الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم لم يكن غيره، ثم عمر مثل ذلك، ثم حج عثمان فرأيته أول شيء بدأ به الطواف بالبيت (2)»، فهذا الحديث يدل على وجوب الطواف، مع قوله:«خذوا عني مناسككم (3)» .
أدلة الجمهور على أن طواف القدوم سنة:
1 -
قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (4)، والأمر المطلق لا يقتضي التكرار، وقد تعين أن المقصود بهذا الطواف طواف الزيارة بالإجماع، فلا يكون غيره كذلك.
2 -
من أسماء هذا الطواف: طواف التحية، والتحية في اللغة: اسم الإكرام، يبتدئ به الإنسان على سبيل التبرع، فلا يدل على الوجوب.
3 -
قياسا على تحية المسجد فإنها ليست واجبة، وليس على من تركها شيء، فكذلك طواف القدوم سنة، وليس على من تركه دم.
ومن هذه الأدلة، يتبين أن الراجح قول الجمهور: وهو أن طواف القدوم سنة من فعله أثيب، ومن تركه لا شيء عليه؛ لما تقدم من أدلة. والله أعلم.
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 8/ 219، صحيح البخاري مع فتح الباري 3/ 477.
(2)
وفي لفظ البخاري: ثم لم تكن عمرة، وهي أقرب. (1)
(3)
إرواء الغليل 4/ 271. صحيح.
(4)
سورة الحج الآية 29
ثانيا: طواف بعد الوقوف بعرفة:
ويقال له: طواف الإفاضة، والزيارة، والركن، والفرض
والصدر (1)، وهذا الطواف هو طواف الفرض الذي لا بد منه، كما قال تعالى:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (2) وهو ركن الحج الذي لا يصح الحج إلا به إجماعا (3)؛ لما روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأفضنا يوم النحر، فحاضت صفية، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله، فقلت: يا رسول الله، إنها حائض قال: حابستنا هي؟. قالوا: يا رسول الله، أفاضت يوم النحر. قال: اخرجوا (4)» .
فدل هذا الحديث على أن طواف الإفاضة لا يكمل الحج إلا به وكما دل الأمر في الآية المتقدمة على فعله.
حكم طواف الإفاضة، بدايته ونهايته:
أجمع (5) العلماء رحمهم الله تعالى، على أن طواف الإفاضة ركن من أركان الحج، لا يتم الحج إلا به، ولا خلاف (6) بينهم في أن هذا الطواف لا تحديد لانتهاء وقته، ولو بقي خمسين سنة أو أكثر، فإنه يبقى دينا في ذمته ما دام حيا، واتفقوا (7) على أنه يستحب فعله يوم النحر، بعد الرمي
(1) انظر ص (188) من هذا البحث رقم (2) من الهامش.
(2)
سورة الحج الآية 29
(3)
المجموع 8/ 22، والإجماع لابن المنذر ص23.
(4)
صحيح البخاري مع فتح الباري 3/ 567.
(5)
المغني والشرح الكبير 3/ 465، أضواء البيان 5/ 213، صحيح مسلم بشرح النووي 9/ 58.
(6)
المغني والشرح الكبير 3/ 466، صحيح مسلم بشرح النووي 9/ 58.
(7)
صحيح مسلم بشرح النووي 9/ 58.
والنحر، والحلق. وهو أفضل وقت لبدايته؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه جابر (1) رضي الله عنه، وإنما الخلاف بينهم في أول وقت جواز الطواف وصحته، ولزوم الدم على تأخير الطواف بعد يوم العيد، إلا الحائض فليس عليها دم للتأخير، بالاتفاق للعذر (2).
فذهب الشافعية (3) والحنابلة (4). إلى أن أول وقت جواز الطواف هو: بعد منتصف ليلة النحر، ولا جزاء ولا دم على من أخره، وبعدم الجزاء قال: عطاء، وعمرو بن دينار، وابن عيينة وأبو ثور، وأبو يوسف، ومحمد، وابن المنذر (5) فكلهم قالوا: لا دم عليه ولو أخره سنين عديدة إذا أتى به.
واتفق الحنفية (6) والمالكية (7) على أن أول وقت طواف الإفاضة، طلوع الفجر الثاني يوم النحر، فلا يصح قبله. ويلزمه دم عند أبي حنيفة (8)، إذا أخره عن أيام النحر الثلاثة:(يوم العيد ويومين بعده)، إذا غربت الشمس من اليوم الثالث ولم يطف؛ لزمه الدم لترك الواجب، عند أبي حنيفة (9)، ويلزمه الدم عند المالكية إذا أخر الطواف حتى ينتهي شهر
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 8/ 194.
(2)
فتح القدير 3/ 62.
(3)
المجموع 8/ 224، 282.
(4)
كشاف القناع 2/ 506.
(5)
المجموع 8/ 224.
(6)
حاشية رد المحتار 2/ 518، فتح القدير 2/ 493، بدائع الصنائع 3/ 1109.
(7)
حاشية على كفاية الطالب الرباني 1/ 413، أضواء البيان 5/ 215، 216.
(8)
حاشية رد المحتار 2/ 519، فتح القدير 2/ 493، بدائع الصنائع 3/ 1109.
(9)
حاشية رد المحتار 2/ 519.
ذي الحجة، وهو الرأي المشهور عندهم والرأي الثاني: يلزمه الدم إذا أخره عن يوم العيد (1)، أي: إذا أخر طواف الإفاضة إلى اليوم الحادي عشر لزمه دم.
أدلة من يرى جواز الطواف بعد منتصف ليلة النحر:
استدل من قال بصحة طواف الإفاضة بعد نصف ليلة النحر بأدلة منها:
1 -
قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (2) وإذا طاف في أي وقت صح طوافه.
2 -
يصح طواف الإفاضة بعد نصف الليل؛ قياسا على الرمي في ابتداء وقته.
3 -
ما روت عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت (3)» .
4 -
«أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لسودة ليلة المزدلفة بالدفع بليل إلى منى (4)» .
5 -
«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عمن ذبح قبل أن يرمي فقال: إرم
(1) حاشية على كفاية الطالب الرباني 1/ 413.
(2)
سورة الحج الآية 29
(3)
مختصر سنن أبي داود 2/ 404، 405، قال البيهقي:(هذا إسناد صحيح، لا غبار عليه). قال ابن القيم: (قد أنكر الإمام أحمد هذا الحديث وضعفه) ص 405، المرجع السابق.
(4)
صحيح مسلم بشرح النووي 9/ 38، 39.
ولا حرج، قال: فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم، ولا أخر، إلا قال: افعل ولا حرج (1)». وجه الاستدلال من هذا الحديث: أنه ينفي توقيت آخره، وينفي وجوب الدم بالتأخير، ولأنه لو توقت آخره لسقط بمضي آخره كالوقوف بعرفة فلما لم يسقط دل أنه لم يوقت.
أدلة من يرى أن طواف الإفاضة لا يصح قبل يوم النحر:
استدلوا بأدلة منها:
1 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف الإفاضة يوم النحر، بعدما رمى ونحر، كما ثبت ذلك في حديث جابر (2)، قد قال:«خذوا عني مناسككم» .
2 -
ليلة النحر وقت ركن الوقوف بعرفة، فالوقت الواحد لا يكون وقتا لركنين، فلا يصح أن يكون وقتا لطواف الإفاضة.
3 -
طواف الإفاضة مؤقت بأيام النحر عند أبي حنيفة، فإذا أخره عنها فقد ترك الواجب، فأوجب ذلك نقصانا فيه، فيجب جبره بالدم، والدليل على أن طواف الإفاضة وقته أيام النحر قوله تعالى:. . . {فَكُلُوا مِنْهَا} (3) ثم قال: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (4) فكان وقتهما واحدا؛ لأن الله تعالى عطف الطواف على الذبح.
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 9/ 54.
(2)
صحيح مسلم 8/ 194.
(3)
سورة الحج الآية 28
(4)
سورة الحج الآية 29