الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصحيحة، التي دعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسار عليها أصحابه من بعده، ثم التابعون لهم بإحسان، كما قال صلى الله عليه وسلم:«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ (1)» ، كما كان ابن تيمية رحمه الله في حرصه على التمسك بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما انتهجه الخلفاء الراشدون، ومن سار على دربهم واقتفى أثرهم، يحرص على تحذير الناس مما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثه بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار (2)» .
(1) سنن أبو داود السنة (4607)، سنن الدارمي المقدمة (95).
(2)
سنن الترمذي العلم (2676)، سنن ابن ماجه المقدمة (42)، سنن الدارمي المقدمة (95).
الخاتمة:
إن شيخ الإسلام ابن تيمية مدرسة متكاملة لطالب العلم، ولمن يريد أن يتزود من مناهله العذبة، ولئن امتحن وتصدى له خصومه، فإن الطريق الذي سار فيه طريق يتطلب صفات خلقية في المتنكب له، وصفاته خلقية في كل من يذب عن دين الله.
فالصفات الخلقية:
تكمن في الاستعداد التكويني الذي طبع الله النفس عليه، ويصعب على كثير من البشر مهما حاولوا القدرة عليها: تطبعا وعملا؛ لأنها هبة من الله - جل وعلا - لمن يشاء من عباده ليتحمل بها أشرف الأعمال، وأحبها إلى الله - جل وعلا - وهي الدعوة إلى دينه، والدفاع عن العقيدة السليمة، والجهاد في سبيل ذلك.
وهذا الطريق محفوف بأمور كثيرة بعضها يجعل غير المهيأ لهذا العمل استعدادا فطريا، وتحملا من أجل رضا ربه، لا يستطيع الصمود أمام
ما يعترضه، كما قال سبحانه:{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (1).
ومن الصفات التي يحبها الله للدعاة الصادقين: الذكاء، وقوة الحفظ، والصبر والتحمل، والشجاعة في الحق، وعدم الخوف إلا من الله جل وعلا، وصفاء الذهن، وسرعة البديهة.
وكل صفة من هذه الصفات، تعني شيئا في حياة العالم المؤمن بربه، وراء كونها طبعا جبلت عليها نفسه، فإنها تترك أثرا في الآخرين، الذين يتعلمون منه في كل موقف يمر، ويستفيدون من المواقف التي جابهها، وكيف أعانه الله على التصدي لها، وأظهره الله على خصومه، كما هي سنة الله مع الداعين إليه على بصيرة، وفي المقدمة أنبياء الله الذين تحملوا من أعدائهم ما الله به عليم، بدء بنوح الذي آذاه قومه، وإبراهيم الذي حاولوا إحراقه وموسى وما ناله من بني إسرائيل، وقبل ذلك من فرعون وأعوانه، ويوسف الذي كاد له أقرب الناس إليه وهم إخوته، حسدا وغيضا حتى بيع كالرقيق، ثم أودع السجن، ومكث فيه بضع سنين، وعيسى الذي حاولوا قتله، ورموا أمه مريم العذراء بالفحش، ومحمد صلى الله عليه وسلم، الذي أوذي في نفسه وفي أهل بيته بقصة الإفك، وتصدى له عداوة وبغضا عمه أبو لهب. . .
وهكذا من سار في هذا الطريق - في القديم والحديث - لا بد أن يلقى العنت من شياطين الإنس والجن، ولكن الصبر عاقبة المتقين، وللصبر نتائج دنيوية عاجلة بإظهار ما صبر الإنسان من أجله، وتهيئة أنصار له، وظهور دلائله حتى يدافعوا عنه، وينتصروا لمن قام عليه، وهذا من نصر الله لعباده الصادقين:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (2)
(1) سورة فصلت الآية 35
(2)
سورة غافر الآية 51
وهذا ما ظهرت آثاره لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ومن سار على منهجه في الدعوة إلى الله، والدفاع عن سلامة العقيدة، وحماية جناب التوحيد.
- والصفات الخلقية:
تبرز في طبائع يكتسبها الإنسان تأدبا وامتثالا لمصدري التشريع في دين الإسلام: كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، الذين هما وصية النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لأمته بأن يتمسكوا بهما، وأنهم لن يضلوا ماداموا حريصين عليهما تعلما وتطبيقا.
وقد أخبرت عائشة رضي الله عنها «لما سئلت عن خلقه صلى الله عليه وسلم: بأن خلقه القرآن، (1)» إذ في كتاب الله الأدب الرفيع، الذي اقتبس منه ابن تيمية رحمه الله ومن القدوة برسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته: القولية والفعلية والتقريرية. . . القدوة الصالحة، والمنهج القويم في الدعوة إلى الله.
ومن ذلك ما رصده عنه المهتمون في تعبده، وزهده، وإيثاره، وكرمه وشجاعته، وتواضعه وآدابه مع مخالفيه، وقوته في جهاده باللسان والسنان.
ولا شك أن العالم المؤثر: هو الصادق في مأخذه، والمحتسب فيما يؤديه؛ لأن الله - جلت قدرته - يقول وقوله الحق:{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (2).
- وإن الدارس لحياة شيخ الإسلام ابن تيمية ليجد في صفاته وأعماله نقاطا تحتاج إلى دراسة وافية، ومواقف تحتاج إلى إبانة؛ لأثرها في
(1) سنن النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1601)، سنن أبو داود الصلاة (1342)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 216).
(2)
سورة الصف الآية 3
الدفاع عن الإسلام، حيث وقف رحمه الله كالعقبة الكأداء أمام السهام المشرعة، وكافح ضد الأقوال المغرضة، حتى حصحص الحق، وأظهر الله الحجة، فقد كان ابن تيمية واحدا من المدافعين عن دين الله، وجعل الله في علمه نفعا، وفي وقته بركة. . . وكانت كتبه دليلا على ذلك، تشهد بمواقفه على مر العصور، وكر الأيام والليالي.
ولئن عاش سبعة وستين عاما من عمره، فإنه قد أوقف نفسه وعلمه، ولسانه وجهده للدفاع عن دين الإسلام ضد البدع والأهواء والجهل، ومحاربة الملل والنحل، منذ جلس مكان والده للتدريس في عام 683هـ حتى لقي ربه. حيث أمضى خمسة وأربعين عاما في جهاد مستمر، ونضال ومكابدة: بالمناظرة والردود تارة، والمجاهدة والفتيا تارة أخرى، صابرا محتسبا. .
ويندر من الرجال من يقوم بمثل ما قام به. . إذ مهما قيل عنه فإنه لن يوفى حقه، ورغم أن تلامذته وأنصاره على تتابع الأيام ومضي العصور يدافعون أقوال المغرضين التي تحاول أن تنال من الإسلام بالنيل من الرجال المدافعين عنه، وابن تيمية واحد منهم، فإن كل ما يظهر من كتبه وآثاره العلمية، ما هو إلا قذى في عيون أصحاب البدع والأهواء، وسهام موجهة لأصحاب الملل المنتمية للإسلام، وهي تخالف جوهره، وتدعوا إلى طعن الإسلام في الصميم، في التجرؤ على العقيدة، والمساس بالأساس الذي حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعو قومه في مكة ثلاثة عشر عاما على تأصيله في القلوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله، واهتم أبو بكر الصديق رضي الله عنه عند الردة بمحاربة من لم يؤد حق هذه الشهادة.
وما أسهمت به في هذه العجالة ما هو إلا جهد المقل، في إبانة مكانة هذا الرجل، ودفاعه عن الإسلام طوال حياته، واستمرار هذا الدفاع في مؤلفاته التي بقيت مرجعا لمن يريد الدفاع عن حمى الإسلام،
حيث يجد فيها البرهان القاطع، والمناقشة الموضوعية، والرأي الصائب، مقرونا بدليله النقلي والعقلي، إذ مدرسته يتسع نطاقها، وكتبه يزداد الراغبون فيها، رغم ما يحاوله الخصوم بجهودهم في إطفاء نورها، والنيل من هذا الشيخ الجليل، إلا أن الحق هو الباقي، والعلم النافع هو الذي يتابعه الناس، بما يجعل الله لصاحبه من قبول في نفوسهم، وراحة واطمئنان لما يصدر منه.
وعن مؤلفاته رحمه الله: فإنها من الكثرة بحيث لم تحصر حتى الآن، حيث عرفت عن طالبين بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، يحضران (للماجستير) في تحقيق الصارم المسلول على شاتم الرسول، واتضحت الدراسة والترجمة لشيخ الإسلام، بأن كما غفيرا من مؤلفاته لم يعرف بعد، وأن ما وقعا عليه من مؤلفاته رحمه الله يفوق ما عرفه المهتمون بابن تيمية كثيرا. هذان الطالبان: أحدهما سعودي والآخر بنجلاديشي. فرحم الله ابن تيمية، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.