المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌آراء العلماء في هذا الصحيح ومناقشتها: - موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان - ت حسين أسد - جـ ١

[نور الدين الهيثمي]

فهرس الكتاب

- ‌تميهد

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌ابن حبان

- ‌التعريف به وببيئته:

- ‌أسباب خروجه من بلده:

- ‌شيوخه في هذه الرحلة ونتائجها

- ‌تآليف ابن حبان:

- ‌موقفه مما جمع:

- ‌صحيح ابن حبان

- ‌شروط ابن حبان وموقف العلماء منها:

- ‌ترتيبه، وموقف العلماء منه:

- ‌أقوال العلماء في ابن حبان ومصنفاته:

- ‌آراء العلماء في هذا الصحيح ومناقشتها:

- ‌قيمة هذا الصحيح:

- ‌نهاية المطاف:

- ‌عملنا في هذا الكتاب[صحيح ابن حبان]

- ‌المصنّف والكتابأعني: الحافظ الهيثمي، وموارد الظمآن

- ‌وصف المخطوطة

- ‌عملنا في هذا الكتاب(أعني: موارد الظمآن)

- ‌1 - كتاب الإِيمان

- ‌1 - باب فيمن شهد أن لا إله إلَاّ الله

- ‌2 - باب ما يُحَرِّم دَمَ العبد

- ‌3 - باب بيعة النساء

- ‌4 - باب في قواعد الدين

- ‌5 - باب في الإِسلام والإِيمان

- ‌6 - باب في الموجبتين ومنازل النَّاس في الدنيا والآخرة

- ‌7 - باب ما جاء في الوحي والإِسراء

- ‌8 - باب في الرؤية

- ‌9 - باب إن للملك لمّة، وللشيطان لمّة

- ‌10 - باب ما جاء في الوسوسة

- ‌11 - باب فيما يخالف كمال الإِيمان

- ‌12 - باب ما جاء في الكبر

- ‌13 - باب في الكبائر

- ‌14 - باب المِرَاء في القرآن

- ‌15 - باب فيمن أكفرَ مسلماً

- ‌16 - باب ما جاء في النفاق

- ‌17 - باب في إبليس وجنوده

- ‌18 - باب في أهل الجاهلية

- ‌2 - كتاب العلم

- ‌1 - باب فيما بثّه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌2 - باب رواية الحديث لمن فهمه ومَن لا يفهمه

- ‌3 - باب طلب العلم والرحلة فيه

- ‌4 - باب الخير عادة

- ‌5 - باب في المجالس

- ‌6 - باب فيمَن علّم علماً

- ‌7 - باب فيمن لا يشبع من العلم ويجمع العلم

- ‌8 - باب فيمَن له رغبة في العلم

- ‌9 - باب في النيّة في طلب العلم

- ‌10 - باب جدال المنافق

- ‌11 - باب معرفة أهل الحديث بصحته وضعفه

- ‌12 - باب النهي عن كثرة السؤال لغير فائدة

- ‌13 - باب السؤال للفائدة

- ‌14 - باب فيمَن كتم علماً

- ‌15 - باب اتّباع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌16 - باب ما جاء في البرِّ والإِثم

- ‌17 - باب في الصدق والكذب

- ‌18 - باب ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل

- ‌19 - باب ما جاء في القصص

- ‌20 - باب التاريخ

- ‌21 - باب رفع العلم

- ‌3 - كتاب الطهارة

- ‌1 - باب ما جاء في الماء

- ‌2 - باب في سؤر الهر

- ‌3 - باب في جلود الميتة تدبغ

- ‌4 - باب في مَن أرادالخلاء ومعه شيء فيه ذكر الله تعالى

- ‌5 - باب ما يقول إذا دخل الخلاء

- ‌6 - باب آداب الخلاء والاستجمار بالحجر

- ‌7 - باب الاستنجاء بالماء

- ‌8 - باب الاحتراز من البول

- ‌9 - باب البول في القدح

- ‌10 - باب ما جاء في السواك

- ‌11 - باب فرض الوضوء

- ‌12 - باب فضل الوضوء

- ‌13 - باب البداء باليمين

- ‌14 - باب ما جاء في الوضوء

- ‌15 - باب إسباغ الوضوء

- ‌16 - باب المحافظة على الوضوء

- ‌17 - باب فيمَن توضأ كما أمر وصلى كما أمر

- ‌18 - باب في مَن بات على طهارة

- ‌19 - باب فيمَن استيقظ فتوضأ

- ‌20 - باب كراهية الاعتداء في الطهور

- ‌21 - باب المسح على الخفّين

- ‌22 - باب المسح على الجوربين والنعلين والخمار

- ‌23 - باب التوقيت في المسح

- ‌24 - باب فيمن كان على طهارة وشك في الحدث

- ‌25 - باب الذكر والقراءة على غير وضوء

- ‌26 - باب صلاة الحاقن

- ‌27 - باب التيمّم

- ‌28 - باب ما ينقض الوضوء

- ‌29 - باب ما جاء في مسّ الفرج

- ‌30 - باب فيما مسّته النار

- ‌31 - باب فضل طهور المرأة

- ‌32 - باب ما يوجب الغسل

- ‌33 - باب في الجنب يأكل أو ينام

- ‌34 - باب التستر عند إلاغتسال

- ‌35 - باب الغسل لمن أسلم

- ‌36 - باب ما جاء في دم الحيض

- ‌37 - باب ما جاء في الثوب الذي يجامع فيه

- ‌38 - باب ما جاء في الحمّام

- ‌39 - باب ما جاء في المذي

- ‌40 - باب طهارة المسجد من البول

- ‌41 - باب في بول الغلام والجارية

- ‌42 - باب إزالة القذر من النعل

- ‌43 - باب ما يعفى عنه من الدم

- ‌4 - كتاب الصلاة

- ‌1 - باب فرض الصلاة

- ‌2 - باب فيمَن حافظ على الصلاة ومَن تركها

- ‌3 - باب فضل الصلاة

- ‌5 - كتاب المواقيت

- ‌1 - باب وقت صلاة الصبح

- ‌2 - باب وقت صلاة الظهر

- ‌3 - باب ما جاء في صلاة العصر

- ‌4 - باب وقت صلاة المغرب

- ‌5 - باب وقت صلاة العشاء الآخرة

- ‌6 - باب الحديث بعدها

- ‌7 - باب جامع في أوقات الصلوات

- ‌8 - باب في الصلاة لوقتها

- ‌9 - باب المحافظة على الصبح والعصر

- ‌10 - باب فيمَن أدرك ركعة من الصلاة

- ‌11 - باب فيمن نام عن صلاة

- ‌12 - باب ترتيب الفوائت

- ‌13 - باب فيمن فاتته الصلاة من غير عذر

- ‌14 - باب فيما جاء في الأذان

- ‌15 - باب فضل الأذانوالمؤذن وإجابته والدعاء بين الأذان والإقامة

- ‌16 - باب ما جاء في المساجد

- ‌17 - باب المباهاة (24/ 1) في المساجد

الفصل: ‌آراء العلماء في هذا الصحيح ومناقشتها:

حُجَّةً، أحَدَ أوْعِيَةِ الْعِلْم

وَكَانَ مِنْ أوعِيَةِ الْعِلْمِ فِي الحَديثِ، وَالْفِقْهِ، وَاللُّغَةِ، وَالوَعْظِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، حَتَّى الطِّبِّ، وَالنُّجُومِ، والْكَلَامِ" (1).

وقال الأسنوي: "كَانَ مِنْ أوعِيَةِ الْعِلْمِ، لًغَةً، وَحَدِيثاً، وَفِقْهاً، وَوَعْظاً، وَمِنْ عُقَلَاءِ الرِّجَالِ"(2).

وقال الصفدي: "كَانَ مِنْ فُقَهَاءِ الدِّينِ، وَحُفَّاظِ الآثَارِ، عَالِماً بالطِّبِّ، وَالنُّجُوم وَفُنُونِ الْعِلْمِ"(3).

وقَال الحافظ ابن كثير: "مُحمدُ بن حبان صَاحِبُ "الأنْوَاعِ والتقاسيم" وَأحَدُ الحُفَّاظِ الْكِبَارِ الْمُصَنِّفِينَ، الْمُجْتَهِدينَ"(4).

فهذه شهاداتٌ - دون الحصول على واحدة منها خرطُ القَتَادِ- صدرت عن علماء ثقات- متخصصين في الحديث النبوي الشريف رواية ودراية، وفي غيره من العلوم وفنون المعرفة، تدل كلها على أن ابن حبان بلغ مرتبة الإِمامة في علم الحديث، وفي غيره من العلوم، وتدل أيضاً على أن مصنفاته غاية في النفاسة، والد قة، والجدّة، والجودة، والاتقان.

‌آراء العلماء في هذا الصحيح ومناقشتها:

إنه لمن المؤسف جداً أن مصنفاً عظيماً في الحديث النبوي الشريف، يحاول جامعه أن يستوعب فيه ما صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون نصيبه الترك والِإهمال، حتى الضياع، إذ لم نجد عالماً تعقب ابن حبان في صحيح، ولا شارحاً له، ولا دارساً منصفاً استقصاه.

(1) شذرات الذهب 3/ 16.

(2)

شذرات الذهب 3/ 16.

(3)

الوافي بالوفيات 2/ 318، وانظر طبقات الحفاظ للسيوطي ص (374).

(4)

البداية والنهاية 11/ 259.

ص: 48

نعم لقد أعاد الأمير علاء الدين الفارسي (675 - 739) ترتيبه على أبواب الفقه، وسمّاه "الِإحسان في تقريب صحيح ابن حبان". وقد خطا الحافظ مغلطاي خطوة أوسع من هذه ولكنها لم تتكامل. قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" 6/ 74: (ومن تخريجاته- يعني: مغلطاي- ترتيب بيان "الوهم والإِيهام" لابن القطان، وزوائد ابن حبّان على الصحيحين، وترتيب صحيح ابن حبان على أبواب الفقة رأيتهما بخطّه ولم يكملا

". كما جرّد الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي زوائده على الصحيحين وسمّاه "موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبّان". كما قام عمر بن علي المعروف بابن الملقن، والمتوفى سنة (804) باختصاره وترتيبه على أبواب الفقه أيضاً. وجميع هذه الخدمات ظاهر أنها تتعلق بالشكل، ولم تمسّ المضمون بشرح أو تعليق، أو تقويم يعتمد على النقد الصحيح للإسناد والمتن وفق القواعد التي أرسى قواعدها أساطين هذا الفن. وقد بدأ فعلاً بخدمة هذا المصنّف الجليل الخدمة الفعلية الشيخ الأُستاذ أحمد شاكر، فحقق في جزء واحداً وثلاثين ومئة حديث نشرها مع مقدمات كتبها الحافظ ابن حبان مقدِّماً بها أنواعه وتقاسيمه، وقد جمعها الأمير علاء الدين في "الِإحسان" في مكان واحد.

وأما ما عدا ذلك فأحكام يطلقها قائلها على عجالة من أمره، ثم يتناولها مَنْ بَعْده إمَّا مسلماً بها لحُسْن ظنه وثقته بقائلها، وإما رادّاً لها ردّاً لا يعتمد أيضاً على الدراسة الشاملة، والنقد البصير، والاستقصاء التام، وإليك ما اطّلعنا عليه من أقوال، وقد جعلناها في قسمين ليسهل أمر مناقشتها والرد عليهما:

ص: 49

1 -

القسم الأول:

إن أول عبارة نقدية نقرؤها- فيما اطلعنا عليه- هي قول الحازمي في "شروط الأئمة الخمسة" ص: (31 - 32): "ابنُ حِبَّان أمْكَنُ فِي الْحديثِ مِنَ الْحَاكِمِ". وبين وفاتيهما ثلاث ومئة سنة.

ثم نقرأ في مقدمة أبي عمرو بن الصلاح المتوفى (643 هـ) ص: (11) بعد وصفه للحاكم بأنه واسع الخطو في شرط الحديث قوله: "وُيقَارِبُهُ فِي حُكْمِهِ صَحيحُ ابْنِ حبان.

ويشْرحُ العِرَاقِي مُرادَ ابن الصَّلاح بقَوْلهِ: "أرادَ أنَّهُ يُقَارِبُهُ فِي التَّسَاهُلِ، فَالْحَاكِمُ أشَدُّ تَسَاهُلاً مِنْهُ، وَهُوَ كَذلِكَ".َ ثُمّ اسْتَشْهَدَ بِقَولِ الَحازِميّ السَابِقِ.

ويقول السخاوي في شرح "ألفية الحديث" 1/ 35: "وابن حبان يداني الحاكم في التساهل وذلك يقتضي النظر في أحاديثه أيضاً، لأنه غير متقيد بالمعدلين، بل ربما يخرج للمجهولين (1) ولا سيما ومذهبه إدراج الحسن في

(1) قال النووي في مقدمة شرحه صحيح مسلم 1/ 22: "المجهول أقسام: مجهول

العدالة ظاهراً وباطناً، ومجهولها باطناً مع وجودها ظاهراً وهو المستور، ومجهول

العين

فأما الأول فالجمهور على أنه لا يحتج به، وأما الآخران فاحتج بهما كثيرون من المحققين". ولكن ما أكثر ما تصافح أعيننا عبارة "ووثقه ابن حبان على عادته في توثيق المجاهيل"، وأقوال أخرى مثل قول الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" 7/ 65: "أبو سلمة الجهني، حدث عنه فضيل بن مرزوق، لا يدرى من هو. وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وأخرج حديثه في صحيحه، وأحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه، وتعقبه المؤلف -يعني الذهبي في الميزان- بما ذكره هنا فقط ...... والحق أنه مجهول الحال، وابن حبان يذكر أمثاله في الثقات، ويحتج به في الصحيح إذا كان ما رواه ليس بمنكر". =

ص: 50

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وبعد التتبع والدرس والتمحيص وجدنا أن المجاهيل الذين يوثقهم ابن حبان- كما

يزعم الكثير- فريقان:

الفريق الأول: وهم الذين لا يروي عنهم غير واحد، وهو الأهم.

والفريق الثاني: وهم الذين روى عنهم أكثر من واحد.

نقول: أما بالنسبة للفريق الأول، فإن عبد الرحمن بن نمر قد تفرد بالرواية عنه الوليد بن مسلم، وقد غمز جانبه بعض أئمة الجرح، ومع ذلك فهو من رجال الشيخين.

وقد انفرد البخاري في الرواية عن:

1 -

زيد بن رباح المدني.

2 -

وعمر بن محمد بن جبير بن مطعم.

3 -

ومحمد بن الحكم المروذي.

4 -

والوليد بن عبد الرحمن بن حبيب الجارودي.

ولم يرو عن كل واحد منهم إلا راو واحد. كما تفرِد مسلم بالرواية عن جابر بن إسماعيل الحضرمي، ولم يرو عنه غير راو واحد أيضاً.

وقال شيخ الإِسلام ابن حجر: "

وأما زيد بن رباح فقال فيه أبو حاتم: ما أرى بحديثه بأساً، وقال الدارقطني، وغيره: ثقة. وقال ابن عبد البر: ثقة مأمون، وذكره ابن حبان في الثقات فانتفت عنه الجهالة بتوثيق هؤلاء.

وأما الوليد فوثقه أيضاًا لدارقطني، وابن حبان.

وأما جابر فوثقه ابن حبان، وأخرج له ابن خزيمة في صحيحه وقال: إنه ممن

يحتج به".

وقال ابن الصلاح في المقدمة ص: (54): "قد خرج البخاري في صحيحه حديث جماعة ليس لهم غير راوٍ واحدٍ، منهم: مرداس الأسلمي، لم يرو عنه غير قيس بن أبي حازم. وكذلك خرج مسلم حديث قوم لا راوي لهم غير واحد، منهم: ربيعة بن كعب الأسلمي، لم يرو- عنه غير أبي سلمة بن عبد الرحمن، وذلك منهما مصير إلى أن الراوي قد يخرج عن كونه مجهولاً مردوداً برواية واحد عنه. =

ص: 51

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= والخلاف في ذلك متجه في التعديل نحو اتجاه الخلاف المعروف في الاكتفاء بواحد في التعديل على ما قدمناه والله أعلم".

وقال ابن حزم في "المحلَّى" 4/ 53: "

وعبد الله بن بدر ثقة مشهور، وما نعلم أحداً عاب عبد الرحمن- يعني: ابن علي بن شيبان- بأكثر من أنه لم يرو عنه إلا عبد الله بن بدر، وهذا ليس بجرحة".

وقد زعم الحاكم في "المدخل" أن الشيخين لم يخرّجا في الصحيحين عن أحد من الصحابة الوحدان، وتعقبه النووي في مقدمته لشرح صحيح مسلم 1/ 22 بقوله: "وأما قول الحاكم: إن من لم يرو عنه إلا راو واحد فليس هو من شرط البخاري ومسلم، فمردود، غلطه الأئمة فيه بإخراجهما حديث المسيب بن حزن والد سعيد بن المسيب في وفاة أبي طالب، لم يرو عنه غير ابنه سعيد، وبإخراج البخاري حديث عمرو بن تغلب (إني لأعطي الرجل والذي أدع أحب إليّ)، لم يرو عنه غير الحسن.

وحديث قيس بن أبي حازم، عن مرداس الأسلمي (يذهب الصالحون)، لم يرو عنه غير قيس. وبإخراج مسلم حديث رافع بن عمرو الغفاري، لم يرو عنه غير عبد الله-بن الصامت. وحديث ربيعة بن كعب الأسلمي، لم يرو عنه غير أبي سلمة، ونظائر - في الصحيحين- لهذا كثيرة. والله أعلم.

وتبع البيهقي الحاكم، وتعقبه ابن التركماني بمثل ما تعقب به النووي الحاكم. انظر سنن البيهقي4/ 105. وقال محمد بن إبراهيم الوزير في "تنقيح الأنظار":"بل الذي تقتضيه الأدلة أنه لو وثقه واحد، ولم يرو عنه أحد، أو روى عنه واحد، ووثقه هو بنفسه، لخرج عن حد الجهالة، فقد نصَّ أهل الحديث أن التعديل يثبت بخِبر الواحد". انظر "توضيح الأفكار" 2/ 187.

وقال أبو الحسن بن القطان- ووافقه ابن حجر-: "إن زكاه أحد من أئمة الجرح

والتعديل مع رواية واحد عنه، قُبل، وإلاّ فلا". =

ص: 52

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وأما بالنسبة للفريق الثاني، فإن إسحاق بن إبراهيم بن محمد الصواف روى عنه جماعة، ولم يوثقه غير ابن حبان، ومن وثقه بعده فقد تابعه، وهو من رجال البخاري. وقد روى مسلم للوليد بن سريع، وعبد الله بن سلمان الأغر، وقد روى عن كل منهما أكثر من واحد ولكن لم يوثقهما غير ابن حبان. وهناك كثير ممن هذه حالهم، وقد أخرج لهم أصحاب السنن كأبي الأحوص، وأبي أرطأة، وأبي إبراهيم الأشهلي، وأبي راشد، ويزيد بن الحوتكية، ومحمد بن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث .......... غير أنني اكتفيت في إيراد بعض من هذا وصفه، وله رواية في الصحيح ليكون دفع ما وصف فيه ابن حبان أبلغ، ونفيه عنه أحكم.

وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" 3/ 426: "وفي رواة الصحيحين عدد كثير ما علمنا أن أحداً نص على توثيقهم. والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة، ولم يأت بما ينكر عليه، أن حديثه صحيح". وقال أيضاً في الميزان 1/ 556 ترجمة حفص بن بُغَيْل: "

فإن ابن القطان يتكلم في كل من لم يقل فيه إمام عاصر ذاك الرجل- أو أخذ عمّن عاصره- ما يدل على عدالته، وهذا شيء كثير، ففي الصحيحين من هذا النمط خلق كثير مستورون، ما ضعفهم أحد، ولا هم بمجاهيل". وقال أيضاً في الميزان 2/ 66 ترجمة الزبير بن جنادة الهجري:" .. ذكره ابن حبان في الثقات وأخطأ من قال؟ فيه جهالة ...... ".

وقال الحافظ ابن حجر في "شرح نخبة الفكر" ص (99 - 100): "فإن سمي الراوي، وانفرد راو واحد بالرواية عنه فهو مجهول العين، كالمبهم فلا يقبلِ حديثه إلَاّ أن يوثقه غير من ينفرد عنه على الأصح، وكذا من ينفرد عنه إذا كان متأهلاً لذلك". وهل فعل ابن حبان أكثر من هذا؟.

وأما ما وقع فيه من خطأ، أو سهو، أو اضطراب، فهذه صفات بشرية لا يمكن لبشر تجاوزها لذا قال العزيز الحكيم في وصف كتابه الكريم:(أَفَلَا يَتَدَبرونَ الْقرْآنَ؟ وَلَوْ كَانَ مَنْ عِنْد غَيْرِ اللهَ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً)[النساء: 82].

ومن المسلم أيضاً أن هذه الأمور تزداد نسبتها بازدياد عطاء الرجل وكثرة إنتاجه، =

ص: 53

الصحيح مع أن شيخنا -يعني الحافظ ابن حجر- قد نازع في نسبته إلى التساهل إلا من هذه الحيثية. وعبارته -يعني عبارة ابن حجر-: إن كانت باعتبار وجدان الحسن في كتابه فهي مشاحّة في الاصطلاح لأنه يسمّيه صحيحاً، وإن كانت باعتبار خفّة شروطه، فإنه يخرج في الصحيح ما كان راويه ثقة غير مدلس سمع ممّن فوقه وسمع منه الآخذ عنه، ولا يكون هنا إرسال ولا انقطاع، وإذا لم يكن في الراوي جرح ولا تعديل، وكان كلُّ من شيخه والراوي عنه ثقة، ولم يأتِ بحديث منكر، فهو عنده ثقة. وفي كتاب "الثقات" له كثير ممّن هذه حاله، ولأجل هذا ربما اعْتَرَضَ عليه في جعلهم من الثقات مَنْ لم يعرف اصطلاحَه، وَلا اعْتِرَاضَ عليه فإنه لا يُشَاح في ذلك"

قلت- القائل هو السخاوي-: ويتأيد بقول الحازمي: ابن حبان أمكن في الحديث من الحاكم، وكذا قال العماد ابن كثير:"قد التزم ابن خزيمة وابن حبان الصحة وهما خير من المستدرك، وأنظف أسانيد ومتوناً". وجاء في كشف الظنون 2/ 77: "قال ابن حجر في "النكت": وفيه -يعني صحيح ابن حبّان- تَسَاهُلٌ، لكنهُ أقلُّ من تَساهُل الحاكم في المستدرك.

= وابن حبان واحد من المكثرين، بل والمكثرين جداً، ولو وازنا نسبة أخطائه إلى إنتاجه لوجدناها عنده أقل منها عند غيره بكثير. وانظر تدريب الراوي 1/ 316 - 324، سنن البيهقي 4/ 105، توضيح الأفكار 2/ 173 - 198، قواعد في علوم الحديث ص (202 - 209)، وألفية السيوطي في علم الحديث تحقيق أحمد شاكر ص (251 - 252). ومقدمة ابن الصلاح ص (54)، والباعث الحثيث ص:(206 - 208)، وهدي الساري ص: 9 - 12، وشروط الأئمة الخمسة للحازمي ص (40 - 47)، وشروط الأئمة الخمسة لابن طاهر المقدسي ص (11 - 13). وانظر أيضاً الفصل الآتي بعنوان: آراء العلماء في هذا الصحيح ومناقشتها. وشرح نخبة الفكر ص (100). وإحكام الأحكام 1/ 262 نشر مكتبة عاطف.

ص: 54

قيل: هذا غير مسلم، وليس عند البستي تساهل وإنما غايته أن يسمى الحسن صحيحاً، فإنه وفى بالتزامه، ولم يوف الحاكم. ذكره البقاعي". وقد رَدَّ الإِمام اللكنوي في "الرفع والتكميل" صفحة 139 دعوى التساهل هذه فقال:"وقد نسب بعضهم التساهل إلى ابن حبان وقال: هو واسع الخطو في باب التوثيق، يوثق كثيراً ممّن يستحق الجرح وهو قول ضعيف. فإنك قد عرفت سابقاً -يعني في الصفحة (117 - 120) حيث ذكر وصف الذهبي له بالتقعقع، ووصفه بالخساف، وذكر وصف الحافظ ابن حجر له بالتشدد واعتبره من المتعنتين المتشددين،- أن ابن حبان معدود ممّن له تعنت وإسراف في جرح الرجال، ومَن هذا حاله لا يمكن أن يكون متساهلاً في تعديل الرجال، وإنما يقع التعارض بين توثيقه وبين جرح غيره لكفاية ما لا يكفي في التوثيق عند غيره، عنده". ويقول ابن العماد الحنبلي في "شذرات الذهب" 3/ 16: "وأكثر نقاد الحديث على أن صحيح ابن حبان أصحّ من سنن ابن ماجه". ويقول الذهبي في "سير أعلام النبلاء" 16/ 97: "وإن كان في تقاسيمه من الأقوال، والتأويلات البعيدة، والأحاديث المنكرة عجائب".

وردنا على كل تعميم سابق أن نضع بين يدي القارئ الكريم ما انتهينا إليه نتيجة دراستنا لأسانيد هذا الكتاب دراسة فاحصة متأنية ماثلة للعيان في تخريجاتنا وتعليقاتنا. لقد ضم الجزء الأول الذي تقدم له (304) أربعة وثلاث مئة حديث بالمكرر، وقد قمنا بتصنيفها فكانت ثلاث مجموعات:

الأولى: ما شاركه فيها البخاري ومسلم أو أحدهما، أو البخاري في

ص: 55

غير صحيحه، وأصحاب السنن، وأحمد وغيره، وبلغت (188) ثمانية وثمانين ومئة حديث.

والثانية: ما شاركه فيها أصحاب السنن الأربعة أو بعضهم، أو الإِمام أحمد، أو مالك، أوالدارقطني، ومنها ما هو صحيح لذاته أو لغيره، ومنها ما هو حسن لذاته أو لغيره، وكلها صالحة للاحتجاج. وقد بلغت (110) عشرة ومئة حديث.

والثالثة: وقد حكمنا بضعفها بمقتضى القواعد التي اتفق عليها جمهور المحدثين وقد يشاركه غيره من أصحاب السنن بتخريجها أو ينفرد بها. وعددها (6) ستة أحاديث.

وهذه الِإحصائية القائمة على الاستقراء، والدراسة الجادّة، تبيّن لنا أن نسبة الضعيف في صحيح ابن حبان أقل من 2%، وهذه نسبة قلّما يخلو منها كتاب من كتب السنّة التي تحرى أصحابها الصحة في مروياتهم. وصدق الإِمام الشافعي في قوله:"أبى الله أن تكون العصمة لغير كتابه". وفي رأينا أن الرد على كل ما سبق من تعميمات، كامن في هذه الدراسة والحمد لله أولاً وآخراً.

2 -

القسم الثاني:

لقد جاء في كتاب "توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار" 1/ 64 قولَ ابْنِ النَّحْوي- المعروف بابن الملقن-: "غالبُ صحيحِ ابنِ حبان مُنْتَزَعٌ مِنْ صَحيحِ شَيْخِهِ إِمامِ الأئمةِ محمد بن خزيمة".

ولسَبْر ما في هذا القول من الحق أو المجانبة له، قمنا بإحصاء ما جاء في المجلد الأول من صحيح ابن حبان فبلغ مجموع ما فيه (595) خمسة

ص: 56