الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقول ابن القيم: إذا كان آخر الأمر الصبر، والعبد غير محمود، فما أحسن به أن يستقبل الأمر في أوله بما يستدبره الأحمق في آخره. وقد قال بعض العقلاء: من لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم. وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال للأشعث بن قيس: إنك إن صبرت جرى عليك القلم وأنت مأجور، وإن جزعت جرى عليك القلم وأنت مأزور، وقد ذكر ذلك أبو تمام في شعره فقال:
وقال علي في التعازي لأشعث
…
وخاف عليه بعض تلك المآثم
أتصبر للبلوى عزاء وخشية
…
فتؤجر أو تسلو سلو البهائم؟ (1)
(1) الماوردى، أدب الدنيا والدين، ص 278.
2 -
الاسترجاع:
الاسترجاع: هو قول المصاب إنا لله وإنا إليه راجعون، كما قال تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (1){الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (2){أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (3). فقد جعل عز وجل كلمات الاسترجاع
(1) سورة البقرة الآية 155
(2)
سورة البقرة الآية 156
(3)
سورة البقرة الآية 157
هذه الجامعة لمعاني الخير ملجأ وملاذا لذوي المصائب، وعصمة للممتحنين من الشيطان لئلا يتسلط عليهم فيوسوس لهم بالأفكار الرديئة، فيهيج ما سكن، ويظهر ما كمن. فإن قوله (إنا لله): إقرار بالعبودية والملك لله، ولله المالك أن يفعل في ملكه ما يشاء، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لإحدى بناته معزيا:«إن لله ما أخذ وله ما أعطى (1)» . وقوله {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (2): إقرار بأن الله يميتنا ثم يبعثنا، فله الحكم في الأولى وله المرجع في الأخرى، واعتراف بأن المصابين لا بد أن يرجعوا إلى الله فيجازيهم على سخطهم إن سخطوا، وعلى صبرهم إن صبروا (3).
وقد تضمنت الآيات الكريمات الآنف ذكرها فوائد عدة منها: أن الصابرين حقا هم المسترجعون، فمن لوازم الصبر الاسترجاع.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن العبد يحصل بالصبر والاسترجاع منزلة عالية في الجنة، كما تقدم معنا في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟
(1) رواه الإمام البخاري في صحيحه في كتاب (الجنائز)، الباب (32)، الحديث رقم 1284، ج 3 ص 151. رواه مسلم في صحيحه في كتاب (الجنائز)، باب (البكاء على الميت)، ج 6 ص 224.
(2)
سورة البقرة الآية 156
(3)
راجع: الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، ج 2 ص 119.
فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد (1)».
ومن ثمرات الاسترجاع بالإضافة إلى ما تقدم: نيل الأجر والثواب من عند الله، وإخلاف الله للمبتلى أو المصاب خيرا مما ابتلى به، فعن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها، إلا أخلف الله له خيرا منها " قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة، أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)» .
يقول ابن القيم معلقا على الحديث: فانظر عاقبة الصبر والاسترجاع ومتابعة الرسول والرضا عن الله إلى ما آلت إليه، وأنالت أم سلمة نكاح أكرم الخلق على الله (3).
(1) أخرجه الترمذي في سننه في كتاب (الجنائز)، باب (فضل المصيبة إذا احتسب)، الحديث رقم 1022، ج 3 ص 341، وقال: حديث حسن غريب.
(2)
رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب (الجنائز)، باب (ما يقال عند المصيبة)، ج 6 ص 220.
(3)
عدة الصابرين، ص 85.