الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يشترط له النصاب حتى تجب فيه الزكاة (1).
وأجيب عنه: لم يعتبر الحول في زكاة الزيتون؛ لأنه يكمل نماؤه باستحصاده لا ببقائه، واعتبر الحول في غيره، لأنه مظنة لكمال النماء في سائر الأحوال، والنصاب اعتبر ليبلغ حدا يحتمل المواساة فيه، فلهذا اعتبر فيه، يحققه أن الصدقة إنما تجب على الأغنياء، ولا يحصل الغنى بدون النصاب كسائر الأحوال الزكائية (2).
كما أن الزكاة تؤخذ من أموال الأغنياء وتعطى لفقرائهم مواساة لهم وتخفيفا من معاناتهم، ولا معنى لأن تؤخذ الزكاة من الفقير وهو بحاجة ماسة إلى أن يعان لا أن يعين (3).
(1) ابن قدامة، المغني 3/ 7.
(2)
ابن قدامة، المغني 3/ 7.
(3)
القرضاوي، فقه الزكاة، 1/ 152.
المطلب الرابع: منشأ الاختلاف في النصاب
:
يعود الاختلاف بين الفقهاء في اشتراط النصاب في زكاة الثمار ومنها الزيتون وعدم الاشتراط إلى قاعدة أصولية مشهورة ومعروفة هي: قاعدة تعارض العام والخاص بين الحديثين السابقين (1)، وبيان ذلك على النحو الآتي:
الحديث الأول: روى سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله تعالى
(1) ابن رشد، بداية المجتهد 2/ 225.
عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وما سقي بالنضح نصف العشر (1)» .
الحديث الثاني: روى أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة (2)» .
محل التعارض بين الحديثين السابقين:
يدل الحديث الأول على أن ما سقي بماء السماء زكاته العشر قل أو كثر فهو عام في القليل والكثير، ومن ثم فإنه لا يشترط مقدار معين يخرج منه هذا العشر.
بينما يدل الحديث الثاني على اشتراط النصاب فيما تجب فيه الزكاة فما كان دون خمسة أوسق فلا تجب فيه الزكاة فيكون هذا الحديث معارضا للأول الذي دل على إخراج الزكاة في القليل والكثير، ولو كان القليل دون خمسة أوسق.
ولقد سلك الفقهاء في دفع هذا التعارض مناهج عدة هي:
الأول: الجمع بين الحديثين وذلك على مذهبين:
المذهب الأول: تخصيص حديث سالم بن عبد الله عن أبيه بحديث أبي سعيد الخدري، ويكون الحكم أن ما سقي بماء السماء أو كان عثريا من الزيتون لا تجب فيه زكاة العشر إلا إذا بلغ خمسة أوسق فما فوق.
(1) صحيح البخاري الزكاة (1483)، سنن الترمذي الزكاة (640)، سنن النسائي الزكاة (2488)، سنن أبي داود الزكاة (1596)، سنن ابن ماجه الزكاة (1817).
(2)
صحيح البخاري الزكاة (1447)، صحيح مسلم الزكاة (979)، سنن الترمذي الزكاة (626)، سنن النسائي الزكاة (2487)، سنن أبي داود الزكاة (1559)، سنن ابن ماجه الزكاة (1793)، مسند أحمد (3/ 97)، موطأ مالك الزكاة (576)، سنن الدارمي الزكاة (1633).
وذهب إلى هذا الجمهور (1)، وقال البخاري عقب حديث سالم هذا تفسير الأول، لأنه لم يوقت في الأول، يعني حديث ابن عمر:«وفيما سقت السماء العشر (2)» ، وبين في هذا ووقت، والزيادة مقبولة، والمفسر يقضي على المبهم إذا رواه أهل الثبت (3).
وذهب إلى هذا أبو يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية وقالا: لا يجب العشر إلا فيما له ثمرة باقية إذا بلغ خمسة أوسق.
وتأول فقهاء الحنفية ما ذهب إليه الصاحبان: بأنه محمول على زكاة التجارة ومقتضى هذا التأويل أن يخصص حديث «ليس فيما دون» بمن أعد الخارج من الأرض من الزرع والثمار للتجارة فيه فإنه لا تجب عليه الزكاة فيه حتى يبلغ خمسة أوسق، وحديث:«فيما سقت السماء (4)» في حق من لم يرد التجارة فيما يخرج من أرضه من الزروع والثمار (5).
المذهب الثاني: كل ما يدخل فيه الكيل يراعى فيه النصاب، وما لا يدخل الكيل ففي قليله وكثيره الزكاة، لأن ما سقي بماء السماء إما أن يكون قليلا أو لا، فما كان قليلا فيشترط فيه النصاب
(1) النووي، شرح صحيح مسلم 7/ 49، ابن قدامة، المغني 3/ 7، البغوي، شرح السنة 5/ 501.
(2)
صحيح البخاري الزكاة (1483)، سنن النسائي الزكاة (2488)، سنن أبي داود الزكاة (1596)، سنن ابن ماجه الزكاة (1817).
(3)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري 3/ 347.
(4)
صحيح البخاري الزكاة (1483)، سنن النسائي الزكاة (2488)، سنن أبي داود الزكاة (1596)، سنن ابن ماجه الزكاة (1817).
(5)
ابن الهمام، فتح القدير 2/ 243.
وهو خمسة أوسق وما لم يكن قليلا فلا يشترط فيه النصاب فتخرج الزكاة في قليله وكثيره ذهب إلى هذا داود الظاهري (1).
الثاني: الترجيح ومقتضاه تقديم حديث: «فيما سقت السماء (2)» على حديث: «ليس فيما دون» لأن الحديث الأول عام، والثاني خاص، ودلالة العام قطعية كالخاص تماما، وإذا تعارض العام والخاص قدم الأحوط وهو الوجوب، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة فقال: في قليل ما أخرجته الأرض وكثيره العشر، لأنه لما تعارض حديث:«فيما سقت السماء (3)» .. " مع حديث الأوساق في الإيجاب فيما دون خمسة أوسق، كان الإيجاب أولى للاحتياط (4).
وعلل الطحاوي عدم اشتراط النصاب بقوله: لا يشترط أن يبلغ الخارج من الأرض خمسة أوسق حتى يزكى، والنظر الصحيح يدل على ذلك، وذلك أنا رأينا الزكوات تجب في الأموال والمواشي في مقدار منها معلوم، بعد وقت معلوم، وهو الحول، فكانت تلك الأشياء تجب بمقدار معلوم ووقت معلوم، ثم رأينا ما تخرج الأرض يؤخذ منه الزكاة في وقت ما تخرج، ولا ينتظر به وقت، فلما سقط أن يكون له وقت يجب فيه الزكاة بحلوله، سقط أن يكون له مقدار يجب الزكاة فيه ببلوغه، فكان حكم المقدار والميقات في هذا سواء
(1) ابن حجر، فتح الباري 3/ 350.
(2)
صحيح البخاري الزكاة (1483)، سنن النسائي الزكاة (2488)، سنن أبي داود الزكاة (1596)، سنن ابن ماجه الزكاة (1817).
(3)
صحيح البخاري الزكاة (1483)، سنن النسائي الزكاة (2488)، سنن أبي داود الزكاة (1596)، سنن ابن ماجه الزكاة (1817).
(4)
ابن الهمام، فتح القدير 2/ 243.