الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذم خميس النصارى
لشيخ الإسلام ابن تيمية
تحقيق: الوليد بن عبد الرحمن بن محمد آل فريان (1)
تقديم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث بالدين القويم، محمد بن عبد الله الأمين، وعلى آله وصحبه وأصفيائه وأوليائه إلى يوم الدين وبعد:
فقد حارب الإسلام بكل قوة وحزم كافة وسائل التقارب وألوان التطبيع التي تسلم إلى التشبه بالكفار، وتفضي إلى الاحتذاء والمحاكات في عباداتهم وعاداتهم وطرائق عيشهم، وسائر شئونهم مما قل أو كثر. فأغلق أبوابه وسد منافذه، وكف الأسباب الداعية إلى إذكائه أو الوقوع في حمئته والولوغ في مستنقعه.
وليس ذلك ضربا من التسلط والتشدد والرغبة في زعزعة السلام؛ فإن الإسلام هو داعية السلام وحامل لواء الاعتدال والوسطية بين الأمم {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (2)، غير أنه لن يؤتي ثماره ولن يجود
(1) الأستاذ المساعد في قسم الفقه في كلية الشريعة في الرياض - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
(2)
سورة البقرة الآية 143
أبدا، إلا في ظل حكم الإسلام الخالد وبين يدي سلطانه الباذخ.
ومنذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالدين الحق وشعاره الذائع: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (1)، لكنه سيبقى في طي الأمنيات ما لم يسانده تطبيق حثيث لكل معطياته. وفي تعطيل ذلك: من فساد الأخلاق، وتحطيم القيم، ودحر الخير والصد عنه، وفتح مجال الانهيار والسقوط ما لا يعلم مداه إلا الله تعالى (2).
فجاء النهي صارما قاطعا جهيرا لا لبس فيه ولا مواربة ولا استجداء، ومن جهة أخرى: فقد أفسح للمسلم آفاق العمل والإنتاج والابتغاء في فجاج الأرض الواسعة، ووهب له أسباب المتعة والترويح المشروع والتلذذ بما أفاء الله عليه من نعم. ولم يوصد أمامه بابا عن المحاكاة والتشبه والفساد إلا وجعل له أبوابا من الطيبات مشرعة:«يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا، وهذا عيدنا (3)» ، «لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة (4)» ، لا سيما في حال ضعف القلب ورقة الهوى، والعجز عن إغناء النفس بما يفيد، والصبر على ما ينفع. فله أن يتوسع بالباطل الذي لا مفسدة فيه، وإن كان نقصا، لكن ليس كل الخلق مأمورين بالكمال
(1) سورة المائدة الآية 51
(2)
ينظر ابن تيمية "اقتضاء الصراط المستقيم"(1/ 174، 310، 315، 484).
(3)
أخرجه البخاري في "الصحيح" رقم (952) ومسلم في "الصحيح" رقم (892) وأحمد في "المسند"(6/ 134) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(4)
أخرجه أحمد في "المسند"(6/ 116، 223) من حديث عائشة رضي الله عنها.