الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة.
دقة المسلمين في جمع القرآن
وروى الِإمام أبو عمرو الداني في كتابه "المقنع" عن أبي قلابة، عن
رجل من بني تميم يقال له - فيما أحسب - أنس بن مالك رضي الله عنه قال: اختلف المعلمون في القرآن حتى اقتتلوا، وكان بينهم قتال، فبلغ ذلك إلى
عثمان رضي الله عنه فقال: أعندي تختلفون وتكذبون وتلحنون فيه يا
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.
اجتمعوا فاكتبوا للناس إماماً يجمعهم، فكانوا في المسجد فكثروا، فكانوا إذا تماروا في الآية يقولون: إنه أقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلان بن فلان وهو على رأس أميال من المدينة، فيُبْعث إليه من المدينة
فيجيء، فيقولون: كيف أقرأك رسول الله صلى الله عليه وسلم آية كذا وكذا؟. فيقول كذا وكذا. فيكتبون كما قال.
وله من رواية أخرى عن أبي قلابة قال: حدثنا من كان يكتب معهم -
قال حماد: أظنه أنس بن مالك القشيري رضي الله عنه قال: كانوا يختلفون
في الآية فيقولون: أقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلان ابن فلان، فعسى أن يكون على رأس ثلاث ليال من المدينة.
فذكره نحو ما مضى.
ولان أبي داود، وابن جرير، عن أبي قلابة قال: لما كان في خلافة
عثمان رضي الله عنه، جعل المعلم يعلم قراءة الرجل، والمعلم يعلم قراءة
الرجل، فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون، حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين.
قال أيوب: فلا أعلمه إلا قال: حتى كفر بعضهم بقراء بعض، فبلغ ذلك
عثمان رضي الله عنه، فقام خطيباً فقال: أنتم عندي تختلفون فيه
وتنحتون، فمن نأى عنى من الأمصار أشد فيه اختلافاً، وأشد بحثاً.
فاجتمعوا يا أصحاب محمد فاكتبوا للناس إماماً.
قال أبو قلابة: فحدثني مالك بن أنس قال: كنت فيمن أملي
عليهم، فربما اختلفوا في الآية، فيذكرون الرجل قد تلقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعله أن يكون غائباً، أو في بعض البوادي، فيكتبون ما قبلها وما بعدها.
ويدَعْون موضعها، حتى يجيء، أو يرسل إليهم، فلما فرغ من المصحف.
كتب عثمان رضي الله عنه إلى أهل الأمصار: إني قد صنعت كذا، وصنعت
كذا، ومحوت ما عندي فامحوا ما عندكم.
وقد ساق ابن جرير خبر أبي بكر الصديق رضي الله عنه في جمعه
المصحف، وخبر عثمان رضي الله عنه في مثل ذلك سياقاً واحداً، حسناً
شافياً، بسند رجاله رجال الصحيح، فقال:
حدثنا أحمد بن عبدة الضبي، بنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي،
عن عمارة ابن غُزِية، عن ابن شهاب، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن
أبيه زيد رضي الله عنه قال: لما قتل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمامة، دخل عمر بن الخطاب على أبي بكر، رضي الله عنهما فقال: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمامة، تهافتوا تهافُتَ الفراش في النار، وإني أخشى أن لا يشهدوا موطناً إلا فعلوا ذلك، حتى يُقْتَلُوا وهم حملة القرآن، فيضيع القرآن وُينسى، فلو جمعته وكتبته؟. فنفر منها أبو بكر رضي الله عنه وقال: أفعل ما لم يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.
فتراجعا في ذلك، ثم أرسل أبو بكر رضي الله عنه إلى زيد بن ثابت
رضي الله عنه.
قال زيد: فدخلت عليه، وعمر رضي الله عنه عنده، فقال أبو بكر:
إن هذا قد دعاني إلى أمر فأبَيْتُ عليه، وأنت كاتب الوحي، فإن تكن معه
أوافقكما، وإن توافقتي لا أفعل.
قال: فاقتص أبو بكر قول عمر، وعمر ساكت، فنفرت من ذلك
فقلت: أنفعل ما لم يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. إلى أن قال عمر كلمة: وما عليكما لوفعلتما؟.
قال: فذهبنا ننظر، فقلنا: لا شيء، والله ما علينا في ذلك شيء.
قال زيد: فأمرني أبو بكر فكتبته في قِطَع الأُدُم، وكسِرَ الأكتاف.
والعُسُب فلما هلك أبو بكر وكان عمر، كتب ذلك في صحيفة واحدة،
فكانت عنده، فلما هلك كانت الصحيفة عند حفصة زوجِ النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قدم من غزوة غزاها بمرْج أرمينية، فلم يدخل بيته، حتى أتى عثمان ابن عفان رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين
أدرك الناس، قال عثمان: وما ذاك؟. قال: غزوت مَرْج أرمينية، فحضرها أهل العراق وأهل الشام فإذا أهل الشام يقرأون بقراءة أبيِّ بن كعب رضي الله عنه، فيأتون بما لم يسمع أهل العراق، فيكفرهم أهل العراق، وإذا أهل العراق يقرأون بقراءة ابن مسعود رضي الله عنه، فيأتون بما لم يسمع به أهل الشام، فيكفرهم أهل الشام، قال زيد رضي الله عنه: فأمرني عثمان بن
عفان رضي الله عنه أن أكتب له مصحفاً وقال: إني مدخل معك رجلًا لبيباً
فصيحاً، فما اجتمعتما عليه فاكتباه، وما اختلفتما فيه فارفعاه إليَّ، فجعل معه أبان بن سعيد بن العاص.
قال: فلما بلغنا (إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ) .
قال زيد: فقلت: "التابوه " وقال أبان: "التَّابُوتُ" فرفعنا ذلك إلى عثمان، فكتِبَت "التَّابُوتُ".
قال: فلما فرغت عرضته (عرضة) . فلم أجد فيه هذه الآية: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) .
فاستعرضت المهاجرين أسألهم فلم أجدها عند أحد منهم.
ثم استعرضت الأنصار أسألهم فلم أجدها عند أحد منهم، حتى وجدتها عند
خزيمة بن ثابت فكتبتها، ثم عرضته عرضة أخرى، فلم أجد فيه هاتين
الآيتين (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) .
فاستعرضت المهاجرين فلم أجدها عند أحد منهم، ثم استعرضت
الأنصار أسألهم (عنها) فلم أجدها عند أحد منهم، حتى وجدتها مع رجل
آخر - أيضاً - يدعى خزيمة، فأثبتها في آخر براءة، ولو تمت ثلاث آيات
لجعلتها سورة على حدة.
ثم عرضته عريضة أخرى، فلم أجد فيه شيئاً، ثم أرسل عثمان إلى
حفصة رضي الله عنها يسألها أن تعطيه الصحيفة، وحلف لها ليردنها إليها.
فأعطته إياها فعرض المصحف عليها، فلم يختلفا في شيء، فردها إليها
وطابت نفسه، وأمر الناس أن يكتبوا مصاحف، فلما ماتت حفصة رضي الله
عنها، أرسل إلى عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيفة بعزمة.
فأعطاهم إياها، فغسلت غسلاً.
وقوله: "لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لعله يعني: كاملًا وإلا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينزل عليه شيء، سواء كان آية، أو بعض آية، أو آيات، أو سورة كاملة إلا دعى كُتَّاب الوحي فيكتبونها، أو من يكتبها منهم.
وقد روى الإِمام أحمد، والبيهقي رضي الله عنه في كتاب "المدخل "
والدلائل عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: كنا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلِّف القرآن من الرقاع، إذ قال: طوبى للشام، فقيل: ولم؟. قال: إن ملائكة الرحمة باسطوا أجنحتها عليهم.
قال أبو شامة: ثم قال - يعني البيهقي -: وهذا يشبه أن يكون أراد به
تأليف ما أنزل من الآيات المتفرقة في سورها، وجمعها فيها بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كانت مثبتة في الصدور، مكتوبة في الرقاع واللخاف، والعسب، فجمعها منها في مصحف بإشارة أبي بكر وعمر، ثم نسخ ما جمعه في الصحف في مصاحف بإشارة عثمان بن عفان رضي الله عنه، على ما رسم المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وأخرج هذا الحديث الحاكم في المستدرك، وقال صحيح على شرط
الشيخين ولم يخرجاه.
قال: وفيه البيان الواضح: أن جمع القرآن لم يكن مرة واحدة، فقد
جمع بعضه بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جمع بحضرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
والجمع الثالث، وهو ترتيب السور، كان في خلافة أمير المؤمنين
عثمان، رضي الله عنهم أجمعين.
قال أبو شامة: وخزيمة هذا - يعني صاحب آية الأحزاب - غير أبي خزيمة
الذي وجد معه آخر براءة.
ذاك أبو خزيمة بن أوس بن زيد، من بني النجار، شهد بدراً، وما
بعدها وتوفي في خلافة عثمان رضي الله عنه.
وهذا خزيمة بن ثابت بن الفاكه، من الأوس، شهد أحُداً وما بعدها، وقتل يوم صفين. وقيل غير ذلك.
قال ابن جرير: فإن قيل: فما بال الأحرف الستة غير موجودة، أنسخت
فرفعت بعد ما أنزلها الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم، وأقرأها صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم، أم نسيتها الأمة، فذلك تضييع لما أُمِرَتْ بحفظه؟.
قيل: لم تنسخ فترفع، ولا ضيعتها الأمة، وهي مأمورة بحفظها، ولكنها
أمرت بحفظ القرآن وخُيِّرت في قراءته وحفظه بأي تلك الأحرف السبعة
شاءت، كما أمرت إذا هي حنثت في يمين وهي موسرة - أن تكفر بأي
الكفارات الثلاث شاءت: إما بعتق، أو إطعام، أو كسوة.
فلو اجتمع جميعها على التكفير بأي الكفارات الثلاث شاء المكفر.
كانت مصيبة حكم الله: مؤدية في ذلك الواجب عليها من حق الله.
فكذلك (الأمة) أمرت بحفظ القرآن، وخيرت في قراءته بأي
الأحرف السبعة شاءت، فرأت علة من العلل أوجبت عليها الثبات على
حرف واحد، ورفض القراءة بالستة الباقية، ولم يحظر على أحد قراءته بجميع
حروفه، على ما أذن له فيه.
وروى أبو عمرو الداني عن عامر قال: (قال صعصعة) : استخلف الله
أبا بكر رضي الله عنه، فأقام المصحف.
وعن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر رضي الله عنه أول من
جمع القرآن في المصحف حين قتل أهل اليمامة وعثمان رضي الله عنه الذي
جمع المصاحف على مصحف واحد.
وروى أبو عبيد في الفضائل عن المطلب بن زياد عن السدي، عن عبد
خير قال: أول من جمع القرآن بين اللوحين أبو بكر.