الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقول أبو الفرج ابن الجوزي: ولولا أن الدنيا دار ابتلاء لم تعتور فيها الأمراض والأكدار، ولم يضق العيش فيها على الأنبياء والأخيار (1).
(1) المنبجي، تسلية أهل المصائب، ص 31
سابعا: رؤية نعم الله:
ومما يهون أمر المصيبة على المبتلى أن يعد نعم الله وأياديه عنده، فإذا عجز عن عدها وأيس من حصرها، هان عليه ما هو فيه من البلاء، ورآه - بالنسبة إلى أيادي الله ونعمه - كقطرة من بحر (1). يقول الله عز وجل:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} (2)
وهذا عروة بن الزبير رحمه الله عندما ذهب إلى دمشق ومعه أكبر أبنائه، مات هذا الابن، ثم بعد ذلك بفترة يسيرة أصابت الآكلة إحدى قدميه فبترت. فلما قدم إلى أهله في المدينة ورأوا حاله، قال لهم: لا يهولنكم ما ترون، فلقد وهبني الله عز وجل أربعة من البنين، ثم أخذ منهم واحدا وأبقى لي ثلاثة فله الحمد، وأعطاني أربعة من الأطراف ثم أخذ منها واحدا وأبقى لي ثلاثة فله الحمد، وايم الله لئن أخذ مني قليلا فلقد أبقى لي كثيرا، ولئن ابتلاني مرة فلطالما عافاني مرات.
(1) ابن القيم، مدارج السالكين، ج 2 ص 128
(2)
سورة إبراهيم الآية 34
فمما يهون على المبتلى ما نزل به من بلاء تصوره إمكانية نزول ما هو أعظم منه، فإن كل مصيبة يوجد ما هو أكبر منها، وقد قيل:(بعض الشر أهون من بعض).
يقول الماوردي: ومن تسهيل المصائب أن يعلم المصاب أن فيما وقي من الرزايا وكفي من الحوادث ما هو أعظم من رزيته وأشد من حادثته، ليعلم أنه ممنوح بحسن الدفاع. . .، وقد قيل للشعبي في نائبة: كيف أصبحت؟ قال: بين نعمتين: خير منشور، وشر مستور (1).
فالمؤمن المصاب ينظر إلى مصيبته بعين بصيرته فيحمد الله تعالى على أمرين:
أولهما: دفع ما كان يمكن أن يحدث من بلاء أكبر.
وثانيهما: بقاء ما كان يمكن أن يزول من نعمة غامرة وفضل جزيل.
فهو ينظر إلى النعمة الموجودة قبل أن ينظر إلى النعمة المفقودة، وينظر إلى البلاء المتوقع بجانب نظره إلى البلاء الواقع، ولا ريب أن هذا يحدث الارتياح والرضا في نفس المبتلى.
(1) أدب الدنيا والدين، ص 282