المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابَةُ الْحَدِيْثِ وضَبْطُهُ قوله: 559 - وَاخْتَلَفَ الِصّحَابُ وَألأَتْبَاعُ … فِي كِتْبَةِ - مفتاح السعيدية في شرح الألفية الحديثية

[ابن عمار المالكي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌شكر وعرفان

- ‌مقدمة الدراسة والتحقيق

- ‌اسمه ونسبه ولقبه وكنيته ومذهبه:

- ‌مولده ونشأته وطلبه للعلم:

- ‌مشايخه:

- ‌تدريسه وأعماله:

- ‌رحلاته:

- ‌مصنفاته:

- ‌علومه وأوصافه:

- ‌وفاته:

- ‌نظمه:

- ‌المبحث الثانيمنهج المصنف في كتابه

- ‌المبحث الثالث

- ‌الإضافة التي نقدمها بنشر هذا الكتاب

- ‌المبحث الرابعرموز المصنف

- ‌المبحث الخامسإثبات نسبة الكتاب إلى مصنفه

- ‌المبحث السادستسمية الكتاب

- ‌صور من النسخة الخطية

- ‌أقسام الحديث

- ‌أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيْثِ

- ‌الصَّحِيْحُ الزَّائِدُ عَلَى الصَّحِيْحَيْنِ

- ‌الْمُسْتَخْرَجَاتُ

- ‌مَرَاتِبُ الصَّحِيْحِ

- ‌حُكْمُ الصَّحِيْحَيْنِ والتَّعْلِيْق

- ‌نَقْلُ الْحَدِيْثِ مِنَ الكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ

- ‌القِسْمُ الثَّانِي: الْحَسَنُ [

- ‌القِسْمُ الثَّالِثُ: الضَّعِيْفُ

- ‌الْمَرْفُوْعُ

- ‌الْمُسْنَدُ

- ‌الْمُتَّصِلُ وَالْمَوْصُوْلُ

- ‌الْمَوْقُوْفُ

- ‌الْمَقْطُوْعُ

- ‌فُرُوْعٌ

- ‌الْمُرْسَلُ

- ‌الْمُنْقَطِعُ وَالْمُعْضَلُ

- ‌الْعَنْعَنَةُ

- ‌تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالإِرْسَالِ، أَو الرَّفْعِ وَالوَقْفِ

- ‌التَّدْلِيْسُ

- ‌الشَّاذُّ

- ‌الْمُنْكَرُ

- ‌الاعْتِبَارُ وَالْمُتَابَعَاتُ وَالشَّوَاهِدُ

- ‌زِيَادَةُ الثِّقَاتِ

- ‌الأَفْرَادُ

- ‌الْمُعَلَّلُ

- ‌الْمُضْطَرِبُ

- ‌الْمُدْرَجُ

- ‌الْمَوْضُوْعُ

- ‌الْمَقْلُوْبُ

- ‌تنبيهات

- ‌مَعْرِفَةُ مَنْ تُقْبَلُ رُوَايَتُهُ وَمَنْ تُرَدُّ

- ‌مَرَاتِبُ التَّعْدِيْلِ

- ‌مَرَاتِبُ الجَرْح

- ‌مَتَى يَصحُّ تَحَمُّلُ الْحَدِيْثِ أوْ يُسْتَحَبُّ

- ‌أَقْسَامُ التَّحَمُّلِ، وأوَّلُهَا: سَمَاعُ لَفْظِ الشَّيْخِ

- ‌الثَّاْنِي: القِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ

- ‌تَفْرِيْعَاتٌ

- ‌الثَّالِثُ: الإجَاْزَةُ

- ‌لَفْظُ الإِجَازَةِ وَشَرْطُهَا

- ‌الرَّاْبِعُ: الْمُنَاوَلَةُ

- ‌كَيْفَ يَقُوْلُ مَنْ رَوَى بِالمُنَاولَةِ وَالإِجَاْزَةِ

- ‌الْخَامِسُ: الْمُكَاتَبَةُ

- ‌السَّادِسُ: إِعْلَامُ الشَّيْخِ

- ‌السَّابِعُ: الوَصِيَّةُ بالكِتَابِ

- ‌الثَّامِنُ: الوِجَادَةُ

- ‌كِتَابَةُ الْحَدِيْثِ وضَبْطُهُ

- ‌الفصل الأول:

- ‌الْمُقَابَلَةُ

- ‌تَخْرِيْجُ السَّاقِطِ

- ‌التَّصْحِيْحُ والتَّمْرِيْضُ، وَهو التَّضْبِيْبُ

- ‌الكَشْطُ والْمَحْوُ والضَّرْبُ

- ‌العَمَلُ في اخْتِلَافِ الرُّوَايَاتِ

- ‌الإِشَارَةُ بالرَّمْزِ

- ‌مَعْرِفَةُ الصَّحَابَةِ

- ‌مَعْرِفَةُ التَّابِعِينَ

- ‌رِوَايةُ الأَكَابِرِ عَنِ الأَصاغِرِ

- ‌رِوَايَةُ الأَقْرَانِ

- ‌الأُخْوَةُ والأَخَوَاتُ

- ‌رِوَايَةُ الآبَاءِ عَنِ الأبْنَاءِ وَعَكْسُهُ

- ‌السَّابِقُ واللَاّحِقُ

- ‌مَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَاّ رَاوٍ وَاحِدٌ

- ‌مَنْ ذُكِرَ بِنُعُوتٍ مُتَعَدِّدةٍ

- ‌أَفْرَادُ العَلَمِ

- ‌الأَسْمَاءُ والكُنَى

- ‌الأَلْقَابُ

- ‌الْمُؤْتَلِفُ والمُخْتَلِفُ

- ‌المتفق والمفترق

- ‌تلخيص المتشابه

- ‌المشتبه المقلوب

- ‌من نُسِبَ إلى غير أبيه

- ‌المنسوبون إلى خلاف الظاهر

- ‌المبهمات

- ‌تأريخ الرواة والوفيات

- ‌معرفة الثقات والضعفاء

- ‌معرفة من اختلط من الثقات

- ‌طبقات الرواة

- ‌الموالي من العلماء والرواة

- ‌أوطان الرواة وبلدانهم

الفصل: ‌ ‌كِتَابَةُ الْحَدِيْثِ وضَبْطُهُ قوله: 559 - وَاخْتَلَفَ الِصّحَابُ وَألأَتْبَاعُ … فِي كِتْبَةِ

‌كِتَابَةُ الْحَدِيْثِ وضَبْطُهُ

قوله:

559 -

وَاخْتَلَفَ الِصّحَابُ وَألأَتْبَاعُ

فِي كِتْبَةِ الْحَدِيْثِ، وَالإِجْمَاعُ

560 -

عَلَى الْجَوَازِ بَعْدَهُمْ بالْجَزْمِ

لِقَوْلِهِ: (اكْتُبُوْا) وَكَتْبِ (السَّهْمِيْ)

الشرح: النوع الثالث في كتابة الحديث وضبطه وفيه فصول:

‌الفصل الأول:

اختلف السَّلَفُ في كتابة [108 - أ] الحديث؛ فكرهها طائفة منهم كعُمَر، وبن مسعود، وزيد بن ثابتٍ، وأبي موسى، والخدري، وجماعة من الصحابة والتابعين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا تكتبوا عني شيئاً إلا القرآن، ومَنْ كتب عني شيئاً غير القرآن فليمحه» أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد.

وجَوَّزَه أو فعله جماعة من الصحابة منهم عمرو بن العاص، وأنس، وجابر، وابن عباس، وابن عمر أيضاً، وعمر بن عبد العزيز، وجماعة من التابعين فيما حكاه عياض.

وقوله: «والإجماع» (خ) كذا قال عياض: ثم أجمع المسلمون على جوازها، وزال ذلك الخلاف. ومما يدل على الجواز قوله صلى الله عليه وسلم في «الصحيح»:«اكتبوا لأبي شاة» .

ص: 286

وروى أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو قال: كنت أكتب كُلَّ شيءٍ أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم

الحديث، وفيه أنه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: اكتب.

قلت: وعن الصاحب أبي القاسم بن عباد إسماعيل قال: من لم يكتب الحديث لم يجد حلاوة الإسلام.

وفي (خ) عن أبي هريرة قال: ليس أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أَكْثر حديثاً عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب. فهذان (1) هما المراد [108 - ب] بقول (ن)«وكتب السهمي» يريد عبد الله بن عمرو بن العاص.

قلت: «والسَّهْمي» بفتح السين المهملة، وإسكان الهاء، وبعده ميم، نسبةً إلى سَهْم جُمح، ونسب إليه جماعة من العلماء، منهم أبو حذافة السهمي، حدث عن مالك، وحاتم بن إسماعيل، حدث عنه جماعة منهم أبو عبد الله بن ماجه القزويني، لا سَهْم باهلة، ولا إلى عمل السَّهم كما نبه على ذلك ابن نقطة في «الذيل» على كتاب أبي موسى وابن طاهر المقدسي. انتهى.

وقوله: «الصِّحاب» ، قلت: هو بكسر الصاد، واحِدُهُ صاحب، كجائع وجياع، وأنشد على ذلك الجوهري في «الصِّحاح» قول الشاعر:

وقالتِ صِحَابي قد شأوتُك فاطلب

انتهى.

(1) أي: هذان الحديثان.

ص: 287

وقوله:

561 -

وَيَنْبَغِي إِعْجَامُ مَا يُسْتَعْجَمُ

وَشَكْلُ مَا يُشْكِلُ لَا مَا يُفْهَمُ

562 -

وَقِيْلَ: كُلِّهِ لِذِي ابْتِدَاءِ

وَأَكَّدُوْا مُلْتَبِسَ الأَسْمَاء

563 -

وَلْيَكُ فِي الأَصْلِ وَفِي الْهَامِشِ مَعْ

تَقْطِعْيِهِ الْحُرُوْفَ فَهْوَ أَنْفَعْ

الشرح: هذا الفصل الثاني من فصول النوع الثالث، وهو أنه ينبغي للطالب أن يضبط كتابه بالنقط والشكل ليؤديه كما سمعه.

قال (ن)(1): وروينا عن الأوزاعي قال: العَجْمُ نور الكتاب.

وقوله: «إعجام» ، الإعجام: النقط، وهو أن يبين التاء من الباء، والحاء من الخاء، والشكل تقييد الإعراب.

وقوله: «لا ما [109 - أ] يُفهم» يعني أنهم اختلفوا هل يُقتصر على ضَبْطٍ المشكِل، أو هو وغيره؟ فقال البغدادي علي بن إبراهيم في كتاب «سمات الخط ورقومه»: أهل العلم يكرهون الإعجام والإعراب إلا في الملتبس. وصَوَّبَهُ عياض، ولا سيما للمبتدئ وغير المتبحر في العلم، فإنه لا يُمَيِّز ما يشكل، مما لا يشكل ولا صواب وجه الإعراب للكلمة من خطئه.

وقوله: «وكله» هو بالجر عطفاً على «ما يُشكل» المخفوض بإضافة وشكل، أي: وينبغي شكل كله.

وقوله: «لِذِى ابتداء» تعليل لمن يقول بشكل الكُلِّ لأجل المبتدئ، فهو

(1)(1/ 465).

ص: 288

مشكل عليه، وربما ظن أن الشيء غير مشكل لوضوحه، وهو في الحقيقة محل نظر يحتاج إلى الضبط، ووقع من العلماء اضطراب في مسائل مرتبة على إعراب الحديث كحديث ذكاة الجنين ونحوه، والأحاديث التي يترتب الاحتجاج بها على الإعراب.

وقوله: «وكذا» (خ) يعني أنه ينبغي الاعتناء بضبط ما يَلْتَبِس من الأسماء قال أبو إسحاق النَّجِيرَمي بفتح النون، وكسر الجيم، وإسكان المثناة تحت، وفتح الراء المهملة، وكسر الميم: أولى الأشياء بالضبط أسماء الناس؛ لأنه لا يدخله القياس، ولا قبله ولا بعده شيء يدل عليه.

وذكر النسائي أن عبد الله بن إدريس قال: لما حدثني [109 - ب] شعبة بحديث أبي الحوراء السَّعدي عن الحسن، كتبنا تحته:«حور عين» لئلا أغلط، فيقرأه بالجيم والزاي.

وقوله: «وَلْيَكُ» . قلت: هو بإسكان اللام، بعد الواو، على حد «ولينفق» (1) في قراءة، ومعنى هذا أن صورة ضبط المشكل فيما نصه عياض في «الإلماع» بأنه جرى رسم المشايخ، وأهل الضبط، أن تَرْسُمَ ذلك الحرف المشكل مفرداً في حاشية الكتاب، قبالة الحرف بإهماله أو نقطه، وعُلِّلَ بأن الانفراد يرفع إشكال اللبس بضبط ما فوقه وما تحته من السطور، لا سيما مع دقة الكتاب وضيق الأسطر.

وقوله: «مع تقطيعه الحروف» . قلت: هو بنصب الحروف بـ «تقطيعه» ،

(1) كذا والآية: «لينفق ذو سعة

».

ص: 289

ومعناه أن حروف الكلمة المشكلة التي تُكتب في هامش الكتاب تُكتب مُقَطَّعَة.

قال (ن)(1): ورأيت غير واحدٍ من أهل الضبط يفعله، وهو حسن، وفائدته أنه يُظْهر شكل الحرف بكتابته مفرداً في بعض الحروف، كالنون، والياء المثناة تحت، بخلاف ما إذا كتبت الكلمة كلها، والحرف المذكور في أولها أو وسطها.

قال ابن دقيق العيد في «الاقتراح» : ومِنْ عادة المتقدمين أن يبالغوا في إيضاح المشكل، فيفرقوا حروف الكلمة في الحاشية، ويضبطوها حرفاً حرفاً.

وقوله:

564 -

وَيُكْرَهُ الْخَطُّ الرَّقِيْقُ إِلَاّ

لِضِيْقِ رَقٍّ أَوْ لِرَحَّالٍ فَلَا [110 - أ]

565 -

وَشَرُّهُ التَّعْلِيْقُ وَالْمَشْقُ، كَمَا

شَرُّ الْقِرَاءَةِ إذا مَا هَذْرَمَا

الشرح: يعني أنه يكره الخط الدقيق؛ لعدم النفع به من نظره ضعيف، وربما ضُعف النظر لكاتبه بعد، كما قال الإمام أحمد لابن أخيه حنبل بن إسحاق ورآه يكتب خطاً دقيقاً: لا تفعل، أحوجَ ما تكون إليه يخونك.

وقوله: «إلا لضيقٍ» (خ) يعني فإن كان ثَمَّ عذر كضيق الورق، أو الرَّق الذي يُكتب فيه، أو كان رحَّالاً في طلب العلم يَحْمِلُ كتبه معه فيخف الحمل، فلا يُكره ذلك.

(1)(1/ 467).

ص: 290

وقوله: «وشَرُّه» (خ) يعني: أنه يُسْتَحَبُّ تحقيق الخط وتجويده بلا مشقٍ وتعليقٍ. ونقل ابن قتيبة أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: شر الكتابة المشق، وشر القراءة الهَذْرَمَة، وأجود الخط أبينه.

والمَشْق: بفتح الميم، وإسكان الشين المعجمة، وبعده قاف: سُرْعَة الكتابة.

وهذرم: بالهاء، والذال المعجمة، والميم: السرعة في القراءة.

وقوله:

566 -

وَيُنْقَطُ الْمُهْمَلُ لَا الْحَا أَسْفَلَا

أَوْ كَتْبُ ذَاكَ الْحَرْفِ تَحْتُ مَثَلَا

567 -

أَوْ فَوْقَهُ قُلَامَةً، أَقْوَالُ

وَالْبَعْضُ نَقْطَ الِسّيْنِ صَفّاً قالَوْا

568 -

وَبَعْضُهُمْ يَخُطُّ فَوْقَ الْمُهْمَلِ

وَبَعْضُهُمْ كَالْهَمْزِ تَحْتَ يَجْعَل

الشرح: بَيَّنَ كيفية ضَبْطِ الحرف المهمل. فقال القاضي عياض: وسبيل الناس في ضبطها يختلف، فمنهم من يَقْلِبُ النقط الذي [110 - ب] فوق المعجم تحت ما شاكلها من المبهمات، فينقط تحت الراء، والصاد، والطاء، والعين، ونحوها من المهملات.

واختُلِفَ في كيفية نقط السين المهملة من تحت، فقيل: كصورة النقط من فوق. وقيل: شكلهما يختلف فيجعل النقط فوق المعجمة كالأثافي، وتحت المهملة مبسوطة صفاً.

وقوله: «لا الحاء» (خ) استثناء لبعض الحروف المهملة مما ينقط تحته، وهو الحاء وإلا فلو فعل ذلك لاشتبهت بالجيم، فلا يدخل هذا الحرف في عموم هذه العلامة للمُهْمَل.

ص: 291

والعلامة الأخرى للحرف المهمل: أن يكتب ذلك الحرف المهمل بعينه مفرداً تحت الحرف المشار إلى إهماله، فيجعل تحت الحاء حاء مفردة صغيرة، وكذا الدال، والصاد، والطاء، والعين.

قال القاضي: وهو عَمَلُ بَعْضِ أهل المشرق والأندلس.

وقوله: «أو فوقه» (خ) العلامة الثالثة: أن يجعل فوق الحرف المهمل صورة هلال كعلامة ظفر مُضْجَعَة على قفاها.

وقوله: «وبعضهم» (خ) العلامة الرابعة أن يجعل فوق المهمل خط صغير.

قال ابن الصلاح: ووُجِدَ ذلك في كتب من الكتب القديمة، ولا يفطن له كثيرون.

قال شيخنا: وسمعت بعضُ أهل الحديث يفتح الراء من «رضوان» ، فقلت له في ذلك، فقال: ليس لهم رضوان بالكسر [111 - أ]، فقلت: إنما سُمِّي بالمصدر وهو بالكسر، فقال: وجدته بخط فلان بالفتح وسمى من لا يحضرني ذكره الآن ثم إني وجدت بعد ذلك في بعض الكتب القديمة هذا الاسم وفوقه فتحة فتأملت هذا الكتاب فإذا هو يَخُطُّ فوق الحرف المهمل خطاً صغيراً، فعرفت أنه علامة الإهمال لا الفتح، وأن الذي قال الفتح من هاهنا أُتِي.

وقوله: «وبعضهم» (خ) هذه العلامة الخامسة، وهو أن يجعل تحت الحرف المهمل مثل الهمزة، حكاه ابن الصلاح، وذكر عياض أن منهم من يقتصر على مثال النبرة تحت الحرف المهمل.

فقوله: «أو كَتْبُ» هو بالرفع خبراً لمبتدأ محذوف، أي: علامتُهُ كَتْبُ ذاك.

ص: 292

وقوله:

569 -

وَإِنْ أَتَى بِرَمْزِ رَاوٍ مَيَّزَا

مُرَادَهُ وَاخْتِيْرَ أَنْ لَا يَرْمِزَا

الشرح: جَرَت العادة عند المحدثين إذا سمعوا الكتاب من طُرُق أن يبينوا اختلاف الروايات إن اختلفت على ما سنبين، وبينوا عند ذكر لفظ كل رواية منها اسم راويها إما كاملاً -وهو الأولى وأدفع للبس-، وإما برمز يدل عليه كحرف أو حروف من اسمه، كما فعل اليونيني في نسخته من صحيح (خ)(1)، فإن بين مراده بتلك العلامات أول كتابه وآخره كما فعل اليونيني فلا بأس، وإلا فيُكره لما يوقع غيره من الحيرة في فهم مراده.

وقوله: [111 - ب]

570 -

وَتَنْبَغِي الدَّارَةُ فَصْلاً وَارْتَضَى

إِغْفَالَهَا (الْخَطِيْبُ) حَتَّى يُعْرَضَا

الشرح: يعني أنه ينبغي أن يجعل بين كل حديثين دارة صورة O ويميز بينهما، ورَوَى ابن خلَّاد من رواية ابن أبي الزناد أن كتاب أبيه كان كذلك، وحكاه عن أحمد، والحربي، وابن جَرير.

وقوله: «وارتضى» يعني أن الخطيب استحبَّ أن تكون الدارات غُفلاً، فإذا عارض فكلُّ حديث يُفْرَغ من عَرْضِه ينقط في الدَّارة التي تليه نقطة، أو يخط في وسطها خطاً، قال: وكان بعض أهل العلم لا يعتد من سماعه إلا بما كان كذلك أو في معناه.

قلت: والإغفال بالغين المعجمة، والفاء، واللام، من أغفل، والإغفال:

(1) أي: البخاري.

ص: 293

الموات، يقال أرض غُفْل بضم الغين وإسكان الفاء: لا علم بها، ولا أثر عمارة.

وعن الكسائي: أرض غُفْل: لم تمطر، ودابةٌ غُفل: لا سِمَة عليها، وقد أغفلتها: إذا لم تسمها، ومنه رجل غُفل: لم يجرب الأمور. انتهى.

وقوله:

571 -

وَكَرِهُوْا فَصْلَ مُضَافِ اسْمِ اللهْ

مِنْهُ بِسَطْرٍ إِنْ يُنَافِ مَا تَلَاهْ

الشرح: يعني أنه يُكْرَه أن يُفْصَل في الخط بين ما أضيف إلى اسم الله تعالى، وبين اسم الله تعالى، في مثل عبد الله بن فلان، وغيره من الأسماء، فَيَكْتُب عبد في آخر سطرٍ، ويكتب في السطر الآخر اسم الله، ونص الخطيب على المنع من ذلك، وقَبَّحَه، وغَلَّط فاعلَه نصاً عن أبي [112 - أ] عبد الله بن بَطَّه. وعليه فقول (ن)«وكرهوا» تبعاً لابن الصلاح محمول على التحريم.

قال الخطيب: ومما أكرهه أن يُكتب: «قال رسول» في آخر السطر ويكتب في أول السطر، الذي يليه «الله صلى الله عليه وسلم» .

قال (ن)(1): ولا يختص ذلك باسم الله تعالى، بل الحُكْمِ كذلك في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، كما لو قيل: سابُّ النبي صلى الله عليه وسلم كافر، أو قاتل بن صفية في النار، يريد الزبير بن العوام ونحوه، فلا يجوز أن يكتب «ساب» و «قاتل» في سطر، وما بعد ذلك في آخَر، فيجتنب ذلك، ولو وقع في غير المتضايفين كقوله في حديث شارب الخمر الذي أتى به النبي

(1)(1/ 473).

ص: 294

صلى الله عليه وسلم وهو ثمل: فقال عمر: أخزاه الله ما أكثر ما يؤتى به فلا يجوز أن يكتب «فقال» في آخر سطر، و «عمر» وما بعده في أول السطر الذي يليه.

وقوله: «إن يناف» (خ) يعني فإذا لم يكن في شيء من ذلك مما بعد الاسم ما ينافيه، بأن يكون الاسم آخر الكتاب، أو آخر الحديث، ونحوه، أو يكون بعده شيء ملائم له، غير منافٍ له، فلا بأس بالفصل، نحو قوله آخر البخاري:«سبحان الله العظيم» ؛ فإنه إذا فصل بين المضاف والمضاف إليه كان أول السطر: «الله العظيم» ، ولا منافاة في ذلك، وجمعها في سطر مع ذلك أولى.

وقوله:

572 -

وَاكْتُبْ ثَنَاءَ (اللهِ) وَالتَّسْلِيْمَا

مَعَ الصَّلَاةِ للِنَّبِي تَعْظِيْمَا [112 - ب]

573 -

وَإِنْ يَكُنْ أُسْقِطَ فِي الأَصْلِ وَقَدْ

خُوْلِفَ فِي سَقْطِ الصَّلَاةِ (أَحْمَدْ)

574 -

وَعَلَّهُ قَيَّدَ بِالرَّوَايَهْ

مَعْ نُطْقِهِ، كَمَا رَوَوْا حِكَايَهْ

575 -

وَالْعَنْبَرِيْ وَابْنُ الْمُدِيْنِيْ بَيَّضَا

لَهَا لإِعْجَالٍ وَعَادَا عَوَّضَا

576 -

وَاجْتَنِبِ الرَّمْزَ لَهَا وَالْحَذْفَا

مِنْهَا صَلَاةً أَوْ سَلَاماً تُكْفَى

الشرح: يعني أنه ينبغي أن يحافظ على كتب الثناء على الله تعالى عند ذكر اسمه عز وجل، وكذلك كتابة الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره، ولا يَسْأم من تكراره، فالأجر عظيم، وقيل في قوله صلى الله عليه وسلم:«أولى الناس بي أكثرهم علي صلاة» أنهم أهل الحديث.

قلت: ونقل ابن الأَبَّار في «التكملة» عن ابن القاسم بن بشكوال، قال: قال

ص: 295

لي أبو الوليد محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن رضا سمعت أبي رحمه الله يقول عن أبي عبد الله بن فرج الفقيه رحمه الله تعالى أنه كان ينشد بيت حسان (1) رضي الله عنه:

هجوت محمداً صلى الله عليه وسلم وأجبت عنه

وعند الله في ذاك الجزاء

فكان يقال له: ليس يتزن هكذا. فكان يقول: أنا لا أترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن بشكوال: لقد كان يعجبني ما كان يفعله، نفعه الله تعالى بنبيه في ذلك. انتهى.

وقوله: «وإن يكن» (خ) يعني أن أصل سماعه إن كان فيه الثناء والصلاة والتسليم فواضح، وإن لم يكن فلا يتقيد به، بل [113 - أ] يتلفظ به ويكتبه.

وقوله: «وقد خُولف» (خ) يعني: أن الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه وُجِد في خطه إغفال الصلاة والتسليم، وخالفه غيره من الأئمة المتقدمين، فيما نصه الخطيب.

وقوله: «وعَلَّه» يعني: ولعل الإمام أحمد كان يَرَى التقييدَ في ذلك بالرواية، وعَزَّ عليه اتصالها في جميع من فوقه من الرواة. قال الخطيب: وبلغني أنه كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم نطقاً لا خطاً، ومال إليه القشيري فيما نصه في «الاقتراح» وقال: فينبغي مع ذلك أن يُصْحِبَها قرينة تدل على ذلك فيرفع رأسه عن النظر في الكتاب، وينوي بقلبه أنه هو المصلي لا حاكياً

(1) كذا.

ص: 296

[عن](1) غيره.

وقال عبد الله بن سنان: سمعت عباساً العنبري، وعلي بن المديني يقولان: ما تركنا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كُلِّ حديث سمعناه، وربما عجلنا فنبيض الكتاب في كل حديث حتى نرجع إليه. قال النووي: وكذا الترضي والترحم على الصحابة، والعلماء، وسائر الأخيار.

قلت: «وابن المديني» بفتح الميم، وكسر الدال، وبعده ياء مثناة تحت ساكنة، فنون، نسبةً إمَّا إلى مدينة الرسول، أو إلى مدينة نيسابور، أو إلى مدينة أصبهان.

قال ابن الأثير في «جامع الأصول» : وهذا أَحَد ما استُعمل فيه النَّسب خارجاً عن القياس؛ فإن قياسه المدني.

وقال الجوهري في النسب إلى مدينة الرسول مدني، وإلى مدينة منصور مديني للفرق. انتهى كلامه [113 - ب]، وهو واضح، وعليه ذَيَّل ابنُ نقطة في كتابه «الأنساب المتفقة في الخط المتماثلة في النقط والضبط» وهو كتاب بديع في فنه، ذَيَّل به على كتاب أبي موسى، وابن طاهر.

وابن المديني هذا هو أبو الحسن علي بن عبد الله البصري، مدني الأصل، كان آية من آيات الله تعالى في معرفة الحديث وعلله.

قال أبو حاتم: كان علماً في الناس في معرفة الحديث وعلله، وكان ابن عيينة يسميه حية الوادي، وعنه روى الإمام أحمد، وابنه صالح، والبخاري،

(1) زيادة من المصدر.

ص: 297

وجماعة انتهى.

وقوله: «واجتنب» (خ) يعني: أنه كَرِه الرَّمز للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخَطّ، فيقتصر على لفظين ونحوه فيكتب:(صلعم)، إشارةً إلى الصلاة والتسليم.

وكذا يكره الاقتصار على الصلاة أو (1) التسليم كما فعل الخطيب في كتاب «الموضح» ولم يُرْتَضَى.

قال حمزة الكناني: كنتُ أكتبُ عند ذكر النبي: «صلى الله عليه» ، ولا أكتب «وسَلَّم» ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي: مالك لا تُتِمُّ الصلاة عليَّ؟ قال: فما كتبتُ بعد ذلك: «صلى الله عليه» ، إلا كتبتُ:«وسلم» .

(1) في الأصل «و» . خطأ.

ص: 298