الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زحمة، أو حر، أو برد، أو مطر ونحوها من الأعذار، ويجوز لغير عذر إلا أن فيه كلفة ومشقة لبعد المسافة، وفيه تفويت لفضيلة القرب من الكعبة، وخلافا للسنة.
أما الطواف فوق سطح المسجد يظهر لي جوازه للعذر، قياسا على صحة الصلاة فوق سطح المسجد، وعلى جبل أبي قبيس وغيرها، ولهواء البيت حكمه، كما أن مساكن الناس لهوائها حكمها، فكذلك بيت الله، والمقصود بالطواف عبادة الله في هذا المكان، وبناء الكعبة علامة له، وتحديد لموقعه، فلو انهدم بناء الكعبة - نعوذ بالله من ذلك - صح استقبال مكانها والطواف حوله.
فصح بذلك أن الطواف على سطح المسجد طواف بالكعبة مهما ارتفع، لكنه خلاف الأفضل والسنة؛ لأنه بعيد، وكلما قرب من الكعبة كان أفضل.
الشرط الخامس: أن يبتدئ طوافه من الحجر الأسود:
فلو بدأ طوافه من الركن اليماني لم يحسب له حتى يصل إلى الحجر الأسود، ولو بدأ طوافه بعد الحجر الأسود من باب الكعبة مثلا لم يحسب له حتى يصل إلى الحجر الأسود، فإذا وصله كان ذلك أول طوافه، وبهذا قال جمهور العلماء، واعتبروا البدء من الحجر الأسود شرطا لصحة الطواف، ومنهم الشافعية، (1) والحنابلة (2). ومحمد بن الحسن من الحنفية، (3). قال النووي: (وبه قال جمهور العلماء، وهذا مذهب عطاء، ومالك، وإسحاق
(1) المجموع 8/ 29، نهاية المحتاج 3/ 269، الأم 2/ 145
(2)
كشاف القناع 2/ 485
(3)
شرح فتح القدير 2/ 495
وابن المنذر) (1) وقد استدلوا بما يلي:
1 -
فعل الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه حينما بدأ طوافه ابتدأ من الحجر الأسود.
2 -
روي أن إبراهيم عليه السلام لما انتهى في البناء إلى مكان الحجر قال لإسماعيل عليه السلام: (ائتني بحجر أجعله علامة لابتداء الطواف)(2).
3 -
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: (لا اختلاف أن حد مدخل الطواف من الحجر الأسود، وأن إكمال الطواف إليه).
وخالف الحنفية (3) في اشتراط البدء من الحجر الأسود فقالوا: (هو سنة في ظاهر الرواية)، ورجح ابن الهمام الوجوب (4) وهو قول المالكية (5) للمواظبة المستمرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد اختلف الفقهاء الذين اشترطوا لصحة الطواف البدء من الحجر الأسود في محاذاة الطائف للحجر الأسود والبدء من أمامه موازيا له، فمنهم من قال: يشترط أن يبدأ من الحجر محاذيا له بجميع بدنه، فلو حاذاه ببعض بدنه وكان بعض بدنه الآخر مجاوزا إلى جهة باب الكعبة فإن الشرط الأول غير مجزئ، وقال آخرون منهم: يجزئه إذا استقبله ببعض بدنه. وممن اشترط محاذاة جميع البدن للحجر الأسود في بدء الطواف الحنابلة (6) وأصح القولين عند
(1) المجموع 8/ 29
(2)
بدائع الصنائع 6/ 1106.
(3)
فتح القدير 2/ 495.
(4)
فتح القدير 2/ 495.
(5)
مواهب الجليل 3/ 64، 67، حاشية الدسوقي 2/ 27.
(6)
المغني 5/ 215.
الشافعية، (1) واستدلوا بقولهم:(بأن ما وجب فيه محاذاة البيت، وجبت محاذاته بجميع البدن كالاستقبال في الصلاة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل الحجر واستلمه، وظاهر هذا أنه استقبله بجميع بدنه ولأن الطواف على البدن كله، لا على بعض البدن دون بعض، فلم يصح طوافه إلا إذا حاذى الركن ببدنه كله. والذين قالوا: يجزئه الطواف بمحاذاة الحجر الأسود ببعض البدن منهم: المالكية (2) وأحد القولين عند الشافعية وهو القديم (3) واحتمال عند الحنابلة (4)، واستدلوا بقولهم (لأنه لما جازت محاذاة بعض الحجر حازت محاذاته ببعض البدن، ولأنه حكم يتعلق بالبدن فأجزأ فيه بعضه. ولأن الواجب طواف بالبيت، وموضع البداءة الحجر وقد بدأ منه).
والراجح عندي أن البدء من الحجر الأسود شرط لصحة الطواف لاستمرار فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع قوله: «خذوا عني مناسككم» وأنه يجزئ الاستقبال ببعض البدن، ويصح طوافه؛ لأنه لو كان الاستقبال للحجر بكل البدن شرطا لكان في ذلك حرج شديد، وما جعل الله علينا في الدين من حرج، ولو كان ذلك شرطا في صحة الطواف لبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحابته الذين حجوا معه وعددهم كبير؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، لكن الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه استلم الحجر الأسود
(1) المجموع 8/ 29.
(2)
مواهب الجليل 3/ 66، 67.
(3)
المجموع 8/ 29.
(4)
الشرح الكبير مع المغني 3/ 394.