الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد تقرر عند الناس وصف الملائكة بالجمال، كما تقرر عندهم وصف الشياطين بالقبح، ولذلك تراهم يشبهون الجميل من البشر بالملك، انظر إلى ما قالته النسوة في حق يوسف الصديق عندما رأينه:{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} (1).
ونختم أنه سبحانه خصص يوما من الأيام وهو يوم الأربعاء لخلق النور، وما ذاك إلا لأهميته ومكانته، ثم إن من أعظم مخلوقاته ملائكته، الموكلين بالمهام العظام، خلقهم من نور، فكانوا أجمل ما يكون وأقوى ما يكون، وأعظم ما يكون في خلقهم
…
.
(1) سورة يوسف الآية 31
الفصل العاشر: الناس قسمان:
1 -
أهل النور
2 -
أهل الظلام
أما القسم الأول [أهل النور] ففيه قوله تعالى {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (1).
(1) سورة النور الآية 35
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق خلقه في ظلمة، وألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل (1)» .
قال ابن تيمية: ثم إن الله تعالى ضرب مثل نوره الذي في قلوب المؤمنين بالنور الذي في المصباح، وهو في نفسه نور، وهو منور لغيره، فإذا كان نوره في القلوب هو نور، وهو منور، فهو في نفسه أحق بذلك، وقد علم أن كل ما هو نور فهو منور (2).
قال ابن كثير: المشكاة: الكوة التي لا منفذ لها
…
، والمصباح: النور، وهو القرآن الذي في صدره، والمصباح في زجاجة: أي: هذا الضوء مشرق في زجاجة صافية
…
، كوكب دري: أي: مضيء مبين ضخم
…
، نور على نور: أي: نور النار ونور الزيت، وقيل: فهو يتقلب في خمسة من النور: فكلامه نور، وعمله نور، ومدخله نور، ومخرجه نور، ومصيره إلى النور يوم القيامة إلى الجنة، وقيل: نور النار ونور الزيت، حين اجتمعا أضاءا، ولا يضيء واحد بغير صاحبه
(1) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الإيمان، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، ج 5 ص 26 رقم 2642، ثم قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وقال المبارك فوري: وأخرجه أحمد والحاكم وصححه ابن حبان، في تحفة الأحوذي ج 7 ص 401.
(2)
مجموع فتاوى ابن تيمية ج 6 ص 392.
كذلك نور القرآن ونور الإيمان حين اجتمعا، فلا يكون واحد منهما إلا بصاحبه، وقوله:{يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} (1) أي: يرشد إلى هدايته من يختاره. (2).
وقال ابن القيم: فإن الناس قسمان: أهل الهدى والبصائر، الذين عرفوا أن الحق فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن الله سبحانه وتعالى، وأن كل ما عارضه فشبهات يشتبه على من قل نصيبه من العقل والسمع أمرها فيظنها شيئا له حاصل ينتفع به وهي:{كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (3){أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} (4).
وهؤلاء هم أهل الهدى ودين الحق، أصحاب العلم النافع والعمل الصالح، الذين صدقوا الرسول صلى الله عليه وسلم في أخباره ولم يعارضوها بالشبهات، وأطاعوه في أوامره، ولم يضيعوها بالشهوات، فلا
(1) سورة النور الآية 35
(2)
تفسير ابن كثير ج 6 ص 64.
(3)
سورة النور الآية 39
(4)
سورة النور الآية 40