الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقبله، ثم بدأ طوافه فيمكن أن يكون ذلك ببعض البدن. ويخالف القياس على استقبال القبلة، فإن الطائف لا يستقبل البيت، وإنما يستقبل بعضه، فكذا يجزئه من الحجر بعضه، والأحوط للطائف أن يجعل الحجر عن يمينه ليمر عليه بجميع بدنه خروجا من الخلاف، والله أعلم.
الشرط السادس: الطواف ماشيا على رجليه إذا كان قادرا على المشي:
وقد أجمع (1) العلماء على أن طواف الماشي أولى وأفضل من طواف الراكب والمحمول.؛ لأن طواف الراكب أو المحمول يزاحم الطائفين، وربما حصل منه أذى لهم، أو كان فيه تمييز للأغنياء عن الفقراء.
وأجمعوا (2) على أنه يطاف بالصبي والمريض ويجزئهما، إلا ما روي عن عطاء في المريض فإن له قولين:
أحدهما: هذا.
والثاني: يستأجر من يطوف عنه.
ولم يختلف العلماء في صحة طواف الراكب أو المحمول إذا كان له عذر؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن (3).
(1) المجموع 8/ 27، الشرح الكبير مع المغني 3/ 394.
(2)
المجموع 8/ 60، الإجماع لابن المنذر ص20.
(3)
صحيح مسلم شرح النووي 9/ 19.
وأن أم سلمة رضي الله عنها طافت وهي راكبة (1) وكان لهما عذر، فإن عذر النبي صلى الله عليه وسلم ازدحام الناس، ولأجل تعليمهم كيفية الطواف والإجابة على أسئلتهم. وعذر أم سلمة رضي الله عنها كما ذكر في الحديث كانت مريضة. وإنما الذي اختلف فيه الفقهاء هو صحة طواف الراكب أو المحمول وليس له عذر.
وللعلماء في إجزاء طوافه وصحته ثلاثة أقوال:
القول الأول: من طاف محمولا أو راكبا لغير عذر لا يجزئ طوافه ولا يصح.
وهذا القول مروي عن الإمام أحمد بن حنبل، وهو ظاهر كلام الخرقي، (2) وعلى هذا فالمشي شرط لصحة الطواف، فإذا طاف راكبا أو محمولا لغير عذر لم يجزئه طوافه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ورد عنه أنه قال:«الطواف بالبيت صلاة (3)» ؛ ولأن الطواف عبادة تتعلق بالبيت، فلم يجز فعلها راكبا لغير عذر كالصلاة.
القول الثاني: يجزئه طوافه راكبا ويجبره بدم إذا لم يستطع إعادته.
وبهذا قال أبو حنيفة، (4) وهو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل، (5) ودليل هذا: أنه ترك صفة واجبة في الحج، أشبه ما لو دفع من عرفة قبل
(1) صحيح مسلم شرح النووي 9/ 20.
(2)
الشرح الكبير مع المغني 3/ 394.
(3)
سنن الترمذي الحج (960)، سنن الدارمي كتاب المناسك (1847).
(4)
فتح القدير 3/ 58، المبسوط 4/ 45.
(5)
الشرح الكبير مع المغني 3/ 394.
الغروب.
وعند المالكية يلزمه دم إذا كان الطواف واجبا، وأما غيره فسنة ولا دم عليه (1).
القول الثالث: يجزئه طوافه ولا جزاء عليه:
وهذا مذهب الشافعي، (2) وداود، وابن المنذر (3) ورواية عن أحمد بن حنبل اختارها أبو بكر (4).
واستدلوا: بأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا. قال ابن المنذر: (لا قول لأحد مع فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولأن الله تعالى أمر بالطواف مطلقا، فكيفما أتى به أجزأه راكبا أو ماشيا؛ لأنه لا يجوز تقييد المطلق بغير دليل).
والذي يترجح عندي من هذه الأقوال الثلاثة، هو القول الأول: وهو أن طواف الراكب أو المحمول لغير عذر لا يصح ولا يجزئه، فالمشي في الطواف مع القدرة عليه شرط لصحة الطواف لما يلي:
1 -
لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ماشيا في غير حجة الوداع، ولم يركب في طوافه في حجة الوداع إلا لعذر، كما ورد في روايات الحديث من رواية ابن عباس عند مسلم قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر عليه الناس يقولون: هذا محمد، هذا محمد، حتى خرج العواتق من البيوت، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) حاشية العدوي على كفاية الطالب 1/ 404.
(2)
نهاية المحتاج 3/ 269.
(3)
المجموع 8/ 27.
(4)
الشرح الكبير مع المغني 3/ 394.
لا يضرب الناس بين يديه، فلما كثروا عليه ركب (1)» وفي رواية أخرى «فإن الناس غشوه (2)» ، وروي عن ابن عباس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف راكبا لشكاة به (3)» فهذه الروايات وغيرها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطف راكبا إلا لعذر وهو كثرة الناس، وشدة الزحام، فركب ليروه من بعد لئلا يقتل بعضهم بعضا من الزحام، أو أنه صلى الله عليه وسلم أراد تعليمهم فلا يتمكن إلا بالركوب، أو أنه كان شاكيا من التعب والإرهاق في أعمال الحج.
2 -
ولأن الصحابة رضوان الله عليهم طافوا مشاة.
3 -
ولحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: شكوت إلى النبي أني أشتكي فقال: «طوفي من وراء الناس وأنت راكبة (4)» فدل ذلك على أن الأصل في الطواف المشي إلا لعذر، وهذا دليل واضح على أن الطواف راكبا أو محمولا لا يصح إلا من عذر، وهو تقييد للأمر المطلق في الطواف، ويرد به وبما سبق قبله على من احتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا لغير عذر، والله أعلم.
قال الشافعي: وأكثر ما طاف رسول الله بالبيت، وبالصفا والمروة لنسكه ماشيا، فأحب إلي أن يطوف ماشيا إلا من علة (5).
صحة طواف الحامل والمحمول:
وصور هذه المسألة: أن يحمل رجل أو امرأة وهو محرم صبيا أو مريضا
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 9/ 19.
(2)
صحيح مسلم بشرح النووي 9/ 19.
(3)
مختصر سنن أبي داود 2/ 377.
(4)
صحيح مسلم بشرح النووي 9/ 20.
(5)
الأم 2/ 148.
أو كبيرا فيطوف به، فإنه لا يخل من إحدى الحالات التالية:
1 -
إما أن ينويا جميعا الطواف عن المحمول.
2 -
ينوي المحمول عن نفسه ولا ينوي الحامل شيئا.
3 -
أن ينويا الطواف عن الحامل وحده.
4 -
أن ينوي كل واحد منهما الطواف عن نفسه.
فإن نويا جميعا الطواف عن المحمول، أو نوى المحمول عن نفسه، ولم ينو الحامل شيئا فيقع الطواف عن المحمول، ويصح منه دون الحامل بغير خلاف (1).
وإن نويا الطواف عن الحامل وحده وقع عنه، ولا شيء للمحمول، وكذلك إن نوى الحامل عن نفسه، ولم ينو المحمول.
أما إن نوى كل واحد الطواف عن نفسه الحامل والمحمول، أو كان المحمول صبيا ونوى الحامل الطواف الواحد عنه وعن المحمول فإن هذه المسألة موضع خلاف بين الفقهاء؛ لأنه طواف واحد، فهل يقع عن أثنين، أو يقع عن أحدهما، أو لا يقع لواحد منهما؟
فهذه الحالة اختلف فيها العلماء وتفصيل أقوالهم كالتالي:
الأول: ذهب أبو حنيفة (2) وابن المنذر (3) وأحد القولين عند الشافعية
(1) الشرح الكبير مع المغني 3/ 395.
(2)
بدائع الصنائع 3/ 1100.
(3)
المجموع 8/ 61.
والحنابلة: (1) إلى أن الطواف يقع عن الحامل والمحمول، ويصح منهما؛ لأن كل واحد منهما طاف بنية صحيحة، فأجزأ الطواف عنه، كما لو لم ينو صاحبه، ولأنه لو حمله بعرفات لصح الوقوف منهما، فكذلك الطواف.
الثاني: وذهب الشافعية، والحنابلة في أحد القولين:(2) أن الطواف يقع للمحمول دون الحامل؛ لأنه طواف واحد فيجزئ عن المحمول، ولم يجزئ عن الحامل، كما لو نويا جميعا، ولأنه طواف واحد، فلم يقع عن شخصين كالراكب، ووقوعه عن المحمول أولى؛ لأنه لم ينو الطواف إلا لنفسه، والحامل لم يخلص قصده بالطواف لنفسه، فإنه لو لم يقصد الطواف بالمحمول لما حمله؛ لأن تمكنه من الطواف لا يتوقف على حمله، فصار المحمول مقصودا لهما، ولم يخلص الحامل القصد لنفسه فلم يقع له، لعدم التعيين. ومال إلى هذا الرأي ابن قدامة (3).
الثالث: ذهب الإمام مالك، (4)، وقول ثالث للشافعية وهو الأصح (5)، وقول عند الحنابلة، (6)، أنه يقع الطواف للحامل دون المحمول؛ لأنه طواف واحد، فلا يكفي عن طوافين، ولأن الفعل والحركة والدوران للحامل فكان الطواف له، أما المحمول فلم يوجد منه فعل، فلم يقع عنه إلا
(1) المجموع 8/ 61، الشرح الكبير مع المغني 3/ 396.
(2)
الأم 2/ 178، المجموع 8/ 61، الشرح الكبير مع المغني 3/ 396.
(3)
الشرح الكبير مع المغني 3/ 396.
(4)
مواهب الجليل 3/ 107.
(5)
المجموع 8/ 28، 61.
(6)
الشرح الكبير مع المغني 3/ 396.
بنية منه ومن الحامل له).
الرابع: وقال أبو حفص العكبري: (لا يجزئ الطواف عنهما جميعا؛ لأن فعلا واحد لا يقع عن اثنين، وليس أحدهما أولى به من الآخر)(1).
الترجيح
ترجح عندي القول بصحة الطواف راكبا على (عربية) أو محمولا على ظهر إنسان، أو على أكتاف الرجال في (شبرية)، أو صبيا، كل ذلك ونحوه يصح إذا كان لعذر؛ لما ورد من أدلة سبقت، أما إذا كان لغير عذر فلا يصح؛ لأن الطواف صلاة فلا يصح فعلها راكبا إلا لعذر، فكذلك الطواف، ولأن في المشي فائدة صحية مع ما فيه من طاعة الله.
وأن الراجح صحة الطواف الواحد عن الحامل والمحمول؛ لأنهما نويا الطواف جميعا، وفي الحديث:«إنما الأعمال بالنيات (2)» ، وقد صدق على كل منهما أنه طاف بالبيت، وقياسا على حمله في بقية المناسك؛ كالوقوف بعرفة، ومزدلفة، فإن النسك قد تم لكل منهما، وقياسا على الركوب على بعير، فلو ركبه اثنان فطاف بهما صح طوافهما، ولأن الحامل ازداد كلفة ومشقة.
وأيضا لم ينقل أن أحدا من الصحابة والتابعين قال: أنه لا يجزئ عنهما، ولا شك أنه قد وقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وزمن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم قضايا من هذا النوع، فلم يأمروا الحامل أن يطوف طوافا
(1) الشرح الكبير مع المغني 3/ 396.
(2)
صحيح البخاري بدء الوحي (1)، صحيح مسلم الإمارة (1907)، سنن الترمذي فضائل الجهاد (1647)، سنن النسائي الطهارة (75)، سنن أبو داود الطلاق (2201)، سنن ابن ماجه الزهد (4227)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 43).