المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أوطان الرواة وبلدانهم - مفتاح السعيدية في شرح الألفية الحديثية

[ابن عمار المالكي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌شكر وعرفان

- ‌مقدمة الدراسة والتحقيق

- ‌اسمه ونسبه ولقبه وكنيته ومذهبه:

- ‌مولده ونشأته وطلبه للعلم:

- ‌مشايخه:

- ‌تدريسه وأعماله:

- ‌رحلاته:

- ‌مصنفاته:

- ‌علومه وأوصافه:

- ‌وفاته:

- ‌نظمه:

- ‌المبحث الثانيمنهج المصنف في كتابه

- ‌المبحث الثالث

- ‌الإضافة التي نقدمها بنشر هذا الكتاب

- ‌المبحث الرابعرموز المصنف

- ‌المبحث الخامسإثبات نسبة الكتاب إلى مصنفه

- ‌المبحث السادستسمية الكتاب

- ‌صور من النسخة الخطية

- ‌أقسام الحديث

- ‌أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيْثِ

- ‌الصَّحِيْحُ الزَّائِدُ عَلَى الصَّحِيْحَيْنِ

- ‌الْمُسْتَخْرَجَاتُ

- ‌مَرَاتِبُ الصَّحِيْحِ

- ‌حُكْمُ الصَّحِيْحَيْنِ والتَّعْلِيْق

- ‌نَقْلُ الْحَدِيْثِ مِنَ الكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ

- ‌القِسْمُ الثَّانِي: الْحَسَنُ [

- ‌القِسْمُ الثَّالِثُ: الضَّعِيْفُ

- ‌الْمَرْفُوْعُ

- ‌الْمُسْنَدُ

- ‌الْمُتَّصِلُ وَالْمَوْصُوْلُ

- ‌الْمَوْقُوْفُ

- ‌الْمَقْطُوْعُ

- ‌فُرُوْعٌ

- ‌الْمُرْسَلُ

- ‌الْمُنْقَطِعُ وَالْمُعْضَلُ

- ‌الْعَنْعَنَةُ

- ‌تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالإِرْسَالِ، أَو الرَّفْعِ وَالوَقْفِ

- ‌التَّدْلِيْسُ

- ‌الشَّاذُّ

- ‌الْمُنْكَرُ

- ‌الاعْتِبَارُ وَالْمُتَابَعَاتُ وَالشَّوَاهِدُ

- ‌زِيَادَةُ الثِّقَاتِ

- ‌الأَفْرَادُ

- ‌الْمُعَلَّلُ

- ‌الْمُضْطَرِبُ

- ‌الْمُدْرَجُ

- ‌الْمَوْضُوْعُ

- ‌الْمَقْلُوْبُ

- ‌تنبيهات

- ‌مَعْرِفَةُ مَنْ تُقْبَلُ رُوَايَتُهُ وَمَنْ تُرَدُّ

- ‌مَرَاتِبُ التَّعْدِيْلِ

- ‌مَرَاتِبُ الجَرْح

- ‌مَتَى يَصحُّ تَحَمُّلُ الْحَدِيْثِ أوْ يُسْتَحَبُّ

- ‌أَقْسَامُ التَّحَمُّلِ، وأوَّلُهَا: سَمَاعُ لَفْظِ الشَّيْخِ

- ‌الثَّاْنِي: القِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ

- ‌تَفْرِيْعَاتٌ

- ‌الثَّالِثُ: الإجَاْزَةُ

- ‌لَفْظُ الإِجَازَةِ وَشَرْطُهَا

- ‌الرَّاْبِعُ: الْمُنَاوَلَةُ

- ‌كَيْفَ يَقُوْلُ مَنْ رَوَى بِالمُنَاولَةِ وَالإِجَاْزَةِ

- ‌الْخَامِسُ: الْمُكَاتَبَةُ

- ‌السَّادِسُ: إِعْلَامُ الشَّيْخِ

- ‌السَّابِعُ: الوَصِيَّةُ بالكِتَابِ

- ‌الثَّامِنُ: الوِجَادَةُ

- ‌كِتَابَةُ الْحَدِيْثِ وضَبْطُهُ

- ‌الفصل الأول:

- ‌الْمُقَابَلَةُ

- ‌تَخْرِيْجُ السَّاقِطِ

- ‌التَّصْحِيْحُ والتَّمْرِيْضُ، وَهو التَّضْبِيْبُ

- ‌الكَشْطُ والْمَحْوُ والضَّرْبُ

- ‌العَمَلُ في اخْتِلَافِ الرُّوَايَاتِ

- ‌الإِشَارَةُ بالرَّمْزِ

- ‌مَعْرِفَةُ الصَّحَابَةِ

- ‌مَعْرِفَةُ التَّابِعِينَ

- ‌رِوَايةُ الأَكَابِرِ عَنِ الأَصاغِرِ

- ‌رِوَايَةُ الأَقْرَانِ

- ‌الأُخْوَةُ والأَخَوَاتُ

- ‌رِوَايَةُ الآبَاءِ عَنِ الأبْنَاءِ وَعَكْسُهُ

- ‌السَّابِقُ واللَاّحِقُ

- ‌مَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَاّ رَاوٍ وَاحِدٌ

- ‌مَنْ ذُكِرَ بِنُعُوتٍ مُتَعَدِّدةٍ

- ‌أَفْرَادُ العَلَمِ

- ‌الأَسْمَاءُ والكُنَى

- ‌الأَلْقَابُ

- ‌الْمُؤْتَلِفُ والمُخْتَلِفُ

- ‌المتفق والمفترق

- ‌تلخيص المتشابه

- ‌المشتبه المقلوب

- ‌من نُسِبَ إلى غير أبيه

- ‌المنسوبون إلى خلاف الظاهر

- ‌المبهمات

- ‌تأريخ الرواة والوفيات

- ‌معرفة الثقات والضعفاء

- ‌معرفة من اختلط من الثقات

- ‌طبقات الرواة

- ‌الموالي من العلماء والرواة

- ‌أوطان الرواة وبلدانهم

الفصل: ‌أوطان الرواة وبلدانهم

‌أوطان الرواة وبلدانهم

قوله:

997 -

وَضَاعَتِ الأَنْسَابُ في البُلْدَانِ

فَنُسِبَ الأَكْثَرُ لِلأَوْطَانِ [181 - ب]

998 -

وَإنْ يَكُنْ في بَلْدَتَيْنِ سَكَنَا

فَابْدَأْ بِالاوْلَى وَبِثُمَّ حَسُنَا

999 -

وَإنْ يَكُنْ مِنْ قَرْيَةٍ مِنْ بَلْدَةِ

يُنْسَبْ لِكُلٍّ وَإلَى النَّاحِيَة

الشرح: من المحتاج إليه في هذا الفن العرفان بأوطان الرواة وبلدانهم، فإنه ربما مَيَّزَ بين الاسمين المتفقين لفظاً، فَيُنْظَر في شيخه وتلميذه الذي روى عنه، فربما كانا أو أحدهما من بلد أحد المتفقين في الاسم، فيغلب على الظن أن بلديهما هو المذكور في السند، لا سيما إذا لم يُعرف له سماع بغير بلده.

وربما يُستدل بذكر وطن الشيخ، أو ذكر مكان السماع، على الإرسال بين الروايتين إذا لم يُعرف لهما اجتماع، عند من لا يَكْتفي بالمعاصرة.

قال شيخنا (ن)(1): وسمعت شيخنا الحافظ أبا محمد عبد الله بن محمد بن أبي القرشي يقول غير مَرَّة: كنت أسمعُ بقراءة الحافظ أبي الحجَّاج المزي من كتاب عمل اليوم والليلة للحسن بن علي بن شبيب المعمري، فَمَرَّ حديث من

(1)(2/ 347).

ص: 465

رواية يونس بن محمد المؤدب (1)، عن الليث بن سعد، فقلت للمزي: في (2) أين سمع يونس من الليث؟ (3) فقال: لعله سمع منه في الحج، ثم استمر في القراءة، ثم قال: لا الليث ذهب في الرُّسَيْلة إلى بغداد فسمع هناك، انتهى.

وإنما حدث للعرب الانتساب إلى البلاد والأوطان لما غلب عليها سُكنى القري والمدن، وضاع كثير من أنسابها، فلم يبق لها غير الانتساب إلى البلدان [182 - أ]، وكانت العرب تُنْسَب قبل ذلك إلى القبائل.

فَمَن سَكَن في بلدتين وأراد الانتساب إليهما، فليبدأ بالتي سكنها أولاً، ثم الثانية التي انتقل إليها، ويحسن أن يأتي بلفظ «ثُم» في النسب إلى البلدة الثانية، فيقول: مثلاً المصري [ثم](4) الدمشقي.

وقوله: «ومن يكن» (5)(خ) يعني من كان من أهل قرية من قرى بلدةٍ، فجائز أن يُنسب إلى القرية، وإلى البلدة أيضاً، وإلى الناحية التي منها تلك البلدة، فمن هو من أهل دارياً مثلاً، نقول له في نَسَبه: الدَّاري، والدمشقي، والشامي، فإن أراد الجمع بينهما فليبدأ بالأعم فيقول الشامي، الدِّمَشقي، الداري.

(1) قوله: بن محمد المؤدب. تأخر في الأصل عن موضعه.

(2)

كذا.

(3)

في الأصل: الليث من يونس. وهو قلب.

(4)

زيادة من المصدر.

(5)

كذا، والذي في الألفية:«وإن يكن» .

ص: 466

وقوله:

1000 -

وَكَمَلَتْ بِطِيْبَةَ المَيْمُوْنَهْ

فَبَرَزَتْ مِنْ خِدْرِهَا مَصُوْنَهْ

1001 -

فَرَبُّنَا المَحْمُودُ وَالمَشْكُوْرُ

إِلَيْهِ مِنَّا تَرْجِعُ الأُمُوْرُ

1002 -

وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ

عَلَى النَّبِيِّ سَيِّدِ الأَنَام

الشرح: أشار إلى أن هذه الأرجوزة تمت بطَيْبَة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبها برزت إلى الخارج.

وقوله: «كَمَلت» ، يقال: بفتح الميم في الأفصح، وبكسرها وضمها، وهذا مما جاء فيه، «فَعَل» بفتح العين، وكسرها، وضمها باتفاق المعنى.

وقوله: «بطَيْبة» هو بفتح الطاء، وإسكان الياء المثناة تحت، وبعده باء موحدة، فهاء تأنيث، اسم من أسماء المدينة، وتُسَمَّى طَابَة بطاء، فألف، فباء موحدة، فهاء تأنيث، [182 - ب] لقوله صلى الله عليه وسلم:«إن الله تعالى سمَّى المدينة طَابَة» (1)، وسمَّاها النبي صلى الله عليه وسلم طَيْبَة من الطِّيب الذي هو الرائحة الحسنة، والطَّاب والطيب لغتان.

قال النووي في «شرح مسلم» (2): وقيل من الطَّيِّب بفتح الطاء وتشديد الياء وهو الطاهر لخلوصها من الشرك، وطهارتها، وقيل: من طيب [العيش](3) بها، انتهى.

(1) أخرجه مسلم (رقم 3423).

(2)

(9/ 154 ط. دار إحياء التراث).

(3)

زيادة من المصدر.

ص: 467

وللمدينة أسماء كثيرة استوفاها ابن المنجم في «أخبار النواحي» له، اقتصر البكري منها في كتابه «معجم البلاد» على أربعة عشر اسماً ذكرتها مستوفاة في كتابي «غاية الإلهام شرحي لعمدة الأحكام» نفع الله تعالى به، وأعلاها: طابة وطيبة كما تلفظ المؤلف لحسن لفظهما، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن، ويكره الاسم القبيح، وفي بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتب لعماله:«إذا أبردتم لي بريداً فأبردوه حسن الوجه حسن الاسم» (1)، ويستحب لمن لجأ إلى الله تعالى متوسلاً إليه بالصادق الحبيب الأمين في قصة نثرية أو نظمية (2) يرسلها إلى الموضع الشريف الذي ضَمَّ أعضاءه الشريفة (3) صلى الله عليه وسلم أن يلقبه بطيبة، تفاؤلاً بخلوصه مما وقع فيه وبحصول مطلبه ومراده، كما أنشدني بلفظه بالثغر المحروس الإسكندرية عام واحد وتسعين وسبعمائة شيخنا الرحلة والمعمر بهاء الدين [183 - أ] عبد الله المخزومي الدماميني من قصيدة يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشكو له من ظَلَمَه مطلعها:

فؤاد لأطلال المحصَّب شائقٌ

ونفس لها منه شهيد وسائق

إلى أن قال:

أقمت به جذلان ستون حجةً

وعشرون عاماً بالشكاية ناطقُ

(1) أخرجه البزار في مسنده (ص242 - زوائده) وصححه الألباني. السلسلة الصحيحة (3/ 260).

(2)

كذا.

(3)

لا شك أن هذا من المخالفات العقدية الظاهرة، كما هو مشهور مُبَيَّن في كتب العقيدة.

ص: 468

ذ

ذ

فلم أر إلَاّ محسناً متصدقاً

يصدقني في مقولي ويصادقُ

صحتُ بشيخ دونهم فاستشرته

وقلت بأن الشيخ بالرأي صادقُ

وصرَّحت بالشكوى وقلت له أشِرْه

عليَّ فقد ضاقت على الطرائق

فأخبرني أن الشفاء بطيبةٍ

وسيف رسول الله للبغي ماحقُ

فقمتُ مُجداً وامتطيتُ بشمله

تخدُ وخلفي فتية وأيانقُ

إلى أن بدا من جانب القبر شارق

تبلج منه أفقه والشوارق

مرغت به شيبي وعفرتُ وجنتي

فقيراً لأبواب النبوة طارقُ

قرعت بذلي بابه قرع حاجةٍ

أطوف وأشكو ظالمي وأحاققُ

وأبديت بالأبواب ما أنا كاتمٌ

ولا ....... (1) فيها ولا الباب غالقُ

وقمت بجاه القبر يسمعني الذي

له نسب في ذروة المجد شاهق

وقلت أغثني يا أماني فإنني

بنصرك قلبي في البرية واثقُ

وقد ذهب الأعداء إلَّا بما له

وباطلها في جنب حقك زاهقُ [183 - ب]

جعلتك قصدي والمهيمن حاكمٌ

وأنت شفيع الخلق والله رازقُ

وقلت لخصمي إذ تجردت شاكياً

تأنَّى فقد حقت لدينا الحقائقُ

تأنَّى فهذا منزلٌ منزلٌ فيه حاكمٌ

عن الله عن جبريل بالحق ناطقُ

شكوت ولا شك بانك ناصرٌ

ولا شك بين الناس أني صادقُ

ومن يك بالباب المعظم لائذٌ

يدور عليه من حلاه المناطق

إلى أن قال:

(1) بياض في الأصل.

ص: 469

أتيت رسول الله خاتم رسله

لواؤك في الدارين فوقك خافقُ

لك البدر في أفق السماء مشققٌ

يشاهده جمهوره والخلائقُ

لك الشمس من غيبوبة رجعت كما

لفقدك حن الجدع والجذع شائقُ

لك انقادت الأشجار لما دعوتها

تُخَدُّ عُذُوقاً لم تعقها العوائق

بكفك روَّيت الجيوش من الظمأ

وصمُّ الحصا في الذكر بالكف ناطقُ

وألفاً بصاعٍ من شعيرة اكتفوا

وأنت به في حالة الري باصق

وفي بيتك الأملاك تنزل خدمةً

ودون مقامات الحبيب السرادقُ

لك ألقاب نزل والتقرب منزلٌ

لدى نظرٍ دون البرية صادق

ذذ

بعينيك قد شاهدت ربك جهرةً

حكاه ابن عباس حديثٌ مطابق

تباشرت الآفاق إذ قمت منذرٌ (1)

الأعظم في الشكوى وحصول المراد تبركاً بذكره [184 - أ] الشريف، واستغاثةً به صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يبلغني مقصودي ومرادي ويغفر لي ويميتني بطيبة المشرفة.

وحامل الهوى تعب

يستفزه الطرب.

وقوله: «الميمونة» يعني: المباركة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم بارك لهم في مكيالهم وبارك لهم في صاعهم، وبارك لهم في مُدِّهم» (2) فقيل: المراد بالبركة الدينية فيما يتعلق بهذه المقادير من حقوق الله تعالى في الزكوات

(1) كذا لم يكمل البيت.

(2)

الحديث أخرجه البخاري (2023)، ومسلم (3391).

ص: 470

والكفارات، وقيل الدنيوية من تكثير الكيل والقدر بهذه الأكيال حتى يكفي منه ما لا يكي من غيره في غير المدينة، والذي يظهر لي والله تعالى أعلم، والشاهد به قائمٌ معايَن: عموم البركة دنيا وأخرى، وفي القدر في الأكيال، وفي التصرف بها في التجارات وأرباحها، وفي كثرة ما يكال بها من غلاتها وثمارها، وفيما يُكَال بها لإشباع عيشهم وكثرته بعد ضيقه، لما فتح الله عليهم ووسع عليهم من فضله لهم، ومَلَّكَهم من بلاد الخصب والريف بالشام والعراق ومصر وغيرها، حتى كَثُرَ الحملُ إليها، واتَّسَعَ عيشهم، حتى صارت هذه البركة في الكَيْل نفسه، فزاد مُدُّهم.

ومن تأمل ما يحمله الحجيج خصوصاً زمن الموسم من اليمن إلى جميع أقطار البلاد شرقيها وغربيها بحيث يفوق [184 - ب] غلات الأمصار، وما يفضل لهم عن ذلك مما يقوم بهم إلى زمن التَمْرِ يجد مصداق ذلك، وكل ذلك من ظهور إجابة دعوته صلى الله عليه وسلم وقبولها.

وقوله: «فبرزت» أي: خَرَجت.

وقوله: «من خِدْرِها» هو بكسر الخاء المعجمة، وإسكان الدال المهملة، وبعدها واو مهملة.

قال في «الصحاح» : الخِدْرِ: السِّتْر، وجارية مخدرة: إذا لزمت الخدر، انتهى.

وقوله: «مَصُونة» هو بفتح الميم، وضم الصاد المهملة، وإسكان الواو، وبعده نون، فهاء تأنيث، ولعله -والميمونة- من أسماء المدينة، وكانت مصونة

ص: 471

لأن الله تعالى صانها ممن يريد بها سوءاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «ولا يريد أحد أهل المدينة بسوءٍ إلا أذابه الله تعالى في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء» (1).

وقد شوهد من أرادها بسوءٍ أَنَّ الله لا يُمْهِلُه، ولا يمكِّن له سلطاناً، بل قد يذهبه عن قريب، كما انقضى من حاربها أيام بني أمية كمَسْلَمة بن عقبة، فإنه هلك في منصرفه عنها، ثم هلاك يزيد بن معاوية الذي أرسله بأثر ذلك، وغيرهما ممن صنع صنيعهما.

وكفى بذلك ما نصه محمد بن إسحاق عن تُبَّع الآخر وهو أسعد بن كرب حين أقبل من المشرق مَرَّ على المدينة ولم يهج أهلها وخلف عندهم ابناً له فَقُتِلَ غيلةً، فجاء مجمعاً بخرابها واستئصال [185 - أ] أهلها، فأجمع هذا الحي من الأنصار على قتاله، ورئيسهم عمرو بن الطلة أخو بني النجار، وكان رجل من بني النجار قد قَتَلَ قبل ذلك رجلاً من صحابة تبع، وجده يخدُّ عرقاً له، فزعم الأنصار أنهم كانوا يقاتلونه بالنهار ويقرونه بالليل فيعجبه ذلك ويقول: إن قومنا هؤلاء لكرام، إذ جاءه حبران من أحبار يهود بني قريظة مِن أعلم أهل زمانهما فقالا: أيها الملك لا تقاتلهم، فإنا لا نأمن عليك العقوبة، فإنها مهاجر نبي يخرج من هذا الحي من قريش في آخر الزمان هي داره وقراره، فكف عنهم ثم دعواه إلى دينهما فاتبعهما، وقال:

(1) أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه رقم (3385).

ص: 472

ولقد هبطنا يثرباً وصدورنا

تغلي بلابلها بقتل محصد

فعفوت عنهم عفو غير مترب

وتركتهم لعقاب يوم سرمد

نفراً يكون النصر في أعقابهم

أرجو بذاك ثواب رب محمد (1)

ورجع إلى اليمن، انتهى.

لا جرم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رَغَّبَ في سكناها وقال: «لا يدعها أحدٌ رغبة عنها إلا أبدله الله فيها من هو خير منه» (2) وهذا عامٌّ في حياته وبعده صلى الله عليه وسلم على الأصح فيما صرح به النووي في «شرح مسلم» تبعاً لعياض.

ولما قدم المهدي بعث إلى مالك بألفي دينار [185 - ب] أو بثلاثة آلاف دينار، ثم أتاه الربيع بعد ذلك فقال له: إن أمير المؤمنين يحب أن تعادله إلى مدينة السلام، فقال له مالك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون» (3) والمال عندي على حاله.

وقوله: «فربنا» (خ). قلت: فَصَدقَ لا يحمد إلا الله، ولا يُشكر إلا الله، وهذا بعين الحقيقة، وأما بعين المجاز فشكر المنعم واجب لحديث: «لا يشكر الله

(1) البيت قبله:

ولقد تركت بها له من قومنا

نفراً أولي حسب وبأس يحمد

(2)

أخرجه مسلم (رقم3384).

(3)

هو جزء من الحديث السابق.

ص: 473

من لا يشكر الناس» (1) وفي الحديث: «إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة قال لعبد: هل شكرت فلاناً؟ فيقول يا رب علمت أنك المنعم فشكرتك، فيقول الله تعالى: لم تشكرني إذ لم تشكر من أجريت ذلك على يديه، من لم يحمد من استحق الحمد فقد عَيَّ وحسد، ومن حمد من لم يستحق الحمد فقد ملق» وفي الحديث: «الثناء من غير استحقاق ملق، والتقصير عن الاستحقاق عيٌّ وحسد» .

وقوله: «إليه منا ترجع الأمور» .

قلت: أشار بذلك أن مرجعنا وأعمالنا إلى الله حسب ما نطق بذلك السماع القرآني، والسماع السني، والشاهد المعاين من خلق السماوات وما فيهن، والأرضين وما فيهن، يؤيد ذلك، لا يعاند ذلك إلا شقي مسلوب من العقل والعاقلة، والله يعيذنا وذريتنا من ذلك إنه على كل شيء قدير [186 - أ]، وبالإجابة جدير، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، كل ما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون.

[وهذا آخر ما لخصناه بحمد الله تعالى وفضله وحوله وقوته من شرح شيخنا الناظم لهذه الأرجوزة المباركة النافعة وأسأل الله العظيم أن ينفع بذلك، وما ألفته، وما ألفه ولدي، والمسلمين، أنصفوا أو لم ينصفوا.

وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

نجزت بحمد الله تعالى وعونه وعز توفيقه على يد فقير رحمة الله

(1) أخرجه أبو داود رقم (4813) وصححه الألباني.

ص: 474

محمد بن عبد الواحد بن عبد الله بن محمد الدالاصي الأنصاري المالكي غفر الله تعالى له ولوالديه ولمن دعا له بالرحمة والمغفرة ولجميع المسلمين والحمد لله وحده.

وذلك في تاسع شهر ذي الحجة الحرام من شهور سنة أربع وثلاثين [ ..... ] من الهجرة النبوية ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم] [186 - ب]

ص: 475