الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحرم الأول؛ لأنه يجر إلى كل محرم، وهو المنكر الأول الذي يتعين حشد كل الطاقات لإزالته؛ حتى يعترف الناس أنه لا إله إلا الله، ولا حاكم ولا مشرع إلا هو سبحانه وتعالى، وأن التوحيد على إطلاقه هو القاعدة الأولى، التي لا يغني عنها شيء آخر من عبادة أو عمل.
الوصية الثانية: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}
(1)
هذا أمر صريح ظاهر في إلزام الأولاد ببر الوالدين، وإكرامهما والإحسان إليهما إحسانا مطلقا، لا يشوبه قصور أو تقصير، ولا يحوم حوله ضيق أو تضجر، أو شعور بالتثاقل في أداء هذا الحق، ولا شك أن هذا من أسمى أنواع التربية، ومما يدل على سمو حق الوالدين ورفعة منزلتهما؛ أن جعل الله سبحانه وتعالى الإحسان إليهما مقترنا بحقه في الطاعة والعبادة، وقد اقترن حق الوالدين بحق الله في جملة من الآيات، ففي سورة البقرة:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (2)، وفي سورة النساء:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (3)، وفي سورة الأنعام:{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (4)، وفي سورة الإسراء:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} (5){وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (6)
(1) سورة البقرة الآية 83
(2)
سورة البقرة الآية 83
(3)
سورة النساء الآية 36
(4)
سورة الأنعام الآية 151
(5)
سورة الإسراء الآية 23
(6)
سورة الإسراء الآية 24
وفي سورة لقمان: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (1).
ولهذه الآيات مغزاها ودلالتها على عظم حق الوالدين، وكيف أنه بلغ من علو المنزلة أن جاء مقترنا بحق الله تبارك وتعالى، وهذا للإشعار بسمو منزلة الوالدين ورفعة قدرهما، وللتنبيه إلى معنى واحد يجمع بين الوصيتين، وهو أن المنعم يجب أن يشكر، فالله تعالى هو الخالق المنعم، فيجب أن يشكر، ويفرد بالعبادة والطاعة، والوالدان هما السبب المباشر لوجود الإنسان في هذه الحياة؛ فيجب عليه أن يشكرهما، وأن يحسن إليهما إحسانا لا يتقيد بما هو حق أو عدل، بل يتجاوز ذلك ليكون تعاملا كريما، {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} (2)، لم يقل تعالى:(قولا حقا)، ولا (قولا عدلا)، وإنما وصفه بالكريم، والكرم فيض فوق الحق وفوق العدل.
ويلاحظ كذلك أن المأمور بالإحسان هم الأبناء، بينما لا نجد آية واحدة تأمر الآباء بالإحسان إلى أبنائهم، ولعل السر في ذلك هو: لفت الأنظار إلى أن إحسان الآباء إلى الأبناء أمر محقق، وواقع منهم بمقتضى فطرة فطرهم الله عليها، وأن الشأن أنه لا يحتاج إلى حث على ذلك، أو دعوة إليه، وهذا أسمى وأعلى وأصدق ألوان التربية السليمة التي يؤيدها الواقع، وبهذا المنهج
(1) سورة لقمان الآية 14
(2)
سورة الإسراء الآية 23