الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخير، وحضهم على ذلك، حتى صار الحبس بالاشتغال بالعلم والدين خيرا من كثير من الزوايا والربط والخوانق والمدارس.
وصار خلق من المحابيس إذا أطلقوا يختارون الإقامة عنده، وكثر المترددون إليه، حتى كان السجن يمتلئ منهم.
واستقر الشيخ في الحبس يستفتى، ويقصده الناس ويزورونه، وتأتيه الفتاوى المشكلة من الأمراء والأعيان. فلما كثر اجتماع الناس به، وترددهم إليه ساء ذلك أعداءه وحصرت صدورهم، فسألوا نقله إلى الإسكندرية، فنقل (1).
إلى غير ذلك من المواقف التي كانت له من أعدائه، وهو صابر محتسب، حيث روي له قوله:(ماذا يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، فهي معي لا تفارقني، أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة)(2)، لأنما يغيضهم يسره، ولأنه رحمه الله كالغيث أينما حل نفع.
(1) الكواكب الدرية، ص133 - 135.
(2)
الإمام ابن تيمية، ص 113.
ثناء العلماء عليه:
تبين منزلة العالم بمكانته عند الخاصة والعامة، فالخاصة وهم العلماء لا يحكمون عليه إلا بعد تمحيص علمه، وإدراك فضله في المأخذ العلمي، وطريقة الطرح والاستدلال؛ إذا لا شك أن كل طالب علم له قادح ومادح.
فالقادحون تمحص آراؤهم بطريقة النقد، فإن لم تستند على المقياس الأساسي، وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي آراء مجروحة، ورغبات صادرة عن هوى، وما بني على باطل فهو باطل.
أما المادحون فينظر في مكانتهم وثقلهم العلمي؛ لأن من رفعة مكانة
الممدوح ثناء ذوي الفضل والمكانة عليه، وهو العلماء والمعتد بعلمهم، المعروفون بالفضل والعدالة وحصافة الرأي.
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله اتفق أهل العلم المرموقون من معاصريه، ومن جاء بعدهم، على فضله وإمامته، وأنه يستحق التسمية بشيخ الإسلام، لما منحه الله من تفوق علمي، وفضل وزهد وورع، إلى جانب حسن الخلق والحلم والمقدرة على التحمل، فقد أسبغ الله عليه نعما كثيرة، هي من الله فضل، وهي للشيخ لباس يتجمل به، وحلية تزين ما بين جنبيه من علم، وسعة اطلاع في معارف عديدة.
والمتتبع لكتب التراجم والسير، لا يحصي كثرة من أثنى على هذا الإمام عرفانا بمكانته في العلم الذي جمله الله به.
وقد اتفق علماء الإسلام على تسميته شيخ الإسلام، حيث تصدى ابن ناصر الدين الدمشقي - في كتابه:(الرد الوافر على من زعم: بأن من سمى ابن تيمية "شيخ الإسلام" كافر) - لمن قال بهذا القول، أثبت أن ما يقرب من (88) عالما من أئمة الإسلام لقبوا ابن تيمية بشيخ الإسلام. وهذا شبه إجماع، والأمة لا تجتمع على ضلالة، ومن أولئك العلماء العلامة أبو عبد الله محمد بن الصفي عثمان الحريري الأنصاري الحنفي، قاضي القضاة في مصر والشام، الذي قال:(إن لم يكن ابن تيمية شيخ الإسلام فمن؟)(1).
كما أثنى عليه خلق كثير من العلماء عاصره بعضهم، وأطنبوا في هذا الثناء تقديرا لمكانته، وعرفانا بما منحه الله من علم وفضل، وممن عاصره، وأعطاه ما يستحقه من المنزلة العلمية والتبحر في العلوم والعقائد:
1 -
ابن دقيق العيد المتوفى عام 702هـ.
2 -
إبراهيم بن أحمد الرقي المتوفى عام 703 هـ.
(1) الرد الوافر، ص 102.
3 -
أحمد بن إبراهيم الواسطي المتوفى 711هـ.
4 -
إسحاق بن أبي بكر بن ألمى التركي المتوفى في حدود عام 730هـ.
5 -
قاضي القضاة ابن الزملكاني الشافعي المتوفى عام 727هـ.
6 -
قاضي قضاة مصر والشام محمد بن عثمان الحريري الأنصاري الحنفي المتوفى عام 728هـ.
وهؤلاء الستة ماتوا قبل وفاة شيخ الإسلام ابن تيمية، أما من عاصره وتوفي بعده فمنهم:
7 -
ابن سيد الناس اليعمري المصري المتوفى عام 734هـ.
8 -
الإمام الحافظ أبو محمد البرزالي الشافعي المتوفى عام 738هـ.
9 -
جمال الدين المزي المتوفى عام 742هـ.
10 -
الإمام الحافظ شمس الدين ابن عبد الهادي بن قدامة المقدسي المتوفى عام 744هـ.
11 -
شيخ النحاة محمد بن يوسف بن حيان الأندلسي الشافعي المتوفى عام 745هـ.
12 -
الحافظ الناقد شمس الدين الذهبي المتوفى عام 748هـ.
13 -
الإمام عمر بن مظفر الوردي الشافعي المتوفى عام 749هـ.
14 -
الإمام أحمد بن يحيى بن فضل الله العمري الشافعي المتوفى عام 749هـ.
15 -
الإمام الحافظ أبو حفص عمر بن علي البزار المتوفى عام 749هـ.
16 -
الإمام المحدث المؤرخ ابن كثير المتوفى عام 774 هـ.
وغير هؤلاء من أفاضل العلماء إلى جانب القصائد التي قيلت في رثائه بعد وفاته، وأجوبة من علماء بغداد والبصرة، وعلماء الشافعية والمالكية والأحناف في الانتصار له رحمه الله فيما حصل له من امتحان في المسائل التي نوقش فيها، والتي أثيرت ضده وبشأنها شبه، حيث استعيدت من أجلها
السلطة.
وقد أجمل أسماء أصحاب الشيخ وأعوانه ومحبيه الحافظ أبو حفص عمر بن علي البزار في كتابه: (الأعلام العلية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية) بـ 34 عالما، وفندهم واحدا واحدا، بأسمائهم وتراجمهم، أما أعداؤه والمعترضون عليه فهم اثنا عشر فردا فقط (1).
ومن هذه المقارنة يتضح أن أنصاره والعارفين بجلال قدره أضعاف المعترضين عليه. وهذا وحده كاف في إبراز مكانة هذا الشيخ الجليل، والانتصار له على خصومه، الذين تضاءلت دعاواهم عليه رحمه الله، مع سعة علمه، وقوة حجته، ونصرته لدين الله، ومن كان مع الله كان الله معه، وصدق في تسليته لنبيه صلى الله عليه وسلم:{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} (2){إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} (3).
ومع الأيام والاهتمام بمنهج شيخ الإسلام ابن تيمية: دراسة وتتبعا تبرز دراسات ومتابعات لحياة هذا العالم الفذ، وآخر ما وقع في يدي عن شيخ الإسلام - وإن كان في كل يوم يظهر عنه شيء جديد - كتاب للدكتور عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي الذي نشرته الجامعة الإسلامية في بنارس الهند، بعد الاهتمام بهذا الشيخ في ندوة علمية كبيرة بهذه الجامعة عن ابن تيمية.
هذا الكتاب عن السيرة العلمية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ويقع في 223 صفحة من القطع المتوسط، جاء من اهتمام المؤلف بابن تيمية، حيث كان
(1) الأعلام العلية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية، ص 79 - 87.
(2)
سورة النحل الآية 127
(3)
سورة النحل الآية 128
الجانب الحديثي في سيرته واهتمامه بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو موضوع رسالة الدكتور عبد الرحمن العلمية، مما جعله يهتم به، ويتابع ما نشر عنه في عدة لغات عالمية.
وقد حرص على تتبع الدراسات حول ابن تيمية وآثاره، في المؤلفات، وفي سيرته باللغة الأوردية والإنجليزية، والعربية، وما كتبه علماء التراجم والتاريخ في الهند وغيرها.
ونجمل ذلك في الأرقام التالية:
أ- المؤلفات المتعلقة بسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية وعلومه عددها 96 (1).
ب- كتب السير والتاريخ والتراجم التي تناولت شخصية ابن تيمية، أورد منها 102 ثم قال:(وهي كثيرة لا يأتي عليها الإحصاء)(2).
ج- بحوث الندوة العالمية عن حياة شيخ الإسلام ابن تيمية المقامة في الجامعة السلفية بنارس بالهند 29 ربيع الأول - 1، 2 ربيع الثاني سنة 1408هـ الموافق 22 - 24 نوفمبر عام 1987م، وعددها 40 (3).
د- شيخ الإسلام في الدراسات الاستشراقية في جامعات الغرب، ويبلغ عددها 20 (4).
هـ- مختصرات من مؤلفات ابن تيمية، ويبلغ عددها 13 (5).
وتراجم مؤلفات ابن تيمية إلى اللغة الأوردية، ويبلغ عددها 37 (6).
وهذا الاهتمام الذي لازال مستمرا ينبئ عن المكانة التي وهبها الله
(1) انظر (السيرة العلمية) للفريوائي، ص 180 - 199.
(2)
انظر (السيرة العلمية) للفريوائي، ص 199 - 207.
(3)
انظر (السيرة العلمية) للفريوائي، ص207 - 211.
(4)
انظر (السيرة العلمية) للفريوائي، ص 211 - 214.
(5)
انظر (السيرة العلمية) للفريوائي، ص 214 - 216.
(6)
انظر (السيرة العلمية) للفريوائي، ص216 - 218.