الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التمهيد
أولا: تعريف الصبر:
أ - التعريف اللغوي:
تستخدم كلمة " الصبر " ومشتقاتها في اللغة العربية بمعان عدة، منها:
الحبس والمنع: فكل من حبس شيئا فقد صبره، يقال صبرت نفس على ذلك الأمر، أي حبستها، ومنه قوله تعالى:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} (1)، ومنه أيضا قول عنترة يذكر حربا كان فيها:
فصبرت عارفة لذلك حرة
…
ترسو إذا نفس الجبان تطلع
والصبر: نقيض الجزع، وهو حبس النفس عن الجزع، يقال: صبر يصبر صبرا، فهو صابر وصبار وصبير وصبور، والأنثى صبور أيضا بغير هاء، وجمعه صبر. ويقال أيضا: صبر فلان عند المصيبة
(1) سورة الكهف الآية 28
يصبر صبرا، وصبرته أنا: حبسته، وصبرته بالتشديد: إذا حملته على الصبر. ويسمى شهر الصوم شهر الصبر، لما فيه من حبس النفس ومنعها عن الطعام والشراب والنكاح.
2 -
الشدة والقوة: ومنه الصبرة، والصبرة: وهي الحجارة الشديدة الغليظة، ومنه قيل للحرة: أم صبار، وقيل للهضبة التي ليس لها منفذ أم صبور. يقال: وقع القوم في أم صبور، أي: في أمر ملتبس شديد ليس له منفذ.
وأم صبار وأم صبور كلتاهما: الداهية والحرب الشديدة.
3 -
الجمع والضم: ومنه الصبرة: وهي ما جمع من الطعام بلا كيل ولا وزن بعضه فوق بعض كالكومة، ومنه حديث «مر النبي صلى الله عليه وسلم على صبرة طعام فأدخل يده فيها (1)» .
4 -
الثبات: ومنه قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ} (2)، أي: بالثبات على ما أنتم عليه من الإيمان.
ب- التعريف الاصطلاحي:
عرف الصبر اصطلاحا بتعريفات كثيرة أذكر منها ما يلي:
(1) رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في كتاب (الإيمان)، باب (قول النبي صلى الله عليه وسلم: من غشنا فليس منا)، ج 2/ ص 109، ط دار الريان، القاهرة.
(2)
سورة البقرة الآية 45
عرفه الراغب الأصفهاني بأنه: حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع، وعما يقتضيان حبسها عنه (1).
وعرفه الجنيد بن محمد بأنه: تجرع المرارة من غير تعبس (2)
وعرفه ذو النون المصري بأنه: التباعد عن المخالفات، والسكون عند تجرع غصص البلية، وإظهار الغنى مع حلول الفقر بساحات المعيشة (3)
وعرفه الجرجاني بأنه: ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله لا إلى الله
وعرفه ابن القيم بأنه: حبس النفس عن الجزع والتسخط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش (4)
وقيل: هو الوقوف على البلاء بحسن الأدب (5)
(1) مفردات ألفاظ القرآن، ص 474، بتحقيق: صفوان داوودي، ط الثانية 1418 هـ 1997 م، دار القلم، دمشق.
(2)
ابن القيم، عدة الصابرين، ص 15.
(3)
المرجع السابق
(4)
مدارج السالكين، ج 2/ ص 119، ط الأولى 1419 هـ 1999 م، دار إحياء التراث العري، بيروت.
(5)
ابن القيم، عدة الصابرين، ص 15. والنووي، شرح صحيح مسلم، ج 3/ ص 102
وقيل: الثبات على أحكام الكتاب والسنة.
وبهذا يتبين أن تعريف الصبر يختلف باختلاف الموطن الذي يحتاج إليه وفيه، فالصبر لفظ عام، وربما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه، فإن كان حبس النفس لمصيبة سمي صبرا لا غير ويضاده الجزع، وإن كان في محاربة سمي شجاعة ويضاده الجبن، وإن كان في نائبة مضجرة سمي رحب الصدر ويضاده الضجر، وإن كان في إمساك الكلام سمي كتمانا ويضاده الإفشاء (1)، وإن كان في كظم الغيظ والغضب سمي حلما ويضاده التذمر، وإن كان عن فضول العيش سمي زهدا ويضاده الحرص، وإن كان صبرا على قدر يسير من الحظوظ سمي قناعة، ويضاده الشره، فأكثر أخلاق الإيمان داخل في الصبر
(1) الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، ص 474، بتصرف يسير.