الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
شروط الطواف
الشرط الأول: النية
في الطواف:
لا خلاف بين العلماء -رحمهم الله تعالى- أن النية شرط في الطواف، إن كان في غير حج أو عمرة (1) كسائر العبادات الأخرى، من صوم وصلاة ونحوها فلا تصح بدون نية.
أما إن كان الطواف في حج أو عمرة، فقد اختلف العلماء في اشتراط النية فيه على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنها شرط مطلقا.
القول الثاني: أنها ليست بشرط مطلقا.
القول الثالث: فصل فقال: إن ما كان من أمور الحج محتاجا إلى فعل كالطواف، والسعي، والرمي فتشترط فيه النية، وما كان محتاجا إلى لبث فقط كالوقوف بعرفة فلا تشترط له النية.
(1) المجموع (8/ 16)، النيات في العبادات ص (342)، رسالة دكتوراة للدكتور عمر سليمان الأشقر.
فالقول الأول: قال به جمهور العلماء، ومنهم الحنابلة (1)، وإسحاق وأبو ثور، وابن القاسم المالكي، وابن المنذر (2)، ووجه عند الشافعية (3)، فقالوا: لا يصح الطواف إلا بنية؛ لأنه عبادة تتعلق بالبيت، فاشترطت لها النية، ولأنه صلاة كما ورد في الحديث:«الطواف بالبيت صلاة (4)» ، والصلاة لا تصح بدون نية.
والقول الثاني: قال به أبو حنيفة (5)، ومالك (6)، والثوري (7)، والقول الأصح عند الشافعية (8)، فقالوا: لا تشترط النية. واستدلوا بقولهم: أن نية النسك حجا أو عمرة، تشمل جميع أفعاله، فسائر أعمال الحج: مثل الوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، والرمي لا تفتقر إلى نية؛ لأن نية الحج تكفي فيها، فكذلك الطواف، ولأن نية العبادة تشمل جميع أجزائها، فكما لا يحتاج كل ركوع، وسجود من الصلاة إلى نية خاصة لشمول نية الصلاة لجميع ذلك، فكذلك لا تحتاج أفعال الحج لنية تخص كل واحد منها لشمول نية الحج لجميعها.
والقول الثالث: الذي قال بالتفصيل، فما يحتاج من أعمال الحج إلى
(1) كشاف القناع (2/ 485)، غاية المنتهى (1/ 426)، الشرح الكبير مع المغني (3/ 398).
(2)
المجموع (8/ 18).
(3)
المجموع (8/ 18).
(4)
سنن الدارمي (2/ 44)، سنن النسائي (5/ 222).
(5)
تبيين الحقائق (2/ 37)، بدائع الصنائع (3/ 1101) أصل النية شرط دون التعيين.
(6)
مواهب الجليل (3/ 88، 89).
(7)
المجموع (8/ 18).
(8)
المجموع (8/ 20).
لبث لا يحتاج إلى نية، وما يحتاج إلى فعل يفتقر إلى نية، قال به أبو علي بن أبي هريرة من الشافعية (1) ولم يذكر له دليلا.
والراجح عندي من هذه الأقوال الثلاثة: أولها وهو اشتراط النية مطلقا، لقوله تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (2)، فهذه الآية دليل على وجوب النية في العبادات، فإن الإخلاص من عمل القلب، وهو الذي يراد به وجه الله تعالى لا غيره (3)، ولما ورد في الحديث الصحيح «الأعمال بالنية، ولكل امرئ ما نوى (4)» ، فهذا الحديث يدل على أن الأعمال الشرعية معتبرة بالنية، والطواف منها.
وللأدلة التي ذكرها من اشترط النية مطلقا، أما ما استدل به من لم يشترط النية، قياسا على بقية أعمال المناسك فيبدو لي أنه قياس غير صحيح؛ لأن الطواف يختلف عن بقية أعمال الحج الأخرى لجواز تكراره، ولأنه يشتمل على أفعال وأقوال، وكذلك قياس الطواف على الركوع والسجود في الصلاة لا يصح؛ لأن الصلاة فعل متصل بدون انقطاع، بخلاف الطواف في الحج فإنه ينفصل عن أعمال الحج زمنا طويلا فلا يقاس المنفصل على المتصل مع أن هذه القياسات معارضة بالنصوص المتقدمة فصح يقينا اشتراط النية لكل طواف في الحج أو العمرة أو غيرهما، والله أعلم.
(1) المجموع (8/ 17).
(2)
سورة البينة الآية 5
(3)
تفسير القرطبي (10/ 7234).
(4)
صحيح البخاري مع فتح الباري (1/ 135).