الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقدم بالحب لا يتلقاه أحد، بل يشتريه الناس من الجالبين، ولم يكن هناك أحد يحتاج الناس إلى عينه أو ماله ليجبر على عمل أو على بيع، فكل المسلمين جنس واحد مجاهد في سبيل الله بنفسه أو بماله أو بمال الصدقات أو الفيء (1).
والرأي الراجح مما تقدم هو ما يلي:
أولا: يحرم على الحاكم التسعير إذا كانت حاجة الناس تندفع بدونه، كأن تباع السلع بالثمن المتعارف عليه، ومن هذا النوع تسعير الحاجات والطعام على الباعة، زعما من المسعر أنه خدمة لعامة الناس، دون النظر إلى المنتج الذي سيقلل إنتاجه إن لم يدر عليه ربحا معقولا، الأمر الذي يؤدي إلى نشاط السوق السوداء التي تنخر بالاقتصاد العام فيكون للسلعة ثمنان: ثمن رسمي وهمي، وثمن مجاملة حقيقي، وما يسببه ذلك من اختفاء السلع الجيدة من السوق، إلا لمن يدفع الثمن الذي يريده البائع.
ثانيا: يجب التسعير إذا رأى الحاكم أن صيانة حقوق الناس ومصلحتهم لا تتم إلا به، فيسعر بعد أن يستأنس برأي ذوي الخبرة، كي يكون التسعير عادلا يحفظ توازن السوق، ولا يضر بمصلحة الباعة.
(1) الحسبة لابن تيمية ص 36.
هل التسعير ملزم
؟
لو باع أحدهم بأكثر مما سعرت الدولة جاز البيع، ومن باع بما قدرته الدولة من الثمن جاز البيع كذلك، وهو قول الشافعية (1)؛ لأنه لم يعهد
(1) مغني المحتاج ج2 ص38، ونهاية المحتاج ج3 ص456.
الحجر على شخص في ملك نفسه.
وبه قال أبو حنيفة؛ لأنه لا يرى الحجر على الحر، وكذا عند أبي يوسف ومحمد إلا أن يكون الحجر على قوم بأعيانهم؛ لأنه إذا لم يكن على قوم بعينهم - أي مجهولين - لا يكون حجرا، بل يكون فتوى في ذلك (1).
وقد نص الحنفية على أنه: (إذا كان البائع يخاف إن نقص عن التسعير ضربه الإمام، لا يحل للمشتري الشراء بما سعره الإمام؛ لأنه في معنى المكره. وطريق الخلاص أن يقول له: بعني بأي شيء، فحينئذ بأي شيء باعه يحل)(2).
وبهذا يتضح أن التسعير - في اجتهادهم - غير ملزم للبائع؛ لأن بيعه صحيح، وإنما جعل لتبصير الناس بالثمن المعقول.
وفي رأينا أن مخالفة التسعير - إذا توافرت شروطه - محرمة قطعا، إذ المفروض أن التسعير قد تعين وسيلة لصيانة حق المسلمين عن الضياع، ومنعا للظلم عنهم، وهذا واجب شرعا، فوسيلته التي تفضي إليه ينبغي أن تكون واجبة بالضرورة، لا جائزة فحسب، أو ودية لمجرد التبصير والتوعية؛ لأن في إجازة الحنفية للتجار أن يخالفوا عن أمر التسعير، تعني: أنهم بذلك قد أخلوا بالمنطق التشريعي المتسق الذي يوجب الربط والتلازم بين المقدمة ونتيجتها حتى لا تضيع الثمرة من تطبيق القاعدة الفقهية المعروفة: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، ولا سيما إذا كان الأمر متعلقا بالصالح
(1) تبيين الحقائق، للزيلعي ج6 ص28، والهداية ج8 ص127.
(2)
الاختيار للموصلي ج3 ص116.