الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مرة بلا أهل ولا مال ولا عشيرة، ولكن يأتيه بالحسنات والسيئات.
فإذا كانت هذه بداية العبد وما خوله فيه، ونهايته وحاله فيه، فكيف يفرح بولد أو مال أو غير ذلك من متاع الدنيا، أم كيف يأسى على مفقود. ففكرة العبد في مبدئه ومعاده من أعظم علاج المصائب (1)
(1) انظر: المرجع السابق، والمنبجي، تسلية أهل المصائب، ص 19، 20
رابعا: اليقين بحسن الجزاء عند الله:
مر معنا فيما سبق إشارة القرآن الكريم إلى أن الصابرين ينتظرهم أحسن الجزاء من الله تعالى، وذلك حين يرجعون إليه، ويقفون بين يديه، فيعوضهم عن صبرهم أكرم العوض، ويمنحهم أعظم الأجر وأجل المثوبة. ولا نجد في القرآن الكريم شيئا ضخم جزاؤه وعظم أجره مثل الصبر، فهو يتحدث عن هذا الأجر بأسلوب المدح والتفخيم، فيقول:{نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (1){الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (2) وبين أن الصابرين إنما يجزون أجرهم بأحسن ما عملوا فضلا من الله ونعمة، حيث يقول تعالى:{مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (3) كما يصرح بأن أجر الصابرين غير معدود بعد،
(1) سورة العنكبوت الآية 58
(2)
سورة العنكبوت الآية 59
(3)
سورة النحل الآية 96
ولا محدود بحد، ولا محسوب بمقدار، وذلك في قوله تعالى:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (1) فاليقين بحسن الجزاء وعظم الأجر عند الله يخفف من مرارة المصيبة على النفس، ويهون من شدة وقعها على القلب، ويكون باعثا للمصاب على الصبر لنيل هذا الأجر الكبر (2).
يقول المنبجي: ومن تسلية أهل المصائب: أن ينظر المصاب في كتاب الله وسنة رسول الله، فيجد أن الله تعالى أعطى لمن صبر ورضي ما هو أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة (3).
ويقول ابن القيم: على حسب ملاحظة حسن الجزاء والوثوق به ومطالعته يخف حمل البلاء، لشهود العوض. وهذا كما يخف على كل متحمل مشقة عظيمة حملها، لما يلاحظه من لذة عاقبتها وظفره بها. ولولا ذلك لتعطلت مصالح الدنيا والآخرة، وما أقدم أحد على تحمل مشقة عاجلة إلا لثمرة مؤجلة، فالنفس موكلة بحسب العاجل. وإنما خاصة العقل: تلمح العواقب، ومطالعة الغايات (4)
ويقول أيضا: ومن علاج حر المصيبة وحزنها أن يعلم أن ما
(1) سورة الزمر الآية 10
(2)
انظر: د. يوسف القرضاوي، الصبر في القرآن الكريم، ص 89، 90
(3)
تسلية أهل المصائب، ص 20. وانظر: ابن القيم، زاد المعاد، ج 4 ص 190
(4)
مدارج السالكين ج 2 ص 127