المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولفقه أسماء الله وصفاته

- ‌1 - فقه العلم بالله وأسمائه وصفاته

- ‌2 - فقه عظمة الرب

- ‌3 - فقه قدرة الرب

- ‌4 - فقه رحمة الرب

- ‌5 - فقه علم الرب

- ‌6 - فقه جمال الرب

- ‌7 - فقه أسماء الله الحسنى

- ‌الله…جل جلاله

- ‌الرحمن

- ‌الملك

- ‌القدوس

- ‌السلام

- ‌المؤمن

- ‌المهيمن

- ‌العزيز

- ‌الجبار

- ‌الكبير

- ‌الخالق

- ‌البارئ

- ‌المصور

- ‌الغفور

- ‌القاهر

- ‌الوهاب

- ‌الرزاق

- ‌الفتاح

- ‌العليم

- ‌السميع

- ‌البصير

- ‌الحكيم

- ‌اللطيف

- ‌الخبير

- ‌الحليم

- ‌العظيم

- ‌الشكور

- ‌العلي

- ‌الحفيظ

- ‌الرقيب

- ‌المقيت

- ‌الشهيد

- ‌الحاسب

- ‌الكريم

- ‌الواسع

- ‌المجيد

- ‌الرب

- ‌الودود

- ‌الحق

- ‌المبين

- ‌الوكيل

- ‌الكفيل

- ‌القوي

- ‌المتين

- ‌الولي

- ‌الحميد

- ‌الحي

- ‌القيوم

- ‌الواحد

- ‌الصّمد

- ‌القادر

- ‌الأول

- ‌الآخر

- ‌الظاهر

- ‌الباطن

- ‌البر

- ‌التواب

- ‌العفو

- ‌الرؤوف

- ‌الغني

- ‌الهادي

- ‌النور

- ‌البديع

- ‌الفاطر

- ‌المحيط

- ‌القريب

- ‌المستعان

- ‌المجيب

- ‌الناصر

- ‌الوارث

- ‌الغالب

- ‌الكافي

- ‌ذو الجلال والإكرام

- ‌ذو العرش

- ‌ذو المعارج

- ‌ذو الطول

- ‌ذو الفضل

- ‌الرفيق

- ‌الشافي

- ‌الطيب

- ‌السبوح

- ‌الجميل

- ‌الوِتر

- ‌المنان

- ‌الحيي

- ‌الستير

- ‌الديان

- ‌المحسن

- ‌السيد

- ‌المقدم والمؤخر

- ‌القابض والباسط

- ‌8 - فقه صفات الله وأفعاله

- ‌9 - فقه أحكام الأسماء والصفات

- ‌10 - فقه التعبد بأسماء الله وصفاته

- ‌الباب الثانيفقه الخلق والأمر

- ‌1 - فقه الخلق والأمر

- ‌2 - فقه أوامر الله الكونية والشرعية

- ‌3 - خلق الله للكون

- ‌4 - فقه الحكمة في كل ما خلقه الله وأمر به

- ‌5 - فقه خَلق المخلوقات

- ‌1 - خلق العرش والكرسي

- ‌2 - خلق السموات

- ‌3 - خَلق الأرض

- ‌4 - خلق الشمس والقمر

- ‌5 - خلق النجوم

- ‌6 - خلق الليل والنهار

- ‌7 - خلق الملائكة

- ‌8 - خلق المياه والبحار

- ‌9 - خلق النبات

- ‌10 - خلق الحيوانات

- ‌11 - خلق الجبال

- ‌12 - خلق الرياح

- ‌13 - خلق النار

- ‌14 - خلق الجن

- ‌15 - خلق آدم

- ‌16 - خلق الإنسان

- ‌17 - خلق الروح

- ‌18 - خلق الدنيا والآخرة

- ‌البَابُ الثّالثفقه الفكر والاعتبار

- ‌1 - فقه الفكر والاعتبار

- ‌2 - فقه الفكر في أسماء الله وصفاته

- ‌1 - الفكر والاعتبار في عظمة الله

- ‌2 - الفكر والاعتبار في قدرة الله

- ‌3 - الفكر والاعتبار في علم الله

- ‌3 - فقه الفكر والاعتبار في الآيات الكونية

- ‌4 - فقه الفكر في نعم الله

- ‌5 - فقه الفكر والاعتبار في الآيات القرآنية

- ‌1 - فقه التأمل والتفكر

- ‌2 - فقه التصريف والتدبير

- ‌3 - فقه الترغيب والترهيب

- ‌4 - فقه التوجيه والإرشاد

- ‌5 - فقه الوعد والوعيد

- ‌6 - فقه الفكر والاعتبار في الخلق والأمر

- ‌البَابُ الرَّابعكتاب الإيمان

- ‌1 - فقه الإيمان بالله

- ‌1 - فقه الإحسان

- ‌2 - فقه اليقين

- ‌3 - فقه الإيمان بالغيب

- ‌4 - فقه الاستفادة من الإيمان

- ‌2 - فقه الإيمان بالملائكة

- ‌3 - فقه الإيمان بالكتب

- ‌4 - فقه الإيمان بالرسل

- ‌5 - فقه الإيمان باليوم الآخر

- ‌6 - الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌1 - فقه الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌2 - فقه المشيئة والإرادة

- ‌3 - فقه خلق الأسباب

- ‌4 - فقه خلق الخير والشر

- ‌5 - فقه النعم والمصائب

- ‌6 - فقه الشهوات واللذات

- ‌7 - فقه السعادة والشقاوة

- ‌8 - فقه كون الحمد كله لله

- ‌9 - فقه الولاء والبراء

الفصل: ‌10 - خلق الحيوانات

‌10 - خلق الحيوانات

قال الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)} [الأنعام: 38].

وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)} [النور: 45].

الله جل جلاله هو الخلاق العليم، خلق السموات، وملأها بالملائكة التي تسبحه وتقدس له.

وخلق الأرض، وخلق منها الإنسان، وجعله خليفة فيها.

وخلق حول الإنسان مخلوقات عظيمة من الحيوانات، تدب على وجه الأرض .. أو تحلق في جو السماء .. أو تسبح في قعر البحر.

وهذه الحيوانات أمم وقبائل، وأنواع وأجناس، وأشكال وألوان، وذكور وإناث.

وهي أعداد هائلة لايحصيها إلا الله الذي خلقها ودبرها، والذي يطعمها ويسقيها، وينميها ويعافيها، ويعلم مستقرها ومستودعها.

فهي ساربة منتشرة، في ملكه بأمره سبحانه، تأكل وتشرب من مائدة نعمه الكبرى في هذه الأرض:

فمنها ما يمشي على بطنه .. ومنها ما يمشي على رجلين .. ومنها ما يمشي على أربع .. ومنها ما يطير بجناحيه .. ومنها ما يسبح في البحار والأنهار.

وكلها تسبح بحمد ربها طائعة لخالقها، عابدة ساجدة له، حتى تستكمل آجالها، وتستوفي أرزاقها:{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)} [النحل: 49، 50].

وهذه الحيوانات المختلفة الأجناس والأنواع، والأحجام والألوان.

ص: 528

كل فرد منها معجز في خلقه .. معجز في تصريفه .. معجز في طريقة حياته .. معجز في نموه وتكاثره وولادته .. بحيث لا يزيد جنس عن حدود معينة تحفظ وجوده وامتداده .. وتمنع طغيانه على الأجناس الأخرى طغيان إبادة وإفناء.

فسبحان العليم الحكيم الذي يمسك بزمام الأنواع والأجناس، يزيد فيها وينقص بحكمة وتقدير، ويضع في كل منها من القوى والخصائص والوظائف ما يحفظ التوازن بينها جميعاً.

فالإبل والبقر، والغنم والمعز خلقها الله عز وجل لمنافع العباد كما قال سبحانه:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)} [يس: 71 - 73].

فسبحان العزيز الكريم الذي سخرها للإنسان يأكل من لحومها، ويشرب من ألبانها، ويلبس من أصوافها، ويفترش من أوبارها.

وهذه الأنعام قليلة النسل، إذ قلما تلد في السنة إلا واحداً، ولكن الله سبحانه جعل فيها البركة، فهي مع قلتها وكثرة من يأكلها من البشر والسباع إلاأنها أكثر الحيوانات نماءً وكثرةً وبركة ومنافع.

والنسور من الطيور الجارحة الضارية وعمرها مديد، ولكنها في مقابل هذا نزرة قليلة البيض والفراخ بالقياس إلى العصافير.

وكيف يكون الأمر لو كان للنسور نسل العصافير؟.

إنها ستقضي على جميع الطيور، وتحرم منها بقية الأجناس والبشر.

فسبحان من أكثر من هذا، وقلل من هذا لمصالح عباده.

والأسود كذلك في عالم الحيوان كاسرة ضارية، والفهود كذلك والنمور كذلك.

كيف تكون الحال لو كانت تنسل نسل الشياه والضباء؟.

إنها ما كانت لتبقي على لحم تجده من حيوان أو إنسان.

ص: 529

فسبحان العليم القدير الذي يمسك بزمام مخلوقاته .. فجعل نسل هذه محدوداً بالقدر المطلوب .. وبارك في نسل الضباء والشاء وغيرها من ذوات اللحوم لمصالح ومنافع عباده: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)} [النحل: 5].

والذبابة الواحدة تبيض في الدورة الواحدة بمشيئة الله مئات الألوف، وفي مقابل هذا لا تعيش إلا أسبوعين تقريباً. فكيف لو أفلت الزمام فعاشت الذبابة الواحدة أشهراً أو سنوات؟.

إذاً لكان الذباب يغطي الأجسام والقرى والدور، ويأكل العيون والطعام.

ولكن الحي القيوم العليم بكل شيء أحكم الأمور وفق تقدير محكم، محسوب فيه حساب كل الحاجات والأحوال والظروف.

فسبحان الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً، كما أحسن خلقه وأتقنه.

وسبحان من خزائنه مملوءة بكل شيء، ولكنه حكيم لا ينزل منه إلا بقدر ما يصلح أحوال البلاد والعباد:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)} [الحجر: 21].

إنها آيات وعجائب في الخلق والتدبير، والتحريك والتسكين، والإحياء والإماتة في عالم البشر، وفي عالم الحيوان، وفي عالم البر، وفي عالم البحر، وفي العالم العلوي، وفي العالم السفلي كما قال سبحانه:{إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4)} [الجاثية: 3، 4].

إنها آيات ناطقة لكل مؤمن يراها ويتدبرها.

واليقين هو الحالة المهيئة للقلوب كي تحس وتتأثر وتنيب.

اليقين بالله الذي يدع القلوب تثبت وتطمئن، وتتلقى كل ما تراه وتسمعه في الكون في هدوء ويسر، وفي راحة من القلق والحيرة.

والميكروبات مخلوقات عظيمة هائلة الكثرة، فهي أكثر الأحياء عدداً، وأسرعها تكاثراً، وأشدها فتكاً، لكنها أضعف الأحياء مقاومة، وأقصرها عمراً.

ص: 530

وهي تموت بالملايين في كل لحظة بسبب البرد، أو الحر، أو الضوء أو عوامل أخرى.

ولو كانت قوية المقاومة، أو طويلة العمر لدمرت الحياة والأحياء.

فسبحان من بهرت حكمته القلوب والعقول، ومن دبر خلقه بمشيئته وحده لا شريك له.

وسبحان من خلق هذه الخلائق، وأسكنهم في ملكه، وأطعمهم من رزقه:{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)} [الزخرف: 84].

وكل حي وكل كائن من هذه الحيوانات والطيور والحشرات، مزود بسلاح بتقي به هجمات أعدائه، ويغالب به خطر الفناء، في البر أو في البحر، وتختلف هذه الأسلحة وتتنوع.

فكثرة العدد سلاح .. وقوة البطش سلاح .. وبينهما ألوان وأنواع:

فالحيات الصغيرة مزودة بالسم أو بالسرعة للهرب من أعدائها.

والثعابين الكبيرة مزودة بقوة العضل، ومن ثم يندر فيها السام.

والضباء مزودة بسرعة الجري والقفز.

والأسود والسباع مزودة بقوة البأس والافتراس.

والطيور الجارحة مزودة بمخالب ومناقير تمزق اللحوم.

وبعض الأسماك مزودة بمناشير تذبح من يقترب منها.

وهكذا كل حي من الأحياء الكبار والصغار على السواء.

فسبحان من خلقها، ومن دبر أرزاقها، ومن يسر لها القوة التي تدافع بها عن نفسها.

وكل حي مزود كذلك بالخصائص والوسائل التي يحصل بها على طعامه، والتي ينتفع معها بهذا اللون من الطعام، الإنسان والحيوان، والطيور والحشرات، كل خلق الله له ما يناسبه، من الطعام والشراب والسكن.

والحيوانات تحصل على أرزاقها التي قسم الله لها بطرق شتى:

ص: 531

فمنها ما يعيش على النبات والحبوب كالإبل والبقر والغنم والغزال ونحوها.

ومنها ما يعيش على اللحوم كالحيوانات الكاسرة، والسباع الضارية التي تعيش في الفلاة، ولا غذاء لها إلا ما تفترسه من كائنات لا بد من مهاجمتها، والتغلب عليها كالأسود والنمور، والضبع والفهد، والذئاب والثعالب.

فهذه قد زودها الله بأنياب قاطعة، وأسنان حادة، وأضراس صلبة.

ولما كانت في هجومها لا بد أن تستعمل عضلاتها، جعل الله لها عضلات قوية، وسلحها بأظفار ومخالب حادة، لتتمكن من الاستيلاء على فريستها، وجعل سبحانه في معدتها من الأحماض التي تساعدها على هضم اللحوم والعظام.

فسبحان: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)} [طه: 50].

وأما الحيوانات المجترة المستأنسة، التي تعيش على المراعي، فهي تختلف فيما زودت به من الآلات، وقد خلق الله أجهزتها الهاضمة بما يتناسب مع البيئة.

فأفواهها واسعة نسبياً، وقد تجردت من الأنياب القوية، والأضراس الصلبة، وبدلاً منها خلق الله لها أسناناً قاصمة قاطعة، فهي تأكل الحشائش والنباتات بسرعة، وتبلعها دفعة واحدة، حتى يمكنها أن تؤدي للإنسان ما خلقت لأجله من خدمات.

ولما كانت هذه الحيوانات هدفاً للسباع، فهي تأكل غذاءها بسرعة وتختفي، ثم تهضمه في وقت طويل جداً، فلو لم تكن مجترة، وبمعدتها مخزن خاص، لضاع وقت طويل في الرعي.

فسبحان من خلقها، ووهبها سرعة الأكل، وهداها إلى تخزينه، ومكنها من إعادته بعد أن يصيب شيئاً من الرطوبة، ليبدأ الطحن والمضغ والبلع.

والطيور الجارحة كالبوم والحدأة والصقر، ذات منقار مقوس حاد، على شكل خطاف لتمزيق اللحوم.

بينما الأوز والبط لها مناقير عريضة منبسطة مفلطحة كالمغرفة، توائم البحث

ص: 532

عن الغذاء في الطين والماء، وعلى جانب المنقار زوائد صغيرة كالأسنان لتساعد على قطع الحشائش.

أما الدجاج والحمام، وباقي الطيور التي تلتقط الحب من الأرض، فمناقيرها قصيرة مدببة لتؤدي هذا الغرض.

أما منقار البجعة فهو طويل طولاً ملحوظاً، ويمتد من أسفله كيس يشبه الجراب، ليكون كشبكة الصياد، إذ أن السمك هو غذاء البجعة الأساسي.

فسبحان الحكيم العليم الذي يخلق ما يشاء لما يشاء، ويهديه للحصول عليه بما يشاء.

ومنقار الهدهد طويل مدبب، أعد بإتقان للبحث عن الحشرات والديدان التي غالباً ما تكون تحت سطح الأرض.

وإنه ليمكن للإنسان أن يعرف غذاء أي طير من النظرة العابرة لفمه ومنقاره.

أما باقي الجهاز الهضمي للطير فهو غريب عجيب، فلما لم يعط أسناناً، فقد خلق الله له حوصلة وقانصة تهضم الطعام، ويلتقط الطير مواد صلبة وحصى لتساعد القانصة على هضم الطعام.

فسبحان رب العالمين، الذي خلق العوالم من الحيوانات التي لا يحصيها ولا يعلمها ولا يرزقها إلا هو:

عالم البهائم والأنعام .. عالم السباع .. عالم الطيور .. عالم الذر .. عالم النحل .. عالم النمل .. عالم الجراد .. عالم الحشرات .. عالم الخيل .. عالم الإبل .. عالم البقر .. عالم الغنم .. عالم الدجاج .. عالم الحمام .. عالم الأسماك.

وغيرها من العوالم التي لا يحصيها إلا الله.

فتبارك الله أحسن الخالقين الذي خلق جميع هذه الخلائق، ودبر أمرها، وقسم أرزاقها، وقدر آجالها:{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)} [الأنعام: 102].

والله تبارك وتعالى خالق كل شيء، خلق جميع هذه الحيوانات والطيور

ص: 533

والحشرات من ماء كما قال سبحانه: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)} [النور: 45].

فالحيوانات التي تتوالد، مادتها ماء النطفة حين يلقح الذكرالأنثى، والتي تتولد من الأرض كالحشرات، تتولد من الرطوبات المائية بقدرة الله.

وقد تكفل الله عز وجل بأرزاق الخلائق كلهم، البشر والحيوان، والطيور والحشرات، قويهم وضعيفهم، قادرهم وعاجزهم، يسوقهم إلى أرزاقهم، أو يسوق أرزاقهم إليهم:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)} [هود: 6].

ولا يزال الله يسخر لهذه الخلائق أرزاقها في كل وقت بوقته، ولا يمكن أن تهلك دابة من عدم الرزق، بسبب أنها خافية عليه، فهو سبحانه السميع العليم الذي لا يخفى عليه شيء:{وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60)} [العنكبوت: 60].

فسبحان خالق هذا الكون العظيم، وما فيه من المخلوقات المختلفة.

وهي مخلوقات إلى جانب منافعها، تحمل آيات وعبر، وهي مخلوقة مقدرة، مأمورة مدبرة، صغيرها وكبيرها، ذكورها وإناثها، قويها وضعيفها، كلها في قبضة الله، ونواصيها بيده، وسكنها في ملكه:{إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)} [هود: 56].

وكل فرد من هذه المخلوقات، قدر الله زمانه فلا يكون إلا فيه .. وقدر مكانه .. وقدر خطاه .. وقدر طعامه .. وقدر أجله .. وقدر كمية أفراده .. وهو محسوب كغيره من المخلوقات والأحداث العظام الضخام:{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)} [الشورى: 29].

وهذا العود الأخضر البري النابت وحده هناك في الصحراء، إنه الآخر قائم هناك بقدر، وهو طعام أعده الله للكائنات هناك.

ص: 534

الله أنبته، وهو يسوق طعامه وشرابه، وهو عبد يؤدي وظيفةً أمره الله بها، ويسبح بحمد ربه في كل حين.

وهذه النملة الساربة، وهذه الهباءة الطائرة، وهذه البهائم السائمة، وهذه الخلية السابحة في الماء، كالأفلاك والأجرام الهائلة سواء:

لها تقدير في الزمان، وتقدير في المكان، وتقدير في المقدار، وتقدير في الشكل:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)} [القمر: 49، 50].

وفي خلق الأنعام عبرة، حيث يسقي الله العباد من بطونها المشتملة على الفرث والدم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين:{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)} [النحل: 66].

وعالم النحل عالم عظيم عجيب، فقد خلق الله هذه النحلة الصغيرة، وهداها هذه الهداية العجيبة، ويسر لها المراعي، ثم أرجعها إلى بيوتها التي أصلحتها بتعليم الله لها، وهدايته لها.

ثم يخرج من بطونها هذا العسل اللذيذ، مختلف الألوان بحسب اختلاف أرضها ومراعيها، فيه شفاء للناس من أمراض عديدة:{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)} [النحل: 68، 69].

فسبحان الخلاق العليم، الذي خلق كل شيء في السماء والأرض، في البر والبحر، من الجماد والنبات، والإنسان والحيوان.

وكل ناطق وصامت .. وكل متحرك وساكن .. وكل ذكر وأنثى .. وكل ماض حاضر .. وكل معلوم ومجهول .. وكل صغير وكبير .. كل ذلك مخلوق بقدر .. ومصرف بقصد .. ومدبر بحكمة.

لا شيء جزاف، ولا شيء عبث، ولا شيء مصادفة، ولا شيء ارتجال: {إِنَّا كُلَّ

ص: 535

شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)} [القمر: 49، 50] ..

فهو سبحانه لم يخلق السموات والأرض والمخلوقات الأخرى لعباً ولا لهواً، بل خلقها بالحق، وخلقهما مشتمل على الحق، ليعبد الله وحده، وليأمر الله العباد وينهاهم، ويثيبهم ويعاقبهم.

ولكن أكثر الناس لا يعلمون، لأنهم لم يتفكروا في خلق السموات والأرض وما فيهما من الخلائق:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39)} [الدخان: 38، 39].

والطيور التي تسبح في الفضاء على اختلاف ألوانها وأحجامها وطيرانها، ماذا يعرف الإنسان عنها؟.

إنها أمة عظيمة من الأمم، خلقها الله عز وجل، وهي كغيرها مظهر من مظاهر قدرته سبحانه، وأثر من آثار التدبير الإلهي اللطيف:{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19)} [الملك: 19].

فهذه الآية العظيمة التي تقع كل لحظة، تنسينا بوقوعها المتكرر ما تشي به من قدرة الله وعظمته.

فكم من طائر الآن يطير في السماء؟، وكم من طائر يلقط الحب من الأرض؟.

وكم من طائر يجمع العيدان لعشه؟، وكم من طائر يبيض؟، وكم من طير يخرج من بيضه؟، وكم من طائر يعلم فراخه ويطعمهم؟.

وجميع المخلوقات من جماد ونبات وحيوان، تسبح بحمد ربها، وكل له صلاة وعبادة بحسب حاله اللائقة به، وقد ألهمه الله تلك الصلاة والتسبيح، إما بواسطة الرسل كالجن والإنس والملائكة، وإما بإلهام منه تعالى لها كباقي المخلوقات:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)} [النور: 41].

إن تأمل هذه الطيور السابحة في الفضاء، وهي تصف أجنحتها وتقبضهما في يسر وسهولة، ومتابعة كل نوع من الطير في حركاته الخاصة به لا يمله النظر،

ص: 536

ولا يمله القلب، وهو متعة فوق ما هو مثار تفكر وتدبر في خلق الله العجيب الذي يجمع الحسن والجمال والكمال.

إن يد الرحمن تمسك بالسموات والأرض، وتمسك بكل طائر، وبكل جناح، والطائر صاف جناحيه، وحين يقبض، ويبصره ويراه وهو معلق في الفضاء.

إن صنع الله كله إبداع وإعجاز، وكل قلب، وكل جيل يدرك منه ما يطيقه، ويلحظ منه ما يراه:{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19)} [الملك: 19].

فسبحان القوي العزيز، العليم الخبير، الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

إن إمساك الطيور في الجو، كإمساك الدواب على الأرض، كإمساك الشمس والقمر، كإمساك النجوم المعلقة في الفضاء، كإمساك السموات والأرض، وكإمساك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذن الله، فالله خالقها وحده، وهو الذي يمسكها بقدرته وحده.

فسبحان العزيز الجبار، القوي القهار الذي يمسك كل هذه المخلوقات بقدرته:{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)} [فاطر: 41].

فمن هذا ملكه، وهذا خلقه، وهذه قدرته، وهذه رحمته، يجب أن يُطاع فلا يعصى، ويًشكر فلا يكفر، ويُذكر فلا ينسى:{فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (21)} [الانشقاق: 20، 21].

اللهم: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)} [الأعراف: 23].

ص: 537