الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَفْرِيْعَاتٌ
قوله:
398 -
وَاخْتَلَفُوا إِنْ أَمْسَكَ الأَصْلَ رِضَا
…
وَالشَّيْخُ لَا يَحْفَظُ مَا قَدْ عُرِضَا
399 -
فَبَعْضُ نُظَّارِ الأُصُوْلِ يُبْطِلُهْ
…
وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثْيِنَ يَقْبَلْهْ
400 -
وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ فَإِنْ لَمْ يُعْتَمَدْ
…
مُمْسِكُهُ فَذَلِكَ السَّمَاعُ رَدّْ
الشرح: يعني أن الشيخ إذا قُرئ عليه عَرْضاً لا يحفظ ذلك المقروء عليه، فإن كان أَصْلُهُ بيده صَحَّ السَّمَاع كما تقدم، وإن كان القارئ يقرأ في أصله فصحيح أيضاً، خلافاً لمن شَذَّ في [83 - أ] الرواية.
وإن لم تكن القراءة من الأصل ولكن الأصل يمسكه أحد السامعين الثقات، فاختلفوا في صحة السماع؛ فحكي عياضٌ تردد الباقلاني فيه، وأن أكثر ميله إلى المنع، وإليه ذهب الجويني إمام الحرمين، وأجازه بعضهم، وصَحَّحَهُ وبه عمل كافة الشيوخ والمحدِّثون، واختاره ابن الصلاح.
وقوله: «فإن لم يُعْتَمَد» (خ) هو بضم أوله مبنياً للمفعول، ويعني أن الممسك للأصل لا يُعتمد عليه، ولا يُوثق به، فالسماع مردودٌ لا يُعتد به.
وقوله:
401 -
وَاخْتَلَفُوا إنْ سَكَتَ الشَّيْخُ وَلَمْ
…
يُقِرَّ لَفْظاً، فَرآهُ الْمُعْظَمْ
402 -
وَهْوَ الصَّحِيْحُ كَافِياً، وَقَدْ مَنَعْ
…
بَعْضُ أولي الظَّاهِرِ مِنْهُ، وَقَطَعْ
403 -
بِهِ (أبُو الْفَتْحِ سُلَيْمُ الرَّازِي)
…
ثُمَّ (أبُو إِسْحَاقٍ الشِّيْرَازِيْ)
404 -
كَذَا (أبُو نَصْرٍ) وَقال: يُعْمَلُ
…
بِهِ وَألْفَاظُ الأَدَاءِ الأَوَّلُ
الشرح: هذا الفرع الثاني من التفريعات، وهو إذا قُرِئ على الشيخ «أخبرك فلانٌ» وهو مُصْغٍ، فاهم، غير مُنكِر، ولا مكرَه، صَحَّ السماع، وجازت الرواية به، وإن لم ينطق الشيخ على الصحيح.
وقوله: «المعظم» بضم الميم، وفتح الظاء، ويعني به الجمهور من الفقهاء والمحدثين والنظار، كما نَصَّه عياضٌ.
وقوله: «وقد منع» (خ) يعني أن بعضهم شرط نُطْقَهُ، إليه مال بعضُ الظاهرية، وبه عمل جماعة من شيوخ المشرق [83 - ب]، وبه قطع من الشافعية من ذكره (ن)، و «أبو نصرٍ» هو ابن الصَّبَّاغ.
تنبيه: وقوله: «وقد مَنَعَ بعضُ أولي الظاهر منه» ، فيه الإشارة إلى أن الظاهرية على فرقتين ففرقةٌ تقول: لابد من النطق كما قررنا، وفرقة تقول: يشترط إقراره به عند تمام السماع. هكذا حَرَّرَهُ عنهم قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة في «مختصره» لابن الصلاح.
وقوله: «أبو الفتح سليم» . قلت: هو بضم السين مصغراً.
وقوله: «وألفاظ» (خ) يعني أنه يُعَبَّرُ في الأداء بالرتبة الأولى من الأداء في العَرْض، وهو ما تَقَدَّم من قوله:«وجودوا فيه قرأت أو قرئ» هكذا نص ابن الصباغ، فقال: وله أن يعمل بما قرئ عليه، وإذا أراد روايته عنه فليس له أن
يقول: «حدثني» ولا «أخبرني» ، بل يقول:«قرأتُ عليه» أو «قُرئَ عليه» وهو يسمع.
فإن أشار الشيخ برأسه أو أصبعه للإقرار به غير مُتَلَفِّظٍ، فجزم في «المحصول» أنه لا يقول في الأداء «حدثني» ولا «أخبرني» ولا «سمعت» .
قال شيخنا (ن)(1): وفيه نظر.
وقوله:
405 -
وَالْحَاْكِمُ اخْتَارَ الَّذِي قَدْ عَهِدَا
…
عَلَيْهِ أَكْثَرَ الشُّيُوْخِ فِي الأَدَا
406 -
حَدَّثَنِي فِي الْلَفْظِ حَيْثُ انْفَرَدَا
…
وَاجْمَعْ ضَمِيْرَهُ إذا تَعَدَّدَا
407 -
وَالْعَرْضِ إِنْ تَسْمَعْ فَقُلْ أَخْبَرَنَا
…
أو قَارِئاً (أَخْبَرَنِي) وَاسْتَحْسَنَا
408 -
وَنَحْوُهُ عَنْ (ابْنِ وَهْبٍ) رُوِيَا
…
وَلَيْسَ بِالْوَاجِبِ لَكِنْ رَضِيَا [84 - أ]
الشرح: هذا الفرع الثالث من التفريعات، وهو: أنه يستحب أن يقول فيما سمعه وحده من لفظ الشيخ: «حدثني» ، وفيما سمعه منه مع غيره:«حدثنا» ، وفيما قرأه عليه بنفسه:«أخبرني» ، وفيما قُرئ عليه وهو يسمع:«أخبرنا» ، هذا الذي اختاره الحاكم، وحكاه عن أكثر مشايخه وأئمة عصره.
فقوله: «وأَجْمَع ضميره» (خ) يعني يقول: «حدثنا» ، «أخبرنا» .
وروي عن ابن وهب فيما رواه (ت) في «العِلَل» عنه قال: ما قلت: «حدثنا» فهو ما سمعت مع الناس، وما قلت:«حدثني» فهو ما سمعت وحدي، وما
(1)(1/ 402).
قلت: «أخبرنا» فهو ما قُرِئَ على العالم وأنا شاهدٌ، وما قلت:«أخبرني» فهو ما قرأتُ على العالم. فهذا معنى قوله: «والعرض» (خ).
وقوله: «وليس بالواجب» (خ) يعني أن هذا التفصيل في الأداء لا يجب إلا أنه مستحبٌ كما قررنا أولاً.
وقوله:
409 -
وَالشَّكُ فِي الأَخْذِ أكَانَ وَحْدَهْ
…
أو مَعْ سِوَاهُ؟ فَاعِتَبارُ الْوَحْدَهْ
410 -
مُحْتَمَلٌ لَكِنْ رأى الْقَطَّانُ
…
اَلْجَمْعَ فِيْمَا أوْ هَمَ الإِْنْسَانُ
411 -
فِي شَيْخِهِ مَا قَالَ وَالْوَحْدَةَ قَدْ
…
اخْتَارَ فِي ذَا الْبَيْهَقِيُّ وَاعْتَمَدْ
الشرح: يعني أنه إن شَكَّ الراوي هل كان وحده حالة التحمل، فالمختار أن يقول:«حَدَّثَني» ، و «أخبرني» ، أو كان معه غيره فيقول:«حدثنا» . [و](1) محتمل أن يؤدي بلفظ الوحدة؛ لأن الأصل عدم غيره [84 - ب].
وقوله: «لكن» (خ) يعني أن يحيى بن سعيد القَطَّان رأى الإتيان بضمير الجمع.
وقوله: «فيما أَوْهَمَ» أي: شك. ومنه حديث الخدري: «إذا أوهم أحدكم في صلاته فلم يَرَ زاد أو نقص» (ح)(2).
وقوله: «والوِحْدة» (خ) يعني أن البيهقي اختار أنه يُوَحِّد فيقول: «حدثني» .
(1) زيادة من عندي.
(2)
أي الحديث.
وقوله:
412 -
وَقَالَ (أَحْمَدُ): اتَّبِعْ لَفْظَاً وَرَدْ
…
لِلشَّيْخِ فِي أَدَائِهِ وَلَا تَعَدْ
413 -
وَمَنَعَ الإبْدَالَ فِيْمَا صُنِّفَا
…
- الشَّيْخُ - لَكِنْ حَيْثُ رَاوٍ عُرِفَا
414 -
بِأَنَّهُ سَوَّى فَفِيْهِ مَا جَرَى
…
فِي النَّقْلِ باِلْمَعْنَى، وَمَعْ ذَا فَيَرَى
415 -
بِأَنَّ ذَا فِيْمَا رَوَى ذُو الطَّلَبِ
…
بِالْلَفْظِ لَا مَا وَضَعُوا فِي الْكُتُب
الشرح: نَصَّ الإمامُ أحمد رضي الله تعالى عنه على اتباع لفظ الشيخ في قوله: «حدثنا» ، و «حدثني» ، و «سمعت» ، و «أخبرنا» ولا تَعَدَّهُ.
فقوله: «ولا تَعَد» أي: لا تتعده، فَحَذَفَ إحدى التاءين حَذْفَهَا في «لا تحاسدوا» .
وقوله: «ومنع» (خ) يعني أن ابن الصلاح مَنَعَ إبدال «أخبرنا» بـ «حدثنا» ونحوه في الكتب المصنَّفة.
وقوله: «لكن» (خ) يعني فإن عرفت أن قائل ذلك سَوَّى بينهما ففيه الخلاف في جواز الرواية بالمعنى.
وقوله: «ومع ذا» (خ) يعني أن ابن الصلاح قال: الذي نراه الامتناع من إجراء مثله فيما وُضِعَ في الكتب المصنَّفَة، وما ذكره يعني الخطيب من إجراء الخلاف محمولٌ عندنا على ما يسمعه الطالبُ [85 - أ] من لفظ الشيخ، غير موضوع في كتابٍ مؤلَّفٍ. وفيه بحث للقشيري.
وقوله:
416 -
وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ السَّمَاعِ
…
مِنْ نَاسِخٍ، فَقَالَ بَامْتِنَاع
417 -
(الإِسْفَرَاييِنِيْ) مَعَ (الْحَرْبِيْ)
…
وِ (ابْنِ عَدِيٍّ) وَعَنِ (الصِّبْغِيْ)
418 -
لَا تَرْوِ تَحْدِيْثَاً وَإِخْبَارَاً، قُلِ
…
حَضَرْتُ وَالرَّازِيُّ وَهْوَ الْحَنْظَلِيْ
419 -
وَ (ابْنُ الْمُبَارَكِ) كِلَاهُمَا كَتَبْ
…
وَجَوَّزَ (الْحَمَّالُ) وَالشَّيْخُ ذَهَبْ
420 -
بِأَنَّ خَيْرَاً مِنْهُ أَنْ يُفَصِّلَا
…
فَحَيْثُ فَهْمٌ صَحَّ، أولَا بَطَلَا
421 -
كَماَ جَرَى لِلدَّارَقُطْنِي حَيْثُ عَدْ
…
إِمْلَاءَ (إِسْمَاعِيْلَ) عَدَّاً وَسَرَدْ
الشرح: هذا الفرع الرابع من التفريعات، وهو: إذا كان السامع أو المسمع ينسخ حال القراءة، ففي صحة سماعه خلافٌ، فذهب من ذَكَرَهُ (ن) وغير واحدٍ من الأئمة إلى مَنْعِ الصِّحَّة مطلقاً.
وقوله: «وعن الصِّبْغي» (خ) يعني: أن الصبغي ذهب إلى أنه لا يقول في الأداء: «حدثنا» ، ولا «أخبرنا» ، بل يقول:«حضرت» .
وقوله: «والرازي» (خ) يعني أن الحَمَّال ذهب إلى الصِّحَّة مطلقاً، وقد كتب الرَّازي حالة السماع عند عارم، وعند عمرو بن مرزوق، وكتب أيضاً عبد الله بن المبارك وهو يَقْرَأ عليه شيئاً آخر غير ما يُقْرَأ عليه.
وقوله: «والشيخ» (خ) يعني أن ابن الصلاح قال: وخيرٌ من هذا الإطلاق التفصيل، فإن مَنَعَ النسخُ فَهْمَهُ للمقروء لم يصح، وإن فهمه صح.
وقوله: «كما جرى» (خ)[85 - ب] يعني كقصة الدارقطني لما حَضَرَ في
حداثته مجلسَ إسماعيل الصَّفَّار فجلس ينسخ جزءاً كان معه وإسماعيل يُملي، فقال له بعض الحاضرين: لا يصح سماعُك وأنت تنسخ. فقال: فهمي للإملاء خلاف فهمك. ثم قال: تحفظ كم أملى الشيخ مِن حديث إلى الآن؟ فقال: لا. فقال الدارقطني: أملى ثمانية عشر حديثاً، فعددتُ الأحاديث فوجدته كما قال بعددها، ومتونها، وأسانيدها، فتعجَّبَ منه.
وقوله: «الإسفرايني» . قلت: هو بكسر الألف، وسكون السين المهملة، وفتح الفاء، والراء، وكسر الياء المثناة تحت، نسبةً إلى إسفرائين، بُلَيْدَة بنواحي نيسابور على منتصف الطريق إلى جُرْجَان، خرج منها جماعةٌ من العلماء في كل فن، ومنهم الأستاذ أبو إسحاق هذا إبراهيم الإمام المشهور.
وقوله: «مع الحربي» . قلت: هو بفتح الحاء، وإسكان الراء المهملتين، وبعده باء موحدة، نسبةً إلى محلَّة ببغداد غربيِّها، بها جامع وسوق، وهو الإمام إبراهيم بن إسحاق، إمام فاضل، له تصانيف، يروي عن الإمام أحمد.
وقوله: «وابن عدي» هو بجر «ابن» عطفاً على «الحربي» .
وقوله: «وعن الصِّبْغي» قلت: هو بكسر الصاد المهملة، وإسكان الباء الموحدة، وبعده غين معجمة، نسبةً إلى الصِّبغ والصباغ هو ما يُصْبَغ به من الألوان، ويُنْسَبُ إليه جماعةٌ، ومنهم الإمام أبو بكر [86 - أ] أحمد بن إسحاق، أحد العلماء المشهورين، له رحلةٌ إلى العراق والحجاز وغيرهما.
وقوله: «وهو الحنظلي» ، قلت: هو بفتح الحاء المهملة، وإسكان النون، وبعده ظاء مشالة، فلام، نسبةً إلى درب بالري يقال له: درب حنظلة، وهو الإمام أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي، روى عنه صاحِبَا الشافعي يونس،
والربيع المصريان.
وقوله: «للدارقطني» . قلت: هو بفتح الدال، وبعده ألف، فراء مفتوحة، فقاف مضمومة، فطاء ساكنة مهملة، فنون نسبة، إلى دار القُطْن، محلَّة كبيرة ببغداد، نُسِبَ إليها الحافظ هذا وهو أبو الحسن علي بن عمر، ونسب إلى التشيع لحفظه في الدواوين ديوان السيد الحميري. انتهى.
وقوله:
422 -
وَذَاكَ يَجْرِي فِي الْكَلَامِ أو إذا
…
هَيْنَمَ حَتَّى خَفِيَ الْبَعْضُ، كَذَا
423 -
إِنْ بَعُدَ السَّامِعُ، ثُمَّ يُحْتَمَلْ
…
فِي الظَّاهِرِ الْكَلِمَتَانِ أو أَقَلْ
الشرح: يعني أن هذا التفصيل جاز فيما إذا كان القارئ يُفْرِطُ في الإسراع، أو يُهَيْنِم، أو كان بعيداً من القارئ بحيث لا يفهم كلامه، وما أشبه ذلك.
وقوله: «هَيْنَمَ» بفتح الهاء، وإسكان الياء المثناة تحت، وبعده نون فميم، من الهينمة، وهو الصوت الخفي.
وقوله: «ثم يُحْتَمَل» (خ) يعني أنه يُعْفَي في الظاهر في كل ذلك عن القدر اليسير، نحو الكلمة والكلمتين.
وقوله:
424 -
وَيَنْبَغِي لِلشَّيْخِ أَنْ يُجِيْزَ مَعْ
…
إِسْمَاعِهِ جَبْرَاً لِنَقْصٍ إنْ يَقَعْ [86 - ب]
425 -
قَالَ ابْنُ عَتَّابٍ وَلَا غِنَى عَنْ
…
إِجَازَةٍ مَعَ السَّمَاعِ تُقْرَنْ
الشرح: يعني إذا عزب عن السامع الكلمة والكلمتان لعجلة القارئ أو
هينمته ونحو ذلك، فيُسْتَحب للشيخ أن يجيز للسامعين رواية الكتاب أو الجزء الذي سمعوه وإن شمله السماع؛ لاحتمال وقوع شيء مما تقدم، فينجبر بذلك.
وكذلك ينبغي لكاتب السماع أن يكتب إجازة الشيخ عقيب كتابة السماع.
وأول من كتب الإجازة في طباق السماع الأنماطي أبو طاهر إسماعيل بن عبد المحسن فجزاه الله خيراً فيما استسنَّه، فلقد حصل به نفعٌ كثير، ولقد انقطع بسبب ترك ذلك وإهماله اتصالُ بعض الكتب في بعض البلاد، بسبب كون بعضهم كان له فوتٌ ولم يُذْكَر في طبقة السماع إجازة الشيخ لهم، فاتفق أن كان بعض المفوتين آخر من بقي ممن سمع بعض ذلك الكتاب، فتعذَّر قراءة جميع الكتاب عليه، كأبي الحسن بن الصواف الشاطبي، رَوَى (1) غالب النسائي عن ابن باقا.
وقوله: «قال ابن عَتَّاب» (خ) يعني أن ابن عتاب قال: لا غِنَى في السماع عن الإجازة؛ لأنه قد يغلط القارئ، ويغفل الشيخ أو يغلط إن كان القارئ ويغفل القسامع فينجبر له ما فاته بالإجازة.
قلت: «وابن عَتَّاب» بفتح العين المهملة [87 - أ]، وتشديد التاء المثناة فوق، وبعده ألف، فباء موحدة، هو الإمام أبو عبد الله محمد بن عتاب الجذامي القرطبي، أثنى عليه أبو علي الغَسَّاني في كتاب رجاله الذين لقيهم، فقال: كان من جلة الفقهاء، وأحد العلماء الأثبات، وممن عَنِىَ بالفقه وسماع الحديث
(1) في المصدر (1/ 410): راوي.
دهره، وقيده فأتقنه، وكتب بخطه علماً كثيراً، وكان حسن الخط، جيد التقييد، وتقدم في المعرفة بالأحكام، وكان على سنن أهل الفضل، جزل الرأي، حصيف العقل (1)، على منهاج السلف المتقدم. انتهى.
وكان عالماً بالوثائق ومدتها، مدققاً لمعانيها، لا يُجَارى فيها، وكتب الوثائق مدة حياته فلم يأخذ عليها من أحد أجراً، وحُكي عنه أنه لم يكتبها حتى قرأ فيها أزيد من أربعين مؤلفاً، وكان يَهابُ الفتوى، ويَخَاف عاقبتها في الآخرة، ويقول: من يحسدني فيها جعله الله تعالى مفتياً.
وله في المذهب أقاويل انفرد بها، منها: أنه كان يقرأ في صلاة الجمعة إذا لم يسمع الإمام بالفاتحة، ومنها أنه كان إذا لم يسمع الخطبة في الجمعة والعيدين لبُعْدِه عن الإمام يُقْبِل على الذكر والدعاء والقراءة والاستغفار، ومنها: أنه كان يبدأ بالتكبير في العيدين من مساء ليلتهما إلى خروج الإمام وانقضاء الصلاة رحمه الله تعالى.
وقوله: [87 - ب]
426 -
وَسُئِلَ (ابْنُ حنبلٍ) إِن حَرْفَا
…
أدْغَمَهُ فَقَالَ: أَرْجُو يُعْفَى
427 -
لَكِنْ (أبو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ) مَنَعْ
…
فِي الْحَرْفِ تَسْتَفْهِمُهُ فَلَا يَسَعْ
428 -
إِلَاّ بَأَنْ يَرْوِيْ تِلْكَ الشَّارِدَهْ
…
عَنْ مُفْهِمٍ، وَنَحْوُهُ عَنْ (زَائِدَهْ)
الشرح: يعني أن الإمام سأله ابنه فقال: قلت لأبي: الحرف يدغمه الشيخ فلا يُفْهَم، وهو معروف، هل يروي ذلك عنه؟ فقال: أرجو أن لا يضيق هذا.
(1) حصيف العقل: سديده.
وقوله: «لكن» (خ) يعني: وأما أبو نُعيم الفضل بن دُكين -بضم الدال المهملة، وفتح الكاف وإسكان المثناة تحته، وبعده نون- فكان يرى فيما سَقَطَ عنه من الحرف الواحد والاسم مما سمعه من سفيان والأعمش واستفهم من أصحابه، أن يرويه عن أصحابه، لا يرى غير ذلك واسعاً.
فقوله: «تلك الشاردة» أي: تلك الكلمة أو الحرف الذي شرد عنه فلم يفهمه عن شيخه، وإنما فَهِمَهُ عن الشيخ غيره، والشَّاردة بالشين المعجمة، والراء والدال المهملتين، من شَرَد البعير: إذا نَفَر.
وقوله: «ونحوه» (خ) يعني: أن زائدة بن قُدَامة جاء عنه هكذا، قال خلف بن تميم: سمعت من الثوري عشرة آلاف حديث أو نحوها، فكنت أستفهم جليسي، فقلتُ لزائدة؟ فقال لي: لا تحدث منها إلا بما تحفظ بقلبك، وسمع أُذُنك. قال: فألقيتها.
وقوله:
429 -
وَ (خَلَفُ بْنُ سَاِلمٍ) قَدْ قال: نَا
…
إِذْ فَاتَهُ حَدَّثَ مِنْ حَدَّثَنَا [88 - أ]
430 -
مِنْ قَوْلِ سُفْيَانَ، وَسُفْيَانُ اكْتَفَى
…
بِلَفْظِ مُسْتَمْلٍ عَنِ الْمُمْلِي اقْتَفَى
431 -
كَذَاكَ (حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ) أَفْتَى:
…
إِسْتَفْهمِ الَّذِي يَلِيْكَ، حَتَّى
432 -
رَوُوْا عَنِ (الأَعْمَشِ): كُنَّا نَقْعُدُ
…
(لِلنَّخَعِيْ) فَرُبَّمَا قَدْ يَبْعُدُ
433 -
البَعْضُ - لَا يَسْمَعْهُ - فَيسأَلُ
…
البَعْضَ عَنْهُ، ثَمَّ كُلٌّ يَنْقُلُ
434 -
وَكُلُّ ذَا تَسَاهُلٌ، وَقَوَْلُهُمْ:
…
يَكْفِيِ مِنَ الْحَدِيْثِ شَمُّهُ، فَهُمْ
435 -
عَنَوا إذا أَوَّلَ شَيءٍ سُئِلَا
…
عَرَفَهُ، وَمَا عَنَوْا تَسَهُّلَا
الشرح: وهذا فرع آخر من التفريعات وهو أن الخطيب قال: بلغني عن خلف بن سالم المُخَرِّمي قال: سمعت ابن عيينة يقول: نا عمرو بن دينار، يريد: حدثنا، فإذا قيل له: قُل حدثنا عمرو، قال: لا أقول؛ لأني لم أسمع من قوله حدثنا ثلاثة أحرف لكثرة الزحام، وهي (ح د ث).
وقوله: «وسفيان» (خ) يعني أن سفيان بن عيينة قال له أبو مسلمٍ المُسْتَمْلي: إن الناس كثير لا يسمعون. قال: تسمع أنت؟ قال: نعم. قال: فأسْمِعْهم. وهذا هو الذي عليه العمل: أن من سمع المستملي دون سماعه لفظ المملي، يجوز له أن يرويه عن المملي كالعَرْض سواءً، إلا أن الأحوط أن يُبين ذلك حال الأداء: أن سماعه كذلك كما فعل ابن خزيمة وغيره من الأئمة.
وقال محمد بن عمار الموصلي: ما كتبتُ قط مِن فيِّ المستملي، ولا التفتُّ إليه، ولا أدري [أي](1) شيء [88 - ب] يقول، إنما كنت أكتب عن فيِّ المحدِّث.
وقوله: «كذاك» (خ) يعني أن قول حماد بن زيد لمن استفهمه: كيف قلت؟ فقال: استفهم الذي يليك. وقول الأعمش: كنا نجلس إلى إبراهيم النخعي فتتسع الحلقة، فربما يحدث بالحديث فلا يسمعه مَنْ تَنَحَّى عنه، فَيَسْأَل بعضُهم بعضاً عَمَّا قال، ثم يروونه عنه وما سمعوه منه، فهذا ونحوه تساهلٌ من فاعله.
(1) زيادة من المصدر.
وقوله: «وقولهم» (خ) يعني أن عبد الرحمن بن مهدي قال: يكفيك من الحديث شمه. فقال حمزة الكناني: يعني به: إذا سُئِل عن أول شيء عرفه، وليس يعني التساهل في السماع.
وقوله:
436 -
وَإِنْ يُحَدِّثْ مِنْ وَرَاءِ سِتْرِ
…
- عَرَفْتَهُ بِصَوْتِهِ أو ذِي خُبْر
437 -
صَحَّ، وَعَنْ شُعْبَةَ لَا تَرْوِ لَنَا
…
إنَّ بِلَالاً، وَحَدِيْثُ أُمِّنَا
الشرح: هذا فرع آخر من التفريعات، وهو: أنه يصح السماع مِنْ وراء حجاب إذا عرف صوت المحدث إن حدث بلفظه، أو اعتمد في معرفة صوته وحضوره على خبر ثقة من أهل الخبرة. هذا قول الجمهور.
وقوله: «وعن شعبة» (خ) يعني أن شعبة شَرَط رؤيته. وقال: إذا حدث المحدث فلم يُرَ وجهُه فلا ترووا عنه، فلعلَّه شيطان قد تصور في صورته، يقول: حدثنا وأخبرنا.
وقوله: «لنا» (خ) يعني أن الحجة لنا في صِحَّة السماع من وراء حجاب، [89 - أ] حديث عبد الله بن عمر المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن بلالاً يؤذن بليل» (ح) فأمر بالاعتماد على صوته مع غَيْبة شخصه عمن سمعه.
وكذلك حديث أم المؤمنين عائشة، وغيرها من أمهات المؤمنين، كُنَّ يحدثن مِنْ وراء حِجاب، ويَنْقُل عنهن مَنْ سمع ذلك، واحتجَّ به في الصحيح.
وقوله:
438 -
وَلَا يَضُرُّ سَامِعَاً أنْ يَمْنَعَهْ
…
الشَّيْخُ أَنْ يَرْوِي مَا قَدْ سَمِعَهْ
439 -
كَذَلِكَ التَّخْصِيْصُ أو رَجَعْتُ
…
مَاَ لمْ يَقُلْ: أَخْطَأْتُ أو شَكَكْتُ
الشرح: وهذا فرع آخر من التفريعات، وهو: إذا قال الشيخ بعد السماع: لا ترو عني، أو رجعتُ عن إخبارك به، أو نحو ذلك، ولم يسنده إلى خطأ أو شك أو نحوه، بل منعه جازماً بأنه روايته، لم يمنع ذلك روايتَهُ.
وقوله: «كذلك» (خ) يعني: ولو خَصَّ بالسماع قوماً فَسَمِعَ غيرُهم بغير علمه جاز له أن يرويه عنه. قاله الأستاذ الإسفرايني أبو إسحاق.