المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المحتويات الافتتاحية حرمة الإفساد لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٧٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌ من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌ زيارة القبور للنساء

- ‌ حديث تعليمالنبي صلى الله عليه وسلم لعائشة دعاء زيارة القبور

- ‌ حديث «اتقى الله واصبري»

- ‌المرأة لا تسلم على الموتى ولو مرت بسور المقبرة أو فوقها

- ‌حكم زيارة النساء، لقبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الأفضل لمن مر بجوار سور المقبرة أنه يسلم

- ‌يكفي السلام على الموتى في أول المقبرة مرة واحدة

- ‌ما جاء في أن الميت يعرف من زاره

- ‌علم الموتى بأعمال الأحياء

- ‌حكم تخصيص يوم الجمعة لزيارة المقابر

- ‌حكم تخصيص العيدين لزيارة القبور

- ‌حكم زيارة قبور الكفار

- ‌ حديث: «إذا مررتم بقبر كافر فبشروه بالنار»

- ‌حكم رفع اليدين أثناء الدعاء للميت عند قبره

- ‌حكم استقبال القبر حال الدعاء للميت

- ‌حكم الدعاء الجماعي عند القبور

- ‌حكم قراءة الفاتحة للميت عند قبره

- ‌ العباءة التي للنساء ويكون بها تطريز أو زينة

- ‌ حكم القراءة من المصحف من غير وضوء

- ‌حفظ القرآن

- ‌ السن المناسب لتحفيظ الطفل للقرآن الكريم

- ‌ رسم الحناء على الأيدي

- ‌من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ أداء الصلوات المفروضة في أول وقتها

- ‌ الإبراد بصلاة الظهر في أيام الصيف

- ‌ وقت الظهر

- ‌ وقت صلاة العصر

- ‌كيفية مواقيت صلاة الظهر والعصر

- ‌ صلاة المغرب مباشرة بعد الأذان

- ‌ تأخير صلاة الفجر

- ‌ المقصود بالفجر الكاذب والفجر الصادق

- ‌ الصلاة الوسطى

- ‌ تعيين أوقات صلاة المغرب والعشاء والصبح

- ‌دراسات في خلق الصبر في ضوء الكتاب والسنة

- ‌سبب اختيار موضوع البحث:

- ‌التمهيد

- ‌أولا: تعريف الصبر:

- ‌ثانيا: حكم الصبر:

- ‌الفصل الأول: أنواع الصبر

- ‌المبحث الثاني: الصبر عن معصية الله:

- ‌المبحث الثالث: الصبر على المحن والمصائب:

- ‌الفصل الثاني: آداب الصبر

- ‌ الاسترجاع:

- ‌ سكون اللسان:

- ‌ سكون الجوارح:

- ‌ عدم إظهار أثر المصيبة:

- ‌ اجتناب إقامة المآتم:

- ‌ اشتغال المصاب بما هو أصلح له:

- ‌ البقاء في البلدة التي يصيبها وباء:

- ‌المبحث الثاني: آداب الصبر الحفية:

- ‌ الاستعانة بالله والتوكل عليه:

- ‌ حسن الظن بالله:

- ‌ الإخلاص لله:

- ‌ عدم تمني الموت:

- ‌الفصل الثالث: فضائل الصبر

- ‌المبحث الثاني: فضائل الصبر في السنة النبوية

- ‌المبحث الثالث: فضائل الصبر في آثار سلف الأمة وعلمائها:

- ‌الفصل الرابع: ما يعين على الصبر

- ‌ثانيا: معرفة حسن عاقبة الطاعة وأجرها العظيم عند الله:

- ‌ثالثا: قصر الأمل:

- ‌رابعا: الدعاء:

- ‌المبحث الثاني: ما يعين على الصبر عن المعصية:

- ‌ثانيا: إضعاف باعث الشهوة:

- ‌ثالثا: اللجوء إلى الله تعالى:

- ‌رابعا: الاستعانة بالصلاة:

- ‌خامسا: التفكر في مفاسد المعصية وسوء عاقبتها:

- ‌المبحث الثالث: ما يعين على الصبر على المحن والمصائب

- ‌أولا: الإيمان بقضاء الله وقدره:

- ‌ثانيا: الاستعانة بالله:

- ‌ثالثا: فقه مضمون الاسترجاع:

- ‌رابعا: اليقين بحسن الجزاء عند الله:

- ‌خامسا: اليقين بالفرج:

- ‌سادسا: المعرفة بطبيعة الحياة الدنيا:

- ‌سابعا: رؤية نعم الله:

- ‌ثامنا: علم المصاب بأن حظه من المصيبة بحسب موقفه منها:

- ‌تاسعا: الاقتداء بأهل الصبر والعزائم:

- ‌الخاتمة:

- ‌النور

- ‌المقدمة:

- ‌تعريف النور:

- ‌الفصل الأول: الله سمى نفسه نورا

- ‌الفصل الثاني: احتجب سبحانه عن خلقه بالنور

- ‌الفصل الثالث: الله يخرج عباده من الظلمات إلى النور

- ‌الفصل الرابع: جعل في كتبه نورا

- ‌الفصل الخامس: سمي الله رسوله (السراج المنير) وأمره بإخراج الناس من الظلمات إلى النور

- ‌الفصل السادس: النبي سأل الله أن يجعل له في كل عضو من أعضائه نورا

- ‌الفصل السابع: جعل دار أوليائه نورا

- ‌الفصل الثامن: جعل نوره لأوليائه في الدنيا والآخرة

- ‌الفصل التاسع: خلق الله النور يوم الأربعاء وخلق الله الملائكة من نور

- ‌الفصل العاشر: الناس قسمان:

- ‌ أهل النور

- ‌[أهل الظلام]

- ‌الفصل الحادي عشر: الصلاة نور

- ‌حكم زكاة العقار المعد للبيع

- ‌خطة البحث

- ‌المبحث الأول: في حكم الزكاة في العقار

- ‌المبحث الثاني: في شروط وجوب الزكاة في عروض التجارة ومنها العقار

- ‌المبحث الثالث: في حكم الزكاة في العقار المعد للبيع أثناء إنشائه

- ‌المبحث الرابع: في حكم الزكاة في العقار المعد للبيع بعد اكتمال بنائه، وتأخر بيعه

- ‌المبحث الخامس: في حكم الزكاة في أجرة العقار أثناء عرضه للبيع

- ‌الخاتمة

- ‌الزيتون أحكامه الفقهية وفوائده

- ‌المقدمة:

- ‌التمهيد: مدلول الزكاة ومشروعيتها وحكم منكرها وعقوبة تاركها:

- ‌المطلب الأول: مدلول الزكاة:

- ‌المطلب الثاني: مشروعية الزكاة

- ‌المطلب الثالث: حكم منكر الزكاة وعقوبة تاركها

- ‌المبحث الأول: الزيتون في القرآن والسنة:

- ‌المطلب الأول: الزيتون في القرآن:

- ‌المطلب الثاني: الزيتون في السنة:

- ‌المبحث الثاني: زكاة الزيتون ونصابها وحكم الحرص فيه:

- ‌المطلب الأول: قطف ثمر الزيتون:

- ‌المطلب الثاني: زكاة الزيتون:

- ‌المطلب الثالث: النصاب:

- ‌المطلب الرابع: منشأ الاختلاف في النصاب

- ‌المطلب الخامس: نصاب الزيتون في الأوزان الحالية:

- ‌المطلب السادس: خرص الزيتون:

- ‌المبحث الثالث: حكم إخراج القيمة والنفقات على الزيتون وبيع ثماره على الشجر

- ‌المطلب الثاني: حكم النفقات على الزيتون:

- ‌المطلب الثالث: حكم بيع ثمار الزيتون على الشجر:

- ‌المبحث الرابع: فوائد الزيتون الاقتصادية والطبية والبيئية:

- ‌المطلب الأول: فوائد الزيتون الاقتصادية:

- ‌المطلب الثاني: فوائد الزيتون الطبية:

- ‌المطلب الثالث: فوائد الزيتون البيئية والغذائية

- ‌الخاتمة:

- ‌بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاءحول القمار في مسابقات الصحف

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ ‌المحتويات الافتتاحية حرمة الإفساد لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن

‌المحتويات

الافتتاحية

حرمة الإفساد لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ 7

الفتاوى

من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ 33

من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 65

من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ 83

من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 93

ص: 4

البحوث

دراسات في خلق الصبر في ضوء الكتاب والسنة لفضيلة الدكتور مفرح بن سليمان القوسي 121

النور لفضيلة الدكتور مسفر بن سعيد الغامدي 237

حكم زكاة العقار المعد للبيع لفضيلة الدكتور حميد قايد سيف 285

الزيتون أحكامه الفقهية وفوائده لفضيلة الدكتور عبد الله بن محمد الصالح 327

بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء حول القمار في مسابقات الصحف 379

ص: 5

صفحة فارغة

ص: 5

صفحة فارغة

ص: 6

حرمة الإفساد

لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

مفتي عام المملكة العربية السعودية

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف الأنبياء وأشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فأشكر الله قبل كل شيء على هذا اللقاء المبارك، والشكر موصول لمؤسسة الدعوة الخيرية على ما تبذل من جهد، وتهيئ من فرص لهذه الندوات المباركة التي تعم كثيرا من مناطق المملكة ولعلنا في المستقبل نرى - إن شاء الله - هذا النشاط يعم كثيرا من المناطق؛ ليعم الخير، وتحصل الفائدة فجزى الله القائمين عليها خيرا.

أيها الإخوة، أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد في القول والعمل، وأن يجعلنا جميعا ممن:

ص: 7

{يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} (1)، وبعد:

فإن الله - جل وعلا - خلق الخلق لعبادته، خلقهم ليعبدوه ولا يشركوا به شيئا، خلقهم لهذه المهمة العظيمة وهذا الشأن الكبير، خلق أبانا آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وأسكنه الجنة، ثم لما عصى بأكل الشجرة أهبطه للأرض؛ ليعمرها بتوحيد الله وطاعته، فمضى على آدم وعلى ذريته قرون عديدة وهم على توحيد الله؛ على الفطرة المستقيمة، على الدين الخالص، حتى دب إليهم الشرك بوساوس عدو الله إبليس الذي سعى في إضلال بني آدم وإخراجهم عن فطرتهم، بتزيين الكفر والضلال لهم؛ فوقع الشرك في قوم نوح فبعث الله نوحا عليه السلام يدعو إلى الله وإلى توحيده. {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} (2) تتابعت الرسل، كلما مضى رسول بعث الله رسولا آخر؛ ليقيم الدين لله {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا} (3)؛ فأقام الله حجته على العباد بإرسال الرسل:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (4)، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (5).

(1) سورة الزمر الآية 18

(2)

سورة البقرة الآية 213

(3)

سورة المؤمنون الآية 44

(4)

سورة النساء الآية 165

(5)

سورة النحل الآية 36

ص: 8

فلما رفع عيسى عليه السلام؛ رفعه الله إليه، وعم الأرض الجهل والضلال والبعد عن الهدى، وانطفأت شمس الرسالات، وأصبح الخلق في اضطراب وغاية من البعد عن الهدى:«نظر الله إلى أهل الأرض: عربهم وعجمهم، فمقتهم إلا بقايا من أهل الكتاب (1)» الحديث أخرجه الإمام مسلم بلفظ: «إن الله نظر إلى أهل الأرض (2)» . .) الحديث؛ لأن الأرض أظلمت بالشرك، وأظلمت بالفساد العظيم والضلال، حيث إن البلاد والعباد لا صلاح لهم، ولا استقامة لهم إلا بهذا الدين الذي يحكم تصرفاتهم.

فإذا انطفأت شمس الرسالة أصبح الخلق في ضلال وجهل وبعد عن الهدى، فبعث الله عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم على حين فترة من الرسل، واندراس من العلم، وقد عم الأرض الجهل والضلال والبعد عن دين الهدى يقول الله عز وجل:{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ} (3)؛ بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم وفي الأرض: ضلال عظيم وجهل وبعد عن دين الله، وفساد وظلم، وطغيان وضلال، فبعثه الله بالهدى ودين الحق؛ ليصلح به البلاد والعباد، وليقيم به شرعه - جل وعلا -،

(1) صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2865).

(2)

صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2865).

(3)

سورة المائدة الآية 19

ص: 9

ولينقذ البشرية من ضلالها وغوايتها وجهالتها.

كانت الأرض تعج بملل شتى، بملل ونحل محرفة أو باطلة من أصلها من يهودية، ونصرانية، ومجوسية، وصابئة، وغير ذلك من أنواع الملل والنحل كان الناس في غاية من الجهل، وغاية من الاضطراب، وكل أهل ملة متى ظفرت بالأخرى قضت عليها، وأنهت وجودها؛ فكان الأمر دولا؛ يدال لهؤلاء تارة ولأولئك تارة أخرى.

فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم جعل بعثته رحمة للعالمين: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (1)، حقا إن بعثته صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، ليست رحمة لأتباعه فقط، ولكنها رحمة لأهل الأرض كلهم.

أتباعه هم الذين انقادوا لشريعته، واتبعوا ملته فنالوا السعادة في الدنيا والآخرة؛ فهم سعداء في الدنيا باتباعه، وسعداء في الآخرة بما أعد الله لهم من النعيم المقيم، والذين لم يدخلوا في شريعته من أرباب الملل رحموا في الدنيا؛ بأن خلصوا مما كانوا يعانونه من نكبات ونكبات، ويعانونه من قتال، ويعانونه من سلب ونهب؛ فعاشوا جميعا تحت ظلال الإسلام.

تحت ظل الإسلام عاش المؤمنون، وعاش من خضع لأحكام

(1) سورة الأنبياء الآية 107

ص: 10

الإسلام؛ فصار محمد صلى الله عليه وسلم وشريعته رحمة للعالمين ولهذا جعل الله محمدا رحمة، وجعل كتابه رحمة، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (1)، وقال عز وجل:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} (2)، ورسالته صلى الله عليه وسلم رسالة عامة، يقول عز وجل:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (3)، فهي رسالة عالمية، وكتاب عالمي، ورسول عالمي لأهل الأرض كلهم.

ولما جعل الله محمدا خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم أوجب على أهل الأرض طاعة هذا النبي صلى الله عليه وسلم، والانضواء تحت لوائه، والسمع والطاعة والاستجابة له، وصار من لم يتبعه في النار، وهو كافر خارج عن ملة الإسلام، لكنه إذا خضع لأحكام الإسلام كأهل الذمة عاش تحت ظل الإسلام محكوم بأحكامه، هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عندما دعا إلى الله؛ دعا العرب قومه إلى الله، وأرشدهم إلى الهدى والحق فقاوموا دعوته، وكابروها، وقعدوا لها بالمرصاد يصدون الناس عنها ويبعدونهم عنها، ولكن كما قال الله:{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (4)

(1) سورة الأنبياء الآية 107

(2)

سورة يونس الآية 58

(3)

سورة الفرقان الآية 1

(4)

سورة التوبة الآية 32

ص: 11

فمضى صلى الله عليه وسلم في دعوته في مكة بضع عشرة سنة إلى أن دخل الإسلام في الأوس والخزرج؛ فأذن الله له بالهجرة إلى المدينة فصارت دار نصرة، ودار حماية، فعاش فيها عشر سنوات حتى أكمل الله به الدين، وأتم به النعمة، وما قبضه إلا وقد ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك.

ما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما، ولا خير إلا دلنا عليه، وأرشدنا لسلوكه، ولا شر إلا بينه لنا وحذرنا من سلوكه صلوات الله وسلامه عليه. أدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق الجهاد، وأصلح الله به الأرض بعد فسادها، وجمع به القلوب بعد شتاتها، ووحد به الأمة بعد فرقتها، وأعزها الله به بعد ذلها، ورفعها به بعد استكانتها وإهانتها؛ فنالت أمته العز والشرف في الدنيا والآخرة.

ص: 12

أيها الإخوة الفساد مبدأ خطر والفساد خلق ذميم خلق ممقوت تمقته الفطر السليمة، وتنفر منه العقول المستقيمة. الفساد لا يرضى أن يتصف به عاقل، كل ينفر من الفساد، وكل يكره الفساد، ولكن كيف يكره الفساد؟ قد يكره الفساد من هو عائش في الفساد،

ص: 12

ومتقلب في الفساد؛ لأن أفهام الناس تختلف ما حقيقة الفساد؟ وما أسباب الفساد؟ الله - جل وعلا - قال لنا في سورة الأعراف: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} (1)، إذن، فالأرض صلحت بتوحيد الله، الأرض والعباد صلحوا بتوحيد الله وصلحت النفوس بشرع الله، وصلحت بالاستقامة على دين الله، وصلحت بالمحافظة على فرائض الإسلام، وصلحت بتحكيم الشريعة، وصلحت بالتزام الأوامر والبعد عن النواهي؛ صلح بذلك البلاد والعباد يقول صلى الله عليه وسلم:«خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم (2)» أخرجه البخاري.

إذا، فالأرض والعباد سبب صلاحهم هو التمسك بدين الله، شريعة الله التي تمكنت من قلوب أولئك حتى عرفوا الحق على حقيقته، والباطل على حقيقته، فلما استبان لهم الرشد، وميزوا بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال، وبين الحسن والقبيح عند ذلك زكت النفوس، وصلحت الأقوال والأعمال.

إذا، فالفساد يأتي من إخلال الناس بشرع الله وعلى قدر بعدهم عن دين الله يكون فيهم الفساد، انظر إلى شعيب عليه السلام ماذا يقول لقومه {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (3)

(1) سورة الأعراف الآية 56

(2)

صحيح البخاري الأيمان والنذور (6695)، صحيح مسلم فضائل الصحابة (2535)، سنن الترمذي الفتن (2222)، سنن النسائي الأيمان والنذور (3809)، سنن أبي داود السنة (4657)، مسند أحمد (4/ 440).

(3)

سورة هود الآية 85

ص: 13

فجعل شعيب عليه السلام تطفيف المكاييل والموازين، وبخس الحقوق، وظلم العباد، فسادا في الأرض.

وفي قصة قوم صالح قال الله تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} (1) فوصفهم بأنهم يفسدون في الأرض، ووصفهم بأنهم لا يصلحون؛ لما كانوا يفسدون فمن لازم الفساد أن ينتفي عنهم الصلاح، قال تعالى عن قول قوم قارون لقارون {وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (2)، لأن كبره وإعجابه بنفسه، واغتراره بثروته وعلمه، واعتقاده أن ما ناله من هذه الدنيا إنما هو بسبب علمه وقدرته سماه الله فسادا.

أيها الإخوة! وجعل الله سفك الدماء فسادا في الأرض؛ سفك الدماء بغير حق فساد في الأرض: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (3)؛ فسفك الدماء، وقتل الأبرياء: من مسلم ومعاهد هذا

(1) سورة النمل الآية 48

(2)

سورة القصص الآية 77

(3)

سورة المائدة الآية 32

ص: 14

فساد في الأرض، قال تعالى عن الملائكة لما قال لهم:{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} (1)؛ فدل على أن سفك الدماء، واستباحة الدماء فساد في الأرض ينافي الإصلاح الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، لأن حرمة الدماء أمر مقرر شرعا {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (2)، وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم:«لا يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما (3)» ويقول صلى الله عليه وسلم: «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام (4)» أخرجه مسلم.

وقال تعالى في المحاربين: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (5) فتأمل أخي هذه الآية: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (6) ومحاربة الله ومحاربة رسوله تكون بالشرك، والكفر، والضلال، والبعد عن أحكام الله:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} (7) هذا الفساد لم يفسر؛ وإنما كل ما خرج عن الصلاح والإصلاح فهو فساد {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} (8)

(1) سورة البقرة الآية 30

(2)

سورة النساء الآية 93

(3)

صحيح البخاري الديات (6862)، مسند أحمد (2/ 94).

(4)

صحيح البخاري الحج (1741)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1679)، مسند أحمد (5/ 49)، سنن الدارمي المناسك (1916).

(5)

سورة المائدة الآية 33

(6)

سورة المائدة الآية 33

(7)

سورة المائدة الآية 33

(8)

سورة المائدة الآية 33

ص: 15

هذه الآية أنزلها الله على نبيه صلى الله عليه وسلم في قصة العرنيين المحاربين الذين أسلموا، ثم سرقوا الإبل، وقتلوا الراعي، وارتدوا عن الإسلام.

قال أنس رضي الله عنه: «وفد على النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من عكل وعرينة فسكنوا المدينة فاجتووها، فلم يناسبهم ذلك، فأصابهم ما أصابهم؛ فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى إبل الصدقة؛ ليشربوا أبوالها، وألبانها، فلما فعلوا صحوا وسلموا فقتلوا الراعي، واستاقوا الإبل، فبلغ النبي خبرهم أول النهار، فأرسل في آثارهم، فأتي بهم قبل انتصاف النهار، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف - قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى - وسمل أعينهم بالنار، وتركهم في الحرة يستسقون فلا يسقون، حتى ماتوا عطشا (1)» أخرجه البخاري. قال بعض الرواة: «رأيت بعضهم يقضم الأرض بفمه يطلب الماء، والنبي يقول: " النار النار " فأنزل الله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (2)» ؛ لأن هذه الفئة جريمتها متعددة.

الإخلال بالأمن العام؛ حيث خانوا النبي صلى الله عليه وسلم، وهددوا أمن الأمة بأن استاقوا تلك الإبل؛ إبل الصدقة التي لا حق لهم فيها، وهم قد صحوا من شرب أبوالها وألبانها، لكن

(1) صحيح البخاري الفرائض (6805)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1671)، سنن الترمذي الأطعمة (1845)، سنن النسائي تحريم الدم (4035)، سنن أبي داود الحدود (4364)، سنن ابن ماجه الطب (3503)، مسند أحمد (3/ 290).

(2)

سورة المائدة الآية 33

ص: 16

جازوها جزاء سنمار فاستاقوها.

ثم قتلهم الراعي الذي كان يسقيهم وسملوا عينيه؛ فالنبي دعا بهم، فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمل أعينهم - كواها بالنار - وتركهم حتى ماتوا حسرة وندامة وعطشا.

هو صلى الله عليه وسلم أرحم الخلق بالخلق؛ خلقه الحلم والصفح والعفو، لكن الحلم في موضعه، والقوة في موضعها. فهذه فئة قتلوا نفرا واحدا، لكن قتل هذه النفس الواحدة تعدل عند الله قتل الجميع.

ثم سرقة هذه الإبل، وإن كانت إبلا، لكنه تدل على خبث أولئك، وأنهم يريدون أن يهددوا أمن الأمة، ويقوضوا أمنها واطمئنانها؛ فعوقبوا بتلك العقوبة الشنيعة؛ لأن أمن الأمة وسلامة أرواحها أمور مقررة شرعا.

وقال تعالى عن اليهود: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (1)، فهم يفسدون في الأرض. بمؤامراتهم الدنيئة، وأخلاقهم الرذيلة، وما يحيكونه للعالم كله، ولا سيما الإسلام من مكائد ومكر وخداع، ولكن الله - جل وعلا - لهم بالمرصاد.

أيها الإخوة الفساد في الأرض - كما قلنا - ينبني على مخالفة الشرع والبعد عن الصلاح، وإن من أسباب صلاح الأمة وسلامتها

(1) سورة المائدة الآية 64

ص: 17

من الفساد: توحيد الله وإخلاص الدين له، والقضاء على مظاهر الشرك قليلة وكثره.

فإن القلوب إذا تعلقت بالله حبا وخوفا ورجاء عند ذلك تمتلئ إيمانا ويقينا فتبعد عن الشرك ومظاهره قليله وكثيره.

ومن أسباب محاربة الفساد أيضا: قوة الإيمان بالله، وامتلاء القلوب بالإيمان بالله؛ فإن القلب إذا امتلأ بالإيمان بالله عرف الحق على حقيقته والباطل على حقيقته.

ومن أسباب الصلاح وكف الفساد تحكيم شرع الله في كل قليل وكثير؛ فإن شريعة الله حكم عدل بين الخلق في أمور دنياهم على اختلافها، سواء في أنفسهم، أو مع غيرهم، أو مع مخالفيهم، قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (1)، وقال:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} (2).

إذا فتحكيم شرع الله يغلق أبواب الفساد؛ لأن أحكام الله هي العدل والإنصاف {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} (3)، فإذا عطل شرع الله وعزل عن الحكم، وصار الحكم

(1) سورة المائدة الآية 48

(2)

سورة النساء الآية 105

(3)

سورة الأنعام الآية 115

ص: 18

للنظم والقوانين البشرية الظالمة الجائرة فلا بد أن يظهر الفساد وينتشر بين الخلق، شاء الناس أم أبوا، فحكم الله أحسن الأحكام وأعدلها، يقول تعالى:{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (1).

فتحكيم شريعة الله، وصدور الأمة عن أحكام الله في الدماء والأموال والأعراض وسائر شؤون الحياة هو الذي يغلق أبواب الفساد.

ومن أسباب الصلاح وإغلاق أبواب الفساد: أن تربى الأجيال التربية الإسلامية وأن يعتنى تربيتها تربية صالحة؛ لأن هذا النشء ولد على الفطرة السليمة، ونور الهداية في قلبه، فإن ترك وشأنه فإنه على الفطرة، لكنه بحاجة إلى من ينمي تلك الفطرة ويقويها؛ حتى تزداد وتظهر على سلوكه وتصرفاته.

فإن ربي الشباب التربية الإسلامية الحقة، وربط حاضرها بماضيهم، وقويت الصلة بين الحاضر والماضي من خلال مناهج تعليمهم، ومن خلال اختيار ذوي الكفاءة العلمية والأمانة في توجيههم وتعليمهم، فإن شبابنا ينشأ وهو يحمل روح الحق في نفسه، ينشأ وهو يحمل الهدى والعلم النافع؛ فيصلح الله به ويصلح في نفسه.

(1) سورة المائدة الآية 50

ص: 19

وإن ربي الشباب تربية سيئة، ووجهوا توجيها غير إسلامي نشؤوا في الفساد يألفونه ويكرهون الحق، وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه (1)» ، أخرجه البخاري.

ومن أسباب الفساد: ما تبثه وسائل الإعلام العامة من شرور وسموم، وما تحارب به الأخلاق وثوابت الأمة، وما تنشره من رذائل؛ قولية وفعلية.

فوسائل الإعلام في هذا العصر تنوعت مشاربها، وتعددت مصادرها، وأصبحت - مع شديد الأسف - بمتناول كل فرد صغير أو كبير، ولجت كل بيت، وشملت كل أجزاء المعمورة، فهذه الوسائل الإعلامية إن وقف المسلمون منها الموقف المناسب؛ فحصنوا نشأهم، وحصنوا مجتمعهم، وكافحوا الباطل بالحق، وقارعوا بالحجة، وسخروا وسائل إعلامهم لتخدم الحق وتنصر الهدى وتقمع الضلال بالحق، كما قال تعالى:{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} (2)، وقال عز وجل:{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} (3).

(1) صحيح البخاري القدر (6599)، سنن الترمذي القدر (2138)، سنن أبي داود السنة (4714)، مسند أحمد (2/ 233)، موطأ مالك الجنائز (569).

(2)

سورة الأنبياء الآية 18

(3)

سورة الإسراء الآية 81

ص: 20

ومن أسباب الفساد أيضا: تعطل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلق أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذي نالوا به المكانة العالية، والشرف الأسمى، وتبوءوا المقعد اللائق بهم كخير أمة أخرجت للناس، بقول الله عز وجل:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (1)، ويقول تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (2)، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقضي على الفساد الأخلاق والفساد العقدي؛ يقضي على ذلك بالوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وإذ عطل الأمر بالمعروف، أو قل شأنه فإن الأمة لا بد أن تكون في فساد، قال تعالى:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} (3){كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (4)، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطرا، أو ليوشكن الله

(1) سورة آل عمران الآية 110

(2)

سورة آل عمران الآية 104

(3)

سورة المائدة الآية 78

(4)

سورة المائدة الآية 79

ص: 21

أن يضرب قلوب بعضكم ببعض، ثم يلعنكم كما لعنهم (1)» أخرجه الترمذي: الفتن 2169.

ومن أسباب إغلاق باب الفساد ونشر الإصلاح: الدعوة إلى الله؛ دعوة الحق إلى الله واستمرار هذه الدعوة في كل زمان، بكل وسيلة ممكنة؛ فإن الدعوة إلى الله إنقاذ للبشرية من ضلالها، وهداية لها من حيرتها، وتبصير لها من عماها، والأخذ بيديها لما فيه الخير والصلاح، والله تعالى يقول:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (2) وقال عز وجل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (3)، فالدعوة إلى الله بصدق وأمانة على يد ذوي العلم والتقى، ممن أنار الله بصائرهم، وشرح بالحق صدورهم؛ فكانوا أهل علم وبصيرة وأناة وخلق كريم، يدعون إلى الله، ويرشدون عباد الله، ويبينوا الحق، ويحذرونهم من الباطل، هذا من أسباب صلاح المجتمعات ونفي الفساد.

ومن خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن الحق باق فيهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: «ولا تزال طائفة من أمتي

(1) سنن الترمذي الفتن (2169)، مسند أحمد (5/ 391).

(2)

سورة النحل الآية 125

(3)

سورة فصلت الآية 33

ص: 22

ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله (1)» رواه مسلم في الإمارة 1920، وأبو داود في الفتن والملاحم 4252.

إذا فالدعاة إلى الله يبصرون العباد، وينقذونهم، ويخرجونهم من الظلمات إلى النور، يقول صلى الله عليه وسلم:«ومن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا إلى يوم القيامة (2)» رواه مسلم في العلم 2674.

فإذا وجد الدعاة إلى الله، وجابوا البلاد، وخالطوا الناس، وعلموا الجاهل، وبصروه ودلوه على الخير، وأخذوا بيده؛ فإن تلك نعمة من الله، والدعوة إلى الله في المساجد، في وسائل الإعلام، الخطباء دعاة إلى الله على منابرهم يحدثون الناس، ويحذرونهم، ويبحثون عن مشكلاتهم، ويحلونها في ضوء الكتاب والسنة.

أيها المسلم، إن الأمر أحيانا قد يلتبس على الناس، وأحيانا قد تنقلب الأمور وتختل الموازين؛ فهناك من هو على الفساد ويرى أنه مصلح، هناك من هو على قمة الفساد في تصرفاته ويرى أنه مصلح، وهذا هو عين البلاء، يقول الله عز وجل:{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} (3)، ألا ترى إلى فرعون وهو يخاطب قومه عن موسى

(1) صحيح البخاري التوحيد (7460)، صحيح مسلم الإمارة (1037).

(2)

صحيح مسلم العلم (2674)، سنن الترمذي العلم (2674)، سنن أبي داود السنة (4609)، سنن ابن ماجه المقدمة (206)، مسند أحمد (2/ 397)، سنن الدارمي المقدمة (513).

(3)

سورة فاطر الآية 8

ص: 23

عليه السلام، {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} (1)، أصغ إلى قوله تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} (2){إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} (3){فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} (4){وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} (5).

موسى ماذا قال؟ بأي شيء دعا موسى؟ وأي شيء كان عليه فرعون؟ فرعون كان يقول: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (6)، ويقول:{مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (7).

هذا صلاحه الذي يرى أنه صلاح، أن دعا الناس إلى عبادته، وأنه ربهم المتصرف فيهم، وهذا الكلام منه من باب المكابرة، وإلا كما قال الله عز وجل عنه:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} (8)، وموسى عليه السلام، يدعوه إلى الله، وإلى توحيده، وإلى

(1) سورة غافر الآية 26

(2)

سورة غافر الآية 23

(3)

سورة غافر الآية 24

(4)

سورة غافر الآية 25

(5)

سورة غافر الآية 26

(6)

سورة النازعات الآية 24

(7)

سورة القصص الآية 38

(8)

سورة النمل الآية 14

ص: 24

الإقرار بذلك وإتباع ما جاء به من عند الله عز وجل، وهو يقول:{إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} (1).

ففرعون يصف موسى بالفساد، إذا فرعون يرى أنه المصلح، وهو المفسد الأكبر - والعياذ بالله -، ألا ترى إلى قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} (2){وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} (3)، إذا، هذا يعجبك قوله، ونداءاته، وأنه يريد الإصلاح، وأن مبادئه مبادئ الخير، وأنه يريد إنقاذ البشرية من ضلالها، وهداية الشباب من غوايتهم، بأي شيء؟ بأن يقول: اقتلوا الأبرياء، اسفكوا الدماء، دمروا الممتلكات، روعوا الآمنين إلى غير ذلك من آرائهم الشاطة.

إذا فهم يجعلون القتل والتدمير، وترويع الآمنين، وتخويف الأمة، وتسهيل الطريق لأعداء الأمة يعدون ذلك صلاحا وهدى، وهو عين الفساد، قال تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} (4)، إذا قيل: اتق الله، ودع ما أنت عليه من هذه الأفكار السيئة، والآراء الشاطة،

(1) سورة غافر الآية 26

(2)

سورة البقرة الآية 204

(3)

سورة البقرة الآية 205

(4)

سورة البقرة الآية 206

ص: 25

والتصورات الخاطئة، استهزأ بك وسخر منك؛ لأنه يرى نفسه مصلحا وهو في غاية الفساد والضلال.

ص: 26

أيها الإخوة إن الأفكار الغربية، الأفكار الوافدة على الأمة، والآراء الشاطة هي عين الفساد والضلال، ولكن الشيطان يلبسها ثوب الصلاح؛ لأنهم لو جاءوا بالفساد بصورته الواضحة نفرت منها الفطر، ومقتتها الأمة، ولكن إذا أرادوا أن يسفكوا الدماء سوغوا دعواهم وجريمتهم بقولهم: نحن نغار على الدين، ونحن نحب الأمة، ونحن نقضي على الفساد، ونحن نصلح البشرية، ونحن ونحن.

نعم نحن نريد الإصلاح، لكن أي إصلاح؟ قتل المسلم بغير حق ليس إصلاحا، تدمير أموال الأمة ليس إصلاحا، إخافة الآمنين ليس إصلاحا، وضع أيديكم بأيدي الأعداء المتربصين بالأمة بأي سبيل، وعلى أي منهج ليس إصلاحا؛ هذا عين الفساد وعين الضلال.

هذا أسلوب المنافقين الذين أخبر الله عنهم، وعن كيدهم للإسلام وأهله، ومكرهم بالإسلام وأهله لما بنوا مسجد الضرار، قالوا: نريده مسجدا يأوي الغريب، يكنهم من حر الشمس وبرد الشتاء، ومأوى للمساكين، وإحسانا. . إلى آخره، وهم في ضمائرهم أرادوه حربا لله ورسوله، وإرصادا ومأوى لكل من يعادي الأمة؛ ليقتلوا فيه النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى بعد رجوعه من تبوك؛

ص: 26

فجاءه الوحي، وأخبره الله أن هذا مسجد ضرار وحرب، قال جل وعلا:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (1)، يقولون: إن أردنا إلا الحسنى.

وهكذا كل مفسد، وكل صاحب فكر خطر، وفكر منحرف لا يستطيع أن يواجه، ويقول: هذا بلاء.

الشيوعي، والملحد، وكل صاحب ضلالة لا بد أن يلبس ضلالته ثوب صلاح في الظاهر، تخفى على ضعفاء البصائر، ويستبينها صاحب الحق والبصيرة النافذة.

إذا فصغار أبنائنا الذين وقعوا في هذا الشرك، واصطيدوا على حين غفلة منهم، وبعد عن علمائهم، وتقصير من آبائهم أحيانا، وانخداع بجلسائهم، هؤلاء الفئة الذين اصطيدوا في الظلام، واقتصهم الأعداء على حين غفلة من الأمة، فملأوا قلوبهم حقدا على المجتمع المسلم، وصوروا لهم الباطل بصورة الخير، والضلال بصورة الحق، حتى اقتنع من اقتنع منهم، فسعى فيما سعى، وهو مراهق: إما في العشرين من عمره أو دون، لكن هذه الأفكار دأب الأعداء على

(1) سورة التوبة الآية 107

ص: 27

ملء تلك القلوب الفارغة بهذا الشر؛ فنفذوا مخططاتهم عن جهل منهم، وسوء بصيرة، وقلة إدراك.

إذا فعلينا أن نعتني بتربية أبنائنا، سواء في المنزل، أو في المدرسة بوحي الله؛ بشرع الله، بربط الحاضر بالماضي، بتقوية الصلة بالكتاب العزيز، والسنة النبوية الثابتة التي لا تزال غضة طرية، لنحصن أبناءنا من مكائد الشيطان.

إن الإرهاب المذموم ما ترعرع في نفوس بعض أبنائنا إلا لقلة علم عندهم، وضعف بصيرة عندهم، فإذا اعتني بمناهج الأمة الاعتناء الصحيح، وربط الحاضر بالماضي، وتولى ذلك ذووا علم وصلاح وتقى فإني أرجو بتوفيق من الله أن يتقلص هذا الباطل، وأن يستبين للناس أخطاره ومفاسده.

أيها الأمة! إن الأعداء لا يأتون إلى العقول الناضحة، ولا لأهل الإدراك والوعي، ومن رسخت أقدامهم في الخير، وتبصروا في الهدى؛ لأنهم يعلمون أن أولئك لا يروج الباطل عليهم، ولا تخدعهم تلك الدعايات الضالة، وإنما يقصدون الشباب الصغار الذين قل إدراكهم.

فعلى المجتمع جميعا واجب حماية الأبناء، واجب على المدرسة، وعلى المعتنين بالتربية والتعليم، من خلال تقوية المناهج وربطها

ص: 28

بالماضي الربط الصحيح، ووسائل الإعلام، والعلماء والخطباء، والدعاة، كل في سبيله؛ لإنقاذ شبابنا من أن تتسرب إليهم هذه الأفكار الضالة الغربية البعيدة عنا وعن واقعنا.

نحن أمة مسلمة، حبانا الله في هذا البلد الدين قبل كل شيء، والتربية الصالحة، واجتماع الكلمة، ووحدة الصف، والالتفاف مع القيادة في تضامن وتعاون وتساعد، فالحمد لله على فضله.

إن هذا المجتمع يسعى أعداؤنا إلى تفكيكه، ويسعون في تشتيته، ويسعون ويسعون، ويريدون أن نعيش في فوضى كما عاش فيها غيرنا، ولكن ولله الفضل والمنة، حنكة القيادة، وصلاح نيتها، وتعاون المجتمع معها، أغلق على أهل الشر أبواب الشر، ومنعهم من الوصول إلى كثير مما أرادوا، وحيل بينهم وبين ذلك؛ لأن الأمة لديها الوعي الصحيح، والفكر السليم، أن هذه المبادئ الخطرة متنافية مع ديننا ولا تتفق مع تعاليم إسلامنا.

هذا، وأسأل الله أن يمن على الجميع بالتوفيق، والفهم الصحيح، والاستقامة على الهدى، وأن يصلح ولاة أمرنا، وأن يوفقهم لكل خير، وأن يرزقهم الأعوان الصادقين المخلصين الذين يذكرونهم إذا نسوا، ويعينونهم إذا ذكروا، وأن يصلح شبابنا ويهديهم لكل خير، وأن يوفق هذه المؤسسة الخيرية لأن تمض في

ص: 29

سبيلها، دعوة إلى الله، وإرشادا لعباد الله.

أسأل الله أن يغفر لمن نسب إليه هذا المكان، وسعى في بنائه، وأن يبدله مثله في جنات النعيم، وأن يخلف على من أنفقوا خيرا، وأن يجعل هذه الأعمال الصالحة في ميزان أعمالهم، وصدقات جارية لمن خلفها. إنه على كل شيء قدير.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 30