المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أسباب خروجه من بلده: - موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان - ت حسين أسد - جـ ١

[نور الدين الهيثمي]

فهرس الكتاب

- ‌تميهد

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌ابن حبان

- ‌التعريف به وببيئته:

- ‌أسباب خروجه من بلده:

- ‌شيوخه في هذه الرحلة ونتائجها

- ‌تآليف ابن حبان:

- ‌موقفه مما جمع:

- ‌صحيح ابن حبان

- ‌شروط ابن حبان وموقف العلماء منها:

- ‌ترتيبه، وموقف العلماء منه:

- ‌أقوال العلماء في ابن حبان ومصنفاته:

- ‌آراء العلماء في هذا الصحيح ومناقشتها:

- ‌قيمة هذا الصحيح:

- ‌نهاية المطاف:

- ‌عملنا في هذا الكتاب[صحيح ابن حبان]

- ‌المصنّف والكتابأعني: الحافظ الهيثمي، وموارد الظمآن

- ‌وصف المخطوطة

- ‌عملنا في هذا الكتاب(أعني: موارد الظمآن)

- ‌1 - كتاب الإِيمان

- ‌1 - باب فيمن شهد أن لا إله إلَاّ الله

- ‌2 - باب ما يُحَرِّم دَمَ العبد

- ‌3 - باب بيعة النساء

- ‌4 - باب في قواعد الدين

- ‌5 - باب في الإِسلام والإِيمان

- ‌6 - باب في الموجبتين ومنازل النَّاس في الدنيا والآخرة

- ‌7 - باب ما جاء في الوحي والإِسراء

- ‌8 - باب في الرؤية

- ‌9 - باب إن للملك لمّة، وللشيطان لمّة

- ‌10 - باب ما جاء في الوسوسة

- ‌11 - باب فيما يخالف كمال الإِيمان

- ‌12 - باب ما جاء في الكبر

- ‌13 - باب في الكبائر

- ‌14 - باب المِرَاء في القرآن

- ‌15 - باب فيمن أكفرَ مسلماً

- ‌16 - باب ما جاء في النفاق

- ‌17 - باب في إبليس وجنوده

- ‌18 - باب في أهل الجاهلية

- ‌2 - كتاب العلم

- ‌1 - باب فيما بثّه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌2 - باب رواية الحديث لمن فهمه ومَن لا يفهمه

- ‌3 - باب طلب العلم والرحلة فيه

- ‌4 - باب الخير عادة

- ‌5 - باب في المجالس

- ‌6 - باب فيمَن علّم علماً

- ‌7 - باب فيمن لا يشبع من العلم ويجمع العلم

- ‌8 - باب فيمَن له رغبة في العلم

- ‌9 - باب في النيّة في طلب العلم

- ‌10 - باب جدال المنافق

- ‌11 - باب معرفة أهل الحديث بصحته وضعفه

- ‌12 - باب النهي عن كثرة السؤال لغير فائدة

- ‌13 - باب السؤال للفائدة

- ‌14 - باب فيمَن كتم علماً

- ‌15 - باب اتّباع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌16 - باب ما جاء في البرِّ والإِثم

- ‌17 - باب في الصدق والكذب

- ‌18 - باب ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل

- ‌19 - باب ما جاء في القصص

- ‌20 - باب التاريخ

- ‌21 - باب رفع العلم

- ‌3 - كتاب الطهارة

- ‌1 - باب ما جاء في الماء

- ‌2 - باب في سؤر الهر

- ‌3 - باب في جلود الميتة تدبغ

- ‌4 - باب في مَن أرادالخلاء ومعه شيء فيه ذكر الله تعالى

- ‌5 - باب ما يقول إذا دخل الخلاء

- ‌6 - باب آداب الخلاء والاستجمار بالحجر

- ‌7 - باب الاستنجاء بالماء

- ‌8 - باب الاحتراز من البول

- ‌9 - باب البول في القدح

- ‌10 - باب ما جاء في السواك

- ‌11 - باب فرض الوضوء

- ‌12 - باب فضل الوضوء

- ‌13 - باب البداء باليمين

- ‌14 - باب ما جاء في الوضوء

- ‌15 - باب إسباغ الوضوء

- ‌16 - باب المحافظة على الوضوء

- ‌17 - باب فيمَن توضأ كما أمر وصلى كما أمر

- ‌18 - باب في مَن بات على طهارة

- ‌19 - باب فيمَن استيقظ فتوضأ

- ‌20 - باب كراهية الاعتداء في الطهور

- ‌21 - باب المسح على الخفّين

- ‌22 - باب المسح على الجوربين والنعلين والخمار

- ‌23 - باب التوقيت في المسح

- ‌24 - باب فيمن كان على طهارة وشك في الحدث

- ‌25 - باب الذكر والقراءة على غير وضوء

- ‌26 - باب صلاة الحاقن

- ‌27 - باب التيمّم

- ‌28 - باب ما ينقض الوضوء

- ‌29 - باب ما جاء في مسّ الفرج

- ‌30 - باب فيما مسّته النار

- ‌31 - باب فضل طهور المرأة

- ‌32 - باب ما يوجب الغسل

- ‌33 - باب في الجنب يأكل أو ينام

- ‌34 - باب التستر عند إلاغتسال

- ‌35 - باب الغسل لمن أسلم

- ‌36 - باب ما جاء في دم الحيض

- ‌37 - باب ما جاء في الثوب الذي يجامع فيه

- ‌38 - باب ما جاء في الحمّام

- ‌39 - باب ما جاء في المذي

- ‌40 - باب طهارة المسجد من البول

- ‌41 - باب في بول الغلام والجارية

- ‌42 - باب إزالة القذر من النعل

- ‌43 - باب ما يعفى عنه من الدم

- ‌4 - كتاب الصلاة

- ‌1 - باب فرض الصلاة

- ‌2 - باب فيمَن حافظ على الصلاة ومَن تركها

- ‌3 - باب فضل الصلاة

- ‌5 - كتاب المواقيت

- ‌1 - باب وقت صلاة الصبح

- ‌2 - باب وقت صلاة الظهر

- ‌3 - باب ما جاء في صلاة العصر

- ‌4 - باب وقت صلاة المغرب

- ‌5 - باب وقت صلاة العشاء الآخرة

- ‌6 - باب الحديث بعدها

- ‌7 - باب جامع في أوقات الصلوات

- ‌8 - باب في الصلاة لوقتها

- ‌9 - باب المحافظة على الصبح والعصر

- ‌10 - باب فيمَن أدرك ركعة من الصلاة

- ‌11 - باب فيمن نام عن صلاة

- ‌12 - باب ترتيب الفوائت

- ‌13 - باب فيمن فاتته الصلاة من غير عذر

- ‌14 - باب فيما جاء في الأذان

- ‌15 - باب فضل الأذانوالمؤذن وإجابته والدعاء بين الأذان والإقامة

- ‌16 - باب ما جاء في المساجد

- ‌17 - باب المباهاة (24/ 1) في المساجد

الفصل: ‌أسباب خروجه من بلده:

لقد ضَنَّتْ عَلَيْنَا كُتُبُ التَّرَاجِم بكُلِّ ذلِكَ، فَأصْبَحَ ضَائعاً فِي مَتَاهَةِ تاريخ بَعيدٍ لَمْ يُدْرَسْ، وَلَمْ تُسَلِّط، وَلَو شعاعاً وَاحِداً عَلَى جَانبٍ مِنْ جَوانِب هذِهِ الْحَيَاةِ الْكَريمَةِ!! ..

‌أسباب خروجه من بلده:

بَعْد مُضي هذهِ الفترةِ الغامِضَةِ، نَجدُ ابنَ حبان شَريداً طَريداً، أُكْره عَلى مُفارقة الأهلِ الذين أَحَبَّ، وَالموْطِنِ الَّذي هَام بِهِ وترعرع فِيه. ونسأل عن سبب ذلكَ، فتحدد لنا كتب التراجم سببين لهذا الإخراج المقيت: يَقولُ الذَّهبي في "ميزان الاعَتدال" 3/ 507: "قال أبو إسماعيل الأنصاري، شيخ الإسلام: سألت يحيى بن عمار عن أبي حاتم بن حبان: رَأيْتَهُ؟. فَقَالَ رَأيتُهُ، وَنَحْن أخْرَجناهُ مِنْ سَجستان، كان لهُ علمٌ كَثيِرٌ، ولم يكنْ لهُ كبيرُ دينٍ، قدمَ علينا، فَأنكرَ الحدَّ لله، فَأخرجْنَاهُ"(1). وقال أبو إسماعيل الأنصاري: "سَمِعْتُ عَبْدَ الصمدِ بْنَ مُحمد بن

(1) تعقب الإمام الذهبي هذا القول في "سير أعلام النبلاء" 16/ 97 - 98 بقوله: "قلت: إنكارُكم عليه بِدْعَة أَيْضاً، والخوض في ذلِكَ مما لم يأذن بهِ الله، ولا أتى نصُّ بإثبات ذلك ولا بنفيه، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، وتعالى اللهُ أَنْ يُحَدَّ، أَوْ يُوصَفَ إِلَاّ بمَا وَصَفَ بهِ نَفْسَهُ، أَوْ عَلَّمَهُ رُسُلَة بالمعنى الَّذي أرادَ، بِلَا مِثْل وَلَا كَيْفٍ {لَيْسَ كَمِثْلِهَ شَيْء وَهُوًالسمِيعُ الْبَصِيرُ}. [الشورى: 11] ". وقال ابن حَجَرٍ في"لسان الميزان" 5/ 114 بعد أن ذكر القول هِذا: "وَالحَقُّ أَنَّ الحَقَّ مَعَ ابْن حِبَّان". وقال السُّبْكى في "طبقات الشافعية الكبرى" 3/ 132 - 133: "قُلْت َ، انْظُرْ مَا أَجْهَلَ هذَاَ الجارِحَ! وَلَيْتَ شِعْرِي مَن الْمَجْرُوحُ؟ مُثْبتُ الْحَدِّ، أَوْ نَافِيهِ؟. وَقَدْ رَأَيْتُ للحافظ صلاح الدين خَليل بن كيكلديَ العلائي رحمه الله عَلَى هُنا كَلَاماً أَحْبَبْتُ نَقْلَهُ بعِبَارَتِهِ، قَالَ رحمه الله ومن خطه نقلت: "يَا الله العجب!! مَنْ أَحَقُّ بِاْلإخْرَاجِ، وَالتَبْدِيعِ، وَقِلًةِ الدِّينِ؟!.

ص: 19

محمد يقول: سَمِعْتُ أبي يقول: أنكروا عَلَى ابن حبانَ قَوْلَهُ، النُبُوَّةُ: الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ، وَحَكَمُوا عَلَيْهِ بالزَّنْدَقَةِ،- وهَجَرُوهُ، وَكَتَبُوا فِيهِ إِلَى الْخَلِيفَةِ، فَأمَرَ بِقَتْلِهِ. وَسَمِعْتُ غَيْرَهُ يَقُولُ: لِذلِكَ أُخْرِجَ مِنْ سَمَرْقَنْد" (1).

(1) لقد تدبرنا ما كتبه ابن حبان في صحيحه من تعليقات، وما نثره من تأويلات، علّنا نقع على هذه العبارة، أو على شيءٍ يدل عليها، أو تأويلٍ يقود إليها، فلم نجد من ذلك شيئاً، علماً بأن سلوك ابن حبان، ودأبه الدائب فيْ تحصيل الحديث الصحيح، وحرصه على حفظه من قبل الدارسين للعمل به، بعد عقله وفهمه يجعلنا نرجح أن هذه المقولة ألصقها به بعض حاسديه من المتزهدين الذين زهدوا في العلم، فناصبوا أهله العداء، أو القائلين بالحد الذين أغرقوا فيه حتى كادوا أن يقعوا في التجسيم، أو بعض الذين ضاق صدرهم بالتأويل والمتأولين فاعتبروهم الأعداء الألداء، واتهموهم بما هم منه- أو من أكثره- برآء.

قال الحافظ ابن كثير في "البداية" 11/ 259: "وَقَدْ حَاوَلَ بعضهم الكلام فيه مِنْ جهَةِ مُعْتَقَدِهِ، وَنَسَبَهُ إِلَى القولِ بأن النبوة مُكْتَسَبَة، وهي نزْعَةٌ فَلْسفية، والله أعلَمُ بصِحَّةِ عَزْوِهَا إِلَيْهِ، وَنَقْلِهَا عَنْهُ".

وقال الحافظ الذهبي في. "سير أعلام النبلاء "16/ 96 - 97: "هذِهِ حِكَايَةٌ غريبةٌ، وابن حبان مِنْ كِبَار الأئمة، ولَسْنَا نَدَّعي فيه العِصْمَةَ مِنَ اْلخَطَأِ، لكِنْ هذِه اْلكَلِمةُ قَدْ يُطْلِقُهَا المُسْلِمُ، وَيُطْلِقُهَا الفَيْلَسُوفُ الزِّنْدِيقُ.

فَإِطْلَاقُ الْمُسْلِمِ لَهَاَ لَا يُبْتَغَى، لكِنْ نَعْتَذِرُ فَنَقُولُ: لَمْ يُردْ حَصْرَ المبتدأ فى الخبرِ، وَنَظيرُ ذلكَ قَوْلُهَ عليه الصلاة والسلام:"الْحَجُّ عَرَفَةُ". وَمَعْلُومٌ أنَّ الحاج لا يصير بِمُجَرَّدِ الوقوفِ بعرفةَ حَاجاً، بل تبقى عَلَيْهِ فروضٌ وَوَاجِبَات، وَإِنَمَا ذَكَرَ مُهِمَّ الْحَجِّ. وَكَذَا هذَا ذَكَرَ مُهِمَّ النُبُوَّةِ، إِذْ مِنْ أَكْمَلِ صِفَاتِ النَّبي كَمالُ العِلْمِ والْعَمَلِ، فَلا يَكونُ أَحَدٌ نَبِياً إلا بِوُجُودِهِمَا، وَلَيْسَ كُل مَنْ بَرزَ فِيهمَا نبياً، لأنَ النبوةَ مَوْهبةٌ مِنَ الحَقِّ تَعَالَى لا حِيلَةَ لِلْعَبْدِ في اكْتِسَابِهَا، بَلْ بِهَا يَتَوَلَّدُ العلْمُ الَّلدُنِّي، وَالَعَمَل الصالحُ. وَأَمَّا الْفَيْلَسُوفُ فَيَقُولُ: النبوة مُكْتَسَبَةٌ يُنْتِجُهَا العِلْمُ وَالْعَمَلُ، وَهذَا كُفْرٌ لَا يُريدُةُ أبو حاتم أصْلاً، وَحَاشَاه". =

ص: 20

وإمعانُ النَّظَرِ في هذين الخبرَيْن يُوَضِّحُ أُموراً ينبغي التوقف عندها: أولاً: إنهما يَرْسُمان صورَةً لِبَعْضِ أدْعِيَاءِ العِلْم، الذينَ نَما الحسَدُ في نفوسهم، وَترعرع الحِقْدُ في قلوبهم، فتوهموا أن بيَدِهِمْ أمْرَ تَوْجِيهِ الفكر بَيْنَ النَّاسِ، وَمُصَادَرَةَ كُلِّ مَا لا يُناسِبُ مُيُولَهُمْ وأهْوَاءهَم، سِلاحُهُمْ في ذلِكَ إثارَةُ العَوَامِّ مِنَ النَّاسِ، والوشايةُ بهم إلَى الخليفة، يسند ذلِك افتراءٌ مَرْذولٌ، ويدعمُهُ بَاطل مَخْذولٌ. ثانياً: إنهما يحدِّدَان جِهَةَ الرِّحْلَةِ الَّتي قامَ بِهَا ابن حِبَّان، فقد تَوَجَّهَ إلى مَشْرِق الخِلَافَة- الإِسلامية إشفاقاً عَلَى نَفْسِه من هياج الغَوْغَاءِ مِنَ العوامِّ، الذين يقول فيهم أبو يوسف كبير القضاة في زمن الخليفة هارون الرشيد:"لَوْ انَّ العَوَامَّ كُلَّهُمْ عَبِيدي لأَعْتَقْتُهُمْ". وَتَبَرَّأْتُ مِنْ وَلَائِهِمْ"، وَمِنَ المُتَطَفِّلينَ عَلَى مَوَائِدِ الْعِلْمِ، الْحاقِدينَ، ائَذينَ أَرادُوا بِهِ شَرّاً. وَلَعَلَّة اختارَ ذلِكَ المكانَ في أطرافِ الخِلَافَةِ حيث تضعُفُ قبضةُ السُّلطانِ، فَلَا يَنَالُهُ عقابُة، وَلا تَطالُهُ سياطُ عَذَابهِ، حتى إذَا مَا هَدَأ الْحَالُ، وتُنُوسِىَ مَا كَانَ، وَشَعَرَ بِالطُّمَأْنِينَةِ وَالأمْنِ، عَادَ إِلى قلب الخِلافَةِ". وَجَابَ نَواحِيَهَا المختلِفَةَ، لِيُتِمَّ مَا بَدَأ بهِ، وَلِيُشْبِعَ نَهَمَهُ في طلَب الحديثِ، ولقِي الشُّيوخِ،- والأخذ عنهم، والإِفَادة منهم، ليتسنَّى لهُ أن يَتبوا مركزَ الصَّدَارَةِ بَيْنَ أهل العلم في بَلَدِهِ، وَيكُونَ الإمَامَ المَرْجُوعَ إِلَيْهِ في هذَا الْعِلْم الشَريفِ. ثالثاً: يُوَضِّحُ لَنا النَّص أنَّ سمرقند كانت مِنْ أوَائِل الْبلْدان الَّتي حَطَّ فيها عَصَا تَرْحَاله، وَفي هذا البلدِ الطيبِ اتَّصَلَ بشَيْخِهِ أبي حَفْص عمر بن

= وتعقب الحافظ ابن حجر شي "لسان الميزان "5/ 114 هذه المقولة بقوله: "مَاذَا؟ إلا تَعَصّبٌ زَائِدٌ عَلَى الْمُتَأَوِّلينَ، وَابْنُ حِبَّانَ كَانَ صَاحِبَ فُنُونٍ، وَذَكَاءٍ مُفْرِطٍ، وَحِفْظٍ وَاسِعٍ إِلَى الْغَايَةِ".

ص: 21

محمد الهمداني السمرقندي، المتوفى سنة (311) للهجرة (1). وَإِذَا ضممنا إلى هذا ما أجمع عليه مُتَرْجِمُوا ابن حبان، من أنه توفي سنة (354 هـ) وهو في عشر الثمانين يتبين لنا:

أ- أنَّ مولده كان في عشر الثمانين من القرن الثالث، وَهذا ما ذَهَبَ إليه بعض مَن ترجم له.

ب- أن ابن حبان بَدَأ رحْلَتَهُ وَعُمُرُهُ لا يقل عن الخامسة والعشرين، كما أنه لا يزيد عَلى الخامسَةِ وَالثلاثين

ج- يَتَحدَّدُ لَنَا مَعْنَى مَا قالَهُ الذهبي في "ميزانه "3/ 506 - وتابعه عليه ابن حجر-: "وَطَلَبَ الْعِلْمَ عَلَى رَأْسِ الثَلَاثِ مِئَةٍ"، فَإِنَهُ يَعْنِي: بَدْأ الرَّحْلَةِ في طَلَب الْعِلْمِ، وَإِلَاّ فَإِنَ ابْنَ حبان عندمَا خَرَجَ مِنْ بلده، كان قد اسْتوعبَ الكثيرَ مِنْ مَعَارِفِ العَصْرِ، وَلا يُمْكنُ أنْ يَغيبَ هذَا عَلَى مِثْلِ الحافِظِ الذَّهَبِي، وَالحافِظِ ابْنِ حَجَرٍ.

وقَدْ دامَتْ هذه الرحلةُ المباركَةُ التي زَرَعَ فيها العالَمَ الإسْلامِيَّ مِنْ أقْصاهُ إِلَى أقْصَاه نيفاً وثلاثين عاماً، فقد قال الحاكم- وهو تلميذه-:"كَانَ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ أَوْعِيَةِ الْعِلْمِ في الْفِقْهِ، وَاللُّغَةِ، وَالْحَدِيثِ، وَالْوَعْظِ، وَمِنْ عُقَلَاءِ الرِّجَالَ. قَدِمَ نَيْسَابُورَ سَنَةَ أرْبَعٍ وَثَلاثِينَ وَثلاثِ مِئَةٍ، فَسَارَ إِلَى قَضَاءِ نَسَا، ثُمَ انْصَرَفَ إِلَيْنَا فِي سَنَةِ سِبْعٍ، فَأقَامِ عِنْدَنَا فِي نَيْسَابُورَ، وَبَنَى الْخَانقاه، وَقُرِىءَ عَلَيْهِ جُمْلَةٌ مِنْ مُصَنَّفَاتِهِ، ثُمَّ خرَجَ مِنْ نَيْسَابُورَ إِلَى وَطَنِهِ سَجِستان عَامَ أربعينَ، وكانت الرَّحْلَةُ إِلَيْهِ لِسَمَاعِ حَدِيثِهِ"(2).

(1) شذرات الذهب 2/ 262.

(2)

معجم البلدان1/ 417.

ص: 22