الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتجب الزكاة (1).
أقوال الفقهاء في خرص الزيتون:
اختلف الفقهاء في خرص الزيتون على قولين هما:
القول الأول: ذهب مالك وأحمد إلى القول بأن الزيتون لا يخرص وهو مروي عن الزهري والأوزاعي والليث (2).
وحجتهم: أن حب الزيتون متفرق في شجره، مستور بورقه، ولا حاجة بأهله إلى أكله، بخلاف النخل، والكرم، فإن ثمرة النخل مجتمعة في عذوقه، والعنب في عناقيده، فيمكن أن يأتي الخرص عليه، والحاجة داعية إلى أكلهما في حال رطوبتهما.
القول الثاني: وذهب الأوزاعي والليث وغيرهما إلى القول بخرص الزيتون (3).
وحجتهم: أن الزيتون ثمر تجب فيه الزكاة، فيخرص كالرطب والعنب.
(1) ابن قدامة، المغني 3/ 15.
(2)
ابن قدامة، المغني 3/ 18، ابن رشد، بداية المجتهد 1/ 227، العيني، عمدة القارئ 9/ 67.
(3)
يحيى المرتضى، البحر الزخار 2/ 172.
المبحث الثالث: حكم إخراج القيمة والنفقات على الزيتون وبيع ثماره على الشجر
ويشتمل هذا المبحث على الحديث عن حكم إخراج القيمة
في الزكاة والنفقات على الزيتون وبيع الثمار على الشجر وذلك على النحو الآتي:
المطلب الأول: حكم إخراج القيمة:
إذا أراد رب الزيتون أن يخرج القيمة سواء أكانت حبا أم زيتا فهل يجوز ذلك أم لا؟
لقد اختلف الفقهاء في ذلك على قولين (1):
الأول: يجوز إخراج القيمة والواجب إخراج العين، وإليه ذهب الشافعية والمالكية في قول والحنابلة في رواية.
الأدلة: استدل هؤلاء بأدلة لما ذهبوا إليه وهذه الأدلة هي:
أدلة القول الأول: استدلوا بأدلة من القرآن والسنة والآثار والمعقول منها ما يلي:
أ- من القرآن قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} (2).
وجه الدلالة في الآية: تدل الآية على أن المأخوذ مال، والقيمة مال، فأشبهت المنصوص عليه.
2 -
من السنة: لما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن لأخذ الصدقة قال: " ائتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان الصدقة، فإنه
(1) ابن قدامة، المغني 3/ 87، النووي، المجموع 6/ 144، الميداني، اللباب 1/ 160.
(2)
سورة التوبة الآية 103
أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة " (1)، والخميس هو: ثوب طوله خمسة أذرع. واللبيس: ما يلبس أي اللباس.
والدلالة في الحديث واضحة وهي جواز أخذ القيمة وذلك قول معاذ: أعطوني ثيابا تلبس بدل الواجب عليكم من الزروع.
3 -
الآثار: ما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه " كان يأخذ العروض في الصدقة من الدراهم " أي بدل الدراهم (2).
4 -
المعقول: إن قصد الشارع عز وجل من إخراج الزكاة دفع حاجة الفقير، ودفع الحاجة يحصل بالقيمة وبغيرها، وربما تكون القيمة للفقير أنفع؛ لأن الفقير يحتاج إلى طعام وشراب ولباس ودواء وعلاج وكل ذلك يتحقق بالقيمة، ومهما تنوعت حاجات الفقير فإن القيمة قادرة على تحقيق ذلك (3).
أدلة القول الثاني: استدل أصحاب القول الثاني على عدم جواز إخراج القيمة في الزكاة بأدلة هي:
أ- من السنة: «قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير
(1) البيهقي، السنن 4/ 113.
(2)
ابن قدامة، المغني 4/ 87.
(3)
المصدر السابق 3/ 86.
من الإبل، والبقر من البقر (1)».
وجه الاستدلال في الحديث: الحديث نص في الموضوع فوجب الوقوف عنده، وهو إخراج العين وعدم تجاوزها إلى إخراج القيمة، لأن في هذه الحال سيأخذ من الحب شيئا غير الحب، ومن الغنم شيئا غير الشاة وهذا خلاف ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم أي أنه عدول عن المنصوص عليه ومن ثم لم يجزئه (2).
2 -
من المعقول قالوا:
أ- إن الزكاة وجبت لدفع حاجة الفقير وشكرا لنعمة المال، والحاجات متنوعة فينبغي أن يتنوع الواجب ليصل إلى الفقير من كل نوع ما تندفع به حاجته، ويحصل شكر النعمة بالمواساة من جنس ما أنعم الله عليه به (3).
2 -
السجود في الصلاة يكون على الجبهة والأنف ومن ثم لا يجوز أن يكون على الخد أو الذقن، لأن في هذا مخالفة للنص، فكذلك لا يجوز إخراج قيمة الشاة أو الحب المنصوص على وجوبه؛ لأن في هذا خروجا على النص، والزكاة أخت الصلاة (4).
(1) البيهقي، السنن 4/ 113.
(2)
ابن قدامة، المغني 3/ 88.
(3)
ابن قدامة، المغني 3/ 88.
(4)
النووي المجموع 5/ 430.
منشأ الخلاف: ومنشأ الخلاف في إخراج القيمة في الزكاة يعود إلى هل الزكاة قربة لله تعالى أم حق مالي للفقراء في مال الأغنياء، فمن غلب جانب العبادة في الزكاة قال بعدم جواز إخراج القيمة كالمالكية والشافعية والحنابلة، ومن غلب جانب كون الزكاة حقا ماليا قصد منه سد حاجة الفقراء قال بجواز إخراج القيمة في الزكاة كالحنفية (1).
الترجيح: عندما نتأمل ما ذهب إليه الحنفية نجده أيسر على الناس وأهون، لأن أخذ الشاة يحتاج إلى نفقات مثل المبيت والإطعام ونقل من مكان إلى آخر وغير ذلك مما تحتاج إليه العين من أجل المحافظة عليها، بخلاف أخذ القيمة فإنه لا يحتاج مثلما تحتاج إليه العين، وهذا القول مروي عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري وسفيان الثوري، وإليه ذهب البخاري حيث عقد بابا في صحيحه " أخذ القيمة " مستدلا بما ورد عن معاذ الذي رواه عن طاووس، وما روي عن معاذ ليس فيه الإلزام بأخذ العين وإنما هو المطالب به أرباب الأموال، والقيمة إنما تؤخذ باختيارهم، وإنما عين تلك الأجناس في الزكاة تسهيلا على أرباب الأموال، لأن كل ذي مال إنما يسهل عليه الإخراج من نوع المال
(1) النووي، المجموع 5/ 340.
الذي عنده. (1).
وقد ذهب ابن تيمية مذهبا وسطا حيث قال: إن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة غير جائز، ولهذا قدر الرسول صلى الله عليه وسلم الجبران بشاتين أو عشرين درهما ولم يعدل إلى القيمة، ولأنه متى جوز إخراج القيمة مطلقا، فقد يعدل المالك إلى أنواع رديئة، وقد يقع في التقويم ضرر، ولأن الزكاة مبناها على المواساة، وهذا معتبر في قدر المال وجنسه، وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة، أو العدل فلا بأس به، مثل أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم، فهنا إخراج عشر الدراهم يجزئه، ولا يكلف أن يشتري ثمرا أو حنطة، إذا كان قد ساوى الفقراء بنفسه وقد نص أحمد على جواز ذلك.
ومثل أن يجب عليه شاة في خمسة من الإبل، وليس عنده من يبيعه شاة، فإخراج القيمة هنا كاف، ولا يكلف السفر إلى مدينة أخرى ليشتري شاة، ومثل أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة لكونها أنفع، فيعطيهم إياها أو يرى الساعي أن أخذها أنفع للفقراء، كما نقل عن معاذ بن جبل أنه كان يقول لأهل اليمن: ائتوني بخميس أو لبيس، آخذه منكم مكان الصدقة فإنه أهون
(1) القرضاوي، فقه الزكاة 2/ 805.
عليكم وخير لمن في المدينة من المهاجرين والأنصار (1).
هل تخرج الزكاة من الثمر أم من الزيت؟
اختلف الفقهاء في ذلك على النحو الآتي (2).
أولا: ذهب أبو حنيفة إلى القول بأن تؤخذ الزكاة من حبه كغيره من الثمار، لأن الحالة التي تعتبر فيها الأوساق هي حالة الثمر لا الزيت، فكان إخراجه فيها كسائر الثمار.
ثانيا: ذهب الإمام مالك إلى القول بأن تؤخذ الزكاة من الزيت بعد العصر العشر وذلك إذا بلغ الزيتون خمسة أوسق، لأن الزيت أنفع للفقير من الثمر. أما إذا لم يخرج من الزيت أخرج منه ثمنه.
ثالثا: ذهب الشافعي في قوله القديم إلى أنه يجوز أن يخرج زيتا أو زيتونا أيهما شاء.
رابعا: ذهب الإمام أحمد إلى القول بالتفريق بين الزيتون الذي فيه زيت وما لا زيت فيه فقال: إذا لم يكن فيه زيت فإنه يخرج منه حبا، كما يخرص الرطب في حال رطوبته، وإن كان فيه زيت أخرج زيتا العشر، وذلك إذا بلغ الزيتون خمسة أوسق.
والراجح من هذه الأقوال هو أن تؤخذ الزكاة في الزيتون
(1) ابن تيمية، الفتاوى 25/ 82، 83، البيهقي، السنن 4/ 113.
(2)
(مالك، المدونة الكبرى 1/ 584)، (النووي، المجموع 5/ 452)، (ابن قدامة، المغني 3/ 19).