الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - خلق العرش والكرسي
قال الله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)} [المؤمنون: 116].
وقال الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5].
الله تبارك وتعالى هو الملك الذي يملك كل شيء، القوي الذي لا يعجزه شيء، الخالق الذي خلق كل شيء.
خلق العرش واستوى عليه، وأمر الملائكة بحمله، وتعبدهم بتعظيمه والطواف به.
وخلق البيت المعمور في السماء السابعة، وأمر الملائكة بالطواف به.
وخلق سبحانه البيت العتيق في الأرض، وأمر بني آدم بالطواف به، واستقباله في الصلاة.
وعرش الرحمن عز وجل سرير ذو قوائم .. تحمله الملائكة .. وهو كالقبة على العالم .. وهو سقف المخلوقات .. وأعظم المخلوقات .. وأعلى المخلوقات .. وأوسع المخلوقات .. وأكبر المخلوقات .. فالله سبحانه مجيد .. وعرشه مجيد.
والله جل جلاله مدح نفسه بأنه: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15)} [البروج: 15].
وأنه: {رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)} [المؤمنون: 116].
وأنه: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)} [التوبة: 129].
فوصف سبحانه العرش بأنه مجيد، وكريم، وعظيم.
فهو عظيم لكونه أعظم المخلوقات وأكبرها وأعلاها وأوسطها.
وكريم لما له من منزلة تميز بها عما سواه من المخلوقات.
ومجيد عال مرتفع على جميع المخلوقات والكائنات.
وبذلك صار بهذه الصفات لائقاً بجلال الله وعظمته وكبريائه.
وخصه الله جل جلاله من بين سائر المخلوقات بالاستواء عليه.
وعرش الرحمن أكبر المخلوقات وأعظمها، والرحمن استوى عليه بأوسع الصفات وهي الرحمة، فاستوى سبحانه على أوسع المخلوقات وهو العرش، بأوسع الصفات وهي الرحمة كما قال سبحانه:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5].
وعرش الله عز وجل أعلى المخلوقات وأرفعها وسقفها وأقربها إلى الله تعالى، فهو أعلى من السموات والأرض، وهو سقف الجنة، اختصه الله بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق، ثم استوى عليه الرحمن كيف شاء.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا سَألْتُمُ الله فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَأعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أنْهَارُ الْجَنَّةِ» أخرجه البخاري (1).
وعرش الرحمن جل وعلا أكبر المخلوقات وأعظمها، وأوسعها وأثقلها، وزنته أثقل الأوزان، ولا يقدر قدره أحد إلا الله: فـ «سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ» أخرجه مسلم (2).
والملائكة الذين يحملون العرش لا يعلم عظمتهم إلا الله.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إلى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ» أخرجه أبو داود (3).
وعرش الرحمن أعلى المخلوقات، فبين السماء والأرض خمسمائة عام، وبين
(1) أخرجه البخاري برقم (7423).
(2)
أخرجه مسلم برقم (2726).
(3)
صحيح: أخرجه أبو داود برقم (4728)، صحيح سنن أبي داود رقم (3953).
انظر السلسلة الصحيحة رقم (151).
السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء وسماء خمسمائة عام، وسمك كل سماء خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، لا يخفى عليه مثقال ذرة من أعمال العباد.
وقد خلق الله عز وجل العرش قبل خلق السموات والأرض، وقبل القلم، بل قبل سائر المخلوقات.
قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: 7].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلائِقِ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ السموات وَالأرْضَ بِخَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ» أخرجه مسلم (1).
والعرش أكبر المخلوقات وأعظمها كما قال سبحانه: {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)} [التوبة: 129].
وعرش الرحمن تبارك وتعالى أعلى المخلوقات كلها وأثقلها وزناً.
فسبحان العزيز الجبار الذي خلقه، واستوى عليه، وجعله مع عظمته محتاجاً إليه:«سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِه» أخرجه مسلم (2).
والكرسي وسع السموات والأرض، والكرسي بالنسبة للعرش كحلقة ملقاة في أرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة.
والسموات السبع، والأرضون السبع وما بينهن وما فيهن في الكرسي كحلقة ملقاة بأرض فلاة.
وحملة العرش ملائكة عظام لا يعلم عظم خلقهم إلا الله، ولا يعلم قوتهم إلا الله، ولا يعلم عددهم إلا الله، يحملون العرش بقدرة الله.
(1) أخرجه مسلم برقم (2652).
(2)
أخرجه مسلم برقم (2726).
وحملة العرش من أكبر الملائكة وأعظمهم وأقواهم، وهم ومن حول العرش من الملائكة المقربين يعبدون الله عز وجل، ولهم زجل بالتسبيح والتقديس والتحميد كما قال سبحانه:{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)} [غافر: 7].
ويوم القيامة يحمل عرش الرحمان ثمانية أملاك عظام كما قال سبحانه: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)} [الحاقة: 17].
والكرسي جسم عظيم مخلوق بين يدي العرش، وهو موضع القدمين للباري عز وجل، والعرش أعظم منه، والكرسي أعظم المخلوقات بعد العرش كما قال سبحانه:{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)} [البقرة: 255].
والله تبارك وتعالى فوق سماواته، مستو على عرشه، عال على خلقه، لا يخفى عليه شيء من أمرهم:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)} [النمل: 26].
وإذا كانت هذه عظمة كرسيه .. فكم تكون عظمة عرشه الذي وصفه بأنه عظيم .. ؟. وكم تكون عظمة الرب الذي استوى عليه جل جلاله .. ؟.
أفيليق بمن هذه صفاته .. وهذه أفعاله .. وهذه عظمته .. أن يسكن العبد في ملكه .. ويأكل من رزقه .. ويكفر به .. ويستكبر عن عبادته وطاعته .. ؟.