الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول: "وَقَدِ اعْتَبَرْنَا حَديثَ شَيْخٍ شَيْخٍ، عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنَ الاعْتِبَارِ عَلَى سَبيلِ الدِّينِ، فَمَنْ صحَّ عِنْدَنَا مِنْهُمْ أنَّهُ عَدْلٌ احْتَجَجْنَا بهِ، وَقَبلْنَا مَا رَوَاهُ، وَأدْخَلْنَاهُ فِي كِتَابنَا هذَا، وَمَنْ صحَّ عِنْدَنَا أنَّهُ غَيْرُ عَدْلٍ بالَاعْتِبَارَ الَّذِي وَصَفْنَا لَمْ نَحْتَجَّ بِهِ، وَأدْخَلْنَاهُ فِي كِتَاب (الْمَجْرُوحِينَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ) بِأحَدِ أسْبَابِ الْجَرْحِ"(1).
فابن حبان يعتدّ بهذه الشروط الآنفة الذكر في كل شيخ من رواة السند، ومن ثم يحكم على الحديث بالصحة، ويدرجه في كتابه هذا، إذا استوفى الشروط المذكورة، أو يطرحه ويدرجه في "كتاب الضعفاء" إذا أخلّ بواحد منها، وهو في صنيعه هذا يعد نفسه إماماً مجتهداً، لا يقلد أحداً من الأئمة الذين تقدموه، ولا يعبأ بمخالفتهم له فيما انتهى إليه، يقول:"فَمَنْ صحَّ عِنْدِي مِنْهُمْ بِالْبَرَاهِين الْوَاضِحَةِ، وَصِحَّةِ الاعْتِبَارِ- عَلَى سَبِيلِ الدِّينِ- أنَّهُ ثِقَة احْتَجَجْتُ بِهِ، وَلَمْ اعَرِّجْ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَدَحَ فِيهِ. وَمَنْ صَحَّ عِنْدِي بالدلائل النيرة، وَالاعْتِبَارِ الْوَاضِحِ- عَلَى سَبِيلِ الدِّينِ- أنَهُ غَيْرُ عَدْلٍ، لَمْ أحْتَجَّ بِهِ، وَإِنْ وَثَّقَهُ بَعْضُ أئِمَّتِنَا"(2).
وهذه الشروط التي شرطها ابن حبان لتصحيح الحديث في كتابه- وهي شروط دقيقة تتطلب جهداً كبيراً، ويقظة تامة، وإحاطة واسعة- قد التزمها، ووفى بها في عامة ما أدرجه في صحيحه هذا من الأحاديث، ولم يُخِل بذلك إلا فيما لا يخلو منه عالم أو كتاب من السهو والغلط، أو من اختلاف الرأي في الجرح والتعديل، والتوثيق والتضعيف، والتعليل والترجيح.
ترتيبه، وموقف العلماء منه:
إن ابن حبان الذي يعتقد أن في لزوم السنة "تَمَامَ. السلامه، وَجِمَاعَ
(1) انظر صحيح ابن حبان 1/ 144 بتحقيقنا.
(2)
مقدمة ابن حبان لصحيحه 1/ 141 بتحقيقنا.
الْكَرَامَةِ، لَا تُطْفَأُ سُرُجُهَا، وَلا تُدْحَضُ حُجَجُهَا، مَنْ لَزِمَهَا عُصِمَ، وَمَنْ خَالَفَهَا نَدِمَ، إِذْ هِيَ الْحِصْنُ الْحَصِينُ، والرُّكْنُ الركِين" (1)، لم يرضَ عن ترتيب الذين "أمْعَنُوا فِي ذكْرِ الطُّرُقِ لِلأخْبَارِ، وَأكْثَرُوا مِنْ تَكْرَارِ الْمُعَادِ لِلآثَارِ، قَصْداً مِنْهُمْ لِتَحْصِيلِ الأَلْفَاظِ عَلَى مَنْ رَامَ حِفْظَهَا مِنَ الْحُفَّاظِ، فَكَان ذلِكَ سَبَبَ اعْتِمَادِ الْمُتَعَلَمِ عَلَى مَا فِي الْكِتَاب، وَتَرْكِ الْمُقْتَبِسِينَ التَّحْصِيلَ لِلْخِطَابِ" (2).
فلا بد إذاً- والحال هذه- من حيلة يحتالها، لِيَحْفَظَ النَّاسُ السُّنَنَ، وَلأِنْ لَا يُعَرِّجُوا عَلَى الْكِتْبَةِ وَالْجَمْعِ إِلّاَ عِنْدَ الْحَاجَةِ، دُونَ الْحِفْظِ وَالْعِلْم بهِ
فَمَا الْحِيلَةُ التِي احْتَالَهَا، لِتَحْقِيقِ هذِهِ الغَايَةِ النَّبِيلَةِ؟! يقول: "فَتَدَبَّرْتُ الصِّحَاحَ لأسَهِّلَ حِفْظَهَا عَلَى المتعلِّمِينَ، وَأمْعَنْتُ الْفِكْرَ فِيهَا لِئَلاً يَصْعُبَ وَعْيُهَا عَلَى المقتبسِينَ، فَرأيتُهَا تَنْقَسِمُ خَمْسَةَ أقْسَامٍ مُتَسَاوِيةٍ، مُتَّفِقةِ التَّقْسِيمِ غَيْرِ مُتَنَافِيَةٍ.
فأولها: الأوامرُ الَّتي أمَرَ اللهُ عِبَادَهُ بِهَا.
والثاني: النَّواهِي الًتي نَهَى عِبَادَهُ عَنْهَا.
والثالث: إخْبَارُهُ عَمَّا احْتِيج إِلَى مَعْرِفَتِهَا.
والرابع: الإبَاحَاتُ الّتِي أُبِيحَ ارْتِكَابُهَا.
والخامس: أفْعَالُ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّتِي انْفَرَدَ بِفِعْلِهَا.
ثمَّ رَأيْتُ كلَّ قِسْمٍ مِنْهَا يَتَنَوَّعُ أنْواعاً كَثِيرَةً" (3). "فَجَمِيغ أنْوَاعِ السنن
(1) مقدمة ابن حبان لصحيحه 1/ 86 بتحقيقنا.
(2)
مقدمة ابن حبان لصحيحه 1/ 86 بتحقيقنا.
(3)
مقدمة ابن حبان لصحيحه 1/ 86 - 87 بتحقيقنا.
أربعُ مِئَةِ نَوْعٍ عَلَى حَسبِ مَا ذَكَرْنَاهَا" (1).
فَهذِهِ إذاً تَقاسيمُهُ الخَمْسَةُ التي يتألفُ منها الصحيحُ، والتي تشتمل عَلَى أربع مِئَةِ نَوْعٍ مِنَ الأنْواعِ وَقَدْ وَضَعَ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا عُنْواناً يَدُلُّ عَلَى فِقْهٍ سَلِيمٍ، وَفَهْمٍ مُسْتَقِيمٍ، وقدكشفَ عنْ غَايَتِهِ مِنْ هذَا التَنْويعِ، وَأوْضَحَ مَا يُريدُ بِقَوْله- فِي الْمُقَدِّمَةِ 1/ 137 - "قَصْدُنَا فِي تَنْوِيعِ السُّنَنِ الكَشْفُ عَنْ شَيْئَيْنِ:
أحَدُهُمَا: خَبَرٌ تَنَازَعَ الأئِمَّةُ فِيه وَفِي تَأْوِيلِهِ،
وَالآخَرُ: عُمُومُ خِطَابٍ صَعُبَ عَلَى أكْثِرِ النَاسِ الْوُقُوفُ عَلَى مَعْنَاهُ". فهو إذاً- والحقَّ نَقولُ- العالمُ الذكيُّ، والأستاذُ الكُفْءُ الَّذي يُدرِكُ مَواطِنَ الصُّعوبَةِ فَيُذَلِّلُهَا، وَيدْرِي الأسْبَابَ في تَشَعُّب الآراءِ، فَيُحَاوِلُ جَمْعَهَا وتَسْلِيطَ الأضْوَاءِ عَلَيْهَا لِئَلاّ يَضِلَّ الفَهْمُ، وتَتَشَعَّبَ الآرَاءُ.
وَإِذَا سألنا: ما المثالُ الَّذي احتذاهُ فِي ترتيبِ صَحِيحِهِ؟ وَجَدْنا إجابتَهُ مَشْفوعَةً بِالتَّعْلِيلِ "لأنَّ قَصْدَنَا فِي نَظْمِ السُّنَنِ حَذْوُ تَألِيفِ الْقُرْآنِ، لأِنَّ الْقُرْآنَ أُلِّفَ أجْزَاءً فَجَعَلْنَا السُنن أقْسَاماً بِإِزَاءِ القُرْآنِ. وَلَمَّا كَانَتِ الأجْزَاءُ مِنَ الْقُرْآن كُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا يَشْتَمِلُ عَلَى سُوَرٍ، جَعَلْنَا كُلَّ قِسْمٍ مِنَ السنن يَشْتَمِلُ عَلَى أَنْوَاعٍ، فَأنْوَاعُ السُنَنِ بِإِزَاءِ سُوَرِ القرْآنِ. وَلَمَّا كَانَتْ كُلًّ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ تَشْتَمِلُ عَلَى آيٍ، جَعَلْنَا كُلَّ نَوْعٍ مِنْ أنْوَاعِ السُّنن يَشْتَمِلُ عَلَى أحَاديثَ. وَالأحَادِيثُ مِنَ السُّنَنِ بِإِزَاءِ الآي مِنْ القُرْآنِ"(2).
(1) مقدمة ابن حبان لصحيحه 1/ 137 بتحقيقنا.
(2)
مقدمة ابن حبان لصحيحه1/ 138 بتحقيقنا.
هذَا هُوَ التَّرْتيبُ الّذِي ابْتَدَعَتْهُ عَقْلِيَّةٌ جَبَّارَةٌ، عميقَةُ الغَوْرِ، دقيقَةُ التنظيمِ، قَد اجْتَمَعَ لِصَاحِبِهَا مِنَ الصِّفَاتِ، مَا لَا يَجْتَمعُ إِلَاّ فِي القَلِيلِ النَادِرِ مِنَ النَّاسِ، فَهُوَ الذكِيُّ الألْمَعِيُّ، وَهُوَ البَاحِثُ الْمُنَقِّبُ، وَهُوَ الْعَالِمُ الْمُطَّلِعُ، وَهُوَ النَّاقِدُ العَبْقَرِيُّ. اطَّلَعَ عَلَى كُل مَا تَرَكَهُ السَّابقون- وَقَدْ انْضَجَهُ الزَمَانُ، وَصَقَلَتْهُ التَّجْربَةُ، وَمَحَّصَتْهُ الاخْتِبَارَاتُ، فَنَفَذ بِبَصِيرَتِه إِلَى لُبِّهِ، وَتَغَلْغَلَ فِي أَعْمَاقِهِ، وَتَعرفَ أسْرَارَهُ، مُرَاعِياً القَانُونَ الجَامِعَ، لِيَرْبِطَ بِهِ الْجُزْئِيَّاتِ، وَيجْمَعَ حَوْلَهُ الأشْتَاتَ الَّتي تَرْبِطُهَا بِهِ رَابِطَةٌ مِنْ مَعْنَى، فَيَرْصُفُ ذلِكَ فِي تَقْسِيمٍ واحد مُتَفَرعَ إِلَى أنْوَاعٍ.
هذَا هُوَ التَرْتِيبُ الّذِي. وَصَفَهُ السيوطى في "التَدْرِيب" بقَوْلهِ: (صَحِيحُ ابْن حِبَّانَ تَرْتِيبُهُ مُخْتَرَعٌ، لَيْسَ عَلَى الأبْوَابِ، وَلَيْسَ عَلَىَ المَسَانِيدِ، وَلِهذا سَمَّاهُ "التَقَاسِيمَ وَالأنْوَاع "
…
) (1).
فكيف استقبل هذا الترتيب، وماذا قال العلماء فيه؟
أوَّلُ عِبَارَةٍ نُطَالِعُهَا فِي الْحُكْمِ عَلَى أُسْلُوبِ ابْنِ حبان وَتَرْتِيبِهِ لِصَحِيحِهِ - فِيما اطلَعْنَا عَلَيْهِ- عِبَارَةٌ قَالَهَا الامَامُ الذَهَبِي فِي "سِيَرِ اعْلَام النُبَلَاءِ"(2): "وَقَدِ اعْتَرَفَ- يَعْنِي ابْنَ حبان- أنَّ صَحِيحَهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَشْفِ مِنْهُ إلَاّ من حَفِظَهُ، كَمَنْ عِنْدَهُ مُصْحَفٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَوْضِعِ آيَةٍ يُرِيدُهَا مِنْهُ إلَاّ مَنْ حَفِظَهُ". وَهِيَ عِبَارَةٌ مَبْتُورَةٌ، تَنَاوَلَهَا الذَّهَبي بحَذَرٍ لِيَجْعَلَهَا دَليلاً عَلَى صحة حُكْمِهِ.
وَلِعَظِيمِ مَكَانَةِ الْحَافِظِ الذهَبِى فِي النفوس- وَهُوَ بِهَا جَدِيرٌ - وَهُوَ
(1) تدريب الراوي 1/ 109.
(2)
سير أعلام النبلاء 16/ 97.
الْمَعْرُوفُ بالإسْتِقْصَاءِ التَامِّ المشهودُ له بالإِمامة في هذا الفن- تَلَقَّفَ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ هذَاَ الحُكْمَ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِأُسْلُوبِهِ الْخَاصِّ دُونَ سَبْرٍ لأِبْعَادِهِ وَإمْتِحَانٍ لِمُسَوِّغَاتِهِ. فَالأمِيرُ عَلَاءُ الدِّينِ الفَارِسيّ- وَهُوَ الَّذي أعادَ ترتيبَ صَحيح ابن حبَّان عَلَى أبْواب الفِقْه- يَقُولُ:"لكِنَّهُ أيْ صَحِيح ابن حِبَّان- لِبَديعِ صُنعِهِ، وَمَنِيعِ وَضْعِهِ قَدْ عَزَّ جَانِبُهُ، فَكَثُرَ مُجَانِبُهُ"(1). وَعِبَارَتُهُ- كَمَا تَرَى- لَا تَصِفُ الصَّحِيحَ بِعُسْرِ التَّرْتِيب بمِقْدَارِ مَا تَصِفُ النَّاسَ بفُتُورِ الْهِمَمِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، وَضَعْفِ الْعَزَائِمِ أمَامَ مَنَاعَةِ الصُّنْعِ وَعِزَّةِ الجَانِبِ.
وَأما الْحَافِظُ السيوطى فَقَدْ قَالَ: "وَالْكَشْفُ مِنْ كِتَابِهِ- يَعْنِي صَحِيحَ ابْنِ حِبَّان- عَسِرٌ جداً"(2).
وَلكِنَّ الشَيْخَ أحمد شاكر قَدْ أطَال فِي التَعْبِيرِ فَقَالَ: "وَقَدْ قَصَدَ بِهذَا التَرْتِيب الَّذِي اخْتَرَعَهُ وَتَفَنَّنَ فِيهِ إِلَى مَقْصدٍ لَمْ يَتَحَقَقْ، وَصَارَ الْكَشْفُ مِنْ كِتَابِهِ عَسِراً جداً". وقَالَ أيْضاً: "وَلكِنَّ حِيلَتَهُ لِلْحِفْظِ لَمْ تُفْلحْ، ثُمّ نَجَحَ أيَّ نَجَاحٍ فِي تَصْعِيبِ الْكَشْفِ مِنْ كِتَابِهِ"(3).
وَهُنَا نَسْالُ: هَلِ العسرُ الَّذي وصفَتْ بِهِ طريقَةُ ابْنِ حِبَّان مَنْفِيٌ عَنِ الطرُقِ الَّتِي ألِفَهَا النَّاسُ وَاعْتادُوهَا؟
(1) مقدمة علاء الدين الفارسي لصحيح ابن حبان1/ 79 بتحقيقنا.
(2)
تدريب الراوي 1/ 109.
(3)
مقدمة أحمد شاكر لصحيح ابن حبان1/ 11.
إِنَّ كُلَّ مَنْ مَارَسَ هذَا الفنَّ يُدركُ الصُّعوبَةَ الْجَسِيمَةَ الَّتي يَلْقَاهَا الْبَاحِثُ عَنْ حَدِيثٍ في المسنَدِ، وَبخاصَّةٍ إِذَا كانَ هذا الحديثُ في مُسْندِ أبِي هُرَيْرَةَ مَثَلاً، أوْ مُسْندِ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ، أوْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، دُونَ اسْتِخْدَام الْفَهَارِسِ، ومن البديهي أنَّ هذِهِ الفَهَارِسَ لم تكن معروفة في عصر ابنَ حبان.
وَلِكَيْ نَتَصَوَّرَ الأمْرَ عَلى شَكْلٍ قَريبِ منَ الواقع، بالنَسْبَةِ إِلَى أسْلُوب الْكُتُبِ وَالأبْوَابِ، لَا بُدَّ لَنَا مِنْ إِجْرَاءِ الْمُوَازَنَةِ التَّالِيَةِ: مِنَ الْمَعْلُوم أنَّ صحيحَ البخاريِّ يتالفُ مِنْ سَبْعَةٍ وَتِسْعينَ كِتاباً مَجْمُوعُ أبوابِهَا (3731) بَاباً.
أمَّا صَحِيحُ ابنِ حِبَّان فَيَبْتَنِي عَلَى خَمْسَةِ تَقاسِيمَ، تَنْطَوِي عَلَى أرْبَع مِئَةِ نَوْعً. فَهَلْ يُتَصَوَّرُ عَقْلاً أنَّ الْبَحْثَ عَنْ حَدِيثٍ فِي الأوَّلِ أيْسَرُ وَأسْهَلُ مِنْهُ فِي الثَّانِي لِمَنْ لَمْ يَتَمَرَّسْ أيَّ الأسْلُوبَيْنِ سَابِقاً؟
الجواب النَّظَريُّ ليسَ لصَالحِ الأسْلُوب الأوَّلِ: أسْلُوبِ الْكُتُبِ وَالأبْوَابِ، فَلِمَاذَا إِذاً وُصِفَتْ طَرِيقَةُ ابْنِ حِبَّان بِالْعُسْرِ؟
وَلَوْ عُدْنَا إِلَى عبارة الحافظِ الذَهبى وَأمْعَنَّا النَّظَرَ فِيهَا لَوَجَدْنَا أنَّ الْحُكْمَ الّذِي أطْلَقَهُ عَلَى هذَا الأسْلُوب حُكْمٌ مُسْتَنْبَط مِنْ مُقَدِّمَةِ الصَّحِيحِ، وَلَيْسَ حُكْماً قَائِماً عَلَى التجربة والاخَتبار.
فَالْخَطِيبُ البغداديُّ الْمُتَوَفَّى (463) هـ- وَالزَّمَنُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ حبَّانَ قَرِيبٌ نِسْبيّاً- لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى كُتِبِ ابْنِ حبَّانَ، وَإِنَّمَا تَحَدَّثَ عَنْهَا بأسفٍ لِضَيَاعِهَا، َ فَفِي أيِّ مَيْدَان جُرِّبَتْ بعْد ذلِكَ طريقة ابن حبان، وَمَنْ مَارَسَهَا وَطَبَّقَهَا فَظَهَرَ لَهُ نَجَاحُها أوْ عَدَمُهُ؟