الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصبر نصف الإيمان (1).
20 -
ويقول المنبجي: ليعلم أهل المصائب أنه لولا محن الدنيا ومصائبها أصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلا، فمن رحمة أرحم الراحمين أن يتفقده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه الأدواء، وحفظا لصحة عبوديته، واستفراغا للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة، فسبحان من يرحم ببلائه ويبتلي بنعمائه (2).
(1) المرجع السابق، ص 118، 119.
(2)
تسلية أهل المصائب، ص 34.
الفصل الرابع: ما يعين على الصبر
إن النفس البشرية قد يعزيها الفتور عن فعل الطاعات، أو تضعف عن ترك المعاصي، وقد تجزع عند نزول البلاء، ولا سيما عند وجود معوقات الصبر من داخل النفس ومن خارجها.
إلا أن الله عز وجل ما أمر بأمر إلا أعان عليه ونصب أسبابا تمده وتعين عليه، كما أنه ما قدر داء إلا وقدر له دواء وضمن له الشفاء باستعماله. ولما كان الصبر مأمورا به جعل له سبحانه أسبابا تعين عليه وتوصل إليه إذا تذرع بها المسلم في وجه تلك المعوقات (1).
وهذه الأسباب منها ما يعين على الصبر على الطاعة، ومنها
(1) انظر: ابن القيم، عدة الصابرين، ص 57.
ما يعين على الصبر عن المعصية، ومنها ما يعين على الصبر على المحن والشدائد والمصائب.
وسأتناول - إن شاء الله - هذه الأسباب في ثلاثة مباحث، وذلك على النحو التالي:
المبحث الأول: ما يعين على الصبر على الطاعة:
الأسباب التي تعين المسلم على الصبر على طاعة الله أسباب عديدة، منها ما يلي:
أولا: تقوية باعث الدين: ويكون ذلك بالأمور التالية:
1 -
الإيمان بالله: فصبر العبد على فعل الطاعة يكون عادة بحسب قوة إيمانه بالله سبحانه، فإذا قوي سراج الإيمان في القلب، وأضاءت جهاته كلها به، وأشرق نوره في أرجائه، سرى ذلك النور إلى الأعضاء وانبعث إليها، فأسرعت الإجابة لداعي الإيمان، وانقادت النفس إلى الله طائعة ذليلة غير متثاقلة ولا كارهة.
2 -
محبة الله: فإن هذه المحبة من أقوى أسباب الصبر على الطاعة، فإن المحب لمن يحب مطيع، وكلما قوي سلطان المحبة في القلب كان اقتضاؤه للطاعة أقوى. قال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (1). إلا أن المحبة المجردة لا توجب
(1) سورة آل عمران الآية 31
هذا الأثر ما لم تقترن بإجلال الله تعالى وتعظيمه، فإذا قارنها ذلك أوجبت هذه الطاعة (1).
3 -
الحياء من الله: فمن استحيا من الله حق الحياء منعه ذلك من التقصير في طاعة الله، ودفعه إلى تحمل مشاق العبادة والصبر عليها. يقول الجنيد رحمه الله: الحياء حالة تتولد من رؤية آلاء الله ورؤية التقصير في حقه تعالى (2).
4 -
الخوف من الله: فهو سراج في قلب المؤمن، يحمله على المسارعة إلى فعل الطاعات والاستزادة منها، وكل أحد إذا خفته هربت منه، إلا الله عز وجل إذا خفته هربت إليه (3). يقول تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} (4){وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ} (5){وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ} (6){وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} (7){أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} (8).
5 -
الرجاء: فهو حاد يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب، وهو الله والدار الآخرة، ويطيب لها السير إلى الله ويحثها عليه ويبعثها على ملازمته (9).
(1) انظر: المرجع السابق، ص 271.
(2)
انظر: ابن القيم، مدارج السالكين، ج 2 ص 198.
(3)
انظر: المرجع السابق، ج 1 ص 387.
(4)
سورة المؤمنون الآية 57
(5)
سورة المؤمنون الآية 58
(6)
سورة المؤمنون الآية 59
(7)
سورة المؤمنون الآية 60
(8)
سورة المؤمنون الآية 61
(9)
انظر: المرجع السابق، ج 2 ص 27.