الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بها.
وقوله: «ولكن يمتنع» (خ) يعني أن الخطيب خَصَّ ذلك لمن عُرِفَ من عادته مثل ذلك، فأما من لا يُعْرَف بذلك فلا يَحْمِلُه على السماع.
الثَّاْنِي: القِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ
قوله:
375 -
ثُمَّ الْقِرَاءَةُ الَّتِي نَعَتَهَا
…
مُعْظَمُهُمْ عَرْضَاً سَوَا قَرَأْتَهَا
376 -
مِنْ حِفْظٍ أو كِتَابٍ او سَمِعْتَا
…
والشَّيْخُ حَافِظٌ لمِاَ عَرَضْتَا
377 -
أولَا، وَلَكِنْ أَصْلُهُ يُمْسِكُهُ
…
بِنَفْسِهِ، أو ثِقَةٌ مُمْسِكُهُ
378 -
قُلْتُ: كَذَا إنْ ثِقَةٌ مِمَّنْ سَمِعْ
…
يَحْفَظُهُ مَعَ اسْتِماَعٍ فَاقْتَنِعْ
الشرح: الطريق الثاني من الطرق الثمانية في القراءة على الشيخ، ويسميها أكثر قدماء المحدثين «عرضاً» ؛ لأن القارئ يعرضه على الشيخ، وسواءً قرأ هو على الشيخ من حفظه، أو من كتاب، أو سمع بقراءة غيره من كتاب، أو حفظه، وسواءً كان الشيخ يحفظه أم لا إذا كان يمسك أصله هو أو ثقة غيره.
وقوله: «قلت» من الزيادة على ابن الصلاح، وهو أن الأمر هكذا إن كان ثقة من السامعين يحفظ ما يُقْرَأ على الشَّيخ، والحافظ لذلك يستمع لما يُقرأ غير غافل عنه.
وقوله:
379 -
وَأَجْمَعوُا أَخْذَاً بِهَا، وَرَدُّوا
…
نَقْلَ الخِلَافِ، وَبِهِ مَا اعْتَدُّوا
380 -
وَالْخُلْفُ فِيْهَا هَلْ تُساوي الأوَّلَا
…
أو دُوْنَهُ أو فَوْقَهُ؟ فَنُقِلَا
381 -
عَنْ (مَالِكٍ) وَصَحبْهِ وَمُعْظَمِ
…
(كُوْفَةَ) وَ (الحِجَازِ أَهْلِ الْحَرَمِ)[80 - أ]
382 -
مَعَ (البُخَارِي) هُمَا سِيَّانِ
…
وَ (ابْنُ أبِي ذِئْبٍ) مَعَ (النُّعْمَانِ)
383 -
قَدْ رَجَّحَا الْعَرْضَ وَعَكْسُهُ أَصَحّْ
…
وَجُلُّ (أَهْلِ الشَّرْقِ) نَحْوَهُ جَنَحْ
الشرح: يعني أنهم أجمعوا على صِحَّة الرواية بالعرض، ورَدُّوا ما حُكي عن بعض من لا يُعتد بخلافه أنه كان لا يراها، وهو أبو عاصم النبيل، فيما رواه صاحب «المحدث» (1).
وروى الخطيب عن وكيع قال: ما أخذت حديثاً قط عرضاً، وأدرك عبد الرحمن بن سلام الجمحي مالكاً والناس يقرأون عليه فلم يكتف بالعرض، فقال مالك: أخرجوه عني.
والحقُّ صحة الرواية بالعرض، واستدلَّ البخاريُّ على ذلك بحديث ضِمام بن ثعلبة.
وقوله: «والخلف» (خ) يعني أنهم اختلفوا في تساوي هذين الطريقين والترجيح بينهما على ثلاثة أقوال: فمذهب مالك وأصحابه ومعظم علماء الحجاز والكوفة والبخاري التسوية بينهما، وحكاه الصيرفي في «الدلائل» عن الشافعي.
(1) أي كتاب «المحدث الفاصل» .
وقوله: «وابن أبي ذئب» (خ) هذا القول الثاني، وهو ترجيح القراءة على الشيخ على السماع من لفظه، وإليه ذهب من ذَكَر (ن)، وحكاه ابن فارس عن مالك وغيره، وكذا رواه الخطيب عن مالك، والليث بن سعد، وابن لهيعة، وجماعة عديدة من الأئمة.
قلت: وابن أبي ذئب بضم الذال المعجمة وفتح الهمزة (1) بعدها هو قبيصة. والنعمان هو أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه.
وقوله: [80 - ب]«وجُلّ أهل الشرق» (خ) هذا هو القول الثالث، وهو ترجيح السماع من لفظ الشيخ على القراءة عليه وهو الصحيح.
وقوله:
384 -
وَجَوَّدُوا فِيْهِ قَرَأْتُ أو قُرِىْ
…
مَعْ وَ (أَنَا أَسْمَعُ) ثُمَّ عَبِّر
385 -
بِمَا مَضَى فِي أولٍ مُقَيَّدَا
…
(قِرَاَءةً عَلَيْهِ) حَتَّى مُنْشِدَا
386 -
(أَنْشَدَنَا قِرَاَءةً عَلَيْهِ) لَا
…
(سَمِعْتُ) لَكِنْ بَعْضُهُمْ قَدْ حَلَّلَا
387 -
وَمُطْلَقُ التَّحْدِيْثِ وَالإِخْبَارِ
…
مَنَعَهُ (أَحْمَدُ) ذُوْ الْمِقْدَار
388 -
(وَالنَّسَئِيُّ) وَ (التَّمِيْمِيُّ يَحْيَى)
…
وَ (ابْنُ الْمُبَارَكِ) الْحَمِيْدُ سَعْيَا
389 -
وَذَهَبَ (الزُّهْرِيُّ) وَ (الْقَطَّانُ)
…
وَ (مَالِكٌ) وَبَعْدَهُ (سُفْيَانُ)
390 -
وَمُعْظَمُ (الْكُوْفَةِ) وَ (الْحِجَازِ)
…
مَعَ (الْبُخَارِيِّ) إلى الْجَوَاز
(1) كذا قال!.
391 -
وَابْنُ جُرَيِجٍ وَكَذَا الأوزَاعِيْ
…
مَعَ (ابْنِ وَهْبٍ) وَ (الإمَامُ الشَّافِعِيْ)
392 -
وَ (مُسْلِمٌ) وَجُلُّ (أَهْلِ الشَّرْقِ)
…
قَدْ جَوَّزُوا أَخْبَرَنَا لِلْفَرْق
393 -
وَقَدْ عَزَاهُ صَاحِبُ الإِنْصَافِ
…
(للنَّسَئي) مِنْ غَيْرِ مَا خِلَاف
394 -
وَالأَكْثَرِيْنَ وَهُوَ الَّذِي اشْتَهَرْ
…
مُصْطَلَحَاً لأَهْلِهِ أَهْلِ الأَثَر
الشرح: هذا تفريع على الطريق الثاني الفرع الأول: إذا روى السامع بهذه الطريقة فله عبارات أحوطها وأجودها أن يقول: «قرأت على فلان» إن كان هو الذي قَرَأ، و «قرئ عليه وأنا أسمع» إذا سمع عليه بقراءة غيره.
فقوله: «وجودوا» أي: رأوه أَجْوَد [81 - أ].
وقوله: «ثم عَبر» (خ) يعني أنه يلي ذلك عبارات السماع من لفظ الشيخ مقيدةً بالقراءة عليه فيقول: حدثنا، وأخبرنا، وأنبأنا قراءةً عليه، ونحوه، حتى إنهم استعملوا ذلك في الإنشاد فقالوا: أنشده فلان قراءةً عليه، أو بقراءتي.
قال السبكي تاج الدين رحمه الله تعالى: أنشدني شيخنا أبو حيان بقراءتي عليه:
عدَاتي لهم فَضْلٌ علي ومِنَّةٌ
…
فلا أَذْهَبَ الرحمنُ عني الأعاديا
هموا بحثوا عن زلتي فاجتنبتها
…
وهم نافسوني فاكتسبتُ المعاليا
وقوله: «لا سمعت» (خ) يعني أنهم لم يستثنوا مما يجوز في الطريق الأول إلا لفظ «سمعت» فلم يجوزوها في العرض، وصرح بذلك أحمد بن صالح فقال لا يجوز أن يقول:«سمعت» . قال الباقلَّاني: وهو الصحيح.
وقوله: «لكن» (خ) يعني أن بعضهم جَوَّزَه. قال عياض: وهو قول رُوِيَ عن مالكٍ، والثوري، وابن عيينة.
وقوله: «مطلق» (خ) يعني أن إطلاق «ثنا» و «أنا» من غير تقييد بقوله: «بقراءتي عليه» ، أو «قراءةً عليه» ، اختلفوا فيه على مذاهب؛ فذهب ابن المبارك، ويحيى بن يحيى التميمي، والإمام أحمد، والنسائي، فيما حكاه عنه ابن الصلاح تبعاً لعياض، إلى منع إطلاقهما، وصحَّحَهُ الباقلاني.
وقوله: «الحميد سعيا» قلت: هو صفة لابن المبارك «في سعيه محمود» ، فـ «سعيَا» منصوب على التفسير، ولا شك في ذلك، واجتمع جماعةٌ من أصحابه مثل الفضل بن موسى، ومخلد بن حسين، ومحمد بن النضر [81 - ب]، فقالوا: تعالوا حتى نَعُدّ خصال ابن المبارك من أبواب الخير، فقالوا: جمع العلم، والفقه، والأدب، والنحو، واللغة، والزهد، والشعر، والفَصَاحة، والوَرَع، والإنصات، وقيام الليل، والعبادة، والشِّدَّة في رأيه، وقِلَّة الكلام فيما لا يعنيه، وقلة الخلاف على أصحابه.
وفي «الكمال» لعبد الغني بسنده إلى ابن القاسم قال: لما قدم الرشيد الرَّقَّة أشرفت أم ولد الرشيد من قصرٍ من خَشَب فرأت الغبرة قد ارتفعت، والنِّعَال قد انقطعت، وانحفل الناس، فقالت: ما هذا؟ قالوا: عالم خراسان، يقال له عبد الله بن المبارك. قالت: هذا والله المُلْك لا مُلْك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بالسوط والخشب. انتهى.
فمن هو بهذه الصفات جدير أن يوصف بالحميد سعياً فصدق شيخنا (ن) وبَرَّ، وتعدَّى الذهبي في «الكاشف» فقال: شيخ الإسلام. وشيخُ الإسلام
إنما هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه الذي ثبت الزكاة، وقاتل أهل الردة، فاعرفْه، والله تعالى أعلم، وكان ابن المبارك كثيراً ما يتمثل بقوله:
وإذا صاحبت فاصحب صاحباً
…
ذا حياءٍ وعفاف وكرم
قوله للشيء: لا، إن قلتَ: لا
…
وإذا قلت: نعم، قال نعم
رضي الله تعالى عنه، وأرضاه، ونفعنا بخيره، وعلومه، وبركاته.
وقوله: «وذهب الزهري» (خ) هذا المذهب الثاني في [82 - أ] المسألة وهو جواز إطلاقهما، وإليه ذهب الزهري محمد بن شهاب، ومالك تلميذه، والثوري، وأبو حنيفة، وصاحباه، وابن عيينة، والقطان يحيى بن سعيد، ومن ذكره (ن) بعد، ومالك في أحد القولين عنه، وأحمد، وثعلب، والطحاوي، وصنف فيه جزءاً، يرويه بالإجازة عنه شيخنا (ن)، سمعه متصلاً، وغيرهم من العلماء.
وقوله: «وابن جريج» (خ) هذا المذهب الثالث في المسألة وهو الفرق بين اللفظين، فيجوز إطلاق «أخبرنا» ولا يجوز إطلاق «حدثنا» ، وإليه ذهب من ذكره (ن).
وقوله: «وقد عزاه» (خ) يعني أن صاحب كتاب «الإنصاف» وهو محمد بن الحسن التميمي الجوهري عزاه للنسائي ولأكثر أصحاب الحديث.
وقوله: «وهو الذي» (خ) قلت: «هُو» بضم الهاء من «وهُوَ» في لغة أهل الحجاز يحركون الهاء من «هُو» بعد الواو، والفاء، وثُم، واللام. ولغة نجد التسكين، وتسكينها بعد همزة الاستفهام، وكاف الجر مخصوص بالشعر
فيما نصه ابن مالك انتهى. يعني أن هذا هو الشائع الغالب على أهل الحديث كما نَصَّهُ ابن الصلاح.
وقوله: «وبعده سفيان» يريد ابن عُيينه لا الثوري؛ لأن الثوري تقدمت وفاتُه على مالك، وابن عيينة متأخر.
وقوله:
395 -
وَبَعْضُ مَنْ قَالَ بِذَا أَعَادَا
…
قِرَاءَةَ الصَّحِيْحِ حَتَّى عَادَا
396 -
فِي كُلِّ مَتْنٍ قَائِلاً: (أَخْبَرَكَا)
…
إِذْ كَانَ قال أوَّلاً: (حَدَّثَكَا)[82 - ب]
397 -
قُلْتُ وَذَا رَأْيُ الَّذِيْنَ اشْتَرَطُوا
…
إِعادَةَ اْلإِسْنَادِ وَهْوَ شَطَطُ
الشرح: يعني أن بعض من قال بالفرق بين اللفظين وهو الهروي أبو حاتم محمد بن يعقوب في حكاية البرقاني عنه أنه قرأ على بعض الشيوخ عن الفربري «صحيح البخاري» وكان يقول له في كل حديث: «حدثكم الفربري» ، فلما فرغ من الكتاب سمع الشيخ يذكر أنه إنما سمع الكتاب من الفربري قراءةً عليه فأعاد قراءة الكتاب كله، وقال له في جميعه:«أخبركم الفربري» .
وقوله: «قلت» (خ) من الزيادة على ابن الصلاح، يعني أن هذا الذي فعل ذلك لعله يرى أنه لا بد مِنْ ذكر السند في كل حديث، وإن كان الإسنادُ واحداً إلى صاحب الكتاب وهو مذهب شَطَط في الرواية، والصحيح أنه لا يحتاج إلى إعادته في كل حديثٍ، والله تعالى أعلم.