الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هم في علمهم من أهل الخوض الخراصين الذين هم في غمرة ساهون، ولا هم في عملهم من المستمتعين بخلاقهم، الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة، وأولئك هم الخاسرون، أضاء لهم نور الوحي المبين، فرأوا في نوره أهل الظلمات في ظلمات أرائهم يعمهون، وفي ضلالتهم يتهوكون، وفي ريبهم يترددون، مغترين بظاهر السراب، ممحلين مجدبين مما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من الحكمة وفصل الخطاب، إن عندهم إلا نخالة الأفكار، وزبالة الأذهان، التي قد رضوا بها، واطمأنوا إليها، وقدموها على السنة والقرآن، إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه، أوجبه لهم اتباع الهوى، ونخوة الشيطان، وهم لأجله يجادلون في آيات الله بغير سلطان. (1).
(1) اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية ص 9.
وأما القسم الثاني
[أهل الظلام]
فقال ابن القيم رحمه الله فيهم: أهل الجهل والظلم، الذين جمعوا بين الجهل بما جاء به والظلم باتباع أهوائهم الذين قال الله تعالى فيهم:{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} (1)، وهؤلاء قسمان:
أحدهما: الذين يحسبون أنهم على علم وهدى، وهم أهل الجهل والضلال، فهؤلاء أهل الجهل المركب، الذين يجهلون الحق ويعادونه، ويعادون أهله وينصرون الباطل، ويوالون أهله، وهم
(1) سورة النجم الآية 23
يحسبون أنهم على شيء، إلا أنهم هم الكاذبون، فهم لاعتقادهم الشيء على خلاف ما هو عليه بمنزلة رائي السراب الذي يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، وهكذا هؤلاء أعمالهم وعلومهم بمنزلة السراب الذي يخون صاحبه أحوج ما هو إليه
…
(1).
ولم يقتصر على مجرد الخيبة والحرمان كما هو حال من أم السراب فلم يجده ماء، بل انضاف إلى ذلك أنه وجد عنده أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين سبحانه وتعالى، فحسب له ما عنده من العلم والعمل فوفاه إياه بمثاقيل الذر، وقدم إلى ما عمل من عمل يرجو نفعه فجعله هباء منثورا، إذ لم يكن خالصا لوجهه، ولا على سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وصارت تلك الشبهات الباطلة التي كان يظنها علوما نافعة كذلك هباء منثورا، فصارت أعماله وعلومه حسرات عليه، والسراب: ما يرى في الفلاة المنبسطة من ضوء الشمس وقت الظهر يسرب على وجه الأرض كأنه ماء يجري، والقيعة والقاع: هو المنبسط من الأرض الذي لا جبل فيه، ولا فيه واد، فشبه علوم من لم يأخذ علومه من الوحي وأعماله - بسراب يراه المسافر في شدة الحر فيؤمه فيخيب ظنه، ويجده نارا تلظى.
فهكذا علوم أهل الباطل وأعمالهم إذا حشر الناس، واشتد
(1) اجتماع الجيوش ص 10.
بهم العطش بدت لهم كالسراب فيحسبونه ماء، فإذا أتوه وجدوا الله عنده فأخذتهم زبانية العذاب فعتلوهم إلى نار الجحيم، فسقوا ماء حميما، فقطع أمعاءهم، وذلك الماء الذي سقوه هو تلك العلوم التي لا تنفع، والأعمال التي كانت لغير الله تعالى، صيرها الله تعالى حميما سقاهم إياه، كما أن طعامهم لا يسمن ولا يغنى من جوع، وهو تلك العلوم والأعمال الباطلة التي كانت في الدنيا كذلك لا يسمن ولا يغني من جوع وهؤلاء هم الذين قال الله فيهم:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} (1){الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} (2).
وهم الذين عني بقوله: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} (3)، وهم الذين عني بقوله تعالى:{كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} (4)
والقسم الثاني من هذا الصنف أصحاب الظلمات: وهم المنغمسون في الجهل بحيث قد أحاط بهم من كل وجه، فهم بمنزلة الأنعام، بل هم أضل سبيلا، فهؤلاء أعمالهم التي عملوها على غير بصيرة؟ بل بمجرد التقليد، واتباع الآباء من غير نور من الله تعالى،
(1) سورة الكهف الآية 103
(2)
سورة الكهف الآية 104
(3)
سورة الفرقان الآية 23
(4)
سورة البقرة الآية 167
كظلمات: جمع ظلمة، وهي ظلمة الجهل، وظلمة الكفر، وظلمة الظلم واتباع الهوى، وظلمة الشك والريب، وظلمة الإعراض عن الحق الذي بعث الله به رسله صلوات الله وسلامه عليهم، والنور الذي أنزله معهم ليخرجوا به الناس من الظلمات إلى النور
…
(1).
فان المعرض عما بعث الله تعالى به محمدا صلى الله عليه وآله وسلم من الهدى ودين الحق يتقلب في خمس ظلمات: قوله ظلمة، وعمله ظلمة، ومدخله ظلمة، ومخرجه ظلمة، ومصيره إلى الظلمة، وقلبه ظلمة، ووجهه مظلم، وكلامه مظلم، وحاله مظلم، وإذا قابلت بصيرته الخفاشية ما بعث الله به محمدا صلى الله عليه وآله وسلم من النور جد في الهروب منه وكاد نوره يخطف بصره، فهرب إلى ظلمات الآراء التي هي به أنسب وأولى كما قيل:
خفافيش أعشاها النهار بضوئه
…
ووافقها قطع من الليل مظلم
فإذا جاء إلى زبالة الأفكار ونخالة الأذهان جال وصال وأبدى وأعاد وقعقع وفرقع
…
، فإذا طلع نور الوحي وشمس الرسالة انحجر في جحرة الحشرات، وقوله في بحر لجي، واللجي: العميق. منسوب إلى لجة البحر، وهو معظمه، وقوله تعالى:{يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ} (2).
(1) اجتماع الجيوش ص 10.
(2)
سورة النور الآية 40
تصوير لحال هذا المعرض عن وحيه فشبه تلاطم أمواج الشبه والباطل في صدره بتلاطم أمواج بعضها فوق بعض، والضمير الأول في قوله:{يَغْشَاهُ} (1) راجع إلى البحر، والضمير الثاني في قوله:{مِنْ فَوْقِهِ} (2) عائد إلى الموج، ثم إن تلك الأمواج مغشاه بسحاب، فهاهنا ظلمات ظلمة البحر اللجي، وظلمة الموج الذي من فوقه موج، وظلمة السحاب الذي فوق ذلك كله، إذا أخرج من في هذا البحر يده لم يكد يراها
…
.
ثم ضرب الله سبحانه لهم مثلا أخر مائيا فقال تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} (3). فشبه نصيبهم مما بعث الله تعالى به رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من النور والحياة بنصيب المستوقد النار التي طفئت عنه أحوج ما كان إليها وذهب نوره وبقي في الظلمات حائرا تائها، لا يهتدي سبيلا، ولا يعرف طريقا، وبنصيب أصحاب الصيب، وهو المطر الذي يصوب، أي: ينزل من علو إلى أسفل، فشبه الهدى الذي هدى به عباده، بالصيب، لأن القلوب تحيا به حياة الأرض بالمطر، ونصيب المنافقين من هذا الهدى بنصيب من لم يحصل له نصيب من الصيب إلا ظلمات ورعد وبرق، ولا نصيب له فيما وراء ذلك مما هو
(1) سورة النور الآية 40
(2)
سورة النور الآية 40
(3)
سورة البقرة الآية 19