الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَعْرِفَةُ مَنْ تُقْبَلُ رُوَايَتُهُ وَمَنْ تُرَدُّ
قوله:
257 -
أَجْمَعَ جُمْهُورُ أَئِمَّةِ الأَثَرْ
…
وَالْفِقْهِ فِي قَبُوْلِ نَاقِلِ الْخَبَرْ [58 - أ]
258 -
بِأنْ يَكُوْنَ ضَابِطاً مُعَدَّلَا
…
أيْ: يَقِظاً، وَلَمْ يَكُنْ مُغَفَّلَا
259 -
يَحْفَظُ إنْ حَدَّثَ حِفْظاً، يَحْوِيْ
…
كِتَابَهُ إِنْ كَانَ مِنْهُ يَرْوِيْ
260 -
يَعْلَمُ مَا فِي الَّلَفْظِ مِنْ إحِالَهْ
…
إنْ يَرْوِ بالْمَعْنَى، وَفِي الْعَدَالَهْ
261 -
بِأنْ يَكُوْنَ مُسْلِماً ذَا عَقْلِ
…
قَدْ بَلَغَ الْحُلْمَ سَلِيْمَ الفِعْل
262 -
مِنْ فِسْقٍ اوْ خَرْمِ مُرُوْءَةٍ وَمَنْ
…
زَكَّاهُ عَدلَانِ، فَعَدْلٌ مُؤْتًمَنْ
263 -
وَصَحَّحَ اكْتِفَاؤُهُمْ بِالْوَاحِدِ
…
جَرْحَاً وَتَعْدِيْلاً خِلَافَ الشَّاهِد
الشرح: هذا الطرف يتضمن الكلام في الإسناد، وما يتعلق به، والكلام فيه، في أنواعٍ استوفاها (ن)، فالنوع الأول فيه فصول:
الأول: أجمع جماهير أهل العلم بالحديث والفقه والأصول على أنه يُشْتَرَط فيمن يُحتج بحديثه العدالة والضبط.
فقوله «معدلاً» بفتح الدال.
وقوله: «يقظاً» راعى تقديم الضبط في نظمه على العدالة، فَقَدَّمَ شروطه على شروط العدالة، فالضبط أن يكون متيقظاً، حافظاً إن حدث من حفظه،
ضابطاً لكتابه إن حدث منه، عارفاً بما يُحيل المعنى إن رَوَى به.
وقد نَصَّ الشافعيُّ رضي الله عنه على اعتبار هذه الأوصاف فيمن يُحتج بخبره في «الرسالة» التي أرسل بها إلى عبد الرحمن بن مهدي.
فقوله: «أي يقظاً» هو بفتح الياء المثناة تحت، وضم القاف وكسرها لغتان، وبعده ظاء مُشَالة.
وقوله: [58 - ب]«ولم يكن مغفلاً» زيادة في البيان، وتقدم اشتراط ذلك في الشاهد في المذهب عندنا.
وقوله: «يحوي كتابه» أي: يحتوي عليه.
وقوله: «من إحالة» بكسر الهمزة، من أَحَال يُحيل إحالةً.
و «مِن» لبيان الإبهام في «ما» مِنْ قوله: «ما في اللفظ» .
وقوله: «إن يَرْوِ» بفتح أوله (1) مجزومٌ بـ «إن» وجملة «يعلم» دليل على جواب «إن» ، لا جواب «إن» على الصحيح.
وقوله: «وفي العدالة» (خ) إشارة إلى شروط العدالة، وهي خمسة: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والسلامة من الفِسق، وخُرم المروءة.
والفسق: ارتكاب كبيرة أو إصرارٌ على صغيرة.
وقوله: «ومن زَكَّاهُ» (خ) هذا الفصل الثاني من فصول النوع الأول، وهو بيان ما تثبُت به العدالة، فَتُعْرَف العدالة بتنصيص عدلَيْن عليها كما في الشهادة.
(1) أي: أول يَرْو.
وقوله: «وصَحَّح» (خ) هذا الفصل الثالث من فصول النوع الأول، وهو أنه هل يثبت الجرح والتعديل في الرواية بقول واحدٍ أو لا إلا باثنيين كما في الجرح والتعديل في الشهادة؟ قولان، والصحيح يثبت بالواحد.
قوله: «بالواحد» ، يعني العَدْل، فتدخل المرأة العدل، والعبد العدل وفي تعديل المرأة خلاف فأكثر الفقهاء فيما حكاه القاضي أبو بكر من علمائنا من أهل المدينة وغيرهم أنها لا تُعَدِّل مطلقاً لا في الرواية ولا في الشهادة.
واختار القاضي أنه يُقبل مطلقاً فيهما إلا في الحكم الذي لا تقبل شهادتها فيه [59 - أ]. وإن كان الإمام في «المحصول» أطلق القول بتزكيتها من غير تقييد بما نصه القاضي.
وفي تزكية العبد خلاف أيضاً.
قال الخطيب: والأصل في هذا الباب سؤال النبي صلى الله عليه وسلم بَرِيرة في قصة الإفك عن حال عائشة وجوابها رضي الله عنها.
وقوله:
264 -
وَصَحَّحُوا استِغْنَاءَ ذِي الشُّهْرَةِ عَنْ
…
تَزكِيَةٍ، كـ (مَالكٍ) نَجْمِ السُّنَنْ
265 -
و (لابنِ عَبْدِ البَرِّ) كُلُّ مَنْ عُنِي
…
بِحَمْلِهِ العِلْمَ وَلَمْ يُوَهَّن
266 -
فَإنَّهُ عَدْلٌ بِقَوْلِ المُصْطَفَى
…
(يَحْمِلُ هَذَا العِلْمَ) لكِنْ خُوْلِفَا
الشرح: يعني أن العدالة تُعْرَفُ أيضاً بالاستفاضة فيمن اشتهرت عدالته بين أهل النقل أو غيرهم من العلماء، أو شاع الثناء عليه بها، فإنه يُستغنى فيه بذلك عن بينة شاهدٍ بعدالته تنصيصاً.
قال ابن الصلاح: وهذا هو الصحيح في مذهب الشافعي رضي الله عنه، وعليه الاعتماد في أصول الفقه.
وقوله: «كمالكٍ» رضي الله عنه (خ)، يعني: مثل مالكٍ، وكذا شعبة، والسفيانان، والليث، والأوزاعي، وابن المبارك، وأحمد، ومن هو في ضَرْبهم رضي الله عنهم.
وقوله: «نجم السنن» هكذا قال الشافعي: «إذا ذُكِر الأثر فمالكٌ النجم» .
وقوله: «ولابن عبد البر» (خ) يعني: أن ابن عبد البر، وهو أبو عُمر حافظ المغرب. قال: كل حامل علم، معروف بالعناية [به](1) محمولٌ على العدالة أبداً حتى يتبين جرحه، واسْتَدَلَّ [59 - ب] على ذلك بحديث أورده العقيلي في «الضعفاء» في ترجمة مُعَان بن رِفَاعة وقال: لا يُعْرَف إلا به. والحديث من رواية مُعَان السلامي، عن إبراهيم عن عبد الرحمن العُذْري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين» ووقع في كتاب «العلل» للخلال أن الإمام أحمد سئل عن هذا الحديث فقيل له: كأنه كلام موضوع. فقال: لا هو صحيح. فقيل له: ممن سمعته؟ قال: من غير واحد قيل له: من هم؟ قال: حدثني به مسكين، إلا أنه يقول عن مُعانٍ. قال أحمد: ومعان لا بأس به. ووثقه أيضاً ابن المديني، وفيه بحث يطول.
وقوله: «لكن خولفا» يعني ابن عبد البر خولف في اختياره هذا، وفي
(1) زيادة من المصدر.
استدلاله بالحديث. أما اختياره وإن وافقه عليه من المتأخرين أبو عبد الله بن الموَّاق بفتح الميم، وتشديد الواو، وبعده ألف، فقاف، كذا تلقنته من (ن) رحمه الله تعالى في قراءتي عليه هذا الموطن من «النكت له على ابن الصلاح» ، فإنه أعني ابن المواق نص في كتابه «بغية النقاد» على أن أهل العلم محمولون على العدالة حتى يظهر منهم خلاف ذلك.
قال ابن الصلاح: وفيما قاله يعني ابن عبد البر اتساع غير مرضي، وأما استدلاله بالحديث فلا يصح من وجهين:
أحدهما [60 - أ]: إرساله وضعفه. والثاني: أن الاستدلال به موقوف على أن لو كان خبراً، ولا يصح حمله على الخبر لوجود من يحمل العلم وهو غير عدل وغير ثقة، فلم يبق له محمل، إلا على الأمر أي إنه أُمِرَ الثقات بحمل العلم، قالوا: ويدل على ذلك وقوعه في بعض طرق ابن أبي حاتم «ليحمل هذا العلم» بلام الأمر.
قلت: إن صحت هذه فظاهرٌ ما قالوا، وذكر التخلف (1) في كلام الصادق لا يصح لأنه صلى الله عليه وسلم قصد المظنة، فاعرفه، والله تعالى أعلم.
وقوله:
267 -
وَمَنْ يُوَافِقْ غَالِباً ذا الضَّبْطِ
…
فَضَابِطٌ، أوْ نَادِراً فَمُخْطِيْ
الشرح: يعني أن الذي يُعرف به ضبط الراوي أن يُعتبر حديثَه بحديث الثقات
(1) كذا.
الضابطين، فإن وافقهم في رواياتهم لفظاً أو معنىً ولو غالباً أثبتنا (ح)(1) ضبطه، وإن غَلَبَ على حديثه المخالفة لهم وإن وافقهم فنادر، أثبتنا (ح) خطأه وعدم ضبطه والاحتجاج بحديثه.
وقوله:
268 -
وَصَحَّحُوا قَبُوْلَ تَعْدِيْلٍ بِلَا
…
ذِكْرٍ لأسْبَابٍ لَهُ، أنْ تَثْقُلَا
269 -
وَلَمْ يَرَوْ قَبُوْلَ جَرْحٍ أُبْهِمَا؛
…
لِلْخُلْفِ في أسبَابِهِ، وَرُبَّمَا
270 -
اسْتُفْسِرَ الجَرْحُ فَلَمْ يَقْدَحْ، كَمَا
…
فَسَّرَهُ (شُعْبَةُ) بِالرَّكْضِ، فَمَا
271 -
هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ حُفَّاظُ الأثَرْ
…
كـ (شَيْخَيِ الصَّحِيْحِ) مَعْ أهْلِ النَّظَرْ [60 - ب]
الشرح: هذا الفصل الرابع من فصول النوع الأول، وهو أنه يُقبل التعديل من غير ذكر سَبب؛ لأن أسبابه كثيرة فَثَقُل وشَقَّ ذكرُها؛ لأنه يُحْوِجُ أن يقول: ليس يفعل كذا، ولا كذا، عادًّا ما يجب تركه، ويفعل كذا، عادَّا ما يجب عليه فعله.
وقوله: «أن تثقُلا» هو بفتح الهمزة، وتخفيف النون، مصدرية منصوب على العلة، أي: لأجل الثقل.
وقوله: «ولم يروا» (خ) يعني: أن الجرح لا يُقبل إلا مفسراً؛ لاختلاف الناس في موجبه، فربما يُطْلِقُ أحدُهم الجرح على معتقده، وليس كذلك في نفس
(1) أي: حينئذ.
الأمر، فالبيان برفع ذلك حتى يظهر أهو قادح أم لا، وهذا هو المختار في التعديل والجرح.
وقوله: «وربما» (خ) يعني: أن الدليل على أن الجرح لا يقبل غير مفسر أنه ربما اسْتُفْسِر الجارح فذكر ما ليس بجرح.
وروى الخطيب بإسناده إلى محمد بن جعفر المدائني قال: قيل لشعبة لم تركت حديث فلانٍ؟ قال: رأيته يركض على بِرْذَون، فتركت حديثه.
قلت: ويقرب من ذلك أن النسائي جَرَحَ أحمد بن صالح المصري، فأخذ الناس عليه ذلك، فقال ابن يونس: لم يكن أحمد عندنا كما قال النسائي، لم يكن له آفة غير الكِبْر، وتكلم فيه ابن معين فيما رواه معاوية بن صالح عنه، وفي كلامه ما [61 - أ] يشير إلى الكبر، فقال: كذابٌ يتفلسف، رأيته يَخْطر في جامع مصر فنسبته إلى الفلسفة، وأنه يخطر في مشيته انتهى.
وقوله: «فما» (خ) يعني فماذا يلزم من ركضه على برذون.
وحكى ابن أبي حاتم عن أبيه أن السماع يكره ممن يقرأ بالألحان.
قلت: وقد نص الإمام مالك رضي الله عنه في «المدونة» على أن القراءة في الصلاة بالألحان والترجيع تَرُدُّ الشهادة انتهى.
وقوله: «هذا» (خ) يعني أن هذه المسألة في ذكر سبب التجريح والتعديل انتهى الخلاف فيها إلى أقوالٍ أربعة، والقول الأول وهو المذكور هو الذي عليه حفاظ الأثر، ويستحق أن يُصَحَّح، وهو الذي نص عليه الشافعي رضي الله عنه وصَوَّبَهُ الخطيب، وصَحَّحَهُ: أن الجرح لا يُقْبَل إلا مفسراً.
قال ابن الصلاح: وهو ظاهر مُقَرَّر في الفقه وأصوله.
وقوله:
272 -
فَإنْ يُقَلْ: (قَلَّ بَيَانُ مَنْ جَرَحْ)
…
كَذَا إذَا قَالُوا: (لِمَتْنٍ لَمْ يَصِحْ)
273 -
وَأبْهَمُوا، فَالشَّيْخُ قَدْ أجَابَا
…
أنْ يَجِبَ الوَقْفُ إذا اسْتَرَابا
274 -
حَتَّى يُبِيْنَ بَحْثُهُ قَبُوْلَهْ
…
كَمَنْ أُوْلُو الصَّحِيْحِ خَرَّجُوا لَهْ
275 -
فَفي (البُخَارِيِّ) احتِجَاجاً (عِكْرِمَه)
…
مَعَ (ابْنِ مَرْزُوْقٍ)، وَغَيْرِ تَرْجُمَهْ
276 -
وَاحْتَجَّ (مُسْلِمٌ) بِمَنْ قَدْ ضُعِّفَا
…
نَحْوَ (سُوَيْدٍ) إذْ بِجَرْحٍ مَا اكتَفَى [61 - ب]
277 -
قُلْتُ: وَقَدْ قَالَ (أبُو المَعَاليْ)
…
واخْتَارَهُ تِلْمِيْذُهُ (الغَزَاليْ)
278 -
و (ابْنُ الخَطِيْبِ) الْحَقُّ أنْ يُحْكَمْ بِمَا
…
أطْلَقَهُ العَالِمْ بِأسْبَابِهِمَا
الشرح: لما قَرَّرَ أن الجرح لا يُقْبَل إلا مُفَسَّراً، وكذلك الحديث الضعيف، أورد على ذلك سؤالاً سأله ابن الصلاح مُلَخَّصُهُ أن يُقال: وجدنا اعتماد الناس في جرح الرواة ورد حديثهم على كتب الجرح والتعديل، وقَلَّ أن يتعرضوا فيها لبيان السبب، بل يقتصرون على قولهم:«فلانٌ ضعيف» ، «ليس بشيء» ، ونحو ذلك، أو:«هذا حديث ضعيف» ، أو «غير ثابت» ، ونحوه، فاشتراط بيان السبب مفضٍ إلى التعطيل، وسَدِّ باب الجرح غالباً كثيراً (1).
وقوله: «فالشيخ» (خ) يعني: أن ابن الصلاح أجاب عن ذلك، ملخصه بأنا
(1) كذا، وعبارة ابن الصلاح: في الأغلب الأكثر.
وإن [لم](1) نعتمد ذلك في إثبات الجرح والحكم به، فقد اعتمدناه في أن يُوقِفَنَا عن قَبول حديث من قالوا فيه مثل ذلك، بناءً على إيقاع ريبة عندنا فيهم قوية، يجب في مثلها التوقف.
وقوله: «حتى يبين بحثه» (خ) يعني: أنا نقف حتى تنزاح عنه الريبة بالبحث عن حاله فيظهر البحث عنه قبولَه والثقةَ بعدالته.
فقوله: «حتى يُبين» (خ) هو بضم أوله، من «أَبَان» رباعياً، بمعنى يظهر. و «بحثُه» مرفوع على الفاعل ليُبين. و «قبوله» منصوب به على المفعول.
وقوله «كمن» (خ) يعني أن الخطيب لما نقل عن أئمة [62 - أ] الحديث أن الجرح لا يُقبل إلا مفسراً، قال: إن (خ)(2) احتج بجماعة سبق من غيره الطعن فيهم والجرح لهم، كعكرمة مولى ابن عباس في التابعين.
قلت: لكن روى له البخاري قليلاً مقروناً بغيره، وأعرض عنه مالك إلا في حديث أو حديثين.
وقوله: «ففي البخاري» (خ) قلت: «احتجاجاً» منصوب على التفسير.
و «عكرمة» وما بعده خبرٌ عن قوله «ففي البخاري» .
و «عِكرمة» بكسر العين، وإسكان الكاف، وبعده راء مكسورة، فميم، فهاء تأنيث.
(1) زيادة من المصدر.
(2)
أي: البخاري.
هو أبو عبد الله مولى عبد الله بن عباس الهاشمي المدني، سمع: ابن عباس، والخدري، وأبا هريرة، وابن عمروٍ، وابن عمر، وعائشة، وتُكِلِّم فيه لرأيه لا لحفظه، فاتُّهِمَ برأي الخوارج، ووثَّقَهُ جماعة، ومما أُنكر عليه ما حدثه حماد بن زيد في آخر يوم مات فيه فقال: أحدثكم بحديث لم أحدث به قط؛ لأني أكره أن ألقى الله تعالى ولم أحدث به: سمعت أيوب يحدث عن عكرمة قال: «إنما أنزل الله متشابه القرآن ليضل به» .
قال الذهبي في «الميزان» : ما أسوأها عبارة، وأخبثها، بل أنزله ليهدي به، وليضل به الفاسقين. انتهى.
وقول بعض المفسرين في قوله: {لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة:168]، نقلاً عنه بسنده أنه سُئل عن رجل قال لغلامه: إن لم أجلدك مائة سوط فامرأته طالق. قال: لا يجلد غلامه، ولا تَطْلُق امرأته، هذه من خطوات الشيطان. انتهى [62 - ب].
و «ابن مرزوق» هو عمرو الباهلي البصري، يروي عن عكرمة بن (1) عمارٍ، وشعبة. وروى عنه (خ)(2) لكن مقروناً بآخر، و (د)(3) والجمَحي أبو خليفة (4) وعدة.
(1) في الأصل: ثم. خطأ.
(2)
أي: البخاري.
(3)
أي: أبو داود.
(4)
اسمه: الفضل بن الحباب.
قال القواريري: كان يحيى القطان لا يرضاه في الحديث.
وقال ابن حرب: جاء بما ليس عندهم فحسدوه.
وعن ابن المديني: اتركوا حديث العَمْرين: عمرو بن مرزوق، وعمرو بن حكام. ووثقه أبو حاتم، والإمام أحمد.
كان يحضر مجلسه عشرة آلاف رجلٍ، وأحصن ألفَ امرأة أو أكثر، لما سئل أتزوجت ألف امرأة؟ فقال: أو أكثر.
وأما عمرو بن مرزوق الواشحي فشيخ صدوق، لا مَطْعَنَ فيه، قد روى عنه الحَوْضي ومسلم، فكان حق شيخنا (ن) التنبيه عليه، فاعرفه. انتهى.
وقوله: «وغيرِ ترجمة» .قلت: هو بجر «غير» عطفاً على المجرور بمع، والتقدير مع ابن مرزوق ومع جماعة أُخر لم تحطهم هنا ترجمة.
والترجمة: بفتح الجيم، مصدرية، ترجم كلامه إذا فسره بلسان آخر، ومنه الترجمان بفتح التاء، وضمها.
وقوله: «واحتج» (خ) يعني: وهكذا قول مسلم فإنه احتجَّ بسويد بن سعيدٍ، وجماعةٍ غيرهم، اشتهر عمن ينظر في حال الرواة الطعن عليهم، وقد سلك أبو داود هذه الطريقة وغير واحدٍ ممن بعده.
قلت: «وسويد» هذا هو: ابن سعيد، أبو محمد الهروي الأنباري. روى عنه البغوي [63 - أ] وخلق، كان صاحب حديث وحفظ؛ إلا أنه عُمِّرَ وعَمِى فربما لُقِّن ما ليس من حديثه، وهو صادق في نفسه. وأما ابن معين فكذبه، وسَبَّهُ لما ذُكِرَ له حديثه فيمن عشق وعَفَّ وكتم، وقال: لو كان لي فرسٌ
ورمح لغزوت سويداً. انتهى.
وأما سويد بن سعيد الدقاق فلا يكاد يُعْرَف، فكان حق شيخنا (ن) التنبيه عليه انتهى.
وقوله: «بجرح» يعني: بمطلق جرح؛ لأن سويداً صدوقٌ في نفسه، كما نص عليه أبو حاتم وغيره، وقد ضعفه البخاري فقال: حديثه منكرٌ. والنسائي فقال: ضعيف. ولم يفسر الجرح، وإنما روى مسلم عن سويد لطلب العلو مهما صح عنده بنزول، ولم يخرِّج عنه ما تفرد به.
قال إبراهيم بن أبي طالب: قلت لمسلمٍ: كيف استجزت الرواية عن سويد في الصحيح؟ قال: ومن أين كنت آتي بنسخة حفص بن ميسرة؟ لأن مسلماً لم يرو عن أحد ممن سمع من حفص في الصحيح إلا عن سويد فقط.
وقوله «قلت» : هذا من الزوائد على ابن الصلاح، وهو الرد على السؤال الذي ذكره؛ لأن إمام الحرمين نص في «البرهان» على أن الحق أن المزكِّي إن كان عالماً بأسباب الجرح والتعديل كفانا إطلاقه، وإلا فلا، واختاره الغزالي، والإمام فخر الدين الرازي.
قوله: «تلميذه» [63 - ب]. قلت: هو بالذال المعجمة، أدخله الجواليقي في «المُعَرَّب» وذكر أنه غلام الصَّاغة.
وقوله: «وابن الخطيب» هو الإمام فخر الدين الرازي.
وقوله:
279 -
وَقَدَّمُوا الجَرْحَ، وَقِيْلَ: إنْ ظَهَرْ
…
مَنْ عَدَّلَ الأكْثَرَ فَهْوَ المُعْتَبَرْ
الشرح: هذا فصل خامس من الفصول للنوع الأول، وهو أن يجتمع في شخص جرح وتعديل، فالجرح مُقَدَّم لزيادة العلم، ولو كان المعدِّلون أكثر، ونقله الخطيب عن جمهور العلماء، وصححه ابن الصلاح، والأصوليون كالإمام فخر الدين والآمدي.
وقوله: «وقيل» (خ) هذا قول آخر في المسألة، وهو إن كان عدد المعدِّلين أكثر ورُجِّحَ التعديل، حكاه الخطيب في «الكفاية» ، والإمام في «المحصول» .
وفي المسألة قول ثالث حكاه ابن الحاجب وأهمله (ن) لما كان كلام الخطيب يقتضي نفيه لقوله: اتفق أهل العلم على أن من جرحه الواحد والاثنان وعدَّله مثل عدد من جرحه فإن الجرح به أولى. فأنت ترى في هذه الصورة حكاية الإجماع على تقديم الجرح، خلاف ما حكاه ابن الحاجب (1).
وقوله: «الأكثر» هو بالنصب على الحال وعرف كما قرئ شذوذاً {لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون:8] على أن «يخرج» ثلاثي قاصرٍ، و «الأذل» حال.
وقوله:
280 -
وَمُبْهَمُ التَّعْدِيْلِ لَيْسَ يَكْتَفِيْ
…
بِهِ (الخَطِيْبُ) والفَقِيْهُ (الصَّيْرَفِيْ)
الشرح: هذا الفصل السادس من فصول النوع الأول، وهو أن [64 - أ]
(1) الذي حكاه ابن الحاجب هو أنه «يتعارض الجرح والتعديل فلا يرجح أحدهما إلا بمرجح» .
التعديل على الإبهام من غير تسمية المعدَّل لا يُكتفَى به في التوثيق، فلو قال:«حدثني الثقة» لم يكفِ، وبذلك قطع الخطيب والصَّيرفي أبو بكر، وأبو نصر بن الصباغ من الشافعية، وغيرهم، وهو الصحيح.
وقوله:
281 -
وَقِيْلَ: يَكْفِي، نَحْوُ أنْ يُقالا:
…
حَدَّثَنِي الثِّقَةُ، بَلْ لَوْ قَالَا:
282 -
جَمِيْعُ أشْيَاخِي ثِقَاتٌ لَوْ لَمْ
…
أُسَمِّ، لَا يُقْبَلُ مَنْ قَدْ أَبْهَمْ
الشرح: في التعديل على الإبهام قولان آخران أحدهما: أنه يُقْبَل مطلقاً كما لو عينه لأنه مأمون في الحالتين وحكاه في «العدة» عن أبي حنيفة رضي الله عنه، وهو ماش على قول من يحتج بالمرسل وأولى بالقبول.
وقوله: «بل» (خ) يعني أن الخطيب زاد على القول الأول بأن قال: لو صَرَّح بأن جميع شيوخه ثقات ثم روى عَمَّن لم يُسَمِّه أنَّا لا نعمل بتزكيته له، نعم لو قال العالم: كل من أروي لكم عنه وأسميه فهو عَدْل رَضِيٌّ مقبول، كان تعديلاً لكل من روى عنه وسماه، جزم بذلك الخطيب، وقال: سلك هذه الطريقة عبد الرحمن بن مهدي. قال البيهقي: ومالك بن أنس رضي الله عنه، وقد روى عن عبد الكريم بن أبي المخارق لخفاء حاله عليه.
وقوله:
283 -
وَبَعْضُ مَنْ حَقَّقَ لَمْ يَرُدَّهُ
…
مِنْ عَالِمٍ في حَقِّ مَنْ قَلَّدَهُ
الشرح: هذا القول الثالث في التعديل على الإبهام، وحكاه ابن [64 - ب] الصلاح عن اختيار بعض المحققين، وهو أنه إن كان القائل «حدثني الثقة»
عالماً أجزأ ذلك في حق من يوافقه في مذهبه، كقول مالك:«أخبرني الثقة» ، وقول الشافعي ذلك في مواضع، وحدثني (1) بعض العلماء ما أبهما من ذلك باعتبار شيوخهما.
فحيث قال مالك: حدثني الثقة -عنده- عن بكير بن عبد الله بن الأشج، فالثقة مخرمة بن بكير. وحيث قال: عن الثقة عن عمرو بن شعيب، فقيل الثقة عبد الله بن وهب، وقيل الزهري. هكذا نص أبو عمر.
وإذا قال الشافعي في كتبه: أخبرنا الثقة عن ابن أبي ذئب، فهو ابن أبي فديك.
وإذا قال: أخبرنا الثقة عن الليث بن سعد، فهو يحيى بن حسان.
وإذا قال: أخبرنا الثقة عن ابن جريج فهو مسلم بن خالد.
وإذا قال: أخبرنا الثقة عن صالح مولى التوأمة، فهو إبراهيم بن يحيى، نَصَّ على ذلك محمد بن الحسين الأبري السجستاني في «فضائل الشافعي» رضي الله عنه.
وقوله:
284 -
وَلَمْ يَرَوْا فُتْيَاهُ أوْ عَمَلَهُ
…
-عَلَى وِفَاقِ المَتْنِ- تَصْحِيْحَاً لَهُ
285 -
وَلَيْسَ تَعْدِيلاً عَلَى الصَّحِيْحِ
…
رِوَايَةُ العَدْلِ عَلَى التَّصْرِيْح
(1) كذا، ويظهر لي أن صوابها:«حدد» وعبارة الناظم في شرحه (1/ 348): وقد بين بعض العلماء بعض ما أبهما
…
الشرح: يعني أنه ليس عمل العالم أو فتياه على وِفق حديث حُكماً بصحته، ولا مخالفته له جرحاً فيه أو في راويه.
وقوله: «وليس» (خ) يعني أن العدل إذا روى عن شيخ بصريح اسمه فهل [65 - أ] هو تعديل أم لا فيه أقوال ثلاثة:
أحدها: ليس بتعديل، وهو الصحيح الذي عليه أكثر العلماء من المحدثين وغيرهم لجواز روايته عن غير عدلٍ.
والثاني: أنه تعديل مطلقاً حكاه الخطيب وغيره، وحكاه الصيرفي بأن الرواية تعريفٌ له، والعدالة بالخبرة. وأجاب الخطيب بأنه قد لا يَعْلم عدالته ولا جرحه.
والقول الثالث: إن كان لا يروي إلا عن عدلٍ كانت روايته تعديلاً وإلا فلا، واختاره السيف الآمدي، وابن الحاجب، وغيرهما.
قلت: وكذلك إذا حَكَمَ بشهادته حاكمٌ يَشْتَرِطُ العدالةَ في الشهادة فهو تعديل له، انتهى.
وقوله:
286 -
وَاخْتَلَفُوا: هَلْ يُقْبَلُ المَجْهُوْلُ؟
…
وَهْوَ -عَلَى ثَلَاثَةٍ- مَجْعُوْلُ
287 -
مَجْهُوْلُ عَيْنٍ: مَنْ لَهُ رَاوٍ فَقَطْ
…
وَرَدَّهُ الاكْثَرُ، وَالقِسْمُ الوَسَطْ:
288 -
مَجْهُوْلُ حَالٍ بَاطِنٍ وَظَاهِرِ
…
وَحُكْمُهُ: الرَّدُّ لَدَى الجَمَاهِرِ،
289 -
وَالثَّالِثُ: المَجْهُولُ لِلعَدالَهْ
…
في بَاطِنٍ فَقَطْ. فَقَدْ رَأَى لَهْ
290 -
حُجِّيَّةً -في الحُكْمِ-بَعْضُ مَنْ مَنَعْ
…
مَا قَبْلَهُ، مِنْهُمْ (سُلَيْمٌ) فَقَطَعْ
291 -
بِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ: إنَّ العَمَلا
…
يُشْبِهُ أنَّهُ عَلَى ذَا جُعِلا
292 -
في كُتُبٍ منَ الحَدِيْثِ اشْتَهَرَتْ
…
خِبْرَةُ بَعْضِ مَنْ بِهَا تَعَذَّرَتْ
293 -
في بَاطِنِ الأمْرِ، وبَعْضٌ يَشْهَرُ
…
ذَا القِسْمَ مَسْتُوْرَاً، وَفِيْهِ نَظَرُ
الشرح: هذا الفصل السابع من فصول النوع الأول وهو رواية المجهول هل تقبل أم لا؟
وقوله: «وهو» (خ) يعني أن المجهول [65 - ب] أقسامه ثلاثة: مجهول العين، ومجهول الحال ظاهراً أو باطناً، ومجهول الحال باطناً.
وقوله: «مجهول» (خ) هذا القسم الأول وهو مجهول العين فضَبَطَهُ (ن) بأنه من لم يرو عنه إلا راوٍ واحد، وتبع في ذلك ابن عبد البر.
وقال الخطيب: هو كلُّ من لم تعرفه العلماء، ولم يُعْرَف حديثُهُ إلا من راوٍ واحد. وأهمله (ن) فما عرَّفه.
وقوله: «ورده» (خ) يعني أن هذا القسم فيه أقوال، والصحيح الذي عليه أكثر العلماء من أهل الحديث وغيرهم أنه لا تقبل.
والثاني: يقبل مطلقاً.
والثالث: إن كان المنفرد بالرواية عنه لا يروي إلا عن عدلٍ كابن مهدي، واكتفينا في التعديل بالواحد، قُبل وإلا فلا.
والرابع: يُقْبَل إن اشتهر بالزهد أو النَّجدة [في](1) غير العلم، واختاره أبو عمرو.
الخامس: إن زَكَّاهُ أحدٌ من أئمة الجرح والتعديل مع رواية واحد عنه قُبِلَ وإلا فلا، واختاره أبو الحسن بن القَطَّان في «بيان الوهم والإيهام» له.
وقوله: «والقسم» (خ) هذا القسم الثاني، وهو مجهول الحال ظاهراً وباطناً مع عرفان عينه برواية عدلين عنه. وفيه أقوال:
أحدها -وهو قول الجماهير-: لا تقبل روايته، وعليه اقتصر (ن).
وقوله: «والثالث» (خ) هذا القسم الثالث، وهو مجهول العدالة الباطنة، وهو عدل ظاهر (2)[66 - أ] فهذا يحتج به بعضُ من رد القسمين الأولين، وبه قطع من ذكره.
وقوله: «منهم سُليم» . قلت: هو بضم السين، وهو الإمام ابن أيوب الرازي انتهى.
وقوله: «وقال الشيخ» (خ) يعني ابن الصلاح أن العمل على قول سُليم في أكثر كتب الحديث المشهورة فيمن تقادَم عهدُهم وتَعَذَّرَت معرفتهم، وأطلق الشافعي رضي الله عنه كلامه في «اختلاف الحديث» قولَهُ: إنه لا يُحتج بالمجهول.
وحكى البيهقي في «المدخل» أن الشافعي لا يحتج بأحاديث المجهولين.
(1) زيادة من المصدر.
(2)
كذا، ولعل صوابها العبارة وهو عدل في الظاهر.
وقوله: «وبعضٌ» (خ) يعني أن ابن الصلاح نقل عن بعض الأئمة أن هذا القسم الأخير هو المستور، وعَيَّنَ (ن) هذا البَعْض بأنه البَغَوي نَصَّ عليه بحُروف ما نقله ابن الصلاح في «التهذيب» (1) قال: وتبعه عليه الرافعي، وحكى الرافعي في الصوم وجهين في قبول رواية المستور من غير ترجيح، ثم قال: وصحح النووي في «شرح المهذب» قبول رواية المستور.
و «يَشْهَر» بفتح أوله وفتح الهاء من شهر الأمر يَشهَرُ شُهوراً.
وقوله: «وفيه نظر» من الزوائد على ابن الصلاح التي لم تتميز بقلت، ووجه النظر أن الشافعي في عبارته في اختلاف الحديث ما يقضي بأن ظاهري العدالة من يحكم الحاكمُ بشهادتهما، وعليه فلا يُقال لمن يكون عدلاً في الظاهر فقط مستور، ونقل الروياني [66 - ب] في «البحر» نص الشافعي في «الأم» أنه لو حضر العقد رجلان مسلمان ولا يعرف حالهما من الفسق والعدالة انعقد النكاح بهما في الظاهر، قال: لأن الظاهر من المسلمين العدالة انتهى.
وقوله:
294 -
وَالخُلفُ في مُبْتَدِعٍ مَا كُفِّرَا
…
قِيْلَ: يُرَدُّ مُطلَقَاً، وَاسْتُنْكِرَا
295 -
وَقْيِلَ: بَلْ إذا اسْتَحَلَّ الكَذِبَا
…
نُصْرَةَ مَذْهَبٍ لَهُ، وَنُسِبَا
296 -
(لِلشَّافِعيِّ)، إذْ يَقُوْلُ: أقْبَلُ
…
مِنْ غَيْرِ خَطَّابِيَّةٍ مَا نَقَلُوْا
(1) كذا وعبارة الناظم في شرحه (1/ 355) وهذا الذي نقل-ابن الصلاح- كلامه آخراً، ولم يسمه، هو البغوي، فهذا لفظه بحروفه في «التهذيب» .
297 -
وَالأكْثَرُوْنَ - وَرَآهُ الأعْدَلَا -
…
رَدُّوَا دُعَاتَهُمْ فَقَطْ، وَنَقَلا
298 -
فِيهِ (ابْنُ حِبَّانَ) اتِّفَاقَاً، وَرَوَوْا
…
عَنْ أهْلِ بِدْعٍ في الصَّحِيْحِ مَا دَعَوْا
الشرح: الفصل الثامن من فصول النوع الأول: رواية مُبتدع لم يُكَفَّر في بدعته، وفيه أقوال:
فقيل: يُرد مطلقاً لأنه فسق ببدعته وإن تأول، فيرد كالفاسق بغير تأويل، كما استوى الكافر متأولاً وغير متأول، وهو المروي عن مالك فيما نصه الخطيب عنه.
قلت: ونصوص «المدونة» في غير ما موطن تشهد له، انتهى.
وقوله: «واستنكرا» يعني أن ابن الصلاح استبعد هذا القول بأن كتب المحدثين ملأى بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة.
وقوله: «وقيل» (خ) هذا القول الثاني: أنه يُقبل إن لم يكن ممن يستحل الكذب لنصرة مذهبه، أو لأهل مذهبه، سواءً كان [67 - أ] داعية أم لا، وإن كان ممن يستحل لم يُقبل.
وقوله: «ونسبا» (خ) يعني أن هذا القول نسبه الخطيبُ للشافعي، لقوله: أَقْبَل شهادة أهل الأهواء إلا الخطَّابية من الرافضة؛ لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم.
وروى البيهقي في «المدخل» عن الشافعي أنه قال: ما في أهل الأهواء قوم أشهد بالزور من الرافضة.
وقوله: «من غير خطابية» . قلت: الخطَّابية بفتح الخاء المعجمة، وتشديد
الطاء المهملة، وبعده ألف، فباء موحدة، فياء مثناة تحت مشددة، نسبة إلى رئيسهم أبي الخطَّاب، وهم جماعة يزعمون أن الله حَلَّ في علي، ثم في الحسن، ثم في الحسين، ثم في زين العابدين، ثم في الباقر، ثم في الصادق، وتوجَّهوا هؤلاء إلى مكة في زمان جعفر الصادق وكانوا يعبدونه، فلما سمع الصادق بذلك لَعَنَهُم فبلغ ذلك أبا الخطاب فزعم أن الله قد انفصل عن جعفر وحلَّ فيه، ثم قُتل، لعنه الله، ولعن فريقه، وتعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. انتهى.
وقوله: «والأكثرون» (خ) هذا قول ثالث، وهو: أنه إن كان داعيةً لمذهبه لم يُقبل، وإلا قُبِل، وهذا الذي عليه الأكثر، وإليه ذهب الإمام أحمد في نَصِّ الخطيب، ونَقَلَ ابنُ حبان في اتفاقَهُم عليه.
وقوله: [67 - ب]«ونَقَلا فيه ابن حبان» (خ) يعني أن ابن حبان نقل اتفاق العلماء في رَدِّ رواية الدَّاعية، وفي قبول غير الداعية أيضاً، وإن كان ابن الصلاح قصر ذلك على الصورة الأولى دون الثانية، ويدلُّ على عموم نقل الاتفاق أن ابن حبان نَصَّ في «تاريخ الثقات» في ترجمة جعفر بن سليمان الضُّبَعي على أنه ليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق المتقن إذا كان فيه بدعةٌ ولم يكن يدعو إليها أن الاحتجاج بأخباره جائز، فإذا دعا إلى بدعته سقط الاحتجاج بأخباره.
ونَقَلَ (ن)(1) في المسألة قولاً رابعاً زيادة على ابن الصلاح، وهو أنه تُقبل أخبارهم مطلقاً وإن كانوا كفاراً أو فساقاً بالتأويل، حكاه الخطيب عن
(1)(1/ 359).
جماعة من النقلة والمتكلمين.
و «ابن حبان» هذا بكسر الحاء المهملة، وتشديد الباء الموحدة.
وقوله: «رآه الأعدلا» جُمْلة لا محل لها لاعتراضها بين المبتدأ الذي هو «الأكثرون» وبين الخبر الذي هو «رَدُّوا» .
وقوله: «وردوا» (خ) يعني أن في الصحيحين كثيراً من أحاديث المبتدعة غير الدعاة احتجاجاً واستشهاداً كعمران بن حطَّان، وداود بن الحصين، وغيرهما.
ونص الحاكم في «تاريخ نيسابور» في ترجمة محمد بن الأخرم أن كتاب مسلم ملآن من الشيعة.
وقوله: «والُخلْفُ» (خ) احترز به عن المبتدع الذي كُفِّر ببدعته كالمجسمة إن قيل بتكفيرهم على الخلاف [68 - أ] في ذلك، خلافاً لابن الصلاح.
وقوله:
299 -
وَ (لِلحُمَيْدِيْ) وَالإمَامِ (أحْمَدَا)
…
بأنَّ مَنْ لِكَذِبٍ تَعَمَّدا
300 -
أيْ فِي الحَدِيْثِ، لَمْ نَعُدْ نَقْبَلُهُ
…
وَإنْ يَتُبْ، وَ (الصَّيْرَفِيِّ) مِثْلُهُ
301 -
وَأطْلَقَ الكِذْبَ، وَزَادَ: أنَّ مَنْ
…
ضُعِّفَ نَقْلاً لَمْ يُقَوَّ بَعْدَ أنْ
302 -
وَلَيْسَ كَالشَّاهِدِ، وَ (السَّمْعَانِي
…
أبُو المُظَفَّرِ) يَرَى فِي الجَانِي
303 -
بِكَذِبٍ فِي خَبَرٍ إسْقَاطَ مَا
…
لَهُ مِنَ الحَدِيْثِ قَدْ تَقدَّمَا
الشرح: هذا الفصل التاسع من فصول النوع الأول، وهو: من تَعَمَّد الكذبَ
في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا تُقبل روايته أبداً، وإن تاب وحسنت توبته، كما نص على ذلك غير واحد من أهل العلم، ومنهم الإمام أحمد، والحُميدي شيخ البخاري أبو بكر، بخلاف الكذب في حديث الناس وغيره من أسباب الفسق فإنه تقبل رواية التائب منه.
وقوله: «والصيرفي» (خ) يعني أن الصيرفي نص في «شرح الرسالة» للشافعي على أن كلَّ من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه عليه لم نَعُد نقبله بتوبةٍ تظهر.
وقوله: «وزاد» (خ) يعني أن الصَّيرفي زاد أيضاً فقال: ومن ضَعَّفْنَا نقله لم نجعله قوياً بعد ذلك، وذكر أن ذلك فيما افترقت فيه الرواية والشهادة.
قال شيخنا (ن) رحمه الله قلت: الظاهر أنه إنما أراد [68 - ب] الكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا مطلقاً، بدليل قوله:«من أهل النقل» أي: الحديث، ويدل [على ذلك](1) أنه قيده بالمحدث فيما رأيته في كتاب «الدلائل» و «الإعلام» له، فقال: وليس يطعن على المحدث إلا أن يقول عمَدْتُ الكذب (خ) انتهى.
وقوله: «والصيرفي» هو بالجر عطفاً على «وللحميدي» .
وقوله: «بعد أن» يعني: بعد أن ضُعِّفَ فحذفه لدلالة «ضُعِّفَ» المتقدم عليه.
وقوله: «وليس» (خ) يعني أن هذا مما افترق [فيه](2) الشاهد من الراوي.
(1) زيادة من المصدر.
(2)
زيادة من عندي.
وقوله: «والسمعاني» (خ) يعني أن السمعاني ذكر أن من كذب في خبر واحدٍ وجَبَ إسقاط ما تَقَدَّمَ من حديثه.
قلت: «والسَّمعاني» بفتح السين المهملة، وإسكان الميم، وبعده عين مهملة، فألف، فنون مكسورة، نسبة إلى سَمْعَان بن تميم، انتسب إليه أبو سعد السمعاني وأهله.
قال أبو سعد: هكذا سمعت سَلَفي يذكرون ذلك، وهم جماعة أئمة علماء فقهاء محدثون، منهم الإمام أبو منصور محمد كان إماماً في العربية وله فيها تصانيف مفيدة، وولده أبو المظفر وهو منصور الفقيه الإمام المشهور له تصانيف في الفقه وأصوله والحديث، وهو صاحب كتاب «الاصطلاح» وكان حنفياً فصار شافعياً سنة اثنين وستين وأربعمائة [69 - أ] سمع أباه وغيره.
وقوله:
304 -
وَمَنْ رَوَى عَنْ ثِقَةٍ فَكَذَّبَهْ
…
فَقَدْ تَعَارَضَا، وَلَكِنْ كَذِبَهْ
305 -
لَا تُثْبِتَنْ بِقَوْلِ شَيْخِهِ، فَقَدْ
…
كَذَّبَهُ الآخَرُ، وَارْدُدْ مَا جَحَدْ
306 -
وَإنْ يَرُدَّهُ بِـ (لَا أذْكُرُ) أوْ
…
مَا يَقْتَضِي نِسْيَانَهُ، فَقَدْ رَأوْا
307 -
الحُكْمَ لِلذَّاكِرِ عِنْدَ المُعْظَمِ،
…
وَحُكِيَ الإسْقَاطُ عَنْ بَعْضِهِم
308 -
كَقِصَّةِ الشَّاهِدِ واليَمِيْنِ إذْ
…
نَسِيَهُ (سُهَيْلٌ) الَّذِي أُخِذْ
309 -
عَنْهُ، فَكَانَ بَعْدُ عَنْ (رَبِيْعَهْ)
…
عَنْ نَفْسِهِ يَرْوِيْهِ لَنْ يَضِيْعَهْ
310 -
وَ (الشَّافِعي) نَهَى (ابْنَ عَبْدِ الحَكَمِ)
…
يَرْوِي عَنِ الحَيِّ لخَوْفِ التُّهَم
الشرح: الفصل العاشر من فصول النوع الأول أن يروي ثقةٌ عن ثقةٍ حديثاً يكذبه المروي عنه صريحاً، كقوله: كذب علي، أو بنفي جازمٍ كقوله: ما رويت هذا له. فقد تعارض قولهما، ولا يكون ذلك قادحاً في عدالتهما وباقي رواياتهما.
وقوله: «ولكن» (خ) يعني: أنا نرد ما جحده الأصل؛ لأن الراوي عنه فرعه، ولا نثبت كذب فرعه بقول أصله له:«ما قاله» حتى يكون ذلك جرحاً له؛ لأنه أيضاً يكذب أصله الذي هو شيخه في نفيه لذلك، وليس قبول جرح كل منهما بأولى من الآخر فتساقطا.
و «كَذِبَه» بفتح الكاف، وكسر الذال مخففة، منصوب مفعولاً مقدماً لقوله «لا» تُثبتن من أَثْبَتَ [69 - ب] الرباعي.
وقوله: «واردُد» (خ) يعني اردُد من حديث الفرع إذا نفى أصله تحديثه للفرع به خاصة، ولا يُرَدّ من حديث الأصل نفسه إذا حدث به.
وقوله: «وإن يَرُدَّه» (خ) يعني أن الأصل إذا لم يُكَذِّب فرعه صريحاً، ولكن قال: لا أذكره، أو لا أعرفه، ونحوه مما يقتضي جواز كونه نسيه فذلك لا يقتضي رُدَّ رواية الفرع عنه.
وقوله: «فقد رأوا» (خ) يعني أنه مع ذلك اختلف هل الحكم للذاكر الذي هو الفرع، أو للأصل الناسي؟ فذهب الجمهور من المحدثين والفقهاء والمتكلمين إلى قبول ذلك، وأن نسيان الأصل لا يُسْقِط العمل بما نسيه،
وصححه ابن الصلاح.
وقوله: «وحُكِىَ» (خ) يعني أن بعضهم ذهب إلى إسقاطه بذلك، وحكاه ابن الصباغ في «العدة» عن أصحاب أبي حنيفة.
وقوله: «كقصة» (خ) هذا مثاله وهو الحديث الذي رواه (د) و (ت) و (ق)(1) من رواية ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة:«أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد» .
قال (د) في رواية: إن عبد العزيز الدراوردي قال: قد ذكرتُ ذلك لسهيل، فقال أخبرني ربيعة -وهو عندي ثقة- أني حدثته إياه، ولا أحفظه. قال عبد العزيز: وقد كانت أصابت سهيلاً عِلَّة أذهبت بعض عقله، ونسي بعض حديثه، فكان سهيل [70 - أ] بعد يحدثه عن ربيعة عنه عن أبيه.
وقوله: «فكان بعدُ» هو بضم الدال مبنياً.
وقوله: «لن يَضيعَه» هو بفتح أوله من ضاع يضيع.
وقوله: «والشافعي» (خ) يعني أنه روى عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال لابن عبد الحكم: إياك والرواية عن الأحياء.
وفي رواية البيهقي في «المدخل» : لا تُحَدِّث عن حي، فإن الحي لا يؤمن عليه النسيان. قاله له حين روى عن الشافعي حكاية فأنكرها ثم ذكرها.
311 -
وَمَنْ رَوَى بأُجْرَةٍ لَمْ يَقْبَلِ
…
(إسْحَاقُ) و (الرَّازِيُّ) و (ابْنُ حَنْبَلِ)
(1) أي: ابن ماجه القزويني.
312 -
وَهْوَ شَبيْهُ أُجْرَةِ القُرْآنِ
…
يَخْرِمُ مِنْ مُرُوْءَةِ الإنْسَان
313 -
لَكِنْ (أبُوْ نُعَيْمٍ الفَضْلُ) أَخَذْ
…
وَغَيْرُهُ تَرَخُّصَاً، فإنْ نَبَذْ
314 -
- شُغْلاً بِهِ - الكَسْبَ أجِزْ إرْفَاقَا،
…
أفْتَى بِهِ الشَّيْخُ (أبُوْ إسْحَاقا)
الشرح: الحادي عشر من فصول النوع الأول وهو قبول رواية من يُحَدِّث بالأجر. فذهب الإمام أحمد، وإسحاق، وأبو حاتم الرازي إلى أنه لا يقبل.
وقوله: «وهو شبيه» (خ) هكذا قال ابن الصلاح أنه شبيه بأخذ الأجر على تعليم القرآن وغيره، إلا أن في هذا عرفاً الخُرْم للمروءة، والظن السيء بفاعله.
وقوله: «يَخْرِمُ» . قلت: هو بفتح أوله، وبالخاء المعجمة، وبعدها راء مهملة مكسورة فميم، من خرم منه إذا نقص، ومعناه أن أخذ الأجر على التحديث لا على القرآن ينقص [70 - ب] المروَّة، ويطرق التهمة.
وعلى هذا فيُعرب «وهو» مبتدأ، وقوله:«شبيه» خبره، وقوله «يخرم» خبرٌ بعد خبر.
وحكى السمعاني في «الذيل» عن أبي الغنائم محمد بن علي الدجاجي أنه كان ذا وجاهة وحالٍ واسعةٍ، كريماً جواداً، أحنى الزمان عليه، قال: وقصدته في جماعة من الطلبة المُبرين وهو موعوك في مرضه، فدخلنا عليه وهو على نارية مُحْرِقَة وعليه جُبَّة قد أكلت النار أكثرها، وليس في بيته ما يساوي درهماً، فَحَمَل على نفسه حتى قرأنا عليه بحسب شَرَهِ أصحاب الحديث، وأطلنا عليه وهو متحمل المشقة في إكرامنا وبسطنا، فلما خرجنا من داره،
قلتُ: هل مع ساداتنا ما يصرفه في نفقة هذا الشيخ، فإنه واقعٌ مَوْقِعَه، ولا قربة أولى من ذلك، ولا أظن أنا نلقاه بعد فمال الجماعة إلى ذلك، وأخرج كلٌّ منهم ما تيسر، واجتمع خمسة مثاقيل، واحتشمته في تسليمها إليه، فلما دخلتُ عليه وسلمت إليه المبلغ وأعلمته وجه ذلك لطم على وجهه ونادى وافضيحتاه آخذ على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عوضاً لا والله لا والله ثلاثاً، ونهض حافياً إلى خارج منزله ينادي خلفي بحرمة ما بيننا إلا رجعت، فعدتُ فبكى وقال: تفضحني مع أصحاب الحديث، الموت أهون من ذلك، وسَلَّمَهُ إليَّ فأعدته على الجماعة فلم يقبلوه، فنفد [71 - أ] إلى جامع الرَّصافة فَفُرِّق على الفقراء المقيمين به انتهى.
وقوله: «لكن» (خ) يعني أن أبا نعيم الفضل بن دكين رخص في أخذ الأجرة على التحديث.
وقوله: «وغيره» (1).
وقوله: «فإن نَبْذ» (خ) قلت: «نبذ» بالنون، والباء الموحدة، والذال المعجمة، من نَبَذْتَ الشيء إذا ألقيته، ومعناه إن ألقى -لاشتغاله بالتحديث- الكسبَ لعياله.
فـ «شغلاً» منصوبٌ على العلة. والضمير المجرور بالباء يعود على التحديث.
و «الكسب» منصوبٌ على المفعول لنَبْذ.
وقوله: «أجز» جواب الشرط. ويعني أن هذا الذي يُحَدِّث بالأجر يَلْحَقه ما
(1) وقع في هذا الموضع بياض في الأصل المخطوط يقدر بخمسة سطور.
ذكره إلا أن يقترن ذلك بِعُذْر ينفي ذلك عنه، مثل ما حَدَّث أبو المظفر السمعاني، عن أبيه الحافظ أبي سعد السمعاني: أن أبا الفضل محمد بن ناصر ذكر أن أبا الحسين بن النَّقُّور فعل ذلك؛ لأن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي أفتاه [71 - ب] بجواز [أخذ](1) الأجر على التحديث لأن أصحاب الحديث كانوا يمنعونه عن الكسب لعياله.
وقوله:
315 -
وَرُدَّ ذُوْ تَسَاهُلٍ في الحَمْلِ
…
كَالنَّوْمِ وَالأدَا كَلَا مِنْ أصْلِ،
316 -
أوْ قَبِلَ التَّلقِيْنَ، أوْ قَدْ وُصِفَا
…
بِالمُنْكَرَاتِ كَثْرَةً، أوْ عُرِفَا
317 -
بِكَثْرَةِ السَّهْوِ، وَمَا حَدَّثَ مِنْ
…
أصْلٍ صَحِيْحٍ فَهْوَ رَدٌّ، ثُمَّ إنْ
318 -
بُيِّنْ لَهُ غَلَطُهُ فَمَا رَجَعْ،
…
سَقَطَ عِنْدَهُمْ حَدِيْثُهُ جُمَعْ
319 -
كَذَا (الحُمَيْدِيُّ) مَعَ (ابْنِ حَنْبَلِ)
…
و (ابْنِ المُبَارَكِ) رَأَوْا فِي العَمَل
320 -
قَالَ: وَفيهِ نَظَرٌ، نَعَمْ إذَا
…
كَانَ عِنَادَاً مِنْهُ مَا يُنْكَرُ ذَا
الشرح: الثاني عشر من فصول النوع الأول رواية من عُرِفَ بالتساهل في سماع الحديث وإسماعه، كمن ينام هو أو شيخه في حال السماع، ولا يبالي بذلك.
وكذلك رَدُّوا رواية من عُرِفَ [72 - أ] بالتساهل في حالة الأداء للحديث، كأن يؤدي لا من أصلٍ صحيحٍ مقابَلٍ على أصله، أو أصل شيخه.
(1) زيادة من المصدر.
وكذا رَدُّوا روايةَ من عُرِفَ بقبول التلقين في الحديث، وهو أن يُلَقَّن الشيء فيُحدِّث به من غير أن يعلم أنه من حديثه، كموسى بن دينار ونحوه.
وكذلك رَدُّوا حديث من كَثُرَت المناكير والشواذ في حديثه، كما قال شعبة: لا يجيئك الحديث الشاذ إلا من الرجل الشاذ.
وكذلك رَدُّوا رواية من عُرِفَ بكثرة السَّهْو في رواياته إذا لم يُحَدِّث من أصل صحيح.
وقوله: «وما حدث» (خ) جملة في موضع نصب على الحال، أي: ورُدَّ حديث من عُرِف بكثرة السهو في حال كونه ما حَدَّثَهُ من أصلٍ صحيح، أما إذا حَدَّثَ من أصلٍ صحيحٍ فالسماع صحيح، وإن عرف بكثرة السهو؛ لأن اعتماد (ح)(1) على الأصل لا على حفظه.
قال الشافعي في «الرسالة» : من كثر غلطه من المحدثين ولم يكن له أصل كتاب صحيح لم يقبل حديثه، كما يكون من أكثر الغلط في الشهادات لم تقبل شهادته.
وقوله: «فهو رد» يعني: مردود.
وقوله: «ثم إن» (خ) يعني أَنَّ من أَصَرَّ على غلطه بعد البيان، فورد عن ابن المبارك وأحمد والحُميدي وغيرهم أَنّ من غَلط في حديثٍ وبُيِّنَ له غَلَطه فلم يرجع عنه وأَصَرَّ على رواية ذلك الحديث سَقَطَت رواياته ولم يكتب عنه.
(1) أي: حينئذ.
وقوله: «قال» (خ) يعني أن ابن الصلاح قال: في هذا نظر، وهو غير مستنكر إذا ظهر أن ذلك منه على جهة العناد أو نحو ذلك.
قال ابن حبان: مَنْ بُيِّنَ له خطؤه، وعَلِمَ فلم يرجع عنه، وتمادى في ذلك كان كذاباً بعلم صحيح.
321 -
وَأعْرَضُوا فِي هَذِهِ الدُّهُوْرِ
…
عَنِ اجتِمَاعِ هَذِهِ الأمُوْر
322 -
لِعُسْرِهَا، بَلْ يُكْتَفَى بِالعَاقِلِ
…
المُسْلِمِ البَالِغِ، غَيْرِ الفَاعِل
323 -
لِلفِسْقِ ظَاهِرَاً، وَفِي الضَّبْطِ بأنْ
…
يَثْبُتَ مَا رَوَى بِخَطٍّ مُؤْتَمَنْ [72 - ب]
324 -
وَأنَّهُ يَرْوِي مِنَ اصْلٍ وَافَقَا
…
لأصْلِ شَيْخِهِ، كَمَا قَدْ سَبَقَا
325 -
لِنَحْوِ ذَاكَ (البَيْهَقِيُّ)، فَلَقَدْ
…
آلَ السَّمَاعُ لِتَسَلْسُلِ السَّنَدْ
الشرح: الثالث عشر من فصول النوع الأول: أَعْرَضَ الناسُ في هذه الأعصار عن مجموع الشروط المذكورة لعُسْرِها وتَعَذُّرِ الوفاء بها، واكتفوا من عدالة الراوي بكونه مسلماً بالغاً عاقلاً غير متظاهر بالفسق وما يخرم المروءة ومِنْ ضَبْطِه بوجود سماعه مثبتاً بخط ثقةٍ غير متهم، وبروايته من أصل موافق لأصل شيخه، وقد سبق إلى نحو ذلك البيهقي لما ذكرَ تَوسَُّع من تَوَسَّع من بعض محدثي زمانه الذين لا يحفظون حديثهم، ولا يحسنون قراءته من كتبهم ولا يعرفون ما يُقرأ عليهم، بعد أن تكون القراءةُ عليهم من أصل سماعهم لتدوين الأحاديث في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث.
وقوله: «فلقد» (خ) يعني أن القصد من روايته والسماع منه أن يصير الحديث مسلسلاً بحدثنا وأخبرنا، وتبقى هذه الكرامة التي خُصَّت بها هذه
الأمة شرفاً لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الذي استقرَّ عليه العمل.
قال الذهبي في مقدمة «الميزان» : إن العُمْدَةَ في زماننا ليس على الرواة، بل على المحدثين والمقتدين (1) الذين عُرِفَت عدالتُهُم وصدقُهُم في ضبط أسماء السامعين، ثم من المعلوم [73 - أ] أنه لا بد من صون الراوي وستره. انتهى كلامه.
وقوله: «بأَن يثبت» . قلت: هو بفتح الهمزة من «أن» ، و «يثبت» إن قراءته ثلاثياً (2) فيكون قوله «ما روى» فاعلاً وإن قرأته رباعياً (3) فيكون «ما روى» مفعولاً.
وقوله: «مؤتمَن» بفتح الميم.
(1) في المصدر: المقيدين.
(2)
أي: يَثْبُتَ. من ثَبَتَ يَثْبُت.
(3)
أي: يُثْبِت. مِن أَثْبَتَ يُثْبِت.