصوص التي تدل على وجوب الطهارة، كقوله صلى الله عليه وسلم:«تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت (6)» إنما تدل على الوجوب مطلقا، كقوله:«إذا أحدث أحدكم فلا يصلي حتى يتوضأ (7)» وقوله: «لا يطوف بالبيت عريان (8)» . وأمثال ذلك من النصوص.

وقد علم أن وجوب ذلك جميعه مشروط بالقدرة، كما قال تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (9) وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم (10)» .

(1) صحيح مسلم الحج (1211).

(2)

المجموع 8/ 18.

(3)

سنن الترمذي الحج (945)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 137).

(4)

صحيح البخاري الحيل (6954)، صحيح مسلم الطهارة (225)، سنن الترمذي الطهارة (76)، سنن أبو داود الطهارة (60)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 308).

(5)

مجموع فتاوى ابن تيمية 26/ 201.

(6)

سنن الترمذي الحج (945)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 137).

(7)

سنن أبو داود الطهارة (205)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 86)، سنن الدارمي الطهارة (1141).

(8)

سنن الترمذي تفسير القرآن (3092).

(9)

سورة التغابن الآية 16

(10)

صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (7288)، صحيح مسلم الحج (1337)، سنن الترمذي العلم (2679)، سنن النسائي مناسك الحج (2619)، سنن ابن ماجه المقدمة (2)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 508).

ص: 214

2 -

غاية ما في الطهارة أنها شرط في الطواف، ومعلوم أن كونها شرطا في الصلاة، أو كد منها في الطواف، وشروط الصلاة تسقط بالعجز فإنه يجوز للمصلي أن يصلي عريانا، ومع الحدث والنجاسة في صورة المستحاضة ويصلي مع الجنابة، وحدث الحيض مع التيمم، وإذا كانت شروط الصلاة تسقط بالعجز، فسقوط شروط الطواف بالعجز أولى وأحرى.

3 -

أن من قال باشتراط الطهارة للطواف وأوجبها لا معارضة بينه وبين قولنا، فإن قولهم المقصود به حال القدرة، والسعة وقولنا حال الضرورة، والعجز، وهذا القول لا ينافي نص الشارع، وكلام الأئمة، وغاية المفتي به أنه يقيد مطلق كلام الشارع بقواعد شريعته، وأصولها.

4 -

القياس على طواف الوداع، فكما يسقط طواف الوداع عن الحائض بالنص فكذلك طواف الأفاضة.

قال ابن القيم: (إن القول باشتراط طهارة الحدث للطواف لم يدل عليه نص ولا إجماع، بل فيه النزاع قديما وحديثا)(1).

قال ابن تيمية: (لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر الطائفين بالوضوء، ولا باجتناب النجاسة، كما أمر المصلين بالوضوء)(2).

حديث: «الطواف بالبيت صلاة (3)» . . . يرد عليه بما يلي:

ناقش ابن تيمية هذا الحديث فقال: (إن الطواف يشبه الصلاة من

(1) إعلام الموقعين 3/ 31.

(2)

مجموع فتاوى ابن تيمية 26/ 176.

(3)

سنن الترمذي الحج (960)، سنن الدارمي كتاب المناسك (1847).

ص: 215

بعض الوجوه، وليس كالصلاة من كل الوجوه) (1).

فالوضوء للصلاة معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، ومن أنكره فهو كافر. ولم ينقل شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم في وجوب الوضوء للطواف ومنع الحائض لا يستلزم منع المحدث (2).

والاحتجاج بحديث: «الطواف بالبيت صلاة. . . (3)» على وجوب الطهارة الصغرى للطواف حجة ضعيفة، فإن غايته أن يشبه بالصلاة في بعض الأحكام، وليس المشبه كالمشبه به من كل وجه، وإنما أراد أنه كالصلاة في اجتناب المحظورات التي تحرم خارج الصلاة، فأما ما يبطل الصلاة وهو الكلام والأكل والشرب والعمل الكثير، فليس شيء من هذا مبطلا للطواف. . . (4).

إلى أن قال: (فمن أوجب له الطهارة الصغرى فلا بد له من دليل شرعي، وما أعلم ما يوجب ذلك. . .)(5) ثم قال: (. . . والطواف لا يجب فيه ما يجب في الصلاة، ولا يحرم فيه ما يحرم في الصلاة، فيبطل أن يكون مثلها)(6) أو أن يكون التشبيه في الثواب لا في الأحكام.

مناقشة القياس:

ما ذكروا من القياس أن الطواف عبادة متعلقة بالبيت فكانت الطهارة وغيرها شرطا فيها كالصلاة، هذا قياس فاسد، فإنه يقال: لا نسلم أن

(1) مجموع فتاوى ابن تيمية 26/ 212.

(2)

مجموع فتاوى ابن تيمية 26/ 194893.

(3)

سنن الترمذي الحج (960)، سنن الدارمي كتاب المناسك (1847).

(4)

مجموع فتاوى ابن تيمية 26/ 198.

(5)

مجموع فتاوى ابن تيمية 26/ 199

(6)

مجموع فتاوى ابن تيمية 26/ 212

ص: 216

العلة في الأصل كونها متعلقة بالبيت، فالطهارة إنما وجبت لكونها صلاة، سواء تعلقت بالبيت، أو لم تتعلق، فصلاة التطوع في السفر وصلاة الخوف إذا صلى إلى غير القبلة تشترط لها الطهارة، وليست متعلقة بالبيت وأيضا النظر إلى البيت عبادة متعلقة بالبيت، ولا تشترط لها الطهارة، وكذلك الاعتكاف عبادة متعلقة بالمسجد، ولم تكن الطهارة شرطا فيه، فدل ذلك على فساد هذا القياس،؛ لأن القياس الصحيح: ما بين فيه أن المشترك بين الأصل والفرع هو علة الحكم، أو دليل العلة (2) ولم يوجد في مسألتنا ذلك.

الترجيح:

الراجح والله أعلم أن الطهارة شرط لصحة الطواف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحائض تقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت (1)» ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لزوجه عائشة رضي الله عنها:«اصنعي ما يصنع الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت (2)» وكانت رضي الله عنها حائضا. وكما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له عن زوجه صفية رضي الله عنها أنها حاضت، فقال:«أحابستنا هي؟، فقيل له: إنها قد أفاضت فقال: فلا إذا (3)» ، وحديث:«الطواف بالبيت صلاة (4)» .

فترجح بهذه الأدلة وغيرها اشتراط الطهارة للطواف، فلا يصح طواف حول الكعبة إلا بالطهارة إلا إذا وجدت ضرورة، مثل امرأة حاضت أو ولدت ولا يمكنها الانتظار لعدم وجود محرم أو نفقة كافية، ولا يمكنها السفر والعودة بعد الطهر لبعد المكان، أو لقلة المال، فيجوز لها في

(1) سنن الترمذي الحج (945)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 137).

(2)

صحيح البخاري الحيض (294)، صحيح مسلم الحج (1211)، سنن النسائي الطهارة (290)، سنن أبو داود المناسك (1782)، سنن ابن ماجه المناسك (2963)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 273).

(3)

صحيح البخاري الحج (1757)، سنن أبو داود المناسك (2003)، سنن ابن ماجه المناسك (3072)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 82).

(4)

سنن الترمذي الحج (960)، سنن الدارمي كتاب المناسك (1847).

ص: 217

مثل هذه الحال أن تغتسل وتتنظف، كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بنت عميس أن تغتسل لإحرامها (1) ثم تستثفر وتطوف على حسب حالها؛ لأن هذا أقصى ما تقدر عليه ويسقط شرط الطهارة بالعجز عنه، كما لو عجز المصلي عن ستر العورة واستقبال القبلة ولقوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم (3)» ، فهذه المرأة لا تستطيع إلا هذا، وقد اتقت الله ما استطاعت فلا يلزمها غير ذلك، أما لو أمكنها أن تقيم بمكة حتى تطهر وتطوف، فإنه لا يجوز لها أن تطوف قبل ذلك، والله أعلم.

أما أدلة من لم يشترط الطهارة للطواف فهي عامة فتخصصها أدلة من اشترط الطهارة، وما روي من آثار تجيز الطواف بدون طهارة فهي اجتهادات إن صحت لا تقاوم الأدلة الصحيحة الصريحة.

أما من فرق بين الحدث الأكبر والحدث الأصغر فاشترط الطهارة للطواف في الحدث الأكبر ولم يشترطها في الحدث الأصغر فالقياس صحيح يرده فإن علة المنع من الطواف واحدة وهي عدم الطهارة وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «حتى تطهري (4)» أو «حتى تغتسلي (5)» .

واشتراط الطهارة أحوط في الدين وأبرأ للذمة. ومادام أن الطواف

(1) صحيح مسلم مع شرح النووي 8/ 133

(2)

سورة التغابن الآية 16

(3)

صحيح مسلم بشرح النووي 9/ 101

(4)

صحيح البخاري الحيض (305)، صحيح مسلم الحج (1211)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 273).

(5)

صحيح مسلم الحج (1211).

ص: 218