الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعرضه (1)»، «والمسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا (2)» .
ومن محاسن هذه الشريعة أن اعتبرت المحافظة على الضروريات الخمس: حفظ الدين، حفظ النفس، حفظ النسل والعرض، حفظ العقل، حفظ المال، فهذه الأمور قد تعين صيانتها ويحرم المساس بها.
ويأتي في ختام هذه الوصايا الخمس قول الله تعالى: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (3) وهذا التعقيب يجيء وفق المنهج القرآني في ربط كل أمر وكل نهي بالله ربطا للأوامر والنواهي بهذه السلطة التي تجعل للأمر والنهي وزنه في ضمائر الناس وعقولهم: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى} (4).
(1) صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2564)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 277).
(2)
صحيح البخاري الصلاة (481)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2585)، سنن الترمذي البر والصلة (1928)، سنن النسائي الزكاة (2560)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 405).
(3)
سورة الأنعام الآية 151
(4)
سورة طه الآية 54
الوصية السادسة: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ}
(1)
تصدرت الآية الثانية والخمسين بعد المائة من السورة نفسها، قال الله تعالى:{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} (2).
لقد شاء الله تبارك وتعالى واقتضت حكمته أن يأتي هذا الدين الخاتم على يد يتيم يكون هو النبي الخاتم، هذا اليتيم الكريم قد عهد الله إليه بأشرف مهمة في الوجود عندما شرفه بإبلاغ الرسالة إلى الناس كافة، وجعل من آداب هذا الدين الذي بعثه به رعاية اليتيم وكفالته على النحو الذي منه هذا التوجيه الوارد في الآية.
(1) سورة الأنعام الآية 152
(2)
سورة الأنعام الآية 152
واليتيم ضعيف في الجماعة بفقده الوالد الحاني والمربي، ومن ثم تقع مسئولية حمايته وكفالته على المجتمع المسلم، على أساس التكافل الاجتماعي الذي جعلته الشريعة قاعدة نظامه الاجتماعي.
ولقد كان اليتيم يعاني من الضياع والتشرد والاستغلال في المجتمع الجاهلي، حتى جاء دين الإسلام فأنقذه من هذا الضياع ورتب له حقوقا يتعين صيانتها، ومن حقوقه حفظ أمواله وتنميتها، وعدم قربانها إلا بما يصلحها، فعلى من يتولى اليتيم ألا يقرب ماله إلا بالطريقة التي هي أحسن لليتيم؛ حتى يسلمه له كاملا ناميا، وقوله تعالى:{حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} (1). ليس غاية للنهي، إذ ليس المعنى إذا بلغ اليتيم سن الرشد فاقربوا ماله، إنما المعنى أنهاكم - أيها الأولياء والأوصياء - عن الاقتراب من مال اليتيم إلا بالطريقة التي هي أنفع له، وعليكم أن تستمروا على ذلك حتى يبلغ اليتيم رشده، فإذ بلغ رشده فسلموا إليه ماله ليتصرف فيه التصرف السليم.
فالنهي في الآية ليس عن أكل مال اليتيم، بل عن مجرد القرب منه، وفي ظل قاعدة التكافل الوارفة الظلال، عني الإسلام باليتيم وأمواله؛ فدعانا إلى حسن استثمار أموال اليتيم للإنفاق من عائدها عليه، قال تعالى:{وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} (2)، وقال صلى الله عليه وسلم:«من ولي يتيما له مال فليتجر فيه، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة (3)» .
(1) سورة الأنعام الآية 152
(2)
سورة النساء الآية 5
(3)
أخرجه الترمذي رقم 164، والبيهقي 4/ 107.
ويتعين حسن تربية اليتيم وتعليمه وتدريبه على إدارة أمواله قبل دفعها إليه، قال تعالى:{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} (1).
فعلى الولي أن يسلم المال لليتيم ناميا كاملا عند بلوغه أشده، واكتمال قوته البدنية والعقلية؛ ليكون قادرا على حفظ ماله، ويحسن القيام عليه، وبذلك يكون اليتيم قد استوفى حقه، وحصل على ماله كاملا، مع ما تحقق له من الكسب والربح نتيجة حسن تصرف الولي وقيامه على المال بما يصلحه، وبهذا التصرف الحكيم، لا يكون اليتيم هو من فقد أبويه أو أحدهما في المجتمع المسلم الرشيد؛ لأن المجتمع الإيماني، اليتيم فيه مكفول الحق، فقد أباه فكان له من المؤمنين آباء، وفقد أمه فكان له من المؤمنات أمهات.
إنما اليتيم من لم يحفظ بكفالة أبيه، وينعم برعايته، ويستفيد من مصاحبته والحوار معه، ولم ينعم بحنان أمه وشفقتها وعطفها:
ليس اليتيم من انتهى أبواه
…
من هم الحياة وخلفاه ذليلا
إن اليتيم هو الذي تلقى له
…
أما تخلت أو أبا مشغولا
(أمير الشعراء أحمد شوقي)
وقد أولت شريعة الإسلام عنايتها بالأيتام، من تدبير شئونهم، ورعاية
(1) سورة النساء الآية 6